المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تربية سن المراهقة - مجلة «المعرفة» السورية - جـ ٦

[عادل العوا]

الفصل: ‌تربية سن المراهقة

‌تربية سن المراهقة

للدكتور جميل محفوظ

لم نتعرض طيلة البحث إلى الناحية التربوية اللازمة. وعمدنا إلى دراسة الحوادث من الناحية النفسية كي نتمكن بعد إظهار الخطوط الأساسية والتعرف إلى بروز الشخصية من معالجة هذه الاضطرابات والسعي لتوجيه المراهقين توجيهاً بصيراً. فمعرفة مراحل المراهقة وسبر غور نفسية الناشئ تخفف من حدة الأزمة ولا شك. وعلى العكس فإن جهلها يزيد في تعقيدها. يجب إذن أن نبتعد عن الوقوع في الوقوع في الخطأ وعن الضغط على الحرية الفردية ونسعى لمعاملة كل مراهق حسب ما يقتضيه الظرف؟ إذ لكل واحد منهم خصائص فردية تحتاج إلى معالجته على حدة. ومن الضروري أن ننبه الأفكار بأن هذه الدراسات رغم عمقها وكثرتها لم تنته بعد ولم تعط إلا نتائج وقتية خاضعة للتبديل وللتحوير.

ومما لا شك فيه أن ثورة المراهق تظهر جليا للوالدين وللأستاذ، فما عليهم إلا الفهم، الفهم، والفهم حقا، عوضاً عن الخوف والاضطراب. لأن المراهقة تسبب مصادمة بين الراشد والناشئ، وينتج عدم الفهم زيادة في حدة الأزمة وزيادة في المشاحنة. ولقد لوحظ بأن الأقرباء والأساتذة من حيث العموم يعاملون المراهقين في سن الثورة النفسية كرجال أو كأطفال، ناسين أنهم مراهقين، لا يمكن معاملتهم كرجال لأنهم بأن يكونوا مثل سائر الرجال بل يختلفون عنهم. ولا يمكن معاملتهم كأطفال لشعورهم بقيمة شخصية كبيرة يرفضون معها الانقياد إلى أوامر الراشد.

والنتيجة فالعامل الأساسي في كسب ثقة الشباب هو فهم نفسيتهم ومخاطبتهم باللغة التي يأنسون بها، واحترام مثلهم العليا وحماستهم دون قسرهم على قبول وجهات نظرنا.

ولا نريد من ذلك أن يعمد الراشد إلى النزول إلى مستواهم لدرجة لينسى نعها أنه رجل، ثم يقبل لوجهات نظرهم، إنما نريد أن يظهر شخصية قوية. وحزما، وتفوقا في جميع الميادين. وبهذا يكون المثال الحي الذي يقتدى به بمجرد اختيار ورغبة، لا يعامل الضغط والقسوة. ويكفيه أيظهر عطفا على آراء بعض الطلاب لا لأنها أقوى من آرائه وأحصف، بل لأنها ملكهم ومن منتجات تفكيرهم. ولقد ذكر العالم مندوس: بأن ملاحظات الأستاذ

ص: 62

المخلص لطلابه والذي يفهمهم حق الفهم هي برد وسلام مهما كانت قاسية وعنيفة.

ولقد بين ستانلي هول بأن مهمة المربي هي إكساب المراهق معرفة أسرار الحياة لا حشو دماغه بالمعارف. ولا شك بأن هذا المبدأ التربوي هو أساس التربية الحديثة، ويشتق عن قول مونتن: بأن الدماغ الناضج خير من الدماغ المثقل بالمعلومات.

هذا وأننا أمام أزمة المراهقة نتساءل عما إذا كان من الضروري كبتها، أم تشجيعها، أم الوقوف على الحياد؟

والحقيقة فإن كل مفهوم تربوي ينبثق عن فلسفة، أو عن مبادئ أخلاقية، أو عن مجموعة فكر اجتماعية، ولا يمكننا مناقشة جميع الآراء في هذا الصدد، إنما نرى من الضروري الاستفادة من دراستنا اللازمة كي نقبل بوجهة نظر حيادية.

ولقد تبين معنا بأن هذه الأزمة هي ثورة لابد منها وهي مرحلة من الحياة ضرورية، ليتوصل معها الشاب إلى الشعور بشخصيته، وإلى تحديد اتجاهاته، وإلى فهم المحيط وإلى الاندماج فيه. لذا علينا أن نقبل بوجودها، ونحاول فهم نفسية المراهقين دون أن نتعرض إلى المداخلة في أسرارهم، وقد يحدث أن يأتي إلينا بعضهم بعد أن تكسب ثقتهم ليفتحوا لنا كوامن صدورهم، ويطلعونا على ما يقض مضاجعهم.

وإذا اعتمدنا على الحوادث المهمة التي حللناها حتى الآن يمكن أن نقسم التربية الخاصة بسن الأزمة إلى أربعة قضايا:

1_

ماذا نعمل أمام ثورة الشباب؟

2_

كيف يمكننا تقدير القيمة الخاصة بهذه الفترة من الحياة؟

3_

ما هي الاحتياطات التي يجب أخذها؟

4_

خير الوسائل التي تساعدنا على تكييفه مع المحيط.

1_

إن هذه الثورة تزعجنا جداً لأنها تبعد الشاب عن المألوف وتجعله عنصر شغب، لا يحترم الراشد، ولا يأبه بالنظام. لذا نضطر إلى مجابهته بالعنف طالبين منه أن يتمسك بالآداب وأن لا يشد عن المعتاد، ناسين أن للطلاب الحق القطعي في بقائهم شبابا، وعلينا أن نحترم إلى أقصى حد شخصياتهم وطرقهم في التفكير. لأن هؤلاء الشباب هم في بدء فهمهم لقواهم الكامنة، ويجب أن لا نقتلها في المهد. وإذا ما بدرت منهم شذوذ فهي في

ص: 63

غالب الأحيان وقتية وتضمحل مع انحلال الأزمة. وقد لاحظ كثير من الأساتذة بأن بعض طلابهم يمرون من طور غريب إلى آخر أعزب منه ثم تتلاشى هذه الحالات، ولا يبقى لها أثر.

فيجب إذن - عوضاً عن مجازاة الطالب الذي يذهب للتدخين في زاوية من زوايا المدرسة، أو يشيح بوجهه عن أساتذته في الطريق كي لا يلقي عليهم السلام أن نستفيد من هذه الفترة المندفعة والناشئة، ونوجهه - بعد تطبيق العقاب الملائم - نحو الحياة الداخلية ليصلح نفسه بنفسه بعد تأمل وتفكير، أو نوجهه نحو العمل المنتج المبدع.

ولا يغرب عن البال بأنه من المستحيل إبعاد المراهق عن كل اصطدام مع المحيط، لأننا بذلك نقتل فيه كل حيوية، ونحرمه من كل تجربة، هو بأشد الحاجة إليها ليتمكن من معرفة قواه، وليتعرف على المحيط الذي يعيش فيه. يجب أن نترك له المجال لكتابة ما يفكر به إذ نعلم مدى احترام المراهقين لفكرهم. ونرى في غالب الأحيان أخطاء كبيرة، وانحرافات صريحة في كتاباتهم يجب أن تكون نقطة البدء فنصححها عوضاً عن فرض وجهة نظرنا، وإهمال وجهات نظرهم.

وأخيرا فإن ملاحظة المراهق والأعمال الغريبة التي يقوم بها تقدم للمربي فائدة أخرى مهمة، إذ يمكن أن يرى، من وراء المظاهر المختلفة، الاتجاه الذي يسير فيه الناشئ.

2_

هل تسمح للشاب تقدير قيمته؟ لا شك في ذلك، إذ من الضروري أن يتعرف إلى قيمته بالنظر لغيره من أفراد المجتمع، وينمو لديه الشعور بالشرف، ذلك الشعور الذي هو عنصر هام من عناصر الفضيلة.

3_

الاحتياطات التي يجب أخذها - يظن بأن كثرة الدراسات والمطالعات هي خير معين للطالب في أزمته. إنه لظن خاطئ، لأنها تخنق الشعور بالذات.

ولا تترك المجال للشخصية الناشئة للتكون والنمو. بل على العكس يحتاج المراهق إلى كثير من التسلية والراحة. ولا شك بأن كثرة المواد الدرسية وتكثف البرامج هي وسائل ترفضها التربية الحديثة ويشكو منها مربُّو العالم أجمع. فإذا كان التعليم في أكثر بلاد العالم بعيداً عما يرغبه علماء النفس والتربية فما ذلك إلا لأن أذهان القائمين على الأمر لا تزال متجهة نحو النمو العقلي، وضرورة تلقي أكبر كمية ممكنة من المعلومات، مبتعدين عن

ص: 64

الغاية الأساسية للتربية، ألا وهي - تكون أشخاص يملكون توازنا وانسجاماً تاماً بين القوى المختلفة للإنسان، قوى عقلية وروحية، وأخلاقية، وجسمية.

يجب أن نحتاط كثيراً عندما نريد توجيه شاب انتابته الأزمة لأنه يقوم بأعماله خاضعا لهزات عنيفة فجائية، فيميل بشغف إلى أمر ثم ينحرف عنه، وينتقل إلى غيره، وهذا ما يهيب بنا إلى القول بضرورة فحص الميول من قبل الراشد ومعرفة ما هو قوي منها وما هو ضعيف، ما هو دائم وما هو وقتي، أي معرفة الذوق الحقيقي للمراهق ثم تقويته وتوجيهه. وما الاختبارات الخاصة من اكتشاف قابليات الفتيان إلا مساعد كبير للمربين.

وإذا أردنا أن نحدد السن الذي يسمح فيه للمراهق اختيار المهنة أو الاتجاه الحقيقي الذي يتلاءم مع مواهبه نقول هو سن التاسعة عشرة أو العشرين. أي حينما يخرج من أزمته ويكون قد تقلب من ميول وقتية مختلفة ثم تركها ليحقق نهائيا ما تدفعه إليه قابلياته الحقة والدائمة. إن هذا الأمر صعب ولا يتسنى إلا لقسم ضئيل من أبناء الأمة.

4_

هل يمكننا الاستفادة من الأزمة كي نهيئ دخول الشاب في المجتمع وقبوله تقاليده ونواميسه؟ لا شك في ذلك. نحن نعلم أنه يثور في أزمته على المحيط ونعلم أيضاً بأنه يسعى للتأثير فيه. فهو حانق من جهة وراغب من جهة ثانية في إصلاحه وتحقيقه مثله العليا، وهذا الميل يساعدنا على تقريبه من المحيط والاندماج به.

ولذا يجب أن يكون المراهق حرا في أعماله، شاعراً بالمسؤولية الملقاة على عاتقه يقوم بأعمال تامة تؤدي إلى نتائج فعلية، ونبعده عن العمل لأمور لا توصله إلى نتائج حقيقية. ولا يكون ذلك إلا بخلق محيط خاص للشباب يعملون فيه بحرية تامة ويعتمدون على تشبثهم الشخصي. يمكن أن نجعل من المدرسة المحيط الملائم بإشراك الطلاب في إدارة بعض الأعمال المدرسية، والثقة بكفاءاتهم، فيأنسون بالراشد ويتعاونون معه وتصبح الثقة متبادلة.

إن المحيط الذي نريده للشباب هو جمعيات المراهقين للرياض البدنية والسباحة وخاصة للقيام بالأعمال الكشفية، إذ يعيش الكشافون - في غالب الأحيان - في الحقول والغابات، أو على شواطئ البحار والأنهار أو في الأماكن الجبلية أي يعيشون في الهواء الطلق في حضن الطبيعة معتمدين على وجوههم الشخصية وعلى حرية العمل، يقرءون في كتاب

ص: 65

الطبيعة الجميل ما لا يرونه في بطون الكتب، فتنمو لديهم المسؤولية - ولذا فإنهم يشبعون ميلهم نحو الغريب، ويحققون ما لا يمكن تحقيقه في مجتمع يحيا أفراده حياة جدية ينقص المخيم وسائل الراحة غير أنه - أي المخيم - من صنع الشباب أنفسهم.

لا تشبع الكشفية فهم المراهق في حب الغريب فحسب بل هي قائمة على مبادئ أخلاقية ومثل عليا، وترغب في تكوين الفرد تكوينا تاماً فستعمل المنافسة والاعتياد على العمل المشترك وتهيئ الفتى إلى الحياة الاجتماعية.

هناك جمعيات في ألمانيا وفرنسا تجعل لكل فرد عملا خاصا به يلائم ميوله، مثلهم في ذلك مثل القرية الهندية التقليدية، إذ كان للأهلين مهنهم المتسلسلة، من عمل الأحذية إلى المنجم. كان بينهم المحاسب، والكاتب، والمستشار الحكيم الخ. . .

إن هذه الجمعيات تحقق تماما ما يصبوا إليه الناشئ من حب لكل ما هو غريب والعمل بحرية وسرور.

ولا تخلو هذه الحياة من صعوبات يجب اجتيازها مما ينمي الشخصية والإرادة ويزيد التجربة غناء ثم ينتقل المراهق من طور العمل مع رفاقه إلى العمل الفردي فيقوم برحلاته لوحده، أو مع رفيق، ويلتقي من آن لآخر مع شباب، يتعرف إليهم في الملاجئ المعدة لإيوائهم بعد السفر، وللراحة بعد التعب، فيحتك بهم وتزيد خبرته ويتكون شخصه.

رغب جماعة أن يجعلوا من منظمات الشباب بؤرات تربوية تحل محل المدرسة. ففي سنة1919 اجتمع الشباب بمؤتمر عقد في مونيخ وطالبوا فيه بإصلاحات في التعليم، يقوم بها الشباب أنفسهم: أرادوا إدخال الصداقة والتفاهم والثقة والعمل الحر. إن هذه المطاليب هي نفس المطاليب التي سمعناها من أفواه المراهقين ونفس ما توصل إليه الباحثون في استقصاءاتهم. يريد المراهقون أساتذة شبابا يتفاهمون معهم ويصبحون لهم رفاقا، وعملا مدرسيا حرا لا يتقيد بساعات الدرس ولا بتوقيف جاف لا يتبدل من أول السنة لآخرها. أي يرغبون في التربية الذاتية المعتمدة على الجهد، والتشبث الشخصي والإبداع.

إن المدارس الحديثة في إنكلترا للمربية ردي - والمدارس الألمانية (1897) للمربي لينز راعت حاجات المرهقين: فهي في الحقول، ويختلف التدريس فيها حسب الفصول، والحياة فيها حرة والعلائق بين الطلاب والأساتذة أوثق مما هي عليه قبلاً.

ص: 66

إن العالم - ذهب في إشراك الطلاب في الحياة المدرسية إلى حد بعيد كي تنمو لديهم الشخصية. وخصص للتربية البديعية أوقاتاً كثيرة. فالطلاب يعزفون على الآلات المختلفة، وينشدون مشتركين، ويمثلون الروايات ويقومون برياضات ورقص شعبي وسياحات.

وهذا التعاون الحربية الطلاب والمدرسة صعب التحقيق لأسباب عديدة، منها أن الراشد لا يتساهل إلا في ترك الصلاحيات الصغيرة إلى طلابه. ومن جهة ثانية فإن الإرادة تحتاج إلى قواعد لا غنى عنها في تسيير دفة الأمور. وهناك بعض الطلاب ممن يحاولون الهرب من المسؤولية عوضاً عن التمسك بها. وعلى كل حال فإنه من الممكن أن نشرك من الطلاب من يحب النظام ويحترمه، وممن نثق بتفانيهم في المصلحة والخدمة. فيعملون في تنظيم الجمعيات وإقامة الحفلات الرياضية والتمثيلية وشراء الكتب من الريع الذي يمكن الحصول عليه أو من الاشتراكات.

وتعتمد مدرسة - ده لاروش - على أكبر أو أبرز الطلاب لإشراكه في اجتماعات الأساتذة التي تدرس فيها أمور تتعلق بالطلبة. يمكن أن يتداول معهم أيضاً في قضايا النظام المدرسي. ولقد لوحظ بأن الشباب أو الشابات البالغين من العمر التاسعة عشرة يقدمون من الآراء الهامة ما لا يفكر بها الأساتذة مطلقاً.

أما خارج المدرسة وفي أوقات العطل الصيفية فإن المجال واسع أمام الشباب للقيام بأعمال نافعة تدر على الفرد بعض المال وتقدم للمجتمع أكبر الخدمات. لقد ساهم أكثر الطالبات والطلاب أثناء الحرب المنصرمة، في أعمال الزراعة بغية الحصول على مؤونة غذائية يستفيدون منها في الشتاء. فعمل أكثرهم في الحقول كأبسط المزارعين حصدوا الأرض، ونقلوا المياه إلى البساتين، وقطفوا الأثمار، وبهذا فقد عرفوا مدى قيمهم العملية، وتعرفوا على صعوبة الحياة، وخاصة حياة المزارع والعامل، وأحبوا الطبيعة، وامتزجوا بجماعة من طبقة اجتماعية تختلف عن محيط المدرسة، وتمكنوا من قياس قواهم وتحديد اتجاهاتهم وإظهار مواهبهم.

يمكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك فنقول بأن المهام التي قاموا بها كانت كبيرة، منها الدفاع السلبي، وإنقاذ النساء والأطفال، والشيوخ من الأنقاض التي دفنوا تحتها أثر الغارات الجوية. ولقد كان المراهقون في جميع أمم العالم - أثناء الحرب المنصرمة - العنصر

ص: 67

الفعال في الدفاع عن بلادهم ومنهم ذهبت أكثر ضحايا الحرية.

يجب أن يتعرف الشاب إلى الحياة بواسطة التجربة لا من وراء ما يلقنه الآباء والأساتذة. دون ما يمكن تحقيقه وما يجب إقصاءه والابتعاد عنه كي يصلوا إلى سن الرجولة ببرنامج واضح وموضوعي. وبذا نرى بأن الأزمة ليست مرحلة اضطراب وقتي وعقيم بل هي جوهر قابل للتحوير، وجدير بأن يقوم بنهضة جبارة في عالم الحضارة.

جميل محفوظ

ص: 68