الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[متعلقات الصفات الثبوتية]
[متعلق القدرة]
((تَعَلَّقَتْ)) قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى الْأَزَلِيَّةُ الْقَدِيمَةُ الذَّاتِيَّةُ ((بِ)) كُلِّ ((مُمْكِنٍ)) وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُمْكِنَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبِ الْوُجُودِ وَلَا مُسْتَحِيلِ الْوُقُوعِ، وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ وَلَنْ يُوجَدَ شَيْءٌ إِلَّا بِهَا، وَقَدْ نَصَّ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ قَدِيمَةٍ، وَقُوَّةٍ شَدِيدَةٍ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ الْأَصْفَهَانِيَّةِ: الْمُمْتَنِعُ لِذَاتِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي الْخَارِجِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ لِامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْخَارِجِ وُجُودٌ أَوْ ثُبُوتٌ عِنْدَ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالثُّبُوتِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَأَحَدِ الضِّدَّيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، وَأَمَّا وُجُودُهُمَا مَعًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ هُوَ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ، وَكَذَلِكَ وُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ لَوَازِمِهِ الَّتِي يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ بِدُونِهَا هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ كَوُجُودِ الْوَلَدِ قَبْلَ وَالِدِهِ مَعَ كَوْنِهِ قَدْ وُلِدَ وَوُجُودِ الصِّفَاتِ بِدُونِ ذَاتٍ تَقُومُ بِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَ: وَمَنْ فَهِمَ هَذَا الْأَمْرَ انْحَلَّتْ عَنْهُ الْإِشْكَالَاتُ الَّتِي تُورَدُ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ فِي مَسَائِلِ الْقُدْرَةِ وَغَيْرِهَا، وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ فِيهِ الْأُمُورَ الْإِلَهِيَّةَ وَالْمَطَالِبَ الْعَلِيَّةَ أَحْسَنَ بَيَانٍ وَأَكْمَلَهُ حَيْثُ يُبَيِّنُ قُدْرَتَهُ عَلَى أَشْيَاءَ لَمْ يَفْعَلْهَا كَقَوْلِهِ {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا - وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} [البقرة: 13 - 253] وَنَحْوِ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَفْعَلْ مَقْدُورَهُ وَتَبَيَّنَ أَنَّ خِلَافَ الْمَعْلُومِ مَقْدُورٌ مُمْكِنٌ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَا يَكُونُ، لِعَدَمِ مَشِيئَةٍ لَهُ وَهُوَ لَا يَشَاؤُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ فَوَاتِ حِكْمَتِهِ الَّتِي يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهَا مَعَ وُجُودِ هَذَا الْمَفْرُوضِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفُهِمَ مِنَ النَّظْمِ أَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِوَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحِيلٍ فَلَيْسَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا، وَلَا عَجَبَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ تَعَلَّقَتْ بِهِمَا لَزِمَ انْقِلَابُهُمَا جَائِزَيْنِ وَلَزِمَ صِحَّةُ تَعَلُّقِهَا بِإِعْدَامِ مَحَلِّهَا، قَالَ بَعْضُ الْأَشَاعِرَةِ: وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَالُ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى شُمُولِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى إِجْمَالًا مِثْلَ {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 284 - 2] وَتَفْصِيلًا مِثْلَ {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ - وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ - خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 44 - 2]
تَنْبِيهَانِ
" الْأَوَّلُ " صَحَّحَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّ لِلْقُدْرَةِ الْأَزَلِيَّةِ تَعَلُّقَيْنِ صُلُوحِيًّا وَهُوَ التَّعَلُّقُ الْأَزَلِيُّ بِمَعْنَى أَنَّهُ فِي الْأَزَلِ صَالِحَةٌ لِلْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ
عَلَى وَفْقِ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ بِهِمَا فِيمَا لَا يَزَالُ، وَتَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا وَهُوَ التَّعَلُّقُ الْحَادِثُ الْمُقَارِنُ لِتَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِالْحُدُوثِ الْحَالِيِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ عُلَمَائِنَا بَلْ وَكَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْقُدْرَةِ بِالْمُمْكِنِ تَعَلُّقٌ وَاحِدٌ مُغَيًّا بِغَايَةٍ مَحْدُودَةٍ مِنَ الزَّمَانِ يُوجَدُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الْمُخَصَّصِ بِالْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ الْأَزَلِيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
" الثَّانِي " مِنْ طَوَائِفِ الضُّلَّالِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ شُمُولِ الْقُدْرَةِ الْأَزَلِيَّةِ لِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ الْمَجُوسُ، قَالُوا: إِنَّهُ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَى الشُّرُورِ وَلَا خَلْقِ الْأَجْسَامِ الْمُؤْذِيَةِ، وَإِنَّمَا الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ فَاعِلٌ آخَرُ يُسَمَّى " أَهْرِمَنَ " وَمِنْهُمُ النَّظَّامُ وَأَتْبَاعُهُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، قَالُوا: إِنَّهُ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ الْجَهْلِ وَالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ وَسَائِرِ الْقَبَائِحِ.
وَمِنْهُمْ عَبَّادٌ الضَّمْرِيُّ وَأَتْبَاعُهُ قَالُوا إِنَّهُ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَى مَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ وَلَا مَا عَلِمَ أَنَّهُ يَقَعُ لِاسْتِحَالَةِ الْأَوَّلِ وَوُجُوبِ الثَّانِي، وَمِنْهُمُ الْكَعْبِيُّ وَأَتْبَاعُهُ قَالُوا إِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ مَقْدُورِ الْعَبْدِ، وَمِنْهُمُ الْجُبَّائِيُّ وَأَتْبَاعُهُ، قَالُوا: إِنَّهُ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفْسِ مَقْدُورِ الْعَبْدِ.
قَالَ الْعَلَّامَةَ الشَّيْخُ مَرْعِيٌّ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ - فِي كِتَابِهِ (رَفْعُ الشُّبْهَةِ وَالْغَرَرِ، عَمَّنْ يَحْتَجُّ عَلَى فِعْلِ الْمَعَاصِي بِالْقَدَرِ) : مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ مُتَفَرِّدٌ بِخَلْقِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَلَا خَالِقَ سِوَاهُ، وَلَا مُبْدِعَ غَيْرُهُ، وَكُلُّ حَادِثٍ فَإِنَّهُ مُحْدِثُهُ.
وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: إِنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مِنْ حَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ لَمْ يَخْلُقْهَا اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: خَلَقَهَا الَّذِينَ فَعَلُوهَا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَتْ مَخْلُوقَةً، وَلَكِنَّهَا أَفْعَالٌ مَوْجُودَةٌ لَا خَالِقَ لَهَا، وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ فِعْلُ الطَّبِيعَةِ، فَالَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ الْعِبَادَ خَلَقُوهَا، قَالُوا: إِنَّ وُقُوعَ الْأَفْعَالِ مِنَ الْعَبْدِ عَلَى وَفْقِ قَصْدِهِ وَدَاعِيَتِهِ إِقْدَامًا وَإِحْجَامًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُوجِدُهَا وَمُخْتَرِعُهَا. قَالُوا: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتِ التَّكَالِيفُ كُلُّهَا وَاقِعَةً عَلَى خِلَافِ الِاسْتِطَاعَةِ وَتَكْلِيفًا بِالْمُحَالِ، وَكَانَ لَا يَحْسُنُ مَدْحٌ وَلَا ذَمٌّ، وَلَا ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، وَهُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ وَالْعُرْفِ.
وَنُقِلَ عَنِ الْإِمَامِيَّةِ هَلْ أَفْعَالُ الْعِبَادِ خَلْقٌ لَهُمْ أَوْ خَلْقُ اللَّهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ عَنِ الزَّيْدِيَّةِ أَنَّهُمْ فِرْقَتَانِ فِرْقَةٌ تَزْعُمُ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ خَلَقَهَا وَأَبْدَعَهَا، وَفِرْقَةٌ تَزْعُمُ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا كَسْبٌ لِلْعِبَادِ أَحْدَثُوهَا