المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌معاهد المعلمين والتربية الوطنية - مجلة «المعرفة» السورية - جـ ٦

[عادل العوا]

الفصل: ‌معاهد المعلمين والتربية الوطنية

‌معاهد المعلمين والتربية الوطنية

الدكتور جميل صليبا

الوسائل والطرق التي يجب أن تتخذ في مدارس المعلمين ومعاهدهم حتى يخرجوا قادرين على أن يجعلوا من تلاميذهم مواطنين صالحين

لمدارس المعلمين صفتان أساسيتان: جميع المواد العلمية التي يدرسها غيرهم من الطلاب ولكنهم يدرسونها من وجهة نظر معينة تمكنهم من تعليمها في المستقبل لتلاميذهم. وهم يدرسون أيضاً بعض المواد المهنية كعلم التربية العام وأصول التدريس وعلم النفس التربوي وتاريخ التربية وغيرها.

ويخصصون وقتاً كافياً لملاحظة الأطفال والتمرين على إلقاء الدروس في المدارس الابتدائية. على أن مدارس المعلمين لا تحقق الغاية المرجوة منها إلا إذا أخذت ببعض الطرق والوسائل التي تكسب طلابها صفات حسية وفكرية وخلقية تعينهم على النجاح في مهام التربية والتعليم التي سيعهد إليهم فيها وتعدهم لتربية مواطنيهم صالحين يفهمون حقوقهم وواجباتهم ويحبون بلادهم.

وهذه الطرق والوسائل مقيدة في مدارس المعلمين بأمرين أحدهما المدرسي الذي يطبقها والثاني الطالب الذي وضعت من أجله.

لذلك كان لابد في مدارس المعلمين من العناية أولاً بانتقاء المدرسين عناية تامة فأن روح التعليم في كل مدرسة تابعة بالدرجة الأولى للمدرسين القائمين على شؤونها ومتى صلح المدرسون وتفرغوا لعملهم التربوي تفرغاً تاماً كان تأثيرهم في نفوس تلاميذهم أبعد وأبلغ. لذلك أيضاً وجب التقيد في انتقاء الطلاب بشروط مختلفة فلا يقبل في مدارس المعلمين إلا من كان قوي البنية تام الحواس وأضح الصوت سالماً من الأمراض والعاهات البدنية حسن الخلق صحيح التفكير محباً لمهنة التعليم. ومع أن الإحصاءات قد دلت على إن أكثر التلاميذ لم يختاروا مهنة التعليم من ميل إليها واستعداد نظري لها فأن عناية لجان الانتقاء باختبار أصلح التلاميذ قد أدت في الواقع إلى إصلاح مدارس المعلمين ونجاح تلاميذها في مهنتهم. وكلما كانت قابليات التلاميذ الفكرية وخصائصهم الخلقية أوفق كان الأخذ بالطرق والوسائل اللازمة لإعدادهم المسلكي أسهل.

ص: 13

لنفرض الآن أننا انتقينا لمدارس المعلمين أصلح المدرسين وقبلنا فيها أحسن التلاميذ تفكيراً وخلقاً وجسماً فما هي الطرق والوسائل التي يجب الأخذ بها في هذه المدارس لتخريج معلمين قادرين على أن يجعلوا من تلاميذهم مواطنين صالحين. تنحصر هذه الوسائل عندنا في ثلاثة أمور: (1) - الإعداد العلمي (2) - الإعداد الاجتماعي (3) - الإعداد العملي.

(1)

- الإعداد العلمي

إن مهنة التعليم لا تطلب من المعلم أن يكون عالماً بمبادئ التربية وأصول التدريس فحسب بل تشترط عليه أيضاً أن يكون محيطاً بالمواد العلمية التي يريد تدريسها. ومن الخطأ أن نعلم طلاب مدارس المعلمين كيف يعلمون من غير أن نعلمهم ماذا يعلمون.

لذلك يجب أن تشتمل المناهج في مدارس المعلمين على جميع المواد العلمية التي تتمم ثقافة المعلم وتنمي في الوقت نفسه ملكاته الفكرية.

ولا يتسع لنا المجال هنا للبحث في الطريقة التي يجب على أساتذة مدارس المعلمين أن يسلكوها في تدريس كل مادة من المواد العلمية. فأن لكل علم من هذه العلوم طريقته الخاصة. إلا إن هناك ملاحظة عامة تنطبق على جميع المواد العلمية وهي أن التعليم في مدارس المعلمين يجب أن يحقق غرضين أساسين الأول ثقافي والآخر مسلكي.

أما الغرض الثقافي فيوصل إليه بانتهاء الطريقة التي توقظ الفكر من نومه وتنمي ملكات العقل وتحبب العمل الشخصي إلى الطالب حتى يتعود الكشف عن الحقائق بنفسه. والطريقة الفعالة هذه تصلح للعمل الفردي كما تصلح للعمل المشترك بين أفراد كل فرقة من فرق الصف. وفي وسع الأساتذة أن يأخذوا بها من غير أن يؤدي ذلك إلى أي تعب أو تعقيد أو تأخير. وهي تناسب الاستقراء والاستنتاج معاً وتعتمد على الحدس الفكري كما تعتمد على الحدس الحسي وتحبب الدرس إلى التلاميذ حتى لقد قيل أنها طلسم ينقذ التلاميذ من الملل ويعين المعلم على تقدير مواهبهم ويولد فيهم روح الانتقاد ويعودهم التأمل الشخصي والتفكير الحر والإبداع. فإذا خرجوا من مدارس المعلمين نقلوا إلى تلاميذهم هذه العادات الفكرية وأبعدوهم عن التقليد الأعمى. وأعدوهم لحياة اجتماعية ديموقراطية يتمتع كل فرد من أفرادها بحريته الشخصية. أما التعليم التلقيني فينصب ينابيع الفكر ويقلب أفراد المجتمع إلى عبيد يخضعون لما يفرض عليهم من غير أن يفكروا فيه. وأما الغرض

ص: 14

المسلكي فيوصل إليه بإعداد التلاميذ تربوياً ونفسياً معاً.

فالإعداد التربوي يتم بدراسة علم التربية العام وتاريخ التربية وأصول التدريس وعلم التربية التجريبي وعلم إدارة الصفوف والتشريع المدرسي وعلم رعاية الطفل. ويشترط في هذه الدراسة أن تكون نظرية وعملية معاً فلا يقتصر فيها على استماع الدروس والمحاضرات بل يجب أيضاً أن تقوم الطلاب أنفسهم بملاحظات تربوية وتجارب وأشغال عملية ولا نغالي إذا قلنا إن تربية المعلمين يجب أن تكون مماثلة لتربية المهن الأخرى كالقانون والطب والهندسة. فكما أن هناك قوانين فيزيولوجية عامة يأخذ بها الطبيب عند حل المشاكل التي تعترضه كذلك يشتمل علم التربية على مبادئ عامة للتعليم إذا أخذنا بها المعلم استطاع أن يتغلب على جميع الصعوبات التي يصادفها. ولو أن مبادئ التعليم هذه وضعت في صورة قواعد واضحة يتلقاها معلمو المستقبل لتم لنا الكثير مما يتطلبه إعداد المعلمين إلا أن التباين لايزال عظيماً بين الواقع وبين ما يجب أن يكون. فقواعد حفظ الصحة على كثرتها لم تق الأفراد من الوقوع في الأمراض كما أن قواعد التعليم على مرونتها لم تؤد بعد إلى إعداد معلمين حاذقين.

والإعداد النفسي يتم بدراسة علم النفس هو دراسة علم النفس العام وعلم النفس التجريبي وعلم نفس الطفل وعلم النفس التربوي والمنطق ومبادئ العلوم.

والغرض الأول من هذا الإعداد النفسي هو دراسة حياة الطفل دراسة عميقة محيطة بنموه الجسدي ونموه الفكري والخلقي. ولا تبلغ هذه الدراسات النفسية غايتها إلا إذا كانت مصحوبة بملاحظات وتمارين عملية في مختبرات المدرسة وصفوف الأحداث ويجب لذلك أن يضع كل طالب في مدارس المعلمين صوراً نفسية لتلاميذ بعض الصفوف تبين صفاتهم الفكرية واستعداداتهم وتدل على شخصية التلميذ الفكرية كما تمثل مجموع الصف. وعلى طلاب مدارس المعلمين أن يعتمدوا في وضع هذه التصاوير الفردية والعامة على ملاحظات ألعاب الأطفال ورسومهم وأشغالهم وسلوكهم ودرجاتهم في الامتحانات والاختبارات.

إن هذا الإعداد النفسي والتربوي قد أصبح من الأوليات المسلم بها فعلم التربية والتعليم يجب أن يستند إلى علم الطفل كما يستند علم الزراعة إلى معرفة طبيعة الأرض والنبات

ص: 15

وكما لا يمكننا أن نتصور مدرسة للمعلمين خالية من العلوم النفسية والتربوية.

ولكن هذه العلوم لا تفيد المعلم إلا إذا عرف كيف يوفق أحكامها وبين الحالات الجزئية التي تعترضه. وما أكثر المعلمين الذين يتفهمون هذه العلوم من الناحية النظرية ويعجزون في الصف عن العمل بها. إن المعلم الذي يجيد هذه العلوم ويعجز عن تطبيقها على الأحوال الفردية يشبه النحلة التي تجهد نفسها في ملء خلية العسل المثقوبة. فهو وفقاً لقواعد علم النفس والتربية التي قرأها في الكتب ولكنه يطبقها في صف خيالي من غير أن يشعر بالمشاكل التي تعترضه في الواقع فكأنه آلة مسجلة تكرر الأمور القديمة بصورة آلية من غير أن توفق بينها وبين الشروط الجديدة.

إن هذا التعليم الآلي لا يهيئ لنا مواطنين صالحين بل يصوغ عقول التلاميذ في قوالب جامدة وخير طريقة لتربية الأحداث تربية صحيحة هي تكييف قواعد علم النفس والتربية بحسب حاجتهم. فإذا أردنا أن نجعل طلاب مدارس المعلمين قادرين على تربية مواطنين صالحين وجب علينا أولاً أن نصلح إعدادهم العلمي. وهذا الإصلاح يقتضي أن تدرس المواد العلمية في مدارس المعلمين من وجهة نظر خاصة تمكن الطلاب من تعليمها في المستقبل كما توجههم إلى الاستفادة منها في التربية الوطنية ففي مسائل علم الحساب مثلاً مجال واسع لذكر بعض المبادئ كفائدة التوفير وضرورة الضرائب وفي درس التاريخ والجغرافية أمثلة كثيرة لإحياء الوعي القومي وإعطاء فكرة واضحة عن الدولة والأمة والوطن وفي قراءة النصوص الأدبية وسيلة أيضاً للبحث في الروابط الاجتماعية وواجبات المواطن وحقوقه. فإن تدريس التربية الوطنية في المدارس الابتدائية لا يمكن أن يقتصر مباشرة على الساعات المحددة في البرنامج بل أن المعلم يستطيع أن يجد في كل مناسبة وفي كل درس منفذاً للتربية والإرشاد والمربي الحق هو الذي يخلق هذه المناسبات ويستفيد منها.

2_

الإعداد الاجتماعي

إن غاية الإعداد الاجتماعي في مدارس المعلمين هي إنماء شخصية الطالب وتهذيب أخلاقه وإذكاء شعوره بالروابط الاجتماعية والمثل العليا الإنسانية وإذا علمنا أن من أهداف المدارس إنماء الوعي القومي وتوليد الشعور بالتعاون والمسؤولية أدركنا ما للأعداد

ص: 16

الاجتماعي في مدارس المعلمين من عميق الأثر في توجيه التعليم العام.

والمثل الأعلى للمواطن العربي كما نتصوره اليوم يقتضي أن يكون المواطن صحيح الجسم جيد التفكير ملما بما يحتاج إليه من العلوم في الحياة العملية حسن الخلق قوي الإرادة متجملا بأدب الطفل والمعاشرة مدركا حقوقه وواجباته محباً لوطنه وقوميته رائدة الأمانة والإخلاص في العمل وغايته الإنشاء والبناء راغباً في الاستقلال الفردي والسياسي شاعراً بضرورة التعاون الاجتماعي. ويجب أيضاً أن تكزن الغاية من التربية الوطنية في بلادنا أن يحب الفرد الوطن العربي العام كما يحب وطنه الخاص وأن يدرك المثل العربية كما يفهم المثل الإنسانية العامة وأن يتعلم القيام بواجبه السياسي في دائرته الخاصة سواء أكانت قرية أم مدينة.

وهذه الأهداف العامة تقتضي أن يكون الفرد عضواً عاملاً في أسرته عضواً عاملاً في المجتمع عن طريق المهنة التي يزاولها قادراً على الاستمتاع في أوقات الفراغ بالموسيقا والفن والأدب والتمثيل وغير ذلك من الصلات الاجتماعية.

هناك وسيلتان لتحقيق هذا الإعداد الاجتماعي في مدارس المعلمين: الأولى هي تدريس بعض المواد التي تعد الطالب لفهم المشاكل الاجتماعية وتولد فيه الحس الاجتماعي والثانية هي تنظيم العمل التربوي في مدارس المعلمين على وجه يحقق النشاط المدرسي من جميع نواحيه.

1_

أما الوسيلة الأولى فيمكن تحقيقها بتدريس علم الاجتماع والمعلومات الحقوقية والمدنية. إن هذه الدروس تعد الطالب مباشرة لفهم النظم الاجتماعية وتعينه على إدراك تطور الحضارة ومعرفة العلاقات الدولية. ويمكن تحقيقها أيضاً كما بينا سابقا عن طريق بعض المواد الأخرى بصورة غير مباشرة كتدريس التاريخ العربي القديم والحديث وتدريس جغرافية البلاد العربية وعلم الصحة المدرسي والوقائي.

فبرنامج علم الاجتماع يجب أن يتضمن دراسة بعض المبادئ العامة في تطور المجتمعات مع دراسة بعض الأوضاع الاجتماعية كالأسرة والمهنة والأمة والدولة والحياة الفكرية والروحية والحياة الاجتماعية والإنسانية. ويجب أن يتضمن أيضاً دراسة عملية لبعض الأوضاع الاجتماعية المحلية بحيث يطلب من كل تلميذ في مدارس المعلمين أن يقوم

ص: 17

بدراسة اجتماعية عن قرية من القرى ووضع من الأوضاع المعروفة كالمستشفيات والجوامع والمدارس والمحاكم والسجون وطرق المواصلات والجمعيات والنوادي والمعامل وحياة العمال وغير ذلك من المباحث التي تعوده ملاحظة الظواهر الاجتماعية المحيطة به وتمرنه على تحليلها ونقدها وتعينه على فهم تكونها وتطورها.

وبرنامج المعلومات المدنية يجب أن يعرف الطالب بقوانين البلاد ويطلعه على حقوق المواطن وواجباته ويبين له أنظمة الحكم المختلفة ووظائف السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية في النظام الديموقراطي وحدود الحريات وضوامنها الدستورية والقانونية والأخلاقية.

وبرنامج التعليم الصحي يجب أن يتضمن المقاييس الشخصية للنمو والتطور الجسماني والتغذية والقيمة الغذائية للأطعمة مع بيان القواعد الصحية الجيدة في التهوية والتدفئة والمسكن واللباس والمحافظة على الحياة ووقايتها من الأمراض والصحة الاجتماعية وصحة الفرد والصحة المدرسية.

2_

وأما الوسيلة الثانية في الإعداد الاجتماعي فتستند إلى مبدأ النظام الحر والحكم الذاتي وإلى فكرة التوسع في النشاط المدرسي واعتباره جزءاً أساسياً في تربية الخلق وتهيئة المراهق من حيث هو مواطن للقيام بالأعمال والواجبات التي يفرضها عليه المجتمع. ونرى أن خير وسيلة لذلك هي:

أن يخلق في مدارس المعلمين بيئة معنوية صالحة لإنماء حسن المسؤولية وتقوية الشعور بالواجب في نفوس الطلاب. وفي سبيل تحقيق ذلك يرشح الطلاب مندوبين عنهم لمعاونة الإدارة في مختلف الأعمال مثل مراقبة نظام المدرسة ونظافتها وإدارة المكتبة ومراقبة المطعم وتنظيم الحياة الاجتماعية والرحلات العلمية. ويدعى الطلاب إلى تأليف الفرق الرياضية والكشفية والموسيقية والجمعيات والأندية واللجان المدرسية. فمن الجمعيات المدرسية جمعيات خدمة المدرسة والجمعيات العلمية والأدبية والتمثيلية والخطابية وجمعيات الحفلات والمناظرات والجمعيات التعاونية وجمعيات الخدمة الصحية ومن الأندية نادي الألعاب ونادي الموسيقا ونادي الرياضة ومن اللجان لجنة المطبوعات التي تعني بإصدار جريدة أسبوعية أو مجلة شهرية أو نشرة مدرسية سنوية ولجنة الطلبة التي تشرف

ص: 18

على تنظيم مجالس الطلبة وتدير الحياة الاجتماعية في المدرسة وتشرف عليها ولجنة الرحلات العلمية التي تشرف على تنظيم الرحلات الأثرية والجغرافية والاجتماعية داخل البلاد وخارجها. ويجب عل طلاب مدارس المعلمين فوق ذلك أن يشتركوا في جميع الأعمال المتممة التي تدعوهم إليها المدرسة خلال العطلة الصيفية من مجتمعات كشفية وتمارين عسكرية وأشغال في المعامل والحقول وأعمال إصلاح القرى ومكافحة الأمية وإلقاء المحاضرات الشعبية العامة وإقامة المعارض التربوية.

ومن وسائل الإعداد الاجتماعي التي يجب الأخذ بها تكليف طلاب مدارس المعلمين دراسة الحالة الاجتماعية لبعض تلاميذ المدرسة الابتدائية كالبحث عن أسرهم وموارد حياتهم وطراز معيشتهم ومشاكلهم الخاصة. إن هذه الطريقة تحبب إلى طلاب مدارس المعلمين البحث عن أحوال تلاميذهم وتعينهم على تربيتهم ضمن الشروط الاجتماعية الواقعية.

ومن الوسائل التي يجب الأخذ بها أيضاً تبادل خريجي مدارس المعلمين بين الدول العربية.

إن هذا التبادل يتمم إعداد المعلم العربي ويهيئه لفهم المشاكل الخاصة بكل قطر من الأقطار العربية ويؤدي إلى توحيد العواطف والآمال المشتركة ويعين على خلق روح عربية عامة.

ومن الوسائل المتممة لإعداد المعلمين عقد مؤتمرات تربوية تدرس فيها المشاكل الاجتماعية والخلقية والمسلكية التي تعترض المعلمين. إن الاشتراك في هذه المؤتمرات يطلع المعلم على المشاكل التي صادفها زملاؤه في مناطقهم ويولد في نفوس المعلمين روح التعاون والتفاهم ويقوي روابطهم ويحبب إليهم مهنهم.

3_

الإعداد العملي

يجب أن يكون للإعداد العملي في مدارس المعلمين منزلة كبيرة. وهو يتم في المدارس الابتدائية أو المدارس التجريبية الملحقة بمدارس المعلمين.

إن طلاب مدارس المعلمين يتعلمون في هذه المدارس الملحقة كيف يطبقون أصول التدريس العامة والخاصة في مختلف المواد العلمية. فيبدؤون أولاً بملاحظة الأعمال في المدرسة الابتدائية وينظمون الألعاب والرحلات ويراقبون الأطفال في باحة المدرسة ويديرون جماعات الأطفال ثم يستمعون بعض الدروس المثالية التي يلقيها معلمو المدرسة الابتدائية أو أساتذة التربية. إن هذه الدروس المثالية لا تأتي بالفائدة المرجوة منها إلا إذا

ص: 19

أعدلها طلاب مدارس المعلمين قبل إلقائها وبعد الانتهاء منها إذ يعرض أستاذ التربية أو معلم الصف عليهم المبادئ النفسية والتربوية والمنطقية التي استند إليها في إلقاء الدرس وبين لهم كيفية عداده وغايته ونتائجه. وعلى الطلاب أن يحضروا بعض الدروس تحضيرا كتابيا مختصرا يعرضونه على أساتذتهم وأن يسجلوا في دفاترهم ملاحظات الأساتذة عليها ونتائج المناقشة التي تدور حولها.

وهذه الدروس التجريبية التي يلقيها طلاب مدارس المعلمين يجب أن تشمل جميع صفوف المدرسة الابتدائية وجميع المواد وهي تعود الطالب حسن استعمال الأدوات المدرسية وتمرنه على تطبيق مبادئ التربية والتعليم بنفسه ويجب أن يعهد أيضاً إلى طلاب مدارس المعلمين في إدارة صف من صفوف المدرسة الابتدائية تحت إشراف أستاذ التربية أو مفتش المعارف يعلمون فيه جميع المواد ويتمرنون على طرق التربية الحديثة كطريقة وذكر ولي وطريقة دالتون وطريقة فنيتكا وغيرها.

* * *

ينتج مما تقدم أن مدارس المعلمين لا تحقق الغاية المرجوة منها في تنشئة المعلمين إلا إذا جمعت بين الإعداد العلمي والإعداد الاجتماعي والإعداد العملي.

فالإعداد العلمي يقتضي العناية بتدريس الآداب القومية والتاريخ العربي وتاريخ الحضارة وجغرافية البلاد العربية وعلم الاجتماع والمعلومات الحقوقية والمدنية وعلم التربية وعلم النفس وغيرها.

والإعداد الاجتماعي يقتضي خلق بيئة اجتماعية تولد في نفوس الطلاب حسن المسؤولية ومحبة الوطن والشعور بالروابط الاجتماعية.

والإعداد العملي يقتضي تدريب الطالب على أصول التدريس كما يدرب المهندسون في المعامل على أعمال البناء والصناعة.

وهذا كله يقتضي أن تكون روح التعليم في مدارس المعلمين متجهة إلى تحقيق المثل الأعلى الذي نصبو إليه في مجتمعنا الحديث.

وفي كل نظام تربوي أمران أساسيان لابد من مراعاتهما الغاية والواسطة. فغاية التربية في التعليم العام هي إعداد مواطنين متصفين بجميع الصفات الفكرية والخلقية والجسمية التي

ص: 20

يتطلبها مجتمعنا الحديث. وواسطة التربية هي مجموع الطرق التي تؤدي إلى نقل هذه الصفات إلى الطفل. فإذا أردنا أن نحقق المثل الأعلى الذي نتطلع إليه في تربيتنا الحديثة وجب علينا أولاً أن نحسن إعداد المعلمين الذين سنعهد إليهم في تربية النشء. وعلينا أن نحرر نفوسهم من الفتور والقلق والتواني والتشاؤم. فإن إتقان وسائل التربية وطرق التعليم لا يؤدي على تنشئة المواطنين الصالحين إلا إذا كان المعلم نفسه مؤمنا برسالته لا يستطيع المعلم أن يكون رسولا إلا إذا كان قبل كل شيء مواطنا صالحا. لذلك يجب على طلاب مدارس المعلمين أن يدركوا خطورة المهمة التي رشحوا نفوسهم لها وأن يحصروا جميع قواهم المادية والمعنوية في حسن القيام بأعمالهم ووجباتهم المدرسية وأن يحاسبوا أنفسهم ويسعوا دائما لترقية مداركهم وتنقية عواطفهم وتقوية إرادتهم. وأن يتمسكوا بالأخلاق الفاضلة والأهداف القومية ويراعوا الآداب الاجتماعية ويبتعدوا عن التحزبات السياسية والنزعات الطائفية.

لقد دلت الحرب العالمية الثانية على أن العالم محتاج إلى إنماء الروح الديمقراطية في نفوس جميع الأفراد. وأن فكرة الحرب لا يمكن أن تزول من النفوس إلا إذا تقربت أهداف التربية عند جميع الأمم بعضها من بعض فالأمم العربية لا تستطيع المحافظة على استقلالها إلا إذا عنيت بإعداد معلمين يجمعون بين مبادئ التربية الديمقراطية والأهداف القومية العربية. أن الصف لم يصبح بعد في بلادنا جمهورية صغيرة يتعاون أفرادها في سبيل الخير العام وإنما هو الآن مثال مصغر من أمثلة الحكم المطلق. إن الديمقراطية الحقيقية تدعو المواطن إلى أن ينمي في نفسه صفتين مختلفتين في الظاهر ولكنهما متفقتان في الحقيقة وهما:

الشخصية الفردية والشعور الاجتماعي. وكل صفة من هاتين الصفتين ضرورية في عمرنا الحديث لكل مواطن عربي. فالصفة الأولى تحبب الاستقلال إليه وتحرره من التقليد والإتباع والعبودية الفكرية والاجتماعية والسياسية. والصفة الثانية تدفعه إلى التعاون والتفاهم الاجتماعي وتبادل المنفعة وتحبب إليه الحياة المشتركة والارتباط بالماضي والدفاع عن كيانه السياسي والتطلع إلى مستقبل يضمن له ولأبناء جنسه حياة أكمل من الحياة الحاضرة. فعلى طلاب مدارس المعلمين أن يضعوا هذه الحقيقة نصب أعينهم وهي أن

ص: 21

صيانة استقلالنا وتقدم مجتمعنا الحديث يتوقفان إلى حد بعيد على درجة إيمانهم بالرسالة الملقاة على عاتقهم وهذه الرسالة تتطلب منهم أن يحبوا مهنتهم كما يحبون وطنهم وأن يحبوا تلاميذهم كما يحبون أسرتهم وأن يؤمنوا بالمثل الأعلى الإنساني كما يؤمنون بمبدأ الحرية الفردية وضرورة التعاون الاجتماعي.

وجملة القول يجب أن يرمي التعليم في مدارس المعلمين إلى تحقيق الأغراض الآتية:

1_

إحاطة الطلاب بالمواد العلمية التي يجب عليهم تدريسها وحملهم على إكمال ثقافتهم العامة ومتابعة البحث كل أيام حياتهم.

2_

معرفة المبادئ النفسية والحقائق التربوية التي يجب الاستناد إليها في التعليم.

3_

تدريب الطلاب على التدريس في المدارس الابتدائية تحت إشراف الأساتذة.

4_

تعويد الطلاب العمل الشخصي الحر وخلق بيئة معنوية صالحة لتقوية إرادتهم وتهذيب عواطفهم الوطنية والقومية وتوليد حسن المسؤولية والشعور بالروابط الاجتماعية في نفوسهم.

5_

حسن استعمال أوقات الفراغ بالاستمتاع بالموسيقا والتصوير والرياضة والأدب والتمثيل.

وهذه الأغراض كلها مجتمعة في قاعدة واحدة وهي أن نجاح المعلم في تأدية رسالته متوقف على درجة إيمانه بالمثل الأعلى وعلى مقدار اتصافه بالصفات الجسمية والخلقية والفكرية التي يريد نقلها إلى تلاميذه فلا يستطيع أن يعد المواطنين الصالحين إلا إذا كان هو نفسه قبل كل شيء مثالا صالحا يقتدى به.

فإذا رأيت معلما يذكر لتلاميذه في دروس التاريخ بعض الأمثلة التي تصور البطولة القومية والإخلاص للوطن والتضحية في سبيل الواجب وإنكار الذات أو رأيت معلما يوقظ في نفوس تلاميذه حب الآباء والشرف والشجاعة وبغض الكذب والخسة والجبن واحتقار الرذائل والمنافع المادية الضيقة أو رأيت معلما يحبب إلى تلاميذه المجد والطموح ويسمو بهم إلى المثل العليا ويعودهم بذل الجهد في تفهم الحقائق الجديدة ويوفر عليهم عناء الحفظ الآلي والتسرع في الحكم والتقليد الأعمى. فقل أن هذا المعلم قد أدى رسالته.

نعمل إذن في مدارس المعلمين على صقل العقول الصحيحة وتهذيب القلوب الشريفة

ص: 22

وإنماء القوى الجسمية، فإن اجتماع هذه الصفات في معلمي المستقبل كفيل بأن يضمن لنا قيامهم بخدمتهم القومية على وجه أتم وأوفى.

رئيس لجنة التربية والتعليم

جميل صليبا

ص: 23