الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتِوَاءٌ يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ يَخْتَصُّ بِعَظَمَتِهِ، فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنَ اللَّوَازِمِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي يَجِبُ نَفْيُهَا كَمَا يَلْزَمُ سَائِرَ الْأَجْسَامِ، وَحَالُ هَذَا الْقَائِلِ مِثْلُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِذَا كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعٌ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا أَوْ عَرَضًا، وَكِلَاهُمَا مُحَالٌ إِذَا لَا يُعْقَلُ مَوْجُودٌ إِلَّا كَذَلِكَ.
قَالَ: وَالْقَوْلُ الْفَصْلُ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْأُمَّةُ الْوَسَطُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ اسْتِوَاءً يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، فَكَمَا أَنَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِالْعِلْمِ وَالْبَصَرِ وَالْقُدْرَةِ، وَلَا يَثْبُتُ لِذَلِكَ خَصَائِصُ الْأَعْرَاضِ الَّتِي لِلْمَخْلُوقِينَ، فَكَذَلِكَ سُبْحَانَهُ هُوَ فَوْقَ عَرْشِهِ وَلَا يَثْبُتُ لِفَوْقِيَّتِهِ خَصَائِصُ فَوْقِيَّةِ الْمَخْلُوقِينَ عَلَى الْمَخْلُوقِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
فَلِدَفْعِ هَذَا الْوَهْمِ أَشَارَ فِي النَّظْمِ لِنَفْيِ التَّحْدِيدِ، الْمُتَحَذْلِقِ بِهِ كُلُّ مُلْحِدٍ وَعَنِيدٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَإِنْ كُنْتُ لَا أَقُولُ بِهِ وَلَا أَخْتَارُهُ مَا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْآيُ وَالْأَخْبَارُ وَالْفُضَلَاءُ الْأَخْيَارُ، إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ بِلَا كَيْفٍ بَائِنٌ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، هَذَا جُمْلَةُ مَذْهَبِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، انْتَهَى.
وَالْعَجَبُ مِنَ الْقُرْطُبِيِّ حَيْثُ يَقُولُ: وَإِنْ كُنْتُ لَا أَقُولُ بِهِ وَلَا أَخْتَارُهُ، وَلَعَلَّهُ خَشِيَ مِنْ تَحْرِيفِ الْحَسَدَةِ فَدَفَعَ وَهْمَهُمْ بِذَلِكَ، قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مَرْعِيٌّ، وَبِهَذَا قَالَ الْجَمَاهِيرُ الْحَنَابِلَةُ لَكِنْ قَالُوا: اسْتَوَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ لِذَاتِهِ مِمَّا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْمُحْدَثُ، وَلَا يُشَابِهُهُ وَلَا يُمَاثِلُهُ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ كَمِّيَّةٍ، وَلَا صِفَةِ كَيْفِيَّةٍ بَلْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ.
قَالُوا وَإِلَى هَذِهِ الْإِشَارَةِ فِي حَدِيثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ - الْحَدِيثَ، وَرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ حَيْثُ قَالَ: أَوَ كُلَّمَا جَاءَنَا رَجُلٌ أَجْدَلُ مِنْ رَجُلٍ تَرَكْنَا مَا جَاءَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لِجَدَلِ هَؤُلَاءِ؟ وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَخْصُومٌ بِمِثْلِ مَا خُصِمَ بِهِ الْآخَرُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الرُّجُوعُ لِمَا قَالَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالتَّسْلِيمُ لَهُمَا.
[تنبيهات]
[التنبيه الأول خطأ الناس من جهة التأويل والقياس]
((تَنْبِيهَاتٌ))
((الْأَوَّلُ)) قَالَ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه أَكْثَرُ مَا يُخْطِئُ النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّأْوِيلِ وَالْقِيَاسِ، فَالتَّأْوِيلُ فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ، وَالْقِيَاسُ فِي الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - وَهُوَ كَمَا قَالَ: وَالتَّأْوِيلُ الْخَطَأُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَالْقِيَاسُ الْخَطَأُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي
الْمَعَانِ الْمُتَشَابِهَةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَقَدْ وَقَعَ بَنُو آدَمَ فِي عَامَّةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّلَالَاتِ حَتَّى آلَ الْأَمْرُ بِمَنْ يَدَّعِي التَّحْقِيقَ وَالتَّوْحِيدَ وَالْعِرْفَانَ مِنْهُمْ إِلَى أَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ وُجُودُ الرَّبِّ بِوُجُودِ كُلِّ مَوْجُودٍ، وَهَذَا غَايَةُ الضَّلَالِ وَالْهَذَيَانِ.
ثُمَّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ -: مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ عَنْ رَبِّهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ سَوَاءٌ عَرَفْنَا مَعْنَاهُ أَوْ لَمْ نَعْرِفْ، لِأَنَّهُ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، فَمَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ الْإِيمَانُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ، وَكَذَلِكَ مَا ثَبَتَ بِاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا، مَعَ أَنَّ هَذَا الْبَابَ يُوجَدُ عَامَّتُهُ مَنْصُوصًا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَمَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، فَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَلْ وَلَا لَهُ أَنْ يُوَافِقَ أَحَدًا عَلَى إِثْبَاتٍ لَفْظٍ أَوْ نَفْيِهِ، حَتَّى يَعْرِفَ مُرَادَهُ، فَإِنْ أَرَادَ حَقًّا قُبِلَ، وَإِنْ أَرَادَ بَاطِلًا رُدَّ، وَإِنِ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ لَمْ يُقْبَلْ مُطْلَقًا وَلَمْ يُرَدَّ جَمِيعُ مَعْنَاهُ، بَلْ يُوقَفُ اللَّفْظُ، وَيُفَسَّرُ الْمَعْنَى.
قَالَ: كَمَا تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الْجِهَةِ، فَلَفْظُ الْجِهَةِ قَدْ يُرَادُ بِهِ شَيْءٌ مَوْجُودٌ غَيْرُ اللَّهِ، فَيَكُونُ مَخْلُوقًا كَمَا إِذَا أُرِيدَ بِالْجِهَةِ نَفْسُ الْعَرْشِ، أَوْ نَفْسُ السَّمَاوَاتِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا إِذَا أُرِيدَ بِالْجِهَةِ مَا فَوْقَ الْعَالَمِ وَالْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّصِّ إِثْبَاتُ لَفْظِ الْجِهَةِ وَلَا نَفْيُهُ كَمَا فِيهِ إِثْبَاتُ الْعُلُوِّ وَالِاسْتِوَاءِ وَالْفَوْقِيَّةِ وَالْعُرُوجِ إِلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ مَا ثَمَّ مَوْجُودٌ إِلَّا الْخَالِقُ وَالْمَخْلُوقُ، وَالْخَالِقُ مُبَايِنٌ لِلْمَخْلُوقِ سبحانه وتعالى، لَيْسَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ، وَلَا فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، فَيُقَالُ لِمَنْ نَفَى أَتُرِيدُ بِالْجِهَةِ أَنَّهَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ مَخْلُوقٌ فَاللَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْمَخْلُوقَاتِ، أَمْ تُرِيدُ بِالْجِهَةِ مَا وَرَاءَ الْعَالَمِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ بَائِنٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ.
وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ اللَّهُ فِي جِهَةٍ أَتُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ، أَوْ تُرِيدُ بِهِ أَنَّ اللَّهَ دَاخِلٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَإِنْ أَرَدْتَ الْأَوَّلَ فَهُوَ حَقٌّ، وَإِنْ أَرَدْتَ الثَّانِيَ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْمُتَحَيِّزِ إِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ اللَّهَ تَحُوزُهُ الْمَخْلُوقَاتُ، فَاللَّهُ أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ، قَدْ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: