الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحث على تقوى الله
والتحذير من المعاصي والذنوب
(1) .
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين، وفقني الله وإياهم لفعل الخيرات، ومن علي وعليهم بالتوبة النصوح من جميع السيئات، آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فتعلمون رحمني الله وإياكم ما حصل من تأخر الغيث عن وقته في كثير من البلاد، ولشدة حاجة المسلمين بل ضرورتهم إلى رحمة ربهم سبحانه وفضله وإحسانه، وأمرهم سبحانه أن يدعوه ويضرعوا إليه ويرفعوا إليه حاجاتهم، وقد وعدهم الله سبحانه بالإجابة، حيث قال عز وجل:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (2) وقال عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (3) وقال سبحانه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (4){وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (5)
(1) توجيه صدر من مكتب سماحته
(2)
سورة غافر الآية 60
(3)
سورة البقرة الآية 186
(4)
سورة الأعراف الآية 55
(5)
سورة الأعراف الآية 56
وكان النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون إذا اشتدت بهم الأمور لجئوا إلى الله سبحانه واستغاثوا به فيغيثهم ويمدهم بإحسانه وجوده، كما قال عز وجل في قصة غزوة بدر:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (1)
ولما اشتد الجدب في المدينة وما حولها طلب المسلمون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغيث لهم، فرفع صلى الله عليه وسلم يديه في خطبة الجمعة واستغاث ربه وكرر الدعاء، وخرج بهم مرة أخرى إلى الصحراء، فصلى بهم ركعتين كصلاة العيد، واستغاث ربه ودعاه ورفع يديه وألح في الدعاء وحول رداءه، ورفع المسلمون أيديهم تأسيا به صلى الله عليه وسلم فأغاثهم الله ورحمهم وأزال شدتهم وأنزل عليهم الغيث الكثير.
وقد قال الله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (2)
(1) سورة الأنفال الآية 9
(2)
سورة الأحزاب الآية 21
ومن أعظم أسباب الرحمة ونزول الغيث: تقوى الله عز وجل، والتوبة إليه من جميع الذنوب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى، والتناصح في الله، والتواصي بالحق والصبر عليه، ورحمة الفقراء والمساكين ومواساتهم والإحسان إليهم، كما قال الله عز وجل:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} (1) الآية، وقال سبحانه:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (2){وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (3) وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (4) وقال عز وجل: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (5) وقال سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (6)
فأبان سبحانه في هذه الآيات الكريمات أن التقوى، والإحسان إلى عباد الله، والاستقامة على أمر الله من أسباب
(1) سورة الأعراف الآية 96
(2)
سورة الطلاق الآية 2
(3)
سورة الطلاق الآية 3
(4)
سورة الطلاق الآية 4
(5)
سورة الأعراف الآية 56
(6)
سورة التوبة الآية 71
رحمته لعباده، وإحسانه إليهم، وإنزال الغيث عليهم، وإزالة المشقة عنهم، فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا إلى عباده، وتواصوا بالحق والصبر عليه، وتعاونوا على البر والتقوى، وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، وتوبوا إليه من جميع الذنوب، يرحمكم مولاكم سبحانه، ويجود عليكم بالغيث المبارك، ويعطيكم ما تحبون، ويصرف عنكم ما تكرهون، قال تعالى:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1) وقال صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم لا يرحم (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام:«الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء (3) » .
والآيات والأحاديث الشريفة في الحث على التقوى والاستقامة عليها ورحمة العباد والإحسان إليهم كثيرة معلومة.
وأسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين جميعا، وأن يمن
(1) سورة النور الآية 31
(2)
رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) حديث جرير بن عبد الله برقم (18759) ، والبخاري في (الأدب) باب رحمة الناس والبهائم برقم (6013) ، ومسلم في (الفضائل) باب رحمة الصبيان برقم (2318) .
(3)
رواه الترمذي في (البر والصلة) باب ما جاء في رحمة الناس برقم (1924) ، وأبو داود في (الأدب) باب في الرحمة برقم (4941)
عليهم بالتوبة النصوح من جميع الذنوب، وأن يغيثهم من فضله، وأن يجمع قلوبهم على التقوى والعمل الصالح، وأن يعيذ الجميع من شرور النفس وسيئات العمل، ومن مضلات الفتن، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يصلح لهم البطانة ويعينهم على كل خير، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
وعبد العزيز بن عبد الله بن باز