المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الرياضة والأدب للأستاذ نعيم الحمصي أثر الرياضة في تنمية الذوق العام لا أريد - مجلة «المعرفة» السورية - جـ ٦

[عادل العوا]

الفصل: ‌ ‌الرياضة والأدب للأستاذ نعيم الحمصي أثر الرياضة في تنمية الذوق العام لا أريد

‌الرياضة والأدب

للأستاذ نعيم الحمصي

أثر الرياضة في تنمية الذوق العام

لا أريد الآن أن أتعرض لفوائد الرياضة البدنية الجسمية من حيث القوة والصحة ولا لفوائدها الاجتماعية والخلقية فكل ذلك بديهي لا حاجة للخوض فيه فضلاً عن أنه لا يتصل مباشرة بموضوعي الأصلي وهو تنمية الذوق العام وإنما أتعرض فقط للهدف الثالث من أهداف الرياضة الثلاثة وهي الصحة والقوة والجمال لعلاقة هذا الأخير المباشرة ببحثي. وإذا كانت الحكمة القديمة تقول بأن العقل السليم في الجسم السليم فأنا أقول أيضاً أن الذوق السليم في الجسم السليم، فإن للرياضة أثرها في تجميل جسم المرأة والرجل معاً فإذا كان الجمال هو المعين الذي يستمد منه الأدباء، ورجال الفن عامة وحيهم، فإن جمال المرأة من بين ضروب الجمال يحتل بينها المكانة الأولى ولهذا كان لا بد من العناية برياضة الرجال والنساء معاً ولا يصح أن نهمل نصف أفراد الأمة إهمالاً مشيناً ويترك عرضة للضعف وفريسة للأمراض، فينشأ بين الجنسين هذا التباين الكبير الذي نشاهده الآن في الأجسام والذي يأخذ بالتناقص تناقصاً بطيئاً كان الأولى أن يحل محله سرعة خاطفة وإن لهذه الغاية بتجميل الأجسام بالرياضة أثرها في القضاء على الكثير من المشاكل الاجتماعية المشينة الناتجة عن فساد الأذواق وشذوذها فضلاً عن آثارها التي ذكرتها من قبل.

وعلاوة على هذا فإن للرياضة أثرها في خلق روح المغامرة وما لها من أثر في الإنتاج الأدبي: القصصي ومنه غير القصصي وهي تخلق إلى جانب النشاط الجسماني نشاطاً نفسياً عميقاً عنيفاً واسعاً فيتسع ميدان التجارب النفسية وتزيد قوة وينتج عن ذلك أدب البطولة والقوة ويزول عن أدبنا طابع الضعف والبكاء والخور الذي يعاب عليه ويجب أن يتخلص منه.

وفي البلاد اليوم نهضة رياضية مباركة مختلفة المظاهر والأشكال ولست أريد الآن أن أتعرض إلى برامج الرياضة المدرسية وغير المدرسية وكيف يجب أن تكون_وأنا أرى أن تمارين الرياضة يجب أن تكون مستمدة ما أمكن من الحركات الطبيعية التي يتعرض لها العامل والزارع وغيرهما من ذوي الفعاليات الجسمية_وإنما أقول أنه من الضروري جداً

ص: 81

إنشاء نواي رياضية خاصة بالفتيات وأن تنشأ لهن أحواض للسباحة لا يختلطن فيها بالرجال، وأن تنشأ لهن كذلك حدائق عامة كثيرة في كل بلدة بحيث تتعرض أجسادهن للنور والشمس وتقوم بنصيبهن من الحركة منذ الطفولة المبكرة، ويرى النساء بعضهن بعضاً في هذه الحدائق فتتمازج الأذواق وتتصفى بما تتعرض له من سنن الاصطفاء الطبيعي فتسمو السمو المنشود من دون خوف على الأخلاق أن تنهار.

أثر الأشغال اليدوية في الذوق العام

وكل ما قلته عن الرسم يصح أن يقال هنا وليس ينكر أحد أثر درس الأشغال اليدوية في المدارس في تنمية الذوق وهنا أقول أيضاً أنه يجب تعيين معلمين ومعلمات مختصين بهذا الفن وإقامة معارض للأشغال اليدوية في المدارس ومعارض عامة أيضاً لتثقيف الجمهور.

النهوض بأساليب تعليم اللغة العربية ركن أساسي في إنتاج الأدب

وتذوقه

قلت أن تنمية الذوق العام الفني ضروري جداً لتذوق الأدب وإنتاجه وتكلمت عن الطرق الموصلة في رأيي إلى نهضة الفنون الجميلة المختلفة حتى تنمي هذا الذوق الأدبي وإلى جانبه أسباب كثيرة بعضها في الماضي وبعضها في الحاضر، ومنها: قلة التجارب النفسية لخمول الحياة الاجتماعية وانعدام الهزات العنيفة التي تثير أعماق النفوس أو ضعف تأثر النفوس بهذه الهزات. فإن أدب كل كلمة صورة عن حياتها نفسها يخمل بخمولها وينبه بانتباهها ولا ينكران الأحداث العظيمة في أمة من انتصارات جيوش أو انهزامها ومن هجرات كبيرة وأسفار طويلة ومغامرات خطيرة تثير الخيال وتذكي العواطف وتدفع إلى التعبير عن خلجات الأفئدة ولواعج النفس.

ومنها ضعف الثقافة وعدم الميل إلى المطالعة وموت حب الإطلاع على كل جديد ومنها ضعف القدرة على التعبير باللغة العربية عن التجارب النفسية في حين أنه لا يمكن التعبير عنها باللغة العامية لأسباب قومية ودينية وأسباب هذا الضعف كثيرة ومنها:

آ_استعمال اللغة العامية في حياتنا اليومية وفي منازلنا مما يجعل اللغة العامية أكثر حياة من اللغة العربية فاللفظة العربية بالنسبة لنا لفظة متينة نريد أن نبعثها بالقوة وهي لا تصدر عنا سليقة وطبعاً، واللفظة العامية حية لها قوة إيحاء وحركة في النفس يعبّر الإنسان

ص: 82

بها عن معناه بسهولة فلا ينصرف إلى السعي لإيجاد اللفظة ويجور بذلك على المعنى وعلى تسلل الأفكار، فعلى الرغم من ذلك فأنا لا أريد استعمال اللغة العربية البتة فإن أضرارها الكثيرة وخاصة منها القومية أكبر من نفعها وحيث أننا لا يمكن أن نكتب باللغة العامية أولاً ثم نسبك جملنا من جديد باللغة العربية فيجب في هذه الحالة أن نملك القدرة على التعبير باللغة الفصحى مباشرة وبقوة وأن نجعل الكلام الكتابة باللغة العربية طبعاً وسليقة فينا منذ الطفولة الأولى.

ب_ومن أسباب عدم القدرة الكثيرة منذ الصغر. فالشاب الغربي يقرأ منذ طفولته ما ناسبه من القصص والآثار الأدبية الكثيرة فتقوى نزعته الأدبية ويشارك في تذوق آداب أمته ويشب وقد عرف أو ألم بكل الآثار الأدبية المشهورة، أما الطفل عندنا فلا يقرأ إلا قليلاً وذلك لأنه لم يغرس فيه الميل إلى القراءة لأنه لا يجد مكتبة تناسب مداركه وتحوي قصصاً خاصة بالأطفال أكثر ما هو موجود منها بالأسواق يجب أن يرفع من بين يديه أو يسبك سبكاً جديداً بلغة حديثة كما يفعل الإنكليز مثلاً في آثار شكسبير، وغيره من كبار الكتّاب حتى يفهمها الصغار.

د_ومنها ضعف أسلوب تعميم اللغة العربية في مدارسنا فإنه لا يتبع فيه الأسلوب الطبيعي الذي هو نفس أسلوب الأم في تعليمها لغتها لأبنها، ورغم ما حصل في برنامج التعليم من إصلاح قيّم فإن نصيب القواعد المجردة في مدارسنا لا يزال كبيراً وتدريس القواعد لا يفيد فائدة استظهار الشواهد والنصوص الأدبية الرفيعة وفائدة المطالعة في كتب مشكولة بحيث تصبح اللغة عادة وسليقة في الطفل لا قواعد جافة يضطر إلى حفظها وقد تنبه ابن خلدون منذ القديم لفساد هذه الطريقة ولكننا لا نزال نئن منها ومكتبة الطفل عندنا لا تزال فقيرة بل خاوية.

ولا يتسع المجال الآن لنقد البرنامج والكتب المتداولة وبيان خطة جديدة لتدريس علوم العربية كلها بالتفصيل وأكتفي الآن برسم بعض الخطوط البارزة التي أرتأيها ومها:

1_

تعميم مدارس الحضانة فيلقى الطفل منذ السنة الثالثة مفردات اللغة العربية الصحيحة عن معلمات قديرات يقضي في صحبتهن أكثر وقته يحدثنه ففي كل شيء يلائمه وبهذا يضعف في نفسه أثر اللغة العامية التي تلقاها عن أمه الجاهلة وتصبح اللغة العربية أصيلة

ص: 83

فيه ويصبح للكلمات حياة وقوة إيحاء ويسار في تعليمها وفق الطريقة الطبيعية التي يتعلم بها اللغة العامية: تحدثه بها المعلمة عن الأشياء وتجيب بها عن أسئلته وتقص عليه قصصاً تناسبه ويطلب إليه إعادة هذه القصص القصيرة السهلة اللغة، ومن الهام جداً وضع قصص قصيرة بالترجمة أو التأليف تكون مناسبة للمقام كما أنه من الضروري جداً توزيع نشرات على الأمهات بلغة بسيطة تبحث في التربية وإلقاء المحاضرات عليهن لتوسيع ثقافتهن وغرس حب المطالعة فيهن وبهذا ترقى لغة الأم نفسها.

2_

الكلام في المدارس الابتدائية باللغة العربية بصورة دائمة وتنمية ميل الطلاب إلى الحديث باللغة العربية باستعمال الشارة (السينيال)، كما كان يتبع في تعلم اللغات الأخرى في المدارس الأجنبية، لتصبح اللغة العربية سليقة فيهم.

3_

غرس ميل قوي للقراءة عند الطلاب بوضع الكتب الجذابة وخصوصاً القصص ويجب أن يكون في مكتبة الطفل عندنا مئات منها. ويتلافى عجزنا في هذه الناحية الآن:

1ً) بترجمة قصص كثيرة تناسب الأطفال وتنمي خيالهم وترشدهم إلى التعبير الصحيح عن أفكارهم وتجاربهم بتقليدها وتأثيرها اللاشعوري فيهم وتترجم هذه القصص عن اللغات المختلفة من شرقية وغربية وخصوصاً القصص الإنكليزية والفرنسية والروسية والألمانية.

2) بأخذ القصص العربية القديمة وسكبها في قالب جديد وفي لغة جديدة مع تهذيبها ما يحتاج إلى التهذيب منها كألف ليلة وليلة وعنترة والمهلهل وذات الهمة وسيف بن ذي يزن وبني هلال والملك الظاهر وقصص أخرى صغيرة وكبيرة تؤخذ من التاريخ العربي ومن أمهات كتب الأدب.

3) قصص جديدة توضع للأطفال وتستمد من حياتنا الماضية والحاضرة وتعطى المكافئات من الحكومة لواضعيها المجدين.

وينمى ميل الطفل إلى الكتابة بأن يعلم كيف يجد أفكاره وكيف يرتبها ويعبر عنها ثم بتعويده على كتابة المذكرات اليومية فإنها خير وسيلة لمرونة الفكر والأسلوب والقدرة على التعبير بلغة صحيحة وتثبيت الألفاظ الجديدة في ذهن الطالب وهي تمد الطالب بالألفاظ الضرورية له في حياته اليومية والفكرية لأنه تضطره إلى التعبير عن كل الأشياء التي تتصل به بلغة صحيحة ويجب تأسيس مكتبة غنية في كل مدرسة ابتدائية ومكتبة كبيرة

ص: 84

عامة في كل مدينة أو قرية كبيرة وأنا أرى أن تضبط حركات الكلمات في المدارس الابتدائية ليتعلم الطالب النطق بالكلمات الفصيحة نطقاً صححاً بالمران.

4) ويأتي تدريس قواعد اللغة العربية بشكل ضوابط ثانوياً في الحلقة الدنيا من المدارس الثانوية وأساسياً بمقدار ما تمس به الحاجة في الحلقة الدنيا، وينمى فيها عوضاً عنها ملكة النقد الأدبي. أما البلاغة فلا تدرس بشكل قواعد جافة وإنما يقارن المدروس بين كلام وكلام ومفاضلاً بينها في الحسن ويطلب من الطالب أن يأتي بصور متعددة في التعبير عن معنى من المعاني وأن يقارن بينها وبين ما فيها من جمال. وفي كل المراحل التعليمية يجب أن يستعان بالفنون الجميلة كلها فإنها كلها سلسلة لا يمكن أن تهمل حلقة منها فتنقطع.

نعيم الحمصي

ص: 85