الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنَا الْفَارِسُ الْحَامِي حَقِيقَةَ وَالِدِي
…
وَآلِي فَمَا تَحْمِي حَقِيقَةَ آلِكَا
وَفِي شِعْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
وَانْصُرْ عَلَى آلِ الصَّلِيـ
…
ـبِ وَعَابِدِيهِ الْيَوْمَ آلَكْ
نَعَمْ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِضَافَتِهِ إِلَى الظَّاهِرِ قَلِيلٌ. وَإِنَّمَا أَتْبَعْنَا آلَهُ عليه الصلاة والسلام لَهُ، لِمَا تَضَافَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَصَحَّتْ بِهِ الْآثَارُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ» ". إِلَى مَا لَا يُحْصَى إِلَّا بِكُلْفَةٍ.
" وَ " الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الدَّائِمَانِ الْمُتَّصِلَانِ عَلَى (صَحْبِهِ) ، اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: جَمْعٌ لَهُ، وَبِهِ جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ، فَقَالَ: وَجَمْعُ صَاحِبٍ صَحْبٌ، كَرَاكِبٍ وَرَكْبٌ. وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُرَادُ بِالصَّاحِبِ هُنَا الصَّحَابِيُّ. " الْأَبْرَارُ " جَمْعُ الْبَرِّ أَيِ الْبَارُّ، وَهُوَ الصَّادِقُ وَالْكَثِيرُ الْبِرِّ وَالصِّدْقِ فِي الْيَمِينِ، وَفِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى " الْبَرُّ " دُونَ الْبَارِّ، قَالَ الْعَلَّامَةُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِهِ (تُحْفَةِ الْعُبَّادِ) : الْبَرُّ هُوَ الْعَطُوفُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، عَمَّ بِبِرِّهِ جَمِيعَ خَلْقِهِ، فَلَمْ يَبْخَلْ عَلَيْهِمْ بِرِزْقِهِ، وَهُوَ الْبَرُّ بِأَوْلِيَائِهِ إِذْ خَصَّهُمْ بِوِلَايَتِهِ، وَاصْطَفَاهُمْ لِعِبَادَتِهِ، وَهُوَ الْبَرُّ بِالْمُحْسِنِ فِي مُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ لَهُ، وَبِالْمُسِيءِ فِي الصَّفْحِ وَالتَّجَاوُزِ عَنْهُ. وَالْأَبْرَارُ كَثِيرًا مَا يُخَصُّ بِالْأَوْلِيَاءِ وَالزُّهَّادِ وَالْعُبَّادِ وَالصَّحَابَةِ الْكِرَامِ أَفْضَلِ أَوْلِيَاءِ الْأَنَامِ، وَفِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ {وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران: 193] ، وَالصَّحَابِيُّ مَنِ اجْتَمَعَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُؤْمِنًا وَلَوْ لَحْظَةً، وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ تَخَلَّلَهُ رِدَّةٌ.
[مراتب الصحابة]
وَقَسَّمَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الصُّحْبَةَ إِلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ:
(الْأُولَى) : مَنْ كَثُرَتْ مُعَاشَرَتُهُ وَمُخَالَطَتُهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ صَاحِبُهَا إِلَّا بِهَا، فَيُقَالُ: هَذَا صَاحِبُ فُلَانٍ وَخَادِمُهُ لِمَنْ تَكَرَّرَتْ خِدْمَتُهُ، لَا لِمَنْ خَدَمَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ سَاعَةً أَوْ يَوْمًا.
(الثَّانِيَةُ) : مَنِ اجْتَمَعَ بِهِ صلى الله عليه وسلم مُؤْمِنًا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً ; لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَحِبَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ إِلَى الِاشْتِهَارِ بِهِ.
(الثَّالِثَةُ) : مَنْ رَآهُ صلى الله عليه وسلم رُؤْيَةً، وَلَمْ يُجَالِسْهُ وَلَمْ يُمَاشِهِ، فَهَذَا أُلْحِقَ بِالصُّحْبَةِ إِلْحَاقًا، وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الصُّحْبَةِ لَمْ تُوجَدْ فِي حَقِّهِ، وَلَكِنَّهَا صُحْبَةٌ إِلْحَاقِيَّةٌ حُكْمِيَّةٌ لِشَرَفِ قَدْرِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي انْطِبَاعِ طَلْعَةِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ بِرُؤْيَتِهِ إِيَّاهُمْ، أَوْ رُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ مُؤْمِنِينَ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ رُتَبُهُمْ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
وَفِي وَصْفِنَا إِيَّاهُمْ بِالْأَبْرَارِ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَذْهَبِ الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّهُمْ عُدُولٌ كُلُّهُمْ، وَلَا يُبْحَثُ عَنْ عَدَالَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، لَا فِي رِوَايَةٍ وَلَا فِي شَهَادَةٍ، وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَظْهَرْ مُعَارِضٌ كَزِنَا مَاعِزٍ، وَفِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» "، دَلِيلٌ عَلَى عَدَالَتِهِمْ، إِذْ لَوْ لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا، لَمَا حَصَلَ الِاهْتِدَاءُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ. وَعَلَى النَّاسِ ذِكْرُ مَحَاسِنِهِمْ، وَالْكَفُّ عَمَّا جَرَى بَيْنَهُمْ مِنَ الْفِتَنِ، وَيَجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ، وَظَنِّ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ أَنَّ مَا صَارَ إِلَيْهِ هُوَ الْوَاجِبُ، وَأَنَّهُ أَرْفَقُ لِلدِّينِ وَأَوْفَقُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مَأْجُورٌ، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْأُمُورِ، وَلِهَذَا وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ " مَعَادِنِ " جُمَعُ مَعْدِنٍ، وَهِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي يُسْتَخْرَجُ مِنْهَا جَوَاهِرُ الْأَرْضِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْعَدْنُ الْإِقَامَةُ، وَالْمَعْدِنُ مَرْكَزُ كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ حَدِيثُ:" «فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: نَعَمْ» . أَيْ عَنْ أُصُولِهَا الَّتِي يُنْسَبُونَ إِلَيْهَا وَيَتَفَاخَرُونَ بِهَا، أَيْ هُمْ مُسْتَقَرُّ " التَّقْوَى " وَمَوَاضِعُهَا، وَالتَّقْوَى لُغَةً الْحَجْزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَشَرْعًا التَّحَرُّزُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَنْ مُخَالَفَتِهِ وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ، وَأَصْلُ اتَّقَى اوْتَقَى ; لِأَنَّهُ مِنْ وَقَى وِقَايَةً، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ تَاءً، وَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي التَّاءِ، (مَعَ الْأَسْرَارِ) الْبَدِيعَةِ وَالْأَحْوَالِ الرَّفِيعَةِ. وَالسِّرُّ مَا اسْتَوْدَعْتَهُ لِأَخِيكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يُطْلِعَ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "«الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ إِلَّا ثَلَاثَةَ مَجَالِسٍ: سَفْكَ دَمٍ حَرَامٍ، وَفَرْجٍ حَرَامٍ، وَاقْتِطَاعَ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ: " «مَنْ سَمِعَ مِنْ رَجُلٍ حَدِيثًا لَا يَشْتَهِي أَنْ يُذْكَرَ عَنْهُ، فَهُوَ أَمَانَةٌ وَإِنْ لَمْ يَسْتَكْتِمْهُ» . وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما: يَا بُنَيَّ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِيكَ - يَعْنِي: عُمَرَ رضي الله عنه فَاحْفَظْ عَنِّي ثَلَاثًا: لَا تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا، وَلَا تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا، وَلَا يَطَّلِعَنَّ مِنْكَ فِي كَذِبَةٍ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا أَعْمَقَ النَّاسِ أَسْرَارًا، وَأَبَرَّهُمْ قُلُوبًا، وَأَعْلَاهُمْ أَنْوَارًا.