الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني عشر في نبذ من كلام أهل المحبة وتحقيقهم تقوى به القلوب عَلَى سلوك طريقهم
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في "قوله تعالى {الوَدُودُ} [البروج: 14] قال يقول: الحبيب".
خرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1).
وفي حديث أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية -أو غيره- عن أبي هريرة في "قصة الإسراء الطويلة في ذكر سدرة المنتهى، قال: فيغشاها نور الخالق وغشيتها الملائكة مثل الغربان حين يقعن عَلَى الشجرة من حب الله -جل ثناؤه"(2).
قال الجوزجاني: حدثنا أبو صالح أن معاوية حدثه عن يزيد بن ميسرة أنَّه
(1) انظر الدر المنثور للسيوطي (6/ 256).
(2)
أخرجه الطبري في تفسيره (15/ 10)، وأخرجه البزار (55 - زوائد) قال البزار: هنا لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد من هذا الوجه.
وقال الهيثمي في "المجمع"(1/ 72): رواه البزار ورجاله موثقون إلا أن الربيع بن أنس قال: عن أبي العالية أو غيره. فتابعيه مجهول.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/ 25): وأبو جعفر الرازي، قال فيه الحافظ أبو زرعة: الرازي يهم في الحديث كثيرًا، وقد ضعفه غيره أيضًا ووثقه بعضهم، والظاهر أنَّه سيء الحفظ، ففيما تفرد به نظر.
وهذا الحديث في بعض ألفاظه غرابة ونكارة شديدة، وفيه شيء من حديث المنام من رواية سمرة بن جندب في المنام الطويل عند البخاري، ويشبه أن يكون مجموعًا من أحاديث شتى أو منام أو قصة أخرى غير الإسراء، والله أعلم.
سمع أبا الدرداء يقول: "لما أهبط الله آدم إِلَى الأرض قال له: يا آدم، أحبني وحببني [إِلَى خلقي](1) ولا تستطيع ذلك إلا بي، ولكني إذا رأيتك حريصًا عَلَى ذلك أعنتك عليه، فإذا فعلت ذلك (تجد)(2) به اللذة والنضرة وقرة العين (والاطمأنينة)(3).
وقال خليد العصري: "يا إخوتاه، هل منكم من أحد إلا يحب أن يلقى حبيبه؟ ألا فأحبوا ربكم عز وجل وسيروا إِلَيْهِ سيرًا كريمًا".
خرجه الإمام أحمد، وخرّجه أبو نعيم، وفي رواية له:"فأحبوا الله وسيروا إِلَيْهِ سيرًا جميلاً لا مصعدًا ولا مميلا".
وخرج ابن أبي الدُّنْيَا (4) من طريق ابن لهيعة، حدثني عبد الحميد بن عبد الله بن إبراهيم القرشي، عن أبيه قال:"لما نزل بالعباس بن عبد المطلب الموت قال لابنه عبد الله: إني موصيك بحب الله وحب طاعته، وخوف الله وخوف معصيته، وإنك إذا كنت كذلك لم تكره الموت متى أتاك".
وقال أحمد بن أبي الحواري: حدثنا أبو صالح الخراساني، حدثنا إسحاق ابن نجيح، عن إسماعيل الكندي قال: "جاء رجل من البصرة إلى طاوس ليسمع منه، فوافاه مريضًا فجلس عند رأسه يبكي، فَقَالَ: ما يبكيك؟! قال: والله ما أبكي عَلَى قرابة بيني وبينك ولا عَلَى دنيا جئت أطلبها منك، ولكن عَلَى العِلْم الَّذِي جئت أطلب منك يفوتني! فَقَالَ له طاوس: إني موصيك بثلاث كلمات إن حفظتهن علمت علم الأولين و [علم](5) الآخرين، وعلم ما كان (6)،
(1) من المطبوع.
(2)
في المطبوع: "فَخُذ".
(3)
في المطبوع: "الطمأنينة".
(4)
في كتاب "المحتضرين"(311).
(5)
من المطبوع.
(6)
أما علم ما يكون فهو من الغيبيات التي لم يطلع الله عليها أحدًا إلا من ارتضى من رسله، فهو سبحانه يطلعهم عَلَى بعض الأمور الغببية.
وعلم ما يكون: خف الله حتى لا يكون عندك شيء أخوف منه، وارج الله حتى لا يكون عندك شيء أرجا منه، وأحب الله حتى لا يكون شيء أَحَب إليك منه؛ فإذا فعلت ذلك علمت علم الأولين، وعلم الآخرين، وعلم ما كان، وعلم ما يكون. فَقَالَ: لا جرم لا سألت أحدًا بعدك عن شيء ما بقيت".
وعن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياش يقول: "مر عيسى عليه السلام بثلاثة من الناس نحلت (أبدانهم) (1) وتغيرت ألونهم فَقَالَ: ما الَّذِي (بَلَّغَكُم) (2) ما أرى؟! قالوا: الخوف من النيران. قال: مخلوقًا خفتم وحق عَلَى الله أن يؤمن الخائف. ثم جاوزهم إِلَى ثلاثة أخر؛ فإذا هم أشد تغيرًا وأنحل أجسامًا، فَقَالَ: ما الله (بَلَّغَكُم) (2) ما أرى؟! قالوا: الشوق إِلَى الجنة. قال: مخلوقًا اشتقتم وحق عَلَى الله أن يعطيكم ما رجوتم، ثم جاوزهم إِلَى ثلاثة أخر؛ فإذا هم أشد تغيرًا وأنحل أجسامًا، كان عَلَى وجوههم المرايا من النور. فَقَالَ: ما الَّذِي (بَلَّغَكُم) (2) ما أرى؟! قالوا: حب الله عز وجل قال: أنتم المقربون، أنتم المقربون، أنتم المقربون"(3).
وروى إبراهيم بن الجنيد بإسناده عن محمد بن كعب قال: "أوحى الله إِلَى موسى عليه السلام: إن إبراهيم عليه السلام لم يحبني أحد من خلقي كحبه إياي".
وعن أبي حازم القيساري قال: "مكتوب في الإنجيل: يا عيسى، الحق
(1) في المطبوع: "أجسامهم".
(2)
في المطبوع: "بلغ بكم".
(3)
أخرجه أبو نعيم في الحلية (10/ 7) من حديث إسحاق بن خلف .. فذكره. وهو منقطع بين الرواي وعيسى عليه السلام.
قال الشيخ مجدي قاسم في تعليقه عَلَى هذا الموضع من الكتاب: خوفنا الله من النار فوجب علينا أن نخاف، وشوقنا إِلَى الجنة فحق علينا أن نشتاق. والحب كالطير له جناحان، وجناحاه الخوف والرجاء فلا يطير إلا بهما.
والحق أقول: إني أَحَبّ إِلَى عبدي من نفسه التي بين جنبيه".
وعن ابن عيينة، عن رجل، عن يحيى بن أبي كثير اليمامي قال:"نظرنا فلم نجد شيئًا يتلذذ به المتلذذون أفضل من حب الله عز وجل وطلب مرضاته".
وعن سعيد بن عامر، عن محمد بن ليث، عن بعض أصحابه قال:"كان حكيم بن حزام يطوف بالبيت ويقول: لا إله إلا الله، نعم الرب ونعم الإله، أحبه وأخشاه".
وعن بكر المزني قال: "ما فاق أبو بكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بصوم ولا صلاة ولكن بشيء (كان) (1) في قلبه".
قال إبراهيم: بلغني عن ابن علية "أنَّه قال في عقيب هذا الحديث: الَّذِي كان في قلبه الحب لله -تعالى- والنصيحة في خلقه".
وقال ابن أبي الدُّنْيَا: حدثنا هارون بن سفيان، حدثنا عبد الله بن صالح، أخبرني بعض أهل البصرة قال: "لما استقضى سوّار بالبصرة كتب إِلَيْهِ أخ له كان يطلب العِلْم معه وكان ببعض الثغور: أما بعد؛ أوصيك بتقرى الله الَّذِي جعل التقوى عوضًا من كل فائت من الدُّنْيَا، ولم يجعل شيئًا من الدُّنْيَا يكون عوضًا من التقوى؛ فإن التقوى عقيدة كل عاقل مستبصر إليها يستروح وبها يستن، ولم يظفر أحد في عاجل هذه الدُّنْيَا وآجل الآخرة بمثل ما ظفر به أولياء الله الذين شربوا بكأس حبه فكانت قرة أعينهم فيه، وذلك أنهم أعملوا أنفسهم في جسيم الأدب وراضوها رياضة الأصحاء الصادقين، فطلقوها عن فضول الشهوات وألزموها الفوت المقلق، وجعلوا الجوع والعطش شعارًا لها برهة من الزمان حتى انقادت وأذعنت وعزفت لهم عن فضول الحطام، فلما ظعن حب فضول الدُّنْيَا من قلوبهم، وزايلتها أهواؤهم وانقطعت أمانيهم وصارت. الآخرة نصب أعينهم ومنتهى أملهم، ورث الله قلوبهم نور الحكمة، وقلدها قلائد العصمة، وجعلهم دعاة لمعالم الدين يلمون منه الشعث، ويشعبون منه الصدع، لم يلبثوا إلا يسيرًا
(1) في المطبوع: "وقر".
حتى جاءهم من الله موعود صادق اختص به العاملين له، والعالمين به دون من سواهم، فإذا سرك أن تسمع صفة الأبرار الأتقياء، فصفة هؤلاء فاستمع، وشمائلهم الطيبة فاتبع، وإياك يا سوار وبنيات الطريق والسلام".
وخرج أبو نعيم بإسناده عن الربيع بن برة، عن الحسن "في قوله تعالى:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر: 27] قال: النفس المؤمنة اطمأنت إِلَى الله واطمأن إليها، وأحبت لقاء الله وأحب لقاءها، ورضيت عن الله ورضي عنها، فأمر بقبض روحها، فغفر لها وأدخلها الجنة وجعلها من عباده الصالحين".
وروى ابن أبي الدُّنْيَا بإسناده عن مسمع بن عاصم، عن نعيم بن صبيح السعدي قال:"همم الأبرار متصلة بمحبة الرحمن، وقلوبهم تنظر إِلَى مواضع العز من الآخرة بنور أبصارهم".
قال مسمع: "وسمعت عابدًا من أهل البحرين يقول في جوف الليل: قرة عيني وسرور قلبي، ما الَّذِي أسقطني من عينك يا مانح العصم. ثم صرخ وبكى، ثم نادى: طوبى لقلوب ملأتها خشيتك، واستولت عليها محبتك، فمحبتك مانعة لها من كل لذة غير مناجاتك والاجتهاد في خدمتك، وخشيتك قاطعة لها عن سبيل كل معصية خوفًا من حلول سخطك. ثم بكى وقال: يا إخواتاه، ابكوا عَلَى فوت خير الآخرة حيث لا رجعة ولا حيلة".
وبإسناده عن أيوب بن خوط عن قتادة قال: "كان في حفرة عتيب شيخ يقال له ميسور بن محمد، وكان لا يقدر أن يسمع القرآن من شدة خوفه وكان يقول: سيد الأعمال: التقوى ثم البذل، ثم بعد البذل الشكر، ثم بعد الشكر الرضا، ثم بعد الرضا التعظيم، ثم بعد التعظيم الحب لله والإجلال له".
ومعنى هذا أن درجة الحب المستحبة التي ذكرناها في أول الكتاب متأخرة عن درجة الشكر والرضا والتعظيم والبذل.
أما الواجبة فإنها (داخلة)(1) في التقوى، كما سبق بيانه.
(1) في المطبوع: " تدخل".