الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا سعد
يا سعد! متى طواك الردى؟! وكيف استسلمت للبلى؟!
لقد دوى صدى نومك الأخير كالرعد، في سماء البلاد العربية فأبكيت الأمة من أقصاها إلى أقصاها، وتركت في كل قلب قصيدة حزن على فقدك وزفرة ملتهبة على ثكلك، ودمعة حارة على قوة كامنة في نفسك، تلك القوة التي دفعتك لتنفخ في قلوب العرب أجمع، صوتك العلوي المجهور ولتكون المجدد للرسالة العربية القومية.
نعم! آلمتك هذه السنة من الكرى التي استسلم لها العرب، وأغضبك هذا الوسن الذي استولى مدة عليهم، بعد أن نشروا رسالتهم العليا التي غمرت العالم حكمة وهدى، والآن. .! هل ينامون عن هذه الرسالة وفيهم قلوب نابضة وقبس من نور؟؟!
لقد دفعتهم ووجهتهم في الطريق المختارة التي تؤهلهم للاستقلال، ولكن الشعب السوري كان يتعجل الحرية المنشودة ويتطلبها سريعاً ولذا استهان في كل شيء في سبيلها حتى النظام، وبتهيب الحكام.
والآن. . أتندثر صحيفة عملك البيضاء وتندرج في معالم الظلام؟! وهلا يضل اسمك على كل ثغر، وتاريخك في كل فكر؟! لقد عشت لوطنك ومتّ من أجل وطنك، ولم تقف في وجهك ظروف الدهر ولم تغير من بسمتك عبسة الزمن بل اندفعت بجهادك ووجودك ولم تسلم لجور أو لطغيان. . . أجل. .! إن الأقدار داعبتك زمناً طويلاً لتعرف مدى عزيمتك ومدى إيمانك برسالتك، فإذا أنت تيأس ولم تسقط بل مضيت بحماس متقد ونشاط متأجج وتفاني في سبل العروبة قاومت الاستعمار وناضلت الطغيان حتى ظفرت بالاستقلال، وعدت من جديد إلى الجهاد لتوطيد دعائم هذا العهد الاستقلالي ولقيت كل معارضة برحابة صدر وصدق شكيمة، ووقفت صامداً أمام تيارات الرجعية القاسية. . .
لكن أيبتسم الكون طويلاً؟! لقد زمجر وعبس ثم تولى إذ لم يأتي عام 1921 إلا وزججت في السجن وكنت تتنقل من معتقل لمعتقل، ولم تكد تطأ أرض الأوطان من جديد حتى شردت ونفيت ثانياً، ولا أنس يوماً ودعت فيه سوريا الحبيبة أجل لا أنس ذلك اليوم الذي أنذروك فيه بمغادرة سوريا، فأذعنت للأمر الواقع وودعت سوريا وداع عبد الله الصغير لغرناطة الحمراء، ولكن لم يكن سعد الله كعبد الله.
ذهبت إلى العراق حاملاً في نفسك الكبيرة جيشاً من الذكريات المرة والآمال الكبيرة،
ابتعدت عن سوريا في غبش الفجر بعد أن استودعت آمالك وأحلامك ضمير الزمن. . . لكنك ذهبت لتعود، وابتعدت لتقرب.
وحياته. . كانت سلسة جهاد وآلام لكنها متجددة مع ذلك في كل حين ففي عام 1928 انتخب نائباً في المجلس التأسيسي وعضو في الكتلة الوطنية وبذل جهداً لم يعرف التعب والكلل، حتى كاد جهاد (36) فقاد النضال بقوة وصبر على المكاره، واعتقل في عين ديواروما عاد منها إلا ليشترك في الوفد السوري إلى باريس ثم ليقوم بدوره بتأسيس الدور الوطني، وانتخب للمرة الثالثة والرابعة وتألفت الحكومة الدستورية الثانية المستقلة حيث لعبت دوراً كبيراً باستعادة التمثيل السياسي وبتسلم الصلاحيات. . .
جهود جبارة لا ننكرها عليك يا [سعد]. حقاً قد كنت لك سعد فعلى يدك بل وفي زمنك ثم جلاء الجيوش الأجنبية عن البلاد العربية - السورية_وسنت القوانين والأنظمة التي أحدثت انقلاباً خطيراً في حياتنا يتفق مع ما بلغت إليه وأدركته من مكانة ومقام. . .
إيه يا سعد! كيف استطاع هذا الجسم البشري أن يساير نفسك الكبيرة ويماشي همتك العالية وفكرتك التي تميل إلى أن تجعل العالم بأجمعه عربياً. . . لقد طرقت أبواب العدالة الموصودة وفتحتها فجئت منها بقبس حق وإنصاف أنرت به سبيل العرب.
ثلث قرن في جهاد متواصل، ثلث قرن في نضال مستمر، ثلث قرن في بلاء طويل وأخيراً ناء الجسم الضعيف، ناء هذا الهيكل المرهق، بما تحمله النفس من آمال وأحلام، فألح عليه المرض العضال، ولكنه لم ينل حتى الساعة الأخيرة شيئاً من قوة إيمانه وصفاء نفسه.
وأخيراً أغمض جفنيه لحظة فإذا بهما لا يرتفعان بعد، بل أخلدا إلى هذا السكون الدائم، هذا السكون الأبدي. . .
وما كاد الرق يملأ الأجواء نبأ نعيه حتى اضطرمت الأفهام وتلعثم اللسان وتساءل الجميع: أصحيح مات الجابري. . .؟
ألا رحمك الله يا سعد! وأسكنك فسيح جنانه، فنم هانئاً مطمئناً قرير العين، نم آمناً مرتاحاً مبتهج الصدر أن الأمة العربية لتسعى لتنفيذ وصيتك الخالدة:
. . . وصيتي إليكم أيها السوريون المحافظة والسهر على استقلال البلاد والتمسك بأهداب النظام الجمهوري الرشيد القائم فيها.
الآنسة: رياض الجابري