الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخُصُومِ عَنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ، وَصِحَّةِ النِّيَّةِ وَالِاعْتِقَادَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْعَمَلُ فِي حَيِّزِ الْقَبُولِ، (وَثَمَرَةُ) جَمِيعِ ذَلِكَ الْفَوْزُ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ، وَالظَّفَرُ بِمَا هُوَ كَمَالٌ فِي الْكَوْنَيْنِ. فَفِي الدُّنْيَا انْتِظَامُ أَمْرِ الْمَعَاشِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْعَدْلِ وَالْمُعَامَلَةِ الَّتِي يُحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي إِبْقَاءِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إِلَى الْفَسَادِ، وَفِي الْآخِرَةِ النَّجَاةُ مِنَ الْعَذَابِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْكُفْرِ وَسُوءِ الِاعْتِقَادِ، (وَمَسَائِلُهُ) الْقَضَايَا النَّظَرِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ الِاعْتِقَادِيَّةُ، (وَاسْتِمْدَادُهُ) مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالنَّظَرِ الصَّحِيحِ.
[الفائدة الثانية المقصود من ترتيب القواعد]
(الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ) : مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْقَوَاعِدَ الْكَلَامِيَّةَ مَا رُتِّبَتْ هَذَا التَّرْتِيبَ، وَبُوِّبَتْ هَذَا التَّبْوِيبَ لِتُؤْخَذَ مِنْهَا الِاعْتِقَادَاتُ الْإِسْلَامِيَّةُ وَالْقَوَاعِدُ الدِّينِيَّةُ، بَلِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا لَيْسَ إِلَّا دَفْعَ شُبَهِ الْخُصُومِ، وَدَحْضَ نَهْجِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ، فَإِنَّهُمْ طَعَنُوا فِي بَعْضٍ مِنْهَا بِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، فَبَيَّنَ عُلَمَاءُ السُّنَّةِ بِأَنَّ زَعْمَهُمْ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الْغَلَطِ وَالذُّهُولِ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ تَأْتِي بِمُحَارَاتِ الْعُقُولِ لَا بِمُحَالِهَا، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ عُلَمَاءُ السُّنَّةِ بِالْقَوَاعِدِ الْكَلَامِيَّةِ مَعْقُولِيَّةَ مَا أَنْكَرُوا، وَزَيَّفُوا عَلَيْهِمْ مِنْ بِدَعِهِمُ الْفَظِيعَةِ وَنَزَعَاتِهِمُ الشَّنِيعَةِ مَا ابْتَكَرُوا، وَإِنَّمَا أَخَذَ أَهْلُ (السُّنَّةِ) الِاعْتِقَادَاتِ، وَاعْتَمَدُوا مِنَ الْمُعْتَقَدَاتِ، عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ الصَّرِيحَةُ، وَالْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ، وَدَرَجَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ، وَنَهَجَ إِلَيْهِ أَعْلَامُ الْأَئِمَّةِ، مِنَ الرَّعِيلِ الْأَوَّلِ وَمَنْ عَلَيْهِمْ دُونَ سِوَاهُمُ الْمُعَوَّلُ.
[الفائدة الثالثة لمعة عن أول البدع ظهورا]
(الثَّالِثَةُ) : أَوَّلُ بِدْعَةٍ ظَهَرَتْ بِدْعَةُ الْقَدَرِ، وَبِدْعَةُ الْإِرْجَاءِ، وَبِدْعَةُ التَّشَيُّعِ وَالْخَوَارِجِ، وَهَذِهِ الْبِدَعُ ظَهَرَتْ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي، وَالصَّحَابَةُ مَوْجُودُونَ، وَقَدْ أَنْكَرُوا عَلَى أَهْلِهَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَتْ بِدْعَةُ الِاعْتِزَالِ، وَلَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى النَّهْجِ الْأَوَّلِ، وَلُزُومِ ظَاهِرِ السُّنَّةِ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم إِلَى أَنْ حَدَثَتِ الْفِتَنُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْبَغْيُ عَلَى أَئِمَّةِ الدِّينِ، وَظَهَرَ اخْتِلَافُ الْآرَاءِ، وَالْمَيْلُ إِلَى الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ، وَكَثُرَتِ الْمَسَائِلُ وَالْوَاقِعِيَّاتُ، وَالرُّجُوعُ إِلَى الْعُلَمَاءِ فِي الْمُهِمَّاتِ، فَاشْتَغَلُوا بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَاسْتِنْبَاطِ النَّتَائِجِ، وَتَمْهِيدِ الْقَوَاعِدِ، وَإِنْتَاجِ الْقَضَايَا وَالْفَوَائِدِ، وَأَخَذُوا فِي
التَّبْوِيبِ وَالتَّفْصِيلِ، وَالتَّرْتِيبِ وَالتَّأْصِيلِ، فَأَسَّسَتْ فِرْقَةُ الْمُعْتَزِلَةِ قَوَاعِدَ الْخِلَافِ، وَنَهَجَتْ مَنْهَجَ الِانْحِرَافِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اعْتَزَلَ عَنْ مَجْلِسِ سَيِّدِ التَّابِعِينَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ رَئِيسُ الطَّائِفَةِ الْمُعْتَزِلَةِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: كَانَ النَّاسُ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْفَاسِقِ الْمِلِّيِّ، وَهُوَ أَوَّلُ خِلَافٍ حَدَثَ فِي الْمِلَّةِ، هَلْ هُوَ كَافِرٌ أَوْ مُؤْمِنٌ؟ فَقَالَتِ الْخَوَارِجُ: إِنَّهُ كَافِرٌ، وَقَالَتِ الْجَمَاعَةُ: إِنَّهُ مُؤْمِنٌ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: نَقُولُ إِنَّهُ فَاسِقٌ لَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ، مَنْزِلَةٌ بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ، وَخَلَّدُوهُ فِي النَّارِ، فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رضي الله عنه: اعْتَزِلُوا عَنَّا، فَاعْتَزَلُوا حَلْقَةَ الْحَسَنِ وَأَصْحَابِهِ، فَسُمُّوا مُعْتَزِلَةً، وَسَمَّوْا هُمْ أَنْفُسَهُمْ أَصْحَابَ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ، لِقَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ ثَوَابِ الْمُطِيعِ، وَعِقَابِ الْعَاصِي عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَنَفْيِ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَقَفَ عَلَى مَجْلِسِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا إِمَامُ، ظَهَرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ جَمَاعَةٌ يُكَفِّرُونَ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ - يَعْنِي بِهِمُ الْخَوَارِجَ، وَجَمَاعَةٌ يَقُولُونَ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ مَعْصِيَةٌ، كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الْكُفْرِ طَاعَةٌ - يَعْنِي بِهِمُ الْمُرْجِئَةَ، فَمَا تَعْتَقِدُهُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَأَطْرَقَ الْحَسَنُ مُفَكِّرًا فِي الصَّوَابِ، فَبَادَرَهُ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ بِالْجَوَابِ، فَقَالَ: أَنَا لَا أَقُولُ إِنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ مُؤْمِنٌ مُطْلَقًا، وَلَا كَافِرٌ مُطْلَقًا، وَقَامَ إِلَى أُسْطُوَانَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، يُقَرِّرُ مَذْهَبَهُ وَيُثْبِتُ الْمَنْزِلَةَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، وَيَقُولُ: النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: مُؤْمِنٌ، وَكَافِرٌ، وَلَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ، وَهُوَ صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ، إِذَا مَاتَ بِلَا تَوْبَةٍ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: اعْتَزَلَ عَنَّا وَاصِلٌ، فَسُمُّوا الْمُعْتَزِلَةَ لِذَاكَ، وَرَفِيقُ وَاصِلٍ فِي الِاعْتِزَالِ وَقَرِينُهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ الْمُتَكَلِّمُ الزَّاهِدُ، وَكَانَ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالزُّهْدِ وَالْوَرَعِ وَالدِّيَانَةِ عَلَى جَانِبٍ عَظِيمٍ، حَتَّى إِنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ لَمَّا سُئِلَ عَنْهُ، أَجَابَ السَّائِلَ: لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ رَجُلٍ كَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَدَّبَتْهُ، وَكَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ رَبَّتْهُ، إِنْ قَامَ بِأَمْرٍ قَعَدَ بِهِ، وَإِنْ قَعَدَ بِأَمْرٍ قَامَ بِهِ، وَإِنْ أَمَرَ بِشَيْءٍ كَانَ أَلْزَمَ النَّاسِ لَهُ، وَإِنْ نَهَى عَنْ شَيْءٍ كَانَ أَتْرَكَ النَّاسِ لَهُ، مَا رَأَيْتُ ظَاهِرًا أَشْبَهَ بِبَاطِنٍ، وَلَا بَاطِنًا أَشْبَهَ بِظَاهِرٍ مِنْهُ، انْتَهَى، وَيُرْوَى أَنَّ وَاصِلَ