الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل "الأسباب الجالبة لمحبة الله
"
ومن الأسباب الجالبة لمحبة الله عز وجل معاملة الله بالصدق والإخلاص ومخالفة الهوى، فإن ذلك سبب لفضل الله عَلَى عبده وأن يمنحه محبته.
قال بشر الحافي: قال فتح الموصلي: "من أدام النظر بقلبه ورثه ذلك الفرح بالمحبوب، ومن آثره عَلَى هواه، ورثه ذلك حبه إياه، ومن اشتاق إِلَيْهِ وزهد فيما سواه ورعى حقه وخافه بالغيب، ورثه ذلك النظر إِلَى وجهه الكريم".
خرجه أبو نعيم وغيره.
ويقال: إن سرى السقطي -رحمه الله تعالى- كان له دكان فاحترق السوق الَّذِي فيه دكانه ولم يحترق دكانه، فأخبر بذلك فَقَالَ: "الحمد لله. ثم تفكر في ذلك فرأى أنَّه قد سر بعطب الناس وسلامته، فتصدق بما في دكانه، فشكر الله له ذلك ورقاه إلى درجة المحبة، وسئل مرة عن حاله فأنشد:
من لم يبت والحب حشو فؤاده
…
لم يدر كيف تفتت الأكباد
وبلغ من أمره "أنَّه لما مرض رفع ماؤه إِلَى الطبيب، فلما رآه الطبيب قال: هذا عاشق! فصعق حامل الماء وغشي عليه. ونظروا إِلَى جسده مرة وكان سقيمًا مضنيًا، فَقَالَ: لو شئت أن أقول هذا كله من محبته لقلت".
"وسئل المرتعش: بم تنال المحبة؟ قال: بموالاة أولياء الله عز وجل ومعاداة أعدائه وأصله الموافقة".
ومن أعظم ما تستجلب به المحبة: كثرة الذكر مع الحضور.
وقال ذو النون: "من شغل قلبه ولسانه بالذكر قذف الله في قلبه الاشتياق إِلَيْهِ".
وقال إبراهيم بن الجنيد: "كان يقال: من علامة المحبة لله: دوام الذكر
بالقلب واللسان، وقل ما ولع المرء بذكر الله عز وجل إلا أفاد منه حب الله- جل جلاله".
ومما يستجلب به المحبة تلاوة القرآن بالتدبر والتفكر، ولا سيما الآيات المتضمنة للأسماء والصفات والأفعال الباهرات، ومحبة ذلك يستوجب به العبد محبة الله ومحبة الله له.
وفي الصحيحين (1) عن أنس "أن رجلاً كان يصلي بهم ويختم قراءته {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل عن ذلك، فَقَالَ إنها صفة الرحمن وأنا أَحَبّ أن أقرأها؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه".
ومن أسباب المحبة نذكر ما ورد في الكتاب والسنة من رؤية أهل الجنة لربهم وزيارتهم له واجتماعهم يوم المزيد، فإن ذلك تستجلب به المحبة الخالصة.
وقد أشار إِلَى ذلك الحسن قال دلهم عن الحسن: "أوصيكم بتقوى الله عز وجل وإدمان التفكر، فإنَّه مفتاح خلال الخير كله، وبه يخص الله كل موفق، واعلموا أن خير ما ظفرتم به مدرك من تفكر بخالصة الله وشرب بكأس حبه، وأن أحباء الله هم الذين ظفروا بطيب الحياة، وذاقو لذة نعيمها بما وصلوا إِلَيْهِ من مناجاة حبيبهم، وما وجدوا من حلاوة حبه في قلوبهم، ولا سيما إذا خطر عَلَى بال أحدهم، وذكر مشافهته وكشف ستور الحجب عنه في المقام الأمين والسرور الدائم وأراهم جلاله، وأسمعهم لذيذ منطقه، ورد عليهم جواب ما ناجوه به أيام حياتهم؛ إذ قلوبهم به مشغوفة، وإذ مودتهم إِلَيْهِ معطوفة وإذ هم له مأثورون وإليه منقطعون، فليبشر المصفون له ودهم بالمنظر العجيب بالحبيب، فوالله ما أراه يحل لعاقل، ولا يجمل به أن يستوعبه حب أحد سوى حب الله عز وجل".
خرجه ابن أبي الدنيا وغيره.
(1) أورده البخاري (774) تعليقًا من حديث أنس.
والذي في الصحيحين: رواية عائشة عند البخاري (7375)، ومسلم (813).