الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[التنبيه الثالث ذم الخوض في الكلام]
- الثَّالِثُ -
قَدْ ذَمَّ السَّلَفُ الصَّالِحُ الْخَوْضَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وَالتَّقَصِّيَ وَالتَّدْقِيقَ فِيمَا زَعَمُوا أَنَّهُ قَضَايَا بُرْهَانِيَّةٌ، وَحُجَجٌ قَطْعِيَّةٌ يَقِينِيَّةٌ، وَقَدْ شَحَنُوا ذَلِكَ بِالْقَضَايَا الْمَنْطِقِيَّةِ، وَالْمَدَارِكِ الْفَلْسَفِيَّةِ، وَالتَّخَيُّلَاتِ الْكَشْفِيَّةِ، وَالْمَبَاحِثِ الْقِرْمِطِيَّةِ. وَكَانَ أَئِمَّةُ الدِّينِ مِثْلَ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَالْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، وَبِشْرٍ الْحَافِي، يُبَالِغُونَ فِي ذَمِّ الْكَلَامِ وَفِي ذَمِّ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَتَضْلِيلِهِ، حَتَّى أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ خَامِسَ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ قَالَ يَوْمًا: بَلَغَنِي أَنَّ بِشْرًا الْمَرِيسِيَّ يَقُولُ: إِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، وَلِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ أَظْفَرَنِي بِهِ اللَّهُ لَأَقْتُلَنَّهُ قِتْلَةً مَا قَتَلْتُهَا أَحَدًا. فَأَقَامَ بِشْرٌ مُتَوَارِيًا أَيَّامَ الرَّشِيدِ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَهَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ فُورَكٍ، وَيَذْكُرُهَا الرَّازِيُّ فِي (تَأْسِيسِ التَّقْدِيسِ) ، وَيُوجَدُ مِنْهَا فِي كَلَامِ غَالِبِ الْمُتَكَلِّمَةِ مِنَ الْجَبَّائِيِّ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ، هِيَ بِعَيْنِهَا التَّأْوِيلَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الدَّارِمِيُّ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ أَحَدُ مَشَاهِيرِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ فِي زَمَنِ الْبُخَارِيِّ فِي الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ (رَدُّ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ عَلَى الْكَاذِبِ الْعَنِيدِ فِيمَا افْتَرَى عَلَى اللَّهِ مِنَ التَّوْحِيدِ) ، فَحَكَى هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ بِأَعْيَانِهَا عَنْ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ بِكَلَامٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَرِيسِيَّ أَقْعَدُ بِهَا وَأَعْلَمُ بِالْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ اتَّصَلَتْ إِلَيْهِمْ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَئِمَّةُ الْهُدَى عَلَى ذَمِّ الْمَرِيسِيَّةِ، وَأَكْثَرُهُمْ كَفَّرُوهُمْ وَضَلَّلُوهُمْ، وَذَمُّوا الْكَلَامَ وَأَهْلَهُ بِعِبَارَاتٍ رَادِعَةٍ، وَكَلِمَاتٍ جَامِعَةٍ.
قَالَ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ (الْحُجَّةِ عَلَى تَارِكِ الْمَحَجَّةِ) بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا ارْتَدَى بِالْكَلَامِ فَأَفْلَحَ. وَلَمَّا كَلَّمَهُ حَفْصٌ الْفَرْدُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، قَالَ: لَأَنْ يُبْتَلَى الْعَبْدُ بِكُلِّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ خَلَا الشِّرْكَ بِاللَّهِ عز وجل، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُبْتَلَى بِالْكَلَامِ. وَقَالَ: حُكْمِي فِي أَصْحَابِ الْكَلَامِ أَنْ يُصْفَعُوا وَيُنَادَى بِهِمْ فِي الْعَشَائِرِ وَالْقَبَائِلِ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ، وَأَخَذَ فِي الْكَلَامِ. وَقَالَ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَلَيْكُمْ بِالسُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَمَا يَنْفَعُكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَالْخَوْضَ وَالْمِرَاءَ، فَإِنَّهُ لَا يُفْلِحُ مَنْ أَحَبَّ الْكَلَامَ. وَقَالَ
فِي عُلَمَاءِ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الْمُتَكَلِّمَةِ: لَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُجَالِسَهُمْ وَلَا يُخَالِطَهُمْ وَلَا يَأْنَسَ بِهِمْ، فَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ الْكَلَامَ لَمْ يَكُنْ آخِرُ أَمْرِهِ إِلَّا إِلَى الْبِدْعَةِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ لَا يَدْعُوهُمْ إِلَى خَيْرٍ، فَلَا أُحِبُّ الْكَلَامَ وَلَا الْخَوْضَ وَلَا الْجِدَالَ، عَلَيْكُمْ بِالسُّنَنِ وَالْفِقْهِ الَّذِي تَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَدَعُوا الْجِدَالَ وَكَلَامَ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْمِرَاءِ، أَدْرَكْنَا النَّاسَ وَمَا يَعْرِفُونَ هَذَا وَيُجَانِبُونَ أَهْلَ الْكَلَامِ.
وَقَالَ رضي الله عنه: مَنْ أَحَبَّ الْكَلَامَ لَمْ يُفْلِحْ، عَاقِبَةُ الْكَلَامِ لَا تَئُولُ إِلَى خَيْرٍ، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْفِتَنِ، وَسَلَّمَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ مِنْ ذَمِّ الْكَلَامِ وَأَهْلِهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ عُلَمَاءِ السَّلَفِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ، يَسْأَلُهُ عَنِ الْقُرْآنِ وَالْقَدَرِ، فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رضي الله عنه لِلرَّجُلِ: لَعَلَّكَ مِنْ أَصْحَابِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، لَعَنَ اللَّهُ عَمْرًا، فَإِنَّهُ ابْتَدَعَ هَذِهِ الْبِدْعَةَ مِنَ الْكَلَامِ، وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ عِلْمًا لَتَكَلَّمَ بِهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ رضي الله عنهم كَمَا تَكَلَّمُوا فِي الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ، وَلَكِنَّهُ بَاطِلٌ يَدُلُّ عَلَى بَاطِلٍ. فَهَلْ يَكُونُ أَشَدُّ مِنْ هَذَا الْإِنْكَارِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ؟ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ: سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَعَنَ اللَّهُ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ، فَإِنَّهُ مُبْتَدِعٌ. وَالنُّصُوصُ عَنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا. وَرَوَى الْإِمَامُ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ فِي كِتَابِهِ (الْعَرْشِ) بِسَنَدِهِ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الْقَيْرَوَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْأُسْتَاذَ أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيَّ، يَقُولُ: يَا أَصْحَابَنَا، لَا تَشْتَغِلُوا بِالْكَلَامِ، فَلَوْ عَرَفْتُ أَنَّ الْكَلَامَ يَبْلُغُ بِي إِلَى مَا بَلَغَ مَا اشْتَغَلْتُ بِهِ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدَّسِيمِيُّ قَالَ: حَكَى لَنَا الْإِمَامُ أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَقِيهُ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى الْإِمَامِ أَبِي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيِّ نَعُودُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَأُقْعِدَ فَقَالَ لَنَا: اشْهَدُوا عَلَيَّ أَنِّي قَدْ رَجَعْتُ عَنْ كُلِّ مَقَالَةٍ قُلْتُهَا، أُخَالِفُ فِيهَا السَّلَفَ الصَّالِحَ، وَأَنِّي أَمُوتُ عَلَى مَا يَمُوتُ عَلَيْهِ عَجَائِزُ نَيْسَابُورَ. قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: قُلْتُ: هَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ: عَلَيْكُمْ بِدِينِ الْعَجَائِزِ - يَعْنِي: أَنَّهُنَّ مُؤْمِنَاتٌ بِاللَّهِ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يَدْرِينَ مَا عِلْمُ الْكَلَامِ. قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا أَبُو الْفَتْحِ الْقُشَيْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ:
تَجَاوَزْتُ حَدَّ الْأَكْثَرِينَ إِلَى الْعُلَى وَسَافَرْتُ وَاسْتَبْقَيْتُهُمْ فِي الْمَفَاوِزِ وَخُضْتُ بِحَارًا لَيْسَ يُدْرَكُ قَعْرُهَا وَسَيَّرْتُ نَفْسِي فِي فَسِيحِ الْمَفَاوِزِ وَلَجَّجْتُ فِي الْأَفْكَارِ ثُمَّ تَرَاجَعَ اخْـ ـتِيَارِي إِلَى اسْتِحْسَانِ دِينِ الْعَجَائِزِ
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي رِسَالَتِهِ الْحَمَوِيَّةِ: وَقَدْ أَخْبَرَ الْوَاقِفُ عَلَى نِهَايَاتِ إِقْدَامِ الْمُتَكَلِّمَةِ بِمَا انْتَهَى إِلَيْهِ مِنْ مَرَامِهِمْ:
لَعَمْرِي لَقَدْ طُفْتُ الْمَعَاهِدَ كُلَّهَا
…
وَسَيَّرْتُ طَرْفِي بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَالِمِ
فَلَمْ أَرَ إِلَّا وَاضِعًا كَفَّ حَائِرٍ
…
عَلَى ذَقَنٍ أَوْ قَارِعًا سِنَّ نَادِمِ
وَقَوْلُ بَعْضِ رُؤَسَائِهِمْ:
نِهَايَةُ إِقْدَامِ الْعُقُولِ عِقَالُ
…
وَأَكْثَرُ سَعْيِ الْعَالَمِينَ ضَلَالُ
وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا
…
وَغَايَةُ دُنْيَانَا أَذًى وَوَبَالُ
وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمُرِنَا
…
سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَيَقُولُ الْآخَرُ مِنْهُمْ: لَقَدْ خُضْتُ الْبَحْرَ الْخِضَمَّ، وَتَرَكْتُ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَعُلُومَهُمْ، وَخُضْتُ فِي الَّذِي نَهَوْنِي عَنْهُ، وَالْآنَ إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ فَالْوَيْلُ لِفُلَانٍ، وَهَا أَنَا ذَا أَمُوتُ عَلَى عَقِيدَةِ أُمِّي. وَيَقُولُ الْآخَرُ مِنْهُمْ: أَكْثَرُ النَّاسِ شَكًّا عِنْدَ الْمَوْتِ أَصْحَابُ الْكَلَامِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: ثُمَّ إِذَا حُقِّقَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُمْ مِنْ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ بِاللَّهِ وَخَالِصِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ خَبَرٌ، وَلَمْ يَقَعُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَيْنٍ وَلَا أَثَرٍ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَنْبَاءِ قَطْرَةٌ مِنْ بَحْرٍ لُجِّيٍّ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ قُلْتَ: إِذَا كَانَ عِلْمُ الْكَلَامِ بِالْمَثَابَةِ الَّتِي ذَكَرْتَ، وَالْمَكَانَةِ الَّتِي عَنْهَا بَرْهَنْتَ، فَكَيْفَ سَاغَ لِلْأَئِمَّةِ الْخَوْضُ فِيهِ، وَالتَّنْقِيبُ عَمَّا يَحْتَوِيهِ؟ ثُمَّ إِنَّكَ أَتَيْتَ مَا عَنْهُ نَهَيْتَ، وَحَرَّرْتَ مَا عَنْهُ نَفَّرْتَ، وَهَلْ هَذَا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ إِلَّا مُدَافَعَةٌ، وَجَمْعٌ لِلشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ بَيْنَهُمَا تَمَامُ الْمُمَانَعَةِ، قُلْتُ: إِنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ وَهَلَكُ مِنَ التَّمَانُعِ لَمُمْتَنِعٌ، وَمَا سَنَحَ فِي خَلَدِكَ مِنَ التَّدَافُعِ لَمُنْدَفِعٌ، بَلِ الْعِلْمُ الَّذِي نَهَيْنَا عَنْهُ غَيْرُ الَّذِي أَلَّفْنَا فِيهِ. وَالْكَلَامُ الَّذِي حَذَّرْنَا مِنْهُ غَيْرُ الَّذِي صَنَّفَ فِيهِ كُلُّ إِمَامٍ وَحَافِظٍ وَفَقِيهٍ. فَعِلْمُ الْكَلَامِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ هُوَ الْعِلْمُ الْمَشْحُونُ بِالْفَلْسَفَةِ وَالتَّأْوِيلِ، وَالْإِلْحَادِ وَالْأَبَاطِيلِ، وَصَرْفِ
الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ عَنْ مَعَانِيهَا الظَّاهِرَةِ، وَالْأَخْبَارِ النَّبَوِيَّةِ عَنْ حَقَائِقِهَا الْبَاهِرَةِ، دُونَ عِلْمِ السَّلَفِ وَمَذْهَبِ الْأَثَرِ، وَمَا جَاءَ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ وَصَحِيحِ الْخَبَرِ، فَهَذَا لَعَمْرِي تِرْيَاقُ الْقُلُوبِ الْمَلْسُوعَةِ بِأَرَاقِمِ الشُّبُهَاتِ، وَشِفَاءُ الصُّدُورِ الْمَصْدُوعَةِ بِتَرَاجِمِ الْمُحْدَثَاتِ، وَدَوَاءُ الدَّاءِ الْعُضَالِ، وَبَازْهَرُ السُّمِّ الْقَتَّالِ، فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ، أَوْ عَيْنُ فَرْضٍ عَلَى كُلِّ نَبِيهٍ، وَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي تَعْقِدُ عَلَيْهِ الْخَنَاصِرُ لِدَحْضِ حُجَّةِ كُلِّ مُتَحَذْلِقٍ وَسَفِيهٍ. فَزَالَ هَذَا الْإِشْكَالُ، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْإِفْضَالِ.