الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعلمة والمجتمع
الآنسة فكتوريا نعمان
كدت أقول في (صنع) المجتمع، فلست أعرف إنساناً يشتغل في هذا (الصنع) الدقيق الخطير:(صنع) الناس للمجتمع كمعلمة، تراها محنية على كل فرد ناشئ منه وسعته ذراعاها، تلقنه المعرفة كلمة كلمة. . . بل تلقنه الحياة نفساً نفساً! وهو لا يجهل نسم الحياة، وهي لا تجهل منه ذلك إنما هي تمرن فيه الطبيعة وفنونها، وتؤكد أساسها، وتنمق حواشيها لتفلته من ثم. . . يواجه الحياة إنساناً جديراً بفهمها كما نفعل أم الطيور بصغارها يوم تحملها من غصن إلى غصن، تمرن فيها الطبيعة، ومن ثم. . الاستقلال!
والمعلمة، على شدة ما يقتضيه عملها هذا من دأب لا يتصل به، أو يجب ألا يتصل به الكلل في وقت من أوقاته، تراها أشبه ما تكون بالذي حمل على راحة كفه البذرة تكمن في قلبها الحياة، إلى أرض اختارها ليزرعها هناك وما يبرح يسقيها ويرعاها. . . ثم يرقبها في الليل والنهار حتى تنبثق من قلبها الحياة أغصاناً وأوراقاً غضة خضراء. . . وأزهار تضحك في ألوانها الحياة! وليس يتم هذا بالطبع إلا بالجهد العظيم، لكنه ليس كفاية بالجهد فالشجرة اليافعة لا تزال تستهدف للعواصف كلما شب عودها فوق الأرض، والعاصفة لا ترحم تكسر كل عود لم يقوى على الوقوف في وجهها فهل تترك الشجرة وحيدة.؟!
إنها المعلمة الشخص القوي الحنون لاتني تدور حول (شجرتها) وقد شبت، تسند الطري من الأغصان حتى يكتمل نموه وتنتزع الأصفر من الأوراق وترعى الناضر الحي حتى إذا أكملت نموها وذهبت في الفضاء فارعة قوية تطاول العاصفة ولا تطولها العاصفة، ماتني المعلمة تدور أيضاً حول (شجرتها) رعاية ومحبة، تمسح الغبار عن كل ورقة وتتنسم العبير من كل زهرة متفتحة!
إنها المعلمة ذلك الشخص القوي الحنون،
المعلمة والمجتمع
الآنسة فكتوريا نعمان
كدت أقول في (صنع) المجتمع، فلست أعرف إنساناً يشتغل في هذا (الصنع) الدقيق الخطير:(صنع) الناس للمجتمع كمعلمة، تراها محنية على كل فرد ناشئ منه وسعته ذراعاها، تلقنه المعرفة كلمة كلمة. . . بل تلقنه الحياة نفساً نفساً! وهو لا يجهل نسم الحياة، وهي لا تجهل منه ذلك إنما هي تمرن فيه الطبيعة وفنونها، وتؤكد أساسها، وتنمق حواشيها لتفلته من ثم. . . يواجه الحياة إنساناً جديراً بفهمها كما نفعل أم الطيور بصغارها يوم تحملها من غصن إلى غصن، تمرن فيها الطبيعة، ومن ثم. . الاستقلال!
والمعلمة، على شدة ما يقتضيه عملها هذا من دأب لا يتصل به، أو يجب ألا يتصل به الكلل في وقت من أوقاته، تراها أشبه ما تكون بالذي حمل على راحة كفه البذرة تكمن في قلبها الحياة، إلى أرض اختارها ليزرعها هناك وما يبرح يسقيها ويرعاها. . . ثم يرقبها في الليل والنهار حتى تنبثق من قلبها الحياة أغصاناً وأوراقاً غضة خضراء. . . وأزهار تضحك في ألوانها الحياة! وليس يتم هذا بالطبع إلا بالجهد العظيم، لكنه ليس كفاية بالجهد فالشجرة اليافعة لا تزال تستهدف للعواصف كلما شب عودها فوق الأرض، والعاصفة لا ترحم تكسر كل عود لم يقوى على الوقوف في وجهها فهل تترك الشجرة وحيدة.؟!
إنها المعلمة الشخص القوي الحنون لاتني تدور حول (شجرتها) وقد شبت، تسند الطري من الأغصان حتى يكتمل نموه وتنتزع الأصفر من الأوراق وترعى الناضر الحي حتى إذا أكملت نموها وذهبت في الفضاء فارعة قوية تطاول العاصفة ولا تطولها العاصفة، ماتني المعلمة تدور أيضاً حول (شجرتها) رعاية ومحبة، تمسح الغبار عن كل ورقة وتتنسم العبير من كل زهرة متفتحة!
إنها المعلمة ذلك الشخص القوي الحنون، الدائب على (صنع) الناس للمجتمع، ولقد قلت المعلمة وليس لي في هذا بالطبع أن أنكر دور المعلم في هذا (الصنع) لكن ثمة أمور واضحة جعلت الدور الأول فيه للمعلمة وعززت أهمية هذا الدور فما هي تلك الأمور. وما هي أهمية دور المعلمة في بناء المجتمع؟
من الواضح أن بلادنا تجتاز الآن - بالنسبة إلى وضع المرأة الاجتماعي_مرحلة الانتقال
بين عهد كانت تسوده شعارات باللغة الرجعية شعارات المحافظة على المرأة ضمن جدران البيت، وإبقائها جاهلة متأخرة، منعزلة عن العالم تنفق العمر كله بأتفه الأمور وأسخفها، إلى عهد تعاونت فيه أحوال اقتصادية اجتماعية داخلية وخارجية، على تخفيف حدة تلك الشعارات والحماس لها، وإحلال ما هو أحسن محلها مما أدى إلى تطوير وضع المرأة شيئاً فشيئاً، والخروج بها من واقعها الضيق القديم إلى أفق أوسع وأرحب وأهم، هو أفق المجتمع الآخذ بالتعلم وأسبابه، فكشف لها عن عوالم جديدة، أدركت منذ ممارسة الحياة فيها لأول مرة أنها تستطيع أن تكون إنسان آخر، غير ذلك الذي يعيش ضمن حلقة متكررة مفرغة، إنساناً يستطيع أن يقدم لمجتمعه خدمة وأن تكون حياته في بيته ولأهله ولشخصه، أفيد وأجدى، كل ذلك إذا استطاعت أن تبدد شيئاً من ظلمات الجهل المحيطة بها، وأن تخرج إلى عالم نير يشرق في أرجائه العلم.
وكان إن سلكت المرأة طريقها نحو العلم، ولما بهرت عينيها الساذجتين أضواءه الساطعة الحلوة، لم تشأ، بل لم تستطع أن تحول عينيها عن سحره الأخاذ فبقيت هناك تطلب المزيد. وأخذت تيسر السبل لبنات جنسها الناشئات للارتشاف من مناهله العذبة، فكان هذا الجمهور العامل النشيط جمهور المعلمات تلك الفئة التي تؤدي لوطنها أجل الخدمات.
هذا إلى جانب أمر من الأهمية بمكان لعله المكان الأول هو شعور المرأة المتعلمة بضرورة استقلالها الاقتصادي كإنسان مكتمل النضج وعزيز الشخصية، هذا الشعور الكريم الذي كان سلماً للمرأة ما تزال ترتقي درجاته إلى مكانها العزيز مكان الإنسان الحر المستقل، الإنسان الذي يأبى أن يكون عالة. . . ومن ثم أن يكون أشبه شيء بالبضاعة التي يخشى عليها الكساد! فيعمل على (تصريفها) بشكل فيه الكثير من المساس بالشخصية، بل بكرامة الإنسان!
كانت مهنة (نشر العلم) أول المهن وأوسعها في فتح أبواب الاستقلال الاقتصادي أمام المرأة، وقد صادفت هذه المهنة الجليلة إقبالاً ما يزال آخذاً بالتزايد يوماً بعد يوم للأسباب التي أسلفت، ولغلبة العقلية المتحررة على العقلية الجامحة المتأخرة. وذلك كنتيجة حتمية لتطور العالم الاقتصادي والاجتماعي، وتأثر مجتمعنا بتطوره ذاك.
فالتعليم إذاً أول المهن التي حررت المرأة ومن ثم أخذت في تحرير البيت وبالتالي في
تحرير المجتمع من كثير مما كان يسود هؤلاء جميعاً من مظاهر الجهل والتأخر والجمود بل لست أغالي إذا قلت: والانحطاط!
هذا هو إذن مركز المعلمة في المجتمع في هذه المرحلة الحاضرة وهو مركز له أهميته ويرتب على المعلمة واجبات كبرى عظيمة. فما هي الواجبات المترتبة على المعلمة في المجتمع الحاضر تبعاً لمركزها.؟
أول تلك الواجبات أن تكون المعلمة عضواً فعالاً في مساعدة المجتمع لتكميل مرحلته التطورية الحاضرة، وانتقاله إلى مرحلة أرقى وأحسن، أي لمساعدة المجتمع في أن يخطو دائماً خطوة جديدة نحو التقدم، وبين يدي المعلمة مجال واسع للقيام بهذا الواجب الهام، بحكم طبيعة عملها الإنشائي الجماهيري الواسع بين صفوف الناشئة وهي تستطيع الوصول إلى تحقيق هدفها ذاك بتلقين الناشئة العلم الصحيح الخالي من الأوهام والشكوك والغموض، وبحملهم على تحكيم العلم في تفسير كل غامض وبتعويدهم على تسييد العقل أي جعل العقل سيداً لكل شيء، والتفكير السليم الصحيح وسيلة لتفهم الحياة.
إن التفتيش عن الحقيقة وإتباع طريقها يجب أن يكون الهدف الذي تضعه المعلمة أمام تلاميذها وباستمرار ذلك تتوصل إلى بث وعي صحيح فيهم فتنمو القدرة على تعيين الحقيقة في كل شيء حولهم فلا يسهل عندئذ أخذهم بالأضاليل، إذ أن شمس الحقيقة تذيب الزبد ولا تبقي إلا ما ينفع الناس.
إن الواجب الخطير الذي يواجه المعلمة هو أن تعرف كيف تربط الحياة بالكتاب! وأن تحطم هذا الحاجز الرجعي الذي يحاول أنصار الجهل إقامته سداً بين الحياة والكتاب أي بين العلم والحياة فيلقنون الطالب ما يحمله الكتاب من علم لكنهم يغلقون هذا الكتاب ويعتمدون على الخرافات والأوهام والجهل في تفسير الحياة ومظاهرها وحل أمورها، وهكذا يقطعون الحلقة بين العلم والحياة ويضعون ثقة النشء بالعلم ويبعدونه عن تفكيرهم وحياتهم فيخونون رسالتهم العلمية ويعبثون بعقول الناشئة ويدسون سوس الخراب في تكوينهم وتهيئتهم، لذلك وجب أن يكون شعار المعلمة أمام صغارها، إن الكتاب قاموس الحياة!
والمعلمة قد درست تاريخ بلادها واطلعت على أمجاد أمتها، فالواجب الوطني يدعوها إلى
اطلاع الناشئة على تلك الأمجاد بأمانة وإفهامهم أن رسالتهم ليست بالاكتفاء بالتأخر بتراثهم القومي ذاك، بل للعمل على تكميله وتنميته، ومن هنا كان عليها حمل الناشئة على الشعور بواجب النضال في سبيل رفع مستوى بلادهم وترقية شعبهم ليكون جدير بماضيه وأمجاده وجدوده حمل الناشئة على الشعور بالمسؤولية أمام هذه البلاد وتاريخها ومستقبلها، حملهم على الشعور أن كلاً منهم جندي في خدمة بلاده والتفاني في حبها، ومن هنا كان على المعلمة أن تعلمهم تقديس المثل العليا وتقديس الحرية وحب الوطن، وتقدير الإنسان وكرامته كأعز المخلوقات وأشرفها، وبتحقيق هذا تكون مهنة المعلمة مهنة حية تستمد قوة وتجدد دائمين، من قوة الحياة وتجددها الدائمين!
من أجل هذا كله، كان المجال الحيوي لنشاط المعلمة أوسع من دائرة مدرستها وكتابها، فهي كواحدة من أوائل المتعلمات في البلد، ومن حاملات مثل هذه الرسالة الكبرى، رسالة تهيئة النشء للبلاد أو رسالة (صنع) المجتمع! يجب - لكي تستطيع القيام بأداء تلك الرسالة - أن تعمل جاهدة على تنمية مواهبها باستمرار وزيادة ثقافتها، وتنظيم نفسها وجهودها في حركات تخدم مجتمعها وبلادها لكي تساير العالم في تطوره، فليس يعقل أن تقف مربية الجيل الطالع، متفرجة على دولاب الحياة السائر قدما إلى أمام!.
فكتوريا نعمان