المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الربا وخطره - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ٣٠

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌ حكم من شك في عدد ركعات صلاته

- ‌ حكم الشك في السجود

- ‌ مسألة في السهو في الصلاة

- ‌ حكم سجود السهو في النوافل

- ‌ الحكم إذا نسي الإمام قراءة الفاتحة

- ‌ الحكم إذا أتى الإمام بركعة زائدة

- ‌ حكم الزيادة في الصلاة بالنسبة للمسبوق

- ‌ حكم سجودالسهو في صلاة التراويح

- ‌ حكم سجود السهو لمن غلط في القراءة

- ‌ حكم من شك في قراءة الفاتحة

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌ بيان فضل صلاة التطوع

- ‌ بيان أن العبادات توقيفية

- ‌ بيان فضل التطوع في الحرم

- ‌ بيان أن صلاة النافلة في البيت أفضل

- ‌ بيان الأفضل في عدد ركعات التراويح

- ‌ حكم إقامة صلاة التراويح قبل إعلان رؤية الهلال

- ‌ حكم إقامة صلاة التراويح

- ‌ حكم الجهر بالبسملة في التراويح

- ‌ بيان فضل من قام مع الإمام حتى يكمل صلاة التراويح

- ‌ حكم الدخول مع الإمامفي صلاة التراويح بنية العشاء

- ‌ حكم قراءةالقرآن مرتبا في صلاة التراويح

- ‌ حكم قراءة الدعاء من الورقة في الصلاة

- ‌ دعاء ختم القرآن في الصلاة

- ‌ حكم دعاء القنوت في التراويح

- ‌ حكم ختم القرآن في صلاة التراويح

- ‌ حكم دعاء ختم القرآن في الصلاة

- ‌ حكم الطمأنينة في صلاة التراويح

- ‌ حكم جمع أربع ركعات في صلاة التراويح في تسليمة واحدة

- ‌ حكم القراءةمن المصحف في صلاة التراويح

- ‌ حكم المتلفظ بالاستغفار والصلاةعلى النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة

- ‌ بيان السنة في دعاء القنوت

- ‌ حكم رفع الأيدي بعد النوافل ومسح الوجه

- ‌ حكم الذكر الجماعيبين كل ركعتين في صلاة القيام

- ‌ بيان الحكمة في إطالة صلاة القيام في رمضان

- ‌ حكم صلاة الوتر بعد صلاة الفجر

- ‌ حكم قضاء الوتر

- ‌ حكم صلاة الوتر في السفر

- ‌ حكم صلاة الوتروركعتي الفجر في مزدلفة

- ‌ حكم صلاة النافلة في مزدلفة

- ‌ حكم رفع اليدين في دعاء الوتر

- ‌ حكم التكلف في دعاء القنوت

- ‌ حكم أداء النوافلللمسافر والحاج في منى

- ‌ بيان صلاة النافلةأربعا قبل الظهر وأربعا قبل العصر

- ‌ حكم راتبة العشاء قبل صلاة التراويح

- ‌ وقت صلاة الضحى

- ‌ بيان فضل من جلس بعد صلاةالصبح يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين

- ‌ حكم صلاة الضحى

- ‌ بيان فضل المداومة على صلاه الضحى

- ‌ حكم صلاة تحية المسجد

- ‌ حكم صلاة تحية المسجدلمن صلى في ساحة المسجد الخارجية

- ‌ حكم صلاة النوافل وهو جالس

- ‌ حكم صلاة تحية المسجد بعد العصر

- ‌ حكم صلاةتحية المسجد عند غروب الشمس

- ‌ مسألة في صلاة تحية المسجد

- ‌ حكم المصافحة بعد الصلاة المفروضة

- ‌ بيان صلاة الاستخارة

- ‌ حكم السجدة التي في سورة "ص" في الصلاة

- ‌ الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

- ‌ حكم الصلاةعلى الميت بعد دفنه وقت النهي

- ‌ حكم قضاء سنة الراتبة بعد العصر

- ‌ حكم صلاة النافلة إذا أقيمت المكتوبة

- ‌ حكم صلاة التطوعفي المسجد الحرام بعد العصر

- ‌ هل أجر الصلاة فيالمسعى كأجر الصلاة في المسجد الحرام

- ‌ حكم بناء مسجد أسفل البيت

- ‌ حكم تعمير المساجد على شكل مدور

- ‌ حكم الأموال الزائدة عن حاجة المسجد

- ‌ حكم البناء في رحبة المسجد

- ‌ حكم التصرف في مبنى المسجد بعد تعطيله

- ‌ حكم إنشاد الضالة في المسجد

- ‌ التدخين محرموفي المسجد أشد تحريما

- ‌ السيئات تضاعففي حرم مكة من جهة الكيفية

- ‌ حكم دخول المسجدلآكل البصل وشارب الدخان

- ‌ حكم الصلاة في مصلى داخل العمل وبجواره مسجد قريب

- ‌ فضل الصلاة فيمسجد ابن عباس رضي الله عنه بالطائف

- ‌ بيان فضيلة صلاة الجماعة

- ‌ وجوب أداء الصلاة في الجماعة

- ‌ حكم فضل صلاةالفرد وحده إذا فاتته صلاة الجماعة

- ‌ وجوب المحافظةعلى الصلاة مع الجماعة في المساجد

- ‌ حكم صلاةالرجل في بيته بغير عذر

- ‌ مسألة في حكمصلاة الرجل في منزله في غير جماعة

- ‌ الكبير العاجزله العذر أن يصلي في البيت

- ‌ بيان موقف الإمامإذا صلى بأطفال بلغوا سن التمييز

- ‌ حكم صلة الأقارب الذين يتخلفون عن أداء الصلاة جماعة في المسجد

- ‌ حكم التخلف عن صلاة الفجر

- ‌ حكم تركالجماعة بحجة اتساخ الملابس

- ‌ بيان صفة وقوف الرجل في الصف

- ‌ مسألة في تسوية الصفوف

- ‌ بيان وجوب إكمال الصفوف

- ‌ فضل التطيب للصلاة

- ‌ حكم مرور المرأة بين يدي المصلي

- ‌ الواجب على الأئمةأن يصلوا كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الحذر من تحسينصوت الإمام من أجل مدح الناس

- ‌ حكم إنابة الإمام لغيره

- ‌ حكم الصلاة خلف الإمام الذي لا يحسن القراءة

- ‌ حكم الصلاة خلفإمام يحضر الاحتفالات التي تقام للأولياء

- ‌ حكم الصلاة خلف إمام مشعوذ

- ‌ حكم الصلاة خلف من يستغيث بغير الله

- ‌ حكم الصلاة خلف إمام حليق

- ‌ حكم الصلاة خلف إمام يشرب الدخان

- ‌ حكم نسيان المأموم قراءة الفاتحة

- ‌ وجوب متابعة الإمام في الصلاة

- ‌ بيان معنى حديث:«" من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة

- ‌ حكم قراءة المأموم دعاءالاستفتاح والفاتحة إذا أدرك الإمام وهو راكع

- ‌ بيان أن ما أدركه المسبوق يعد أول صلاته

- ‌ حكم انتظار الإمام المأمومين أثناء الركوع

- ‌ بيان المشروع للمأموم إذا دخل والإمام راكع

- ‌ حكم من ركع إمامه قبل أن يتم قراءة الفاتحة

- ‌ حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية

- ‌ حكم من أدرك الإمام وهو راكع

- ‌ بيان ما يفعل المنفرد إذا أقيمت جماعة أخرى

- ‌ حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة السرية

- ‌ حكم الدخول في الصلاة مع المنفرد

- ‌ حكم قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية

- ‌ حكم الدخول مع إمام يصلي العشاء بنية المغرب

- ‌ حكم الدخول في الصلاة مع من يتم صلاته

- ‌ حكم ائتمام المسافر بالمقيم

- ‌ ما أدرك المسبوق مع الإمامهو أول صلاته وما يقضيه هو آخر صلاته

- ‌ حكم متابعة الإمام في الركعة الخامسة

- ‌ حكم إمامة الصبي

- ‌ حكم صلاة المسافر خلف المتنفل

- ‌ حكم التسميع في المسجد الحرام

- ‌ حكم من ركع والإمام ساجد للتلاوة

- ‌ بيان المشروع في الدعاء بعد الصلاة

- ‌ حكم منع الفقير من السؤال في المسجد

- ‌ حكم التقدم على الإمام الراتب

- ‌ حكم جمع المريض بين صلاتين

- ‌ بيان المسافة التي تعد قصرا

- ‌ بيان المدة التي يقصر فيها المسافر

- ‌ حكم القصر والفطر في السفر

- ‌ حكم صلاة الفريضة في الطائرة وهو جالس

- ‌ حكم قصر الصلاة للمسافر يوميا

- ‌ مسألة في قصر الصلاة للمسافر

- ‌ حكم صلاة المسافر بالقطار

- ‌ حكم الجمع بين صلاتين للمسافر

- ‌ حكم الأذكار لمن جمع بين صلاتين

- ‌ حكم الترتيب في القضاء بين الصلوات الخمس

- ‌ حكم قصر الصلاة وجمعها داخل مكة للحاج

- ‌ حكم قصر الصلاةللحاج من أهل مكة في المشاعر

- ‌ حكم قصر صلاة المغرب

- ‌ حكم إتمام الصلوات للحاج في المشاعر

- ‌ مسألة في قصر الصلاة للحاج

- ‌ حكم صلاة الجمعة على الحاج

- ‌ مسألة في قصر الصلاة للمسافر إذا أقام أكثر من أربعة أيام

- ‌ صلاة الحجاج في منى هي السنة

- ‌ حكم قصر صلاة المسافر إذا أقام

- ‌ حكم قصر الصلاة في المشاعر لغير الحاج

- ‌ حكم المداومة على أذكار الصلوات في السفر

- ‌ قصر الصلاة في منى عام لجميع الحجاج

- ‌ مسألة في جمع الصلاة في السفر

- ‌ كيفية الصلاة في منى وأيام التشريق

- ‌ حكم القصر للمسافر إذا مكث شهرا

- ‌ حكم قصر صلاة المسافر إذا وصل إلى بلده بعد دخول الوقت

- ‌ حكم الجمع للمسافر إذا نزل أثناء الطريق

- ‌ بيان الأفضل من جمع التقديم والتأخير للمسافر

- ‌ حكم جمع صلاة الجمعة والعصر للمسافر

- ‌ حكم قصر صلاة المسافر خلف إمام مقيم

- ‌ مسألة في قصر صلاة المسافر خلف المقيم

- ‌ مسألة في صلاة المسافر خلف المقيم

- ‌ حكم من نوى سفرا وجمع ولم يسافر

- ‌ حكم قضاء المسافر لصلاة الحضر أثناء السفر

- ‌ حكم الجمع في حالة المطر

- ‌ مسألة في الجمع من أجل المطر

- ‌ حكم الجمع بين الظهر والعصر من أجل المطر

- ‌ حكم الجمع بين صلاتين في الحضر من غير مرض ولا مطر

- ‌ الاستيطان شرط في وجوب صلاة الجمعة

- ‌ حكم صلاة الجمعة على المقيم إقامة مؤقتة

- ‌ الأفضل للمسافر ترك الجمع إذا كان نازلا، وليس عليه جمعة

- ‌ من أحكام صلاة الجمعة

- ‌ مسألة في وقت الغسل لصلاة الجمعة

- ‌ فضل الصف الأول والقرب من الخطيب

- ‌ حكم رفع الصوت بالدعاء والإمام يخطب

- ‌ حكم رفع اليدين في الدعاء والإمام يخطب

- ‌ مسألة في حكم الكلام والإمام يخطب

- ‌ مسألة فع حكم الدعاء أثناء الخطبة

- ‌ حكم رفع اليدين في الدعاء أثناء خطبة الجمعة

- ‌ حكم إيقاظ النائم أثناء الخطبة

- ‌ حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والإمام يخطب

- ‌ حكم من خطب وصلى بالناس وهو كاشف الرأس

- ‌ حكم الوعظ والتذكير قبل الخطبة

- ‌ وجوب الثناء على الله تعالى

- ‌ حكم أخذ الأجرة علىإمامة مسجد لا تقام فيه الجماعة إلا الجمع

- ‌ مسألة في وقتصلاة المرأة للظهر يوم الجمعة

- ‌ حكم سقوط صلاةالجمعة والظهر عمن حضر صلاة العيد

- ‌ قراءة سورتيالسجدة والإنسان في فجر يوم الجمعة

- ‌ حكم المداومة على قراءةسورتي "الأعلى" و"الغاشية" في صلاة الجمعة

- ‌ حكم قراءة القرآنعلى المصلين قبل صلاة الجمعة

- ‌ إذا مرض الخطيبأثناء خطبة الجمعة وعجز عن الصلاة

- ‌ من صلى الجمعةفلا يصلها بصلاة حتى يتكلم أو يخرج

- ‌ بيان السنةفي النوافل بعد صلاة الجمعة

- ‌ فضل المكثفي المسجد بعد صلاة العصر يوم الجمعة

- ‌ حكم إقامة صلاة الجمعة في منى

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌ مصليات الأعيادلا تأخذ أحكام المساجد من كل الوجوه

- ‌ حكم إمامة المرأة للنساء في صلاة العيد

- ‌ الكسوف والخسوفيقعان تخويفا من الله تعالى لعباده

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌ فضل صلاة الاستسقاء

- ‌ الربا وخطره

- ‌ الوصية بتقوى اللهتعالى والاستقامة على دينه

الفصل: ‌ الربا وخطره

203 -

‌ الربا وخطره

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فقد سمعنا جميعا هذه الندوة المباركة التي تولاها صاحبا الفضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، والشيخ: عبد الله بن زايد في موضوع خطير، والناس في أشد الحاجة إلى التنبيه عليه، والتحذير منه، وهو موضوع الربا، ولقد أجادا وأفادا وأوضحا ما ينبغي إيضاحه في هذا الموضوع، فجزاهما الله خيرا وضاعف مثوبتهما، وزادهما وإيانا وإياكم علما وهدى، وتوفيقا.

لا شك أن هذا الموضوع جدير بالعناية، وقد تورط فيه كثير من الناس، وإن كان هناك بحمد الله من هو يحذر الربا، ولكنه قد عم وطم، وقل من يسلم منه، وقد جاء في الحديث الصحيح: «يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا،

ص: 299

قيل يا رسول الله: الناس كلهم. قال: من لم يأكله، ناله من غباره (1) » . فالأمر خطير بسبب كثرة البنوك وكثرة التساهل وضعف الإيمان، وشدة الجشع في تحصيل الدنيا، وقد سمعتم في هذه الندوة الخير الكثير والفوائد الجمة، وأن الواجب على المؤمن أن يتقي الله -في تحصيل المال- قبل كل شيء يجب أن يعتني بهذا الأمر، حتى لا يقع فيما حرم الله.

حب المال كما سمعتم غريزة في النفوس، ولكن يجب على المؤمن أن يحوط هذه الغريزة بما جاء به الشرع، حتى لا ينفلت فيقع فيما حرم الله، فقد قال جل وعلا:{وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} (2) وقال سبحانه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (3) يعني المال، فلما كان المال محبوبا للنفوس، وبه تقضى الحاجات، وبه يستغني الإنسان عن الحاجة إلى الغير، وفوائده كثيرة، لكن يجب على المسلم أن يحذر ما حرم الله عليه، وأن لا يحمله حب المال على تعاطيه، من غير طريقه

(1) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين، باقي المسند السابق برقم 10038.

(2)

سورة الفجر الآية 20

(3)

سورة العاديات الآية 8

ص: 300

الشرعي، وقد جاء الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام:«أنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه (1) » فهو مسئول، وقد ذم الله من ألهاه التكاثر حتى زار المقابر، قال عز وجل:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} (2){حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} (3) يعني حتى انتقلتم إلى القبور بالموت، يسمى الموت زيارة؛ لأن القبور ليست هي المقر الأخير، بل وراء القبور شيء آخر، فالناس حين ينقلون إلى القبور إنما ينقلون إليها للإقامة، إقامة مؤقتة ثم يخرجون منها إلى الوقوف بين يدي الله، والحساب والجزاء ثم إلى الجنة أو النار، فذاك هو المقر الأخير: إما الجنة وهي للمتقين، وإما النار وهي للكافرين والعصاة، فالناس على خطر: بين وبين، فالعاصي على خطر من ذلك، وإن كان العاصي لا يخلد في النار، إذا كان مات على التوحيد والإيمان كما قاله أهل السنة والجماعة، لكنه على خطر من دخولها بمعاصيه، التي مات

(1) أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة، باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص برقم 2417.

(2)

سورة التكاثر الآية 1

(3)

سورة التكاثر الآية 2

ص: 301

عليها. فليحذر من جملة ذلك الربا الذي توعد الله أهله بالنار، كما قال عز وجل:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (1){فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (2) يعني من عاد إلى الربا بعد ما جاءته الموعظة فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، هذا وعيد عظيم أن صاحب الربا يخلد في النار، وهذا على حالين: إحداهما أن يكون استحله، فيكفر بذلك. نعوذ بالله، ويخلد في النار مع الكفار. من استحل الربا ورآه حلالا وأنكر تحريم الله له، فإنه يكون كافرا، ويكون أتى بناقض من نواقض الإسلام؛ لأنه استحل ما حرم الله من المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة، فصار من الكافرين وانتقض إسلامه. فإذا استحل الزنا مثلا أو الربا أو اللواط، أو العقوق أو السرقة أو ما أشبه ذلك، انتقض إسلامه، وصار في حكم المرتدين، إذا كان ممن يعلم ذلك أو أقيمت عليه الحجة بذلك، إذا كان بعيدا عن بلاد المسلمين لا يشعر بهذا الأمر.

والحال الثاني: أن يكون ما استحل، ولكن حمله حب المال، والجشع حتى فعل الربا بعد العلم فهو متوعد بالنار وبالخلود فيها

(1) سورة البقرة الآية 275

(2)

سورة البقرة الآية 275

ص: 302

أيضا، لكنه خلود غير خلود الكفار، خلود مؤقت له نهاية.

فإن الخلود خلودان: خلود لا نهاية له، وهذا هو خلود الكفار نعوذ بالله، لا يخرجون منها أبدا كما قال سبحانه:{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (1)، ويقول عز وجل:{يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (2) ، نسأل الله العافية.

الخلود الثاني: خلود مؤقت، له نهاية، وهو خلود بعض العصاة، كالقاتل لنفسه والزاني والمرابي ونحو ذلك، كما سمعتم في قوله جل وعلا في قراءة هذه الليلة:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} (3) ثم قال: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (4){يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (5) .

فالخلود هنا يشمل المشرك والقاتل والزاني، فالمشرك خلوده دائم. نسأل الله العافية، والقاتل والزاني خلودهما مؤقت،

(1) سورة البقرة الآية 167

(2)

سورة المائدة الآية 37

(3)

سورة الفرقان الآية 68

(4)

سورة الفرقان الآية 68

(5)

سورة الفرقان الآية 69

ص: 303

إذا كانا لم يستحلا القتل، والزنا، وهو خلود له نهاية.

فالواجب على المؤمن أن يتقي الله وأن يراقبه وأن يحذر الربا الذي حذر الله عباده منه، وأذنهم بالحرب إن هم فعلوه كما قال عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (1){فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (2) لا نعلم في المعاصي شيئا جاء فيه هذا الوعيد كما سمعتم في الندوة، لا نعلم ذنبا قال الله فيه بهذا المعنى -يعني المحاربة- إلا ذنب الربا نسأل الله العافية.

فيجب الحذر مما حذر الله منه، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بالناس، يقول: الناس فعلوا، قال تعالى:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (3)، وقال عز وجل:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (4) فليس الكثرة قدوة في الباطل. فالواجب اتباع الحق وإن قل أهله، ثم أيضا يجب أن لا يحمله حب المال والجشع في حب المال على تعاطي الربا أو الغش أو الخيانة، أو السرقة أو النهب أو غير ذلك، يجب أن

(1) سورة البقرة الآية 278

(2)

سورة البقرة الآية 279

(3)

سورة يوسف الآية 103

(4)

سورة الأنعام الآية 116

ص: 304

يكون حب المال مقيدا بقيود الشريعة، ومن تقيد بها أفلح وبارك الله له فيما رزقه، وكفاه القليل عن الكثير يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:«قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه (1) » خرجه مسلم في صحيحه. فالجشع يضر ولا ينفع ويورد الموارد المعطبة، فيجب الحذر من هذا الجشع ويجب التقيد بقيود الشريعة، فيما أحل الله لك من المكاسب وغيرها، ولعظم هذا الأمر سمعتم ما جاء في الندوة من تلاوة فضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله، قوله جل وعلا:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} (2) فبدأ بالأكل من الطيبات قبل العمل، وهو الشكر، فالشكر هو العمل، لبيان عظم وخطر الأكل الحرام، فإن أكل الحرام يفضي إلى فساد القلب ومرضه، وقسوته أو إلى كفره، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فيجب على المؤمن أن يتقي الله وأن يعتني بالحلال، وقال في حق الرسل وهم أشرف الناس:{يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} (3) . فالرسل أشرف الناس، لكن لينتفع

(1) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب في الكفاف والعفاف برقم 1054.

(2)

سورة البقرة الآية 172

(3)

سورة المؤمنون الآية 51

ص: 305

الناس، وليمتثلوا وليستفيدوا عظم الأمر، فكان الرسل يخاطبون بهذا، وأن يبدءوا بالطيبات، فكيف بغيرهم؟

فالواجب أن يعنى المؤمن بأكله الطيبات، ويتوخى بأكله وشربه وغير ذلك من شئونه، مما أباح الله له، وليحذر ما حرم الله عليه سبحانه وتعالى من الربا وغيره، فكما حرم الله عليه الربا، كذلك يحذر أن يكون أكله من طريق الرشوة، أو من طريق الخيانة، أو من طريق السرقات، أو من طريق المعاملات الفاسدة، يجب الحذر من جميع أنواع الخبث، حتى لا يأكل إلا طيبا، وحتى لا يعمل إلا طيبا. وسمعتم أنواع الربا وأنه نوعان:

الربا يرجع إلى نوعين: ربا الفضل، وربا النسيئة؛ ربا الفضل: بيع الشيئين من جنس واحد، بزيادة في أحدهما، يسمى ربا الفضل، جنيه بجنيهين، درهم بدرهمين، صاع رز بصاعين، صاع حنطة بصاعين، هذا يقال له ربا الفضل، ولا يجوز مطلقا لا يدا بيد ولا نسيئة، فالجنس الواحد من أموال الربا إذا بيع متفاضلا، فهذا هو ربا الفضل: صاع من الحنطة بصاع ومد، صاع بصاع ونصف، أو صاع من الرز بصاع ونصف أو صاعين، أو درهم بدرهمين أو جنيه بجنيهين، أو حلية تزن عشرة جنيهات بحلية تزن أحد عشر، أو اثني عشر من الذهب، وما

ص: 306

أشبه ذلك، هذا يقال له ربا الفضل، وهو محرم سواء كان يدا بيد، أو بالنسيئة، إذا باعه بالنسيئة، اجتمع فيه الربا بنوعيه إذا باعه صاع حنطة بصاعين، اجتمع فيه الربا بنوعيه: ربا الفضل وربا النسيئة، أو باع حلية فيها عشرة جنيهات، بحلية فيها عشرون أو خمسة عشر نسيئة، هذا فيه الربا بنوعيه، هذا ربا الفضل وربا النسيئة جميعا.

وربا النسيئة مثل ما سمعتم أن يبيع ربويا بربوي نسيئة، من غير جنسه يقال له ربا النسيئة، كأن يبيع الفضة بالذهب نسيئة، هذا يقال له: ربا النسيئة؛ لأنهما جنسان، هذا ربا النسيئة، فإذا باع فضة بذهب نسيئة أو صاعا من بر بصاعين من الشعير نسيئة، أو صاعا من بر بصاعين من الأرز نسيئة، هذا يقال له: ربا النسيئة ومع هذا دخل في ضمنه ربا الفضل. هذا إذا باع يعني: ذهبا وحده أو رزا وحده، أما إذا باع صاعا من الأرز بصاعين من الشعير نسيئة، فهذا فيه ربا النسيئة فقط؛ لأنه يجوز بيع الصاع من البر بصاعين من الشعير يدا بيد، فلا بأس، لكن إذا كان نسيئة فهذا فيه ربا النسيئة، وإذا كان صاعا من البر الطيب، بصاعين من البر الردي، نسيئة اجتمع فيه الربا بنوعيه: ربا الفضل، وربا النسيئة جميعا، وإذا أعطاه قرضا ألف ريال بألف وعشرة، صار

ص: 307

فيه ربا الفضل وربا النسيئة؛ لأنه لم يقبضه من المؤجل، وإذا حل الدين فقال: إما أن تربي، وإما أن تقضي، إما تعطيني حقي ولا أزيدك، قال: ما عندي شيء أنا ما أستطيع الآن، أن أسلم لك ألفا أو ألفين على حسب دينه، ولكن لا مانع أمهلني وزد فيمهله في الألف إلى ستة أشهر، أو إلى سنة مع زيادة خمسين ريالا أو مائة ريال أو أكثر أو أقل من أجل إمهاله.

وهذا كله محرم بالإجماع ربا النسيئة وربا الفضل، وقد روي خلاف عن بعض السلف في ربا الفضل، ولكنه زال. فربا الفضل وربا النسيئة كله محرم بالإجماع؛ لأن النصوص فيه متكاثرة -عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول عليه الصلاة والسلام:«الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد (1) » فبين صلى الله عليه وسلم أن الجنس الواحد لا يجوز بيعه بجنسه إلا يدا بيد مع التماثل، أما إذا اختلف الجنس، مثل: باع ذهبا بفضة، أو برا بشعير أو بملح، أو برا بتمر جاز التفاضل لكن مع القبض، مع كونه يدا بيد إذا

(1) أخرجه مسلم في كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب، برقم 1587.

ص: 308

اختلف الجنس، هذه أمور بحمد الله واضحة، فيجب على المسلم أن يعنى بها وأن يحذرها.

والواقع اليوم هو أكثر ما يتعلق بالديون، وهي التي تتعاطاها البنوك في إقراضهم للناس، وفي أخذهم البيع على الناس، في اقتراضهم وإقراضهم، فأخذهم الودائع اقتراض، ودفعهم المال لغيرهم إقراض، فالربا في هذا وفي هذا كله ممنوع، فلا يجوز لصاحب البنك ولا لغيره من التجار أن يقرض بزيادة ولا يقترض بزيادة، كله ربا، محل إجماع، ومحل وفاق بين أهل العلم، فإذا أعطوه الودائع على أنه يعطيه في المائة خمسة، أو في المائة عشرة بعد شهر، أو بعد سنة أو أقل أو أكثر، هذا هو الربا المحرم، وهو في الحقيقة عند التحقيق اجتمع فيه ربا الفضل وربا النسيئة؛ لأنه أعطاهم ألفا وزيادة مؤجلة، فصار فيه ربا الفضل وربا النسيئة جميعا.

أما ما يتعلق بالبنوك الإسلامية بحمد الله لها وجود، وقد كثرت ونسأل الله أن يزيدها كثرة، وأن يوفق القائمين عليها لإصابة الحق، وأن يعيذهم من نزغات الشيطان ومن دعاة النار، وينبغي أن يعلم أن لها أعداء، ولها خصوم؛ لأن أصحاب البنوك الربوية لا يرضون عنها ويحبون أن يشوهوا سمعتها مهما قدروا، حتى تبقى لهم مآكلهم في هذه البنوك الربوية، فهذه البنوك

ص: 309

الإسلامية مهما أمكن، ينبغي أن تساعد وينبغي أن تشجع، ومتى وقع منها خطأ أو زلل وجب أن يصلح، وأن يوجهوا إلى الخير وأن يساعدوا على وجوه الإصلاح، حتى يستغنى بهم عن البنوك الربوية وحتى يرتاح المسلمون من هذه البنوك الربوية، ويضعوا أموالهم في البنوك الإسلامية، وقد اطلعنا على نظام بعضها، ودرسه أيضا مجلس هيئة كبار العلماء في هذه البلاد، واتضح له بالأكثرية سلامتها من الربا، وأنها جيدة، هذه بعض البنوك التي اطلعنا عليها، ولها لجنة فقهية تشاور، وتعرض عليها المعاملات وتقر ما يوافق الشرع، وتمنع ما يخالف الشرع، وليست معصومة، هم فقهاء أو علماء وليسوا معصومين، قد يقع الخطأ منهم ومن غيرهم، لكنها في الجملة بنوك تتحرى الأمر الإسلامي، وتتحرى المعاملة الإسلامية، وهي تعمل بمضاربات، بمضاربة تشتري السلع وتبيعها بفائدة، وما تجمع يقسم بين المشتركين، لهم نظام في ذلك معروف. فالحاصل أن هذه البنوك لها أعداء ولها خصوم، فالواجب أن تشجع وأن يعتنى بها وأن يوصى القائمون عليها بالعناية والاجتهاد، والحذر مما يخالف الشرع المطهر، ومتى عثر على شيء من ذلك، وعلم طالب العلم شيئا من ذلك، أرشدهم ونصحهم ووجه إليهم ما بلغه في ذلك، حتى

ص: 310

يكون التعاون على البر والتقوى، وقد سمعتم أيضا ما يتعلق بالتورق، مسألة التورق، وهي ما يسميها بعض العامة الوعدة، معاملة الوعدة، ويقال لها: التورق عند الفقهاء، وهي كما سمعتم جائزة عند جمع من أهل العلم، والقول بجوازها هو قول جمهور أهل العلم، وهي في الحقيقة تعين على البعد عن الربا، وتساعده على قضاء حاجته من غير ربا، وهي معاملة واضحة في حلها من الشرع، داخلة في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (1) .

والمحتاج قد يضطر إليها، أو إلى الربا، ليس كل أحد يجد من يقرضه، أو يهبه فيضطر صاحب الحاجة في قضاء دين ألجئ إليه، أو لزواج أو لعمارة مسكن، أو غير هذا من الحاجات، فيشترى هذه السلعة المعينة، سيارة، أو أرضا، أو سكرا، أو خاما، أو غير ذلك، يشتري من هذه السلع إلى أجل معلوم، ثم يبيعها هو بالنقود ليقضي حاجته، فهو لم يقصد السلعة نفسها، وإنما قصد بيعها ليستفيد من ثمنها في حاجته التي عرضت له، وهذا البيع قد يقع، حتى من التجار، وقد يشتري

(1) سورة البقرة الآية 282

ص: 311

التاجر السلع، ما أراد السلعة وإنما أراد بيعها لحاجات أخرى؛ لأن عنده زبونا يشتري هذه السلعة، ويريدها، وهو إنما أرادها ليبيعها، وليس في هذا محذور، يشتري السلعة للبيع، فالتاجر يشتري السلع لا ليستعملها، يشتريها ليبيعها، فهذا الذي محتاج، اشتراها ليبيعها أيضا، لكن الملاحظ مثل ما سمعتم في الندوة، أن بعض الناس لا يحسن شراءها ولا يحسن بيعها، هذا هو الخطأ الذي يقع في مسألة التورق، فالواجب على البائع أن يبيع ما قد ملك، لا يبيع ما لا يملك، يبيع الشيء عند التجار؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:«لا تبع ما ليس عندك (1) » ويقول: «لا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس عندك (2) » فلا يبيعها وهي عند التاجر، أو يقبض الثمن، يقول له: أعطني ثمنها، لا، هذا ما يجوز أيضا، هذا منكر، فلا بد للمشتري أن يقبضها ويحوزها، ثم يبيعها بعد ذلك في يومه أو في غد أو بعد أيام، هذا هو الطريق السليم، فالخلل يقع من البائع أو من المشتري في الكيفية، وإلا

(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، مسند حكيم بن حزام برقم 14887.

(2)

أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمرو بن العاص برقم 6633.

ص: 312

فأصل المبايعة والمعاملة لا بأس بها، على الصحيح، وإن كان بعض أهل العلم قد أبى ذلك، ولكن الصواب هو حلها، كما قال جمهور أهل العلم، ولكن يجب على البائع أن لا يبيع إلا ما كان عنده مقبوضا محيوزا، ثم المشتري كذلك لا تحمله العجلة على أن يبيع قبل القبض، يقبض ويحوز، ثم بعد هذا يتصرف بعد ذلك، ولا يبيعها على من اشتراها منه، فيقع في العينة، ولكن يبيعها على الناس، على الآخرين، من غير تواطؤ بينهم وبين البائع، يشتريها ويحوزها، ثم يبيعها في السوق، يبيعها في بيته، يبيعها في أي مكان بما يسر الله له، ويقضي حاجته، هذه هي التورق، وهذه هي الوعدة، وقد يقع بعض الناس أيضا في مسألة الوعدة في منكر، إذا لم يقضه المشتري تحيل في الزيادة عليه، لا يستطيع أن يقول أنا أمهلك، لكن بزيادة فيقع في ربا الجاهلية، ويفتضح بين إخوانه المسلمين، فيتحيل إما بعقد وهمي ما له حقيقة، يكتبان بينهما عقدا بزيادة، الدين ثلاثة آلاف فيكتبان عقدا ليس له حقيقة بأن عنده له ثلاثة آلاف وستمائة، فيستخفون من الناس ولا يستخفون من الله، والله يعلم ما في القلوب، وما هي الحقيقة، هذا أعظم في الخداع والإثم، نعوذ بالله، وتارة بعقد يسمى

ص: 313

التصحيح، يعقدون عقدا جديدا يسمى التصحيح، ويسمى قلب الدين، فيقول: يا فلان ما أعطيتني، حل الدين ما أوفيتني، قال: ما عندي شيء، أنا عاجز، أمهلني، يقول: لا، اشتر مني سلعة أخرى إلى أجل ثم بعها وأوفني الدين الأول، حتى يقلب عليه الدين، ويزداد الدين، فالدين عليه ثلاثة آلاف، أو أربعة آلاف فيبيعه سلعته مثلا إلى أجل معلوم بخمسة آلاف، بستة آلاف، ثم هذا المشتري يبيعها ويعطيه ثمنها عن دينه الأول، وهذا أيضا منكر؛ لأنه ألجأه إليه، وهو الذي يسمونه التصحيح والتسديد، هو تسديد في الحقيقة إلا أنه تحيل؛ لأنه تحيل على الربا، وتحيل على ظلم أخيه، وعدم إنظاره، والله يقول سبحانه:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (1) ثم مثل ما سمعتم في الندوة، ينبغي لمن يعامل الناس أن يرفق بهم، وهذا من أسباب أن الله جل وعلا يحفظ عليه ماله، ومن أسباب أن المدين يوفي بنفس سامحة، بنفس طيبة، فالرفق بالناس وعدم التثقيل عليهم، وعدم الزيادة في الربح الكثير، هذا مما يشرع، ومما يحبه الله، ومما يسهل على المدين قضاء الدين، ومما يجعل نفسه طيبة ليس فيها شيء على

(1) سورة البقرة الآية 280

ص: 314

أخيه، فالتسامح في هذا، وجعل الربح ليس بالكثير، كثلاثة في المائة واثنين في المائة، وما يقارب ذلك، هذا مما يسهل على المدين قضاء الدين، ويجعله يحرص على قضاء الدين بنفس طيبة، أما إذا تذكر أنه حمله شيئا كثيرا، ثقل عليه وصار في قلبه عليه شيء، لكونه استغل عجزه وحاجته، وإن كان أصل الزيادة لا حد لها، الأرباح ليس لها حد، والناس يختلفون في الربح، الناس يختلفون: منهم من هو سريع الوفاء، فيكتفي التجار منه بالشيء القليل من الربح، ومنهم من هو معروف بالمماطلة، وقلة الوفاء فيزيدون عليه، ثم الأجل يختلف: قد يكون الأجل قليلا فيقل الربح، وقد يكون الأجل طويلا فيزيد الربح، يختلف، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه اشترى بعيرا ببعيرين، من إبل الصدقة.

فالحاصل أن هذا يختلف باختلاف الناس، لكن المداين أو صاحب المال مأمور ومشروع له أن يرفق بإخوانه، وأن ينفس لهم، ويسهل عليهم، وأن يجعل الربح قليلا مناسبا حتى ينشطوا في القضاء وحتى يشكروا له عمله، وحتى يوفوه بنفس طيبة، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية، ونسأل الله لإخواننا المسلمين صلاح القلوب، وصلاح الأعمال، وأن يعيذهم من شر أنفسهم

ص: 315

والشيطان، وأن يعينهم على اتباع الشريعة، وأن يكفينا شر البنوك، وأن يهدي أهلها للرجوع إلى الحق، وترك ما حرم الله عليهم من الربا، وأن يوفق ولاة الأمور للقضاء على هذا الربا، بكل عناية وأن يسهل للمسلمين البنوك الإسلامية الموفقة، التي تعينهم على طاعة الله، وتحول بينهم وبن محارم الله، إنه جل وعلا جواد كريم. وأعود فأشكر للأخوين الشيخين ما بذلا في هذه الندوة، من جهود مشكورة، وكلام طيب نافع، فجزاهم الله خيرا وزادهما من كل خير، ووفقنا جميعا لما فيه صلاحنا، وهدايتنا وسلامتنا من كل سوء، إنه سميع قريب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ص: 316