الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السينما في خدمة المدرسة
إن مهمة السنما الرئيسية هي التعليم وقد يجري بصورة مباشرة كما هو في السينما المدرسية كما أنه قد يجري أيضاً بصورة غير مباشرة كما هو في السينما القصصية والثقافية.
من الملاحظ غالباً أن كل محدث أتيح له أن يتحدث عن السينما - بمختلف ألوانها سواء أكانت قصصية أم مدرسية أم ثقافية - بدأ كلامه بالحديث عن الحركة وما ذلك إلا لأن الحركة (كما سنبينه فيما بعد) هي قوام وعمادها.
ولكننا في الحديث عن هذا اللون من ألوان السينما وهو السينما المدرسية ينبغي لنا بصورة خاصة ألا نغفل هذا الأمر بل يجب علينا أن نفصله ونفيض فيه، لأن السينما ما كانت لتصبح ذات صلة وثيقة بالمدرسة لولا الحركة وهذا ما سنحاول بحثه الآن.
الإنسان والحركة
استخدم الإنسان في المراحل الأولى من التطور البشري الصور للتعبير عما يختلج بنفسه من المشاعر والأحاسيس وكانت هذه الصور بداية الفن لديه، ثم استلهم من الطبيعة الحركة فافتتن بها وادخلها على فنه ابتغاء الزيادة من قوة التعبير ثم لم تلبث أن أوحت إليه من شغفه به أن أحله موضع التقديس فكان وسيلته في إبداء إعجابه بما حوله من مظاهر الكون التي كان يقف حيالها حائراً ثم وسيلته في التخاطب مع آلهته بعد أن جعل لنفسه آلهة هذا الفن هو الرقص وبه أصبحت الحركة تشغل حيزاً هاماً من حياة الإنسان أي أنها أصبحت أداته في الكلام والعبادة والفن.
ويعلل العلماء ظاهرة افتتان الإنسان بالحركة إلى أنه وجد فيها سبيلاً جديداً من سبل المعرفة ففي الحركة معنى من معاني الحياة وبها يمتاز الحي عن غير الحي فلا غرابة أن تفتن الإنسان ومشكلة الحياة وسرها كانا ولا يزالان شغله الشاغل وما ينطبق على الإنسان في عهده الأول أي عهد طفولة الإنسانية ينطبق أيضاً على الطفل إذ أن الطفل في تصرفاته وأعماله ليشبه إلى حد كبير الإنسان في حب الاستطلاع وهي التي ينشأ عنها الميل إلى المعرفة ولكنه لا يعرف شيئاً يهديه إلى ذلك سوى الحركة فهي لديه كما كانت لدى الإنسان القديم العلامة الفارقة للشيء
الحي فنراه يعتمد إلى شيء يراه ويحركه مدفوعاً برغبة الكشف عن سره بل وكثيراً ما يلجأ إلى جماد معين فيربطه بخيط ويجره كي يقنع نفسه بان هذا الجماد حي إذ انه يتحرك وطالما هو يتحرك فقد عرف شيئاً عنه.
وما قصة الطفل الذي فضل أن يمس جمرة متأججة وضعت أمامه على ان يمس بلحة إلى جوارها إلا دليلاً على أن الجمرة بتأججها قد فتنت الطفل واسترعت انتباهه.
ويروي احد علماء النفس حادثة طفل وقف مع أبيه أمام صورة تمثل سباحاً يتأهب للاندفاع في الماء وطال وقوفه ثم التفت إلى أبيه وقال بتذمر: لم لا ينزل هذا السباح إلى الماء فهذا الطفل ضاق ذرعا بالصورة وهو يشهدها على هذا الشكل فهو يود رؤية السباح وهو يندفع والماء يتناثر من حوله أي أنه يرغب في رؤية الحركة في هذه الصورة.
والطفلة التي تفتعل الحركة في لعبتها الصغيرة فتضعها معها إلى المائدة أثناء الطعام وتأوي بها إلى السرير في الليل فهي ترى فيها نموذجاً لإنسان حي يأكل وينام ويمارس كل ما يمارسه الأحياء.
وثمة تجربة قام بها أحد الرجال التربية فقد قرر على إحدى مدارس الأطفال كتاباً للحروف الهجائية خال من الصور فوجد أن الأطفال يصورون ما توحي به الحروف إليهم على هوامش الكتاب فمثلاً حرف ب يرسم الطفل إلى جانبه ما يشابه البيت وحرف ك. . . كرسي. . . الخ، ثم عندما أعاد إليهم كتبهم السابقة وهي كتب مصورة وجد أنهم يضيفون إلى الصور ما يوحي بأن الحركة تملؤها فصورة البيت مثلاً يضيف الطفل إليها المدخنة التي تعلو سقفه والدخان يتصاعد منها أي أن البيت يزخر بالحركة وصورة الرجل أيضاً يضيف إليها شارباً كي تذكره بأبيه أو أستاذه الذي يراه كل يوم وكذلك صورة المنظر الطبيعي إذ يضيف إليها العصافير في طيرانها. . . الخ.
ونستدل من هذه الأمثلة عن مدى تأثير الحركة في الطفل وأخذها بجانب كبير من انتباهه والتفاته لا لأن فيها معنى الحياة فحسب بل لأنها أيضاً ترمز إلى الواقع الملموس أي الواقع الذي يقنع الطفل ويروي ظمأه للمعرفة.
السينما والحركة
في صالة المقهى الكبير في باريس وفي يوم 28 كانون الأول من عام 1895 كان هناك
نفر ضئيل جداً من علماء المدينة ورجالها لا يتعدى الثلاثين شخصاً يشهد أول عرض لأول فيلم في العالم.
ولم يكن يدور بخلد أحد من هؤلاء أن ما يشهده الآن بدهشة يشو بها الشك سيصبح بعد بضع من السنين ذا أثر هام في الحياة والمجتمع حتى العالمين لويس واوغست لومبير صاحبي الفيلم لم يكن يخطر ببالها هذا فقد كان الغرض الأول والأخير من هذا الاختراع تسجيل الحركة بشكل يحاكي تسجيل الفوتوغرافيا أو بمعنى اصح أن السينما أعبرت في أول الأمر امتداداً للفوتوغرافيا. إذ أن هذه كانت وظيفتها تسجيل جزء من الحركة وهو الجزء الذي تتمكن عدستها من اقتناصه أما السينما فقد تمكن المصورون بواسطتها من تسجيل جميع أجزاء الحركة بصورة متتالية وعرضها أيضاً على أنها وحدة كاملة.
والواقع أن هذه الظاهرة ليست جديدة في الفن فقد قلنا في السابق أن الإنسان انتقل في تعبيره من الرسوم التي كان ينقشها في مغاوره وكهوفه إلى الرقص يقيمه للآلهة والطبيعة معبراً به ولائه وطاعته وإعجابه ثم الحركة على الشعر وذلك بظهور المسرح على فن التصوير وذلك باكتشاف فن المنظور فكان أن ظهر البعد الثالث في اللوحات والرسوم بعد كانت مفتقره على بعدين وهذا أيضاً من مظاهر الحركة في فن التصوير ثم اخترعت الفوتوغرافيا ثم السينما.
السينما المدرسية
إن مهمة السينما الرئيسية هي التعليم وقد يجري بصورة مباشرة كما هو في السينما المدرسية كما أنه قد يجري أيضاً بصورة غير مباشرة كما هو في السينما القصصية والثقافية ومن هذا ندرك أن السينما المدرسية ليست إلا وسيلة يستند إليها المعلم في شرحه أي أنها تقوم مقام وسائل الإيضاح ومن أهم مميزاتها أنها تقوم أيضاً مقام المخبر في المدرسة فإن أغلب المخابر تفتقر إلى كثير من الأدوات والمواد الأولية فالسينما تعوض هذا بأن تعرض على الطلبة مختلف التجاوب التي قد يكون بعضها ذا خطر عليهم إذ أجريت أمامهم ولم تفتقر السينما في مهمتها هذه على المدارس بل تعدتها إلى الجامعات.
وهناك حكمة صينية تقول: إن الصورة غالباً ما تكون خير من ألف كلمة كما أن الشاعر اللاتيني هو راس يقول: إن الصعوبة التي نصادفها عندما نحاول أن نثبت في النفس
الأشياء الآتية عن طريق الأذن لهي أشد من تلك التي نصادفها في الأشياء التي تقع عليها نظرنا والتي نطالعها بأنفسنا. وهذا أيضاً يلخص في كلمة الفيلسوف كانت: لا بد للفهم من الرؤية.
وقد لجأ رجال التعليم في السابق إلى الصور كي تساعدهم على أداء مهمتهم ولكنها لم تف بكل الفرصة فما أن ظهرت السينما حتى كانوا أول من سخرها لخدمتهم. ففي سنة 1898 أي بعد ظهور اختراع لوميير بثلاث سنوات، عمد الدكتور دويان وهو أحد كبار جراحي فرنسا إلى تصوير إحدى عملياته الجراحية بمصورة لومبير ثم عرضها على تلاميذه ممن لم يتمكنوا من شهود العملية أثناء القيام بها. وقد كتب بعد ذلك في إحدى المجلات الطبية مقالاً قال فيه أنه عند مشاهدته على الشاشة البيضاء العملية الجراحية التي قام بها، لاحظ أن كثيراً من الأمور الفنية التي كان يعتبر كمالها أمرا مفروغا منه، بدت له ناقصة من نواح عدة، وأن الفضل يعود للسينما إذ أنها مكنته من تلافي هذا النقص وإصلاحه.
ولكن هذا ليس معناه أن السينما قوبلت لأول وهلة بالترحيب من جميع أوساط التعليم ذلك أن حالة الدكتور دويان تعتبر نادرة إذا قيست بغيرها من الحالات التي مرت بها السينما. فقد شن المربون في أول الأمر حرباً شعواء عليها بدعوى أنها مفسدة لأخلاق الأطفال والشباب، ولكنهم مع ذلك لم ينكروا مالها من قوة التأثير الأمر الذي جعلهم فيما بعد يعملون على استغلالها وضمها إلى معسكرهم.
وقام في فرنسا فريق من كبار الرجال يدعون للسينما المدرسية منهم: بول يانليفية نائب رئيس أكاديمية العلوم الذي كتب أثناء الحرب العالمية الأولى في الجريدة الرسمية مقالا دعا فيه للسينما المدرسية وقال أنها الوسيلة الناجعة التي يجب أن نلجأ إليها في إنشاء جيل جديد تعتمد عليه البلاد في المستقبل. وكذلك خطب أدوار هريو قائلا بأن السينما المدرسية قد فتحت أمام رجال التعليم آفاق جديدة تساعدهم على أداء مهمتهم على أحسن وجه.
وكان لهذه الدعوات أثرها مما جعل وزارة التربية تنشئ قسماً يعنى بشؤون السينما المدرسية وبذلك عمت السينما في المدارس الفرنسية بصفة رسمية.
وقام في أمريكا سيدني برنستين يدعو للسينما المدرسية ويؤيده فريق من رجال علم النفس. ثم أخذت المدارس والجامعات تلبي نداءهم. وما أن مضى عدة سنوات على هذه الدعوة
حتى أصبحت جميع مدارس الولايات المتحدة تستخدم السينما في برامجها أما الآن فيكاد يكون استعمال السينما المدرسية عاماً في جميع البلدان المتمدنة لا سيما روسيا وفرنسا وأمريكا. . .
الفيلم المدرسي
ويشرف على إخراج الفيلم المدرسي مخرج جمع إلى جانب الثقافة الفنية ثقافة تربوية تساعده على تفهم نفسية الطالب. ووظيفة المعلم، إذ أنه في فيلم كهذا سيساعد الاثنين: الأول على الفهم والثاني على الشرح.
وينقسم إخراج الفيلم المدرسي إلى ثلاثة مراحل رئيسية:
1_
مرحلة اختيار الموضوع وتكون بمساعدة أحد المعلمين ويختار من البرنامج الدراسي
2_
مرحلة سبك الموضوع في قالب سينمائي (السيناريو) ثم إعداده للإخراج (الديكوباج).
3_
مرحلة التصوير، وأحياناً تكون بالألوان الطبيعية، خصوصاً في الأفلام التي تدور حول دروس الجغرافية والفيزياء. .
ويصور الفيلم أحيانا على فيلم 35م م وهو الفيلم العادي الذي تصور به الأفلام القصصية، والذي نشاهده في دور العرض العادية، وأحيانا على فيلم 16م م وهو أصغر حجما كما أن آلة عرضة وشاشته تكونان أصغر حجما أيضاً وتنقلان بسهولة، وهناك أيضاً فيلم 9. 5م م وفيلم 8 م م وهذه الأنواع الثلاثة الأخيرة تستعمل بكثرة في السينما لسهولة اقتنائها وصغر حجم آلتها.
السينما المدرسية والسينما الثقافية والمسرح المدرسي
يختلف الناس أحيانا بين السينما المدرسية والسينما الثقافية، فبعضهم يعتقد أنهما اسمان لمسمى واحد، والواقع أن هناك اختلافاً كبيرا بينهما، وكما بينا في السابق، فالتعليم يجري في الأولى بصورة مباشرة أما في الثانية فيجري بصورة غير مباشرة.
والسينما المدرسية صنعت خصيصا للمدارس والمعاهد على أن تعرض في قاعات الدرس، أما الثقافية فهي ملك لجميع الناس ومواضيعها جميع الناس.
والفرق بين النوعين كالفرق بين الكتب المدرسية والكتب الموجودة في المكاتب العامة، والتي يستعملها الطلبة في أوقات فراغهم إرادة تثقيف أذهانهم وتنمية أذواقهم. وهناك أفلام
ذات صبغة مدرسية وثقافية في آن واحد وهي الأفلام التي تدور حول حياة عظماء الرجال أمثال نابوليون وباستور وغيرهما. . وأيضاً أفلام الرسام الشهير والت ديزني. كما أننا نجد في بعض الأحيان أفلاما قصصية تحمل طابعاً مدرسيا تعليمياً، وهي غالباً ما تفيد طلبة علم النفس إذ أنها تعالج المواضع النفسية وتحللها وتبسطها وأشهرها فيلم هنشكوكالمأخوذ وفيلم رحلة مرجريت الذي يعالج العقد النفسية عند الأطفال وقد عرضا منذ أشهر في إحدى دور العرض بدمشق.
وثمة فرق آخر بين السينما المدرسية والمسرح المدرسي_الذي تحدثنا عنه في مقال سابق_فهو يحمل صفات السينما الثقافية من حيث أنه وسيلة لتثقيف الذهن وتنمية الذوق، ويشترك الطلبة جميعاً في العمل به وذلك بتمثيل الأدوار.
ولكن هناك بعض التقارب بينهما في الروايات التاريخية التي يراد من ورائها تبسيط التاريخ وتقديمه للطلبة بأسلوب شيق عن طريق التمثيل، وكذلك الروايات الشعرية التي تساعد على تلقي دروس الأدب وفهمها.
كيف نفيد من السينما المدرسية
عندما دعونا للمسرح المدرسي (في مقال سابق) كان يساورنا شك من جهة الاستجابة إلى ما دعونا إليه، فالمسرح المدرسي تقوم في طريقه مصاعب جمة لعل أهمها فقدان الأمكنة الأزمة له، وفقدان المدربين أيضاً. .!، أما السينما المدرسية فلا يحول دون تحقيقها حائل. إذ أنه يمكننا أن نجلب من أمريكا وفرنسا كمية كبيرة من هذه الأفلام ونترجمها بالطريقة المعروفة ب (الدوبلاج) وهي طريقة سهلة التكاليف يمكننا تحقيقها في سورية أو في مصر.
فنوجه أنظار معالي وزير المعارف. . . لا سيما وللمشروع فائدة جمة ويكفي أنه خطوات إلى الأمام
القاهرة
أكرم الميداني