الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» " وَ " «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» " فَجَزْمُهُ بِأَنَّهُ فِعْلُ الْخَمْسِ بِلَا نَقْصٍ كَمَا أَمَرَ كَجَزْمِهِ بِإِيمَانِهِ فَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208] أَيْ فِي الْإِسْلَامِ كَافَّةً أَيْ فِي جَمِيعِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -: وَتَعْلِيلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ فِي اسْمِ الْإِيمَانِ يَجِيءُ فِي اسْمِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا أُرِيدَ بِالْإِسْلَامِ الْكَلِمَةُ فَلَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِيمَانِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَلَمَّا كَانَ كُلُّ مَنْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ صَارَ مُسْلِمًا مُتَمَيِّزًا عَنِ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ الَّتِي تَجْرِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَانَ هَذَا مِمَّا يَجْزِمُ بِهِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ فِيهِ. قُلْتُ: وَالزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ يَتَرَتَّبَانِ عَلَى ذَلِكَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَقَدْ عَلِمْتَ مَا عَلَيْهِ السَّلَفُ وَأَئِمَّةُ الدِّينِ وَهُوَ اعْتِقَادُ الطَّائِفَةِ الْأَثَرِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ بِلَا مَيْنٍ وَلِهَذَا قَالَ:
[لا يقال الإيمان مخلوق ولا غير مخلوق]
((نُتَابِعُ الْأَخْيَارَ مِنْ أَهْلِ الْأَثَرِ
…
وَنَقْتَفِي الْآثَارَ لَا أَهْلَ الْأَشْرِ))
((وَلَا نَقُلْ إِيمَانُنَا مَخْلُوقُ
…
وَلَا قَدِيمٌ هَكَذَا مَطْلُوقُ))
((فَإِنَّهُ يَشْمَلُ لِلصَّلَاةِ
…
وَنَحْوِهَا مِنْ سَائِرِ الطَّاعَاتِ))
((فَفِعْلُنَا نَحْوُ الرُّجُوعِ مُحْدَثُ
…
وَكُلُّ قُرْآنٍ قَدِيمٌ فَابْحَثُوا))
((نُتَابِعُ)) فِي اعْتِقَادِنَا الْجَازِمِ وَسَيْرِنَا الْحَازِمِ ((الْأَخْيَارَ مِنَ)) الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَأَئِمَّةِ ((أَهْلِ الْأَثَرِ)) عَلَى نَهْجِ سَيِّدِ وَلَدِ عَدْنَانَ عَلَى مُقْتَضَى مُحْكَمِ الْقُرْآنِ ((وَنَقْتَفِي)) أَيْ نَتَّبِعُ يُقَالُ قَفَوْتُهُ قَفْوًا اتَّبَعْتُهُ كَتَقَفَّيْتُهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَفِي النِّهَايَةِ يُقَالُ قَفَوْتُه وَقَفَّيْتُهُ، وَاقْتَفَيْتُهُ إِذَا تَبِعْتُهُ وَاقْتَدَيْتُ بِهِ
((الْآثَارَ)) الْمَأْثُورَةَ عَنِ الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ، وَالنَّبِيِّ الْمُرْسَلِ، وَالصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ مِنْ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَالْعِرْفَانِ بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ وَالْمَعْنَى الصَّرِيحِ، فَهُمْ أَهْلُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ وَأَحَقُّ النَّاسِ بِالْإِصَابَةِ وَالْهِدَايَةِ،
فَمَهْمَا بَذَلْنَا مَجْهُودَنَا فِي النَّظَرِ، وَالتَّحْرِيرِ لَا يَكُونُ إِلَّا دُونَ مَا سَلَكُوهُ مِنَ التَّحْقِيقِ، وَالتَّنْقِيرِ ((لَا)) نُتَابِعُ وَنَقْتَدِي وَنَنْحُو فِي سَيْرِنَا ((أَهْلَ الْأَشْرِ)) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فِرَاءٍ: الْفَرَحُ، وَالْمَرَحُ مِنْ كُلِّ مُتَحَذْلِقٍ
وَمُتَشَدِّقٍ وَمُتَعَمِّقٍ وَمُتَوَدِّقٍ مِنْ فُرُوخِ الْجَهْمِيَّةِ وَشُيُوخِ الْمُرْجِئَةِ وَأَتْبَاعِ الْكَرَّامِيَّةِ فَهُمْ فِي طَرَفٍ، وَنَحْنُ فِي طَرَفٍ فَبَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْبَوْنِ كَمَا بَيْنَ الْحَرَكَةِ، وَالسُّكُونِ.
وَلَمَّا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَذِكْرِ خِلَافِ النَّاسِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الزِّيَادَةِ، وَالنُّقْصَانِ، وَالِاسْتِثْنَاءِ خَتَمَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ بِذِكْرِ مَسْأَلَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ:((وَلَا تَقُلْ)) أَيُّهَا الْأَثَرِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ
((إِيمَانُنَا)) الَّذِي هُوَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَقْدٌ بِالْجَنَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ ((مَخْلُوقٌ)) لِدُخُولِ الْأَعْمَالِ فِيهِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الصَّلَاةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ الْقَدِيمِ، وَلِدُخُولِ الْأَقْوَالِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ، الَّتِي هِيَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى - {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] ((وَلَا)) تَقُلْ أَيُّهَا الْأَثَرِيُّ إِيمَانُنَا ((قَدِيمٌ هَكَذَا مَطْلُوقٌ)) عَنِ الْقُيُودِ لِدُخُولِ أَفْعَالِنَا مِنَ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالْقِيَامِ، وَالْقُعُودِ وَأَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، ((فَإِنَّهُ)) أَيِ الْإِيمَانَ ((يَشْمَلُ لِلصَّلَاةِ)) الْمَشْرُوعَةِ، فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا ((وَ)) يَشْمَلُ ((نَحْوَهَا)) أَيْ نَحْوَ الصَّلَاةِ ((مِنْ سَائِرِ)) أَيْ بَقِيَّةِ ((الطَّاعَاتِ)) الَّتِي يَتَقَرَّبُ الْعَبْدُ بِهَا إِلَى رَبِّهِ، وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا لِغُفْرَانِ ذَنْبِهِ وَإِنَارَةِ قَلْبِهِ، وَالطَّاعَاتُ جَمْعُ طَاعَةٍ مَأْخُوذَةٌ مِنْ طَاعَ يَطُوعُ إِذَا انْقَادَ وَهِيَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عِبَادَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا كُلُّ عِبَادَةِ، وَالْعِبَادَةُ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ اطِّرَادٍ عُرْفِيٍّ وَلَا اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ وَحِينَئِذٍ يَجِبُ التَّفْصِيلُ وَهُوَ مَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ ((فَفِعْلُنَا)) مَعْشَرَ الْخَلْقِ ((مُحْدَثٌ)) لِأَنَّهُ مُسْنَدٌ إِلَيْهِ وَمَنْسُوبٌ وَمُضَافٌ إِلَى فِعْلِهِ، وَاللَّهُ خَالِقٌ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَلِلْعَبْدِ فِعْلٌ يُنْسَبُ إِلَيْهِ وَمَنْسُوبٌ تَقَدَّمَ ((وَكُلُّ)) مَا كَانَ مِنْ ((قُرْآنٍ)) فَهُوَ ((قَدِيمٌ)) غَيْرُ مَخْلُوقٍ لِأَنَّ