الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْأَخْبَارِ، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْأَسْرَارِ.
[صفة القدرة]
(السَّابِعَةُ) مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ (وَاقْتَدَرَ) ، جَلَّ شَأْنُهُ عَلَى إِيجَادِ الْمَوْجُودَاتِ وَخَلْقِ الْمُمْكِنَاتِ (بِقُدْرَةٍ) ، وَهِيَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ تُؤَثِّرُ فِي الْمَقْدُورَاتِ عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهَا، فَإِنَّهُ - جَلَّ شَأْنُهُ - قَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ بِاتِّفَاقِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَكَذَا الْحُكَمَاءُ، لَكِنَّ الْقُدْرَةَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ عِبَارَةٌ عَنْ صِحَّةِ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَعِنْدَ الْحُكَمَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَفْعَلْ. وَمُقَدِّمَةُ الشَّرْطِيَّةِ الْأُولَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى وُجُودِ الْعَالَمِ دَائِمُ الْوُقُوعِ، وَمُقَدِّمَةُ الشَّرْطِيَّةِ الثَّانِيَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وُجُودِ الْعَالَمِ دَائِمٌ أَنْ لَا وُقُوعَ، وَصِدْقُ الشَّرْطِيَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ صِدْقَ طَرَفَيْهَا، وَلَا يُنَافِي كَذِبَهُمَا، وَدَوَامُ الْفِعْلِ وَامْتِنَاعُ التَّرْكِ بِسَبَبِ الْغَيْرِ لَا يُنَافِي الِاخْتِيَارَ، كَمَا أَنَّ الْعَاقِلَ مَا دَامَ عَاقِلًا يُغْمِضُ عَيْنَهُ كُلَّمَا قَرَّبَ إِبْرَةً مِنْ عَيْنِهِ بِقَصْدِ الْغَمْزِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَخَلُّفٍ مَعَ أَنَّهُ يُغْمِضُهَا بِالِاخْتِيَارِ، وَامْتِنَاعُ تَرْكِ الْإِغْمَاضِ بِسَبَبِ كَوْنِهِ عَالِمًا بِضَرَرِ التَّرْكِ لَا يُنَافِي الِاخْتِيَارَ، فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ يَكُونُ عِلْمُهُ عَيْنَ ذَاتِهِ، كُلُّ هَذَا عَلَى رَأْيِ الْحُكَمَاءِ الْقَائِلِينَ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِقُدْرَتِهِ هُوَ الذَّاتُ، وَالْمُصَحِّحَ لِلْمَقْدُورِيَّةِ هُوَ الْإِمْكَانُ، فَإِذَا ثَبَتَتْ قُدْرَتُهُ عَلَى الْبَعْضِ ثَبَتَتْ عَلَى الْكُلِّ ; لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنِ الْبَعْضِ نَقْصٌ، وَهُوَ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - مُحَالٌ، مَعَ أَنَّ النُّصُوصَ قَاطِعَةٌ بِعُمُومِ الْقُدْرَةِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى:{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 120]، قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي عَقِيدَتِهِ: الدَّلِيلُ عَلَى قُدْرَتِهِ إِيجَادُهُ الْأَشْيَاءَ، وَهُوَ إِمَّا بِالذَّاتِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِلَّا لَكَانَ الْعَالَمُ وَكُلُّ مَخْلُوقَاتِهِ قَدِيمًا وَهُوَ بَاطِلٌ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ: قَدْ يُقَالُ هَذَا إِنَّمَا أُثْبِتَ بِهِ كَوْنُهُ فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ يُثْبِتُ الْإِرَادَةَ لَا يُثْبِتُ الْقُدْرَةَ، ثُمَّ قَالَ فِي إِثْبَاتِ الْقُدْرَةِ: وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُبْدِعُ لِلْأَشْيَاءِ مُجَرَّدَ ذَاتٍ عَرِيَّةٍ عَنِ الصِّفَاتِ مُسْتَلْزِمَةٍ وُجُودَ الْمَفْعُولِ، كَمَا يَقُولُهُ الْمُتَفَلْسِفَةُ الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ الْأَفْلَاكِ وَصُدُورِهَا عَنْ ذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتًا مَوْصُوفَةً بِصِفَاتٍ لَا يَجِبُ مَعَهَا وُجُودُ الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْمِلَلِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَحْدُثَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ التَّامَّةَ الْقَدِيمَةَ يَجِبُ أَنْ تَسْتَلْزِمَ مَعْلُولَهَا، فَلَا يَتَأَخَّرُ شَيْءٌ مِنْ مَعْلُولِهَا ; لِأَنَّهَا عَنِ الْأَزَلِ وَهُوَ خِلَافُ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ بِالْمُوجِبِ
بِالذَّاتِ وَتَقَدُّمِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ، وَسَوَاءٌ فَسَّرُوا الْمُوجِبَ بِذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ مُسْتَلْزِمَةٍ لِلْمُوجِبِ، أَوْ بِذَاتٍ مَوْصُوفَةٍ مُسْتَلْزِمَةٍ لِلْمُوجِبِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِكَوْنِ الْمُبْدِعِ مَلْزُومًا لِمُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ مَعَ تَأَخُّرِ بَعْضِ ذَلِكَ عَنِ الْأَزَلِ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. . . إِلَى أَنْ قَالَ: فَالصِّفَةُ الَّتِي يَصْلُحُ بِهَا الْفِعْلُ هِيَ الْقُدْرَةُ، أَوْ يُقَالُ: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُوجَبًا بِذَاتِهِ بَلْ بِصِفَةٍ، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا، فَإِنَّهُ إِمَّا مُوجَبٌ بِالذَّاتِ، وَإِمَّا فَاعِلٌ مُخْتَارٌ بِالِاخْتِيَارِ، وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا يَفْعَلُ بِالْقُدْرَةِ، إِذِ الْقَادِرُ هُوَ الَّذِي إِنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ، فَأَمَّا مَنْ يَسْتَلْزِمُهُ الْمَفْعُولُ بِدُونِ إِرَادَتِهِ، فَهَذَا لَيْسَ بِقَادِرٍ، بَلْ مَلْزُومٌ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي تَسْتَلْزِمُهُ الْحَرَكَاتُ الطَّبِيعِيَّةُ الَّذِي لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى فِعْلِهَا وَلَا تَرْكِهَا، وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الْفَاعِلِ قَادِرًا عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ. إِلَى أَنْ قَالَ: صِفَةُ الْحَيِّ تُسَمَّى قُدْرَةً، وَإِذَا كَانَتْ أَكْمَلَ مِنْ غَيْرِهَا سُمِّيَتْ قُوَّةً، قَالَ - تَعَالَى:{وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15]، وَقَدْ ذُكِرَ قَوْلُهُ:{أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15] فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَقَالَ - تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58]، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَكَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا، أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الْأَشْيَاءَ بِالْأَسْبَابِ، فَالْقُوَى الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ فِي الْحَيَوَانِ وَالْجَمَادِ هِيَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي بِهَا يُحْدِثُ الْحَوَادِثَ. قَالَ: وَمَذْهَبُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَقُدْرَتُهُ وَمَشِيئَتُهُ تَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَقْدُورِ، وَلَفْظُ الِاخْتِيَارِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ السَّلَفِ يَتَضَمَّنُ تَفْضِيلَ الْمُخْتَارِ عَلَى غَيْرِهِ، قَالَ - تَعَالَى:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68]، ثُمَّ قَالَ:{مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص: 68] ، فَذَكَرَ الِاخْتِيَارَ بَعْدَ الْمَشِيئَةِ، وَقَدْ صَارَ لَفْظُ الِاخْتِيَارِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْإِرَادَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ لَا يُرِيدُ إِلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَيَّ لَا يُرِيدُ إِلَّا مَا يَرَاهُ خَيْرًا مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَغْلَطُ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ السَّلَفَ وَالْأَئِمَّةَ وَجُمْهُورَ الْأُمَّةِ يُثْبِتُونَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ قُوًى وَقُدْرَةً تَصْدُرُ الْحَوَادِثُ عَنْهَا، فَإِثْبَاتُ الْقُدْرَةِ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْفِعْلِ مِنْ أَبَيْنِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُمْ، وَالْعِلْمُ بِذَلِكَ مِنْ أَظْهَرِ الْمَعَارِفِ وَأَجْلَاهَا، فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَقَرَّ فِي فِطَرِهِمْ أَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَكُونُ إِلَّا قَادِرًا، وَأَنَّ الْقُدْرَةَ صِفَةُ كَمَالٍ، فَإِذَا كَانَ الْمَخْلُوقُ قَوِيًّا قَادِرًا
عَلَى مَا يَفْعَلُهُ، فَالْخَالِقُ - تَعَالَى - أَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَادِرًا قَوِيًّا عَلَى مَا يَفْعَلُهُ.
وَمِنَ الْمُسْتَقِرِّ فِي الْفِطَرِ أَيْضًا أَنَّهُ إِذَا فُرِضَ الْفَاعِلُ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى الْفِعْلِ امْتَنَعَ كَوْنُهُ فَاعِلًا، وَلِهَذَا كَانَ مَنْ نَفَى أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةٌ مُؤَثِّرَةٌ كَجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَمَنِ اتَّبَعَهُمَا لَا يُسَمُّونَ الْعَبْدَ فَاعِلًا، بَلْ يَقُولُونَ هُوَ كَاسِبٌ، وَجَهْمٌ نَفْسُهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ بِقَادِرٍ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِفَاعِلٍ. وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَاعِلٍ حَقِيقَةً، بَلْ هُوَ كَاسِبٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ مُؤَثِّرَةٌ فِي الْمَقْدُورِ، وَمَذْهَبُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَعُلَمَاءِ السُّنَّةِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَالِقٌ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ مَعَ قَوْلِهِمْ إِنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ قَادِرٌ، يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَالِقُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - إِذَا خَلَقَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً تَامَّةً وَمَشِيئَةً جَازِمَةً، كَانَ هَذَا مُسْتَلْزِمًا لِخَلْقِ الْمُرَادِ الْمَقْدُورِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: مَذْهَبُ السَّلَفِ وَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي يُثْبِتُونَ الْقَدَرَ، يَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ قَادِرٌ مُخْتَارٌ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - خَالِقُ فِعْلِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] ، فَإِذَا حَقَّقَ الْعَبْدُ هَذَا الْمَقَامَ زَالَتِ الْإِشْكَالَاتُ كُلُّهَا، وَيَظْهَرُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ (ذَلِكَ وَبَيْنَ) أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ قَادِرًا مُخْتَارًا مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَهُوَ مُوجِبٌ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ مَا شَاءَهُ مِنَ الْمَقْدُورَاتِ، فَمَا شَاءَهُ وَجَبَ وُجُودُهُ، وَمَا لَمْ يَشَأِ امْتَنَعَ وُجُودُهُ، فَهُوَ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ الْمَوْصُوفَةِ بِالْمَشِيئَةِ، وَكُلُّ مَا شَاءَ فَهُوَ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ قَدِيمٌ يَقْدُمُهُ، فَإِذَا عُلِمَ هَذَا وَانْضَمَّ إِلَى مَا قَالَهُ السَّلَفُ وَجُمْهُورُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ أَنَّهُ - تَعَالَى - يَخْلُقُ الْأَشْيَاءَ بِالْأَسْبَابِ وَأَنَّهُ يَخْلُقُ بِحِكْمَةٍ، عُلِمَ بِأَنَّهُ - تَعَالَى - قَادِرٌ مُخْتَارٌ.
وَلِكَثْرَةِ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا وَكَثْرَةِ لَوَازِمِهَا قَالَ جَلَالُ الدِّينِ الدُّوَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ: الْأَوْلَى فِي إِثْبَاتِ هَذَا الْمَطْلَبِ بَلْ سَائِرِ الْمَطَالِبِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ إِرْسَالُ الرَّسُولِ عَلَيْهَا أَنْ يُتَمَسَّكَ فِيهَا بِالدَّلَائِلِ السَّمْعِيَّةِ، فَيُسْتَدَلُّ عَلَى شُمُولِ الْقُدْرَةِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20]، وَعَلَى شُمُولِ الْعِلْمِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى:{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ تَعْدَادِ السَّبْعِ صِفَاتٍ الَّتِي يُثْبِتُهَا الْمُتَكَلِّمَةُ الصِّفَاتِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ، شَرَعَ فِي ذِكْرِ مَا لَهَا مِنَ الْمُتَعَلِّقَاتِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَيَاةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ، فَقَالَ: