الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الجمعة
170 -
بيان العدد الذي تنعقد به صلاة الجمعة
س: طالب بالجامعة الإسلامية يسأل عن القول المختار في العدد الذي تنعقد به الجمعة؟ (1)
ج: قد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على أقوال كثيرة: أشهرها أن العدد الذي تنعقد به الجمعة أربعون رجلا، وبه قال الإمامان مالك والشافعي رحمهما الله وجماعة، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، واحتجوا على ذلك بما روي أن أول جمعة جمعت في المدينة كانت بهذا العدد وقيل: تنعقد باثنى عشر رجلا، وهو قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليهما، وقيل: تنعقد بأربعة وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله،
(1) نشر في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم.
وقيل: تنعقد بثلاثة وهذا القول هو قول الإمام الأوزاعي إمام أهل الشام في عصره رحمه الله وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ذكرها عنه جماعة من أصحابه منهم: الموفق في المقنع وصاحب الفروع وغيرهما، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقيل: تنعقد باثنين، وفي المسألة أقوال أخر سوى ما ذكرنا ذكرها أبو محمد ابن حزم وغيره، وأصح الأقوال في هذه المسألة قول من قال: تنعقد بثلاثة لوجوه منها: أن الأصل وجوب إقامة الجمعة على أهل القرى والأمصار فلا يجوز لهم تركها إلا بحجة ولا حجة في تركها لمن بلغ هذا العدد، ومنها أن الثلاثة هي أقل الجمع في اللغة العربية وإطلاق الجمع على الاثنين خلاف الأغلب المشهور في اللغة فحمل الأدلة الشرعية على ما هو الأغلب أولى وأحوط في الدين، ومنها: أن بقية الأقوال لا حجة عليها واضحة توجب الأخذ بها والتعويل عليها، فوجب العدول عنها، والأخذ بالقول الذي يجمع الأدلة، ويبرئ الذمة وتحصل به الحيطة لطالب الحق، ولو كان العدد الذي فوق الثلاثة شرطا في إقامة الجمعة لنبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأرشد إليه الأمة، فلما لم يوجد شيء من ذلك دل ذلك على أنه ليس بشرط لإقامتها، أما الثلاثة فلا حاجة إلى التنبيه على وجوب إقامتها عليهم؛ لأنهم أقل الجمع وقد دل النص والإجماع على أنها لا تقام إلا في جماعة
204 -
الوصية بتقوى الله
تعالى والاستقامة على دينه
(1)
لقاء هيئة تحرير "المسلمون" مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.
نود من سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز كلمة توجيهية حول ما ترونه من واجبنا ومسؤولياتنا بما يعيننا على أداء رسالتنا وواجبنا بإذن الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فيسرني أن أوصي إخواني المسلمين في كل مكان، وخاصة صحيفة "المسلمون" أوصي الجميع بتقوى الله جل وعلا، وأن يستقيموا على دينه، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه أينما كانوا؛ لأن الله سبحانه يقول:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (2) ويقول جل وعلا:
(1) لقاء أجرته صحيفة المسلمون مع سماحته في تاريخ 1\3\1418 هـ.
(2)
سورة المائدة الآية 2
{وَالْعَصْرِ} (1){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (2){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3)
فوصيتي لجميع المسلمين العمل بما دلت عليه هذه السورة العظيمة، فقد دلت على أن جميع الناس في خسران {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (4) هؤلاء هم الرابحون من الجن والإنس، من العرب والعجم، من الذكور والإناث. الذين آمنوا بالله ورسوله، وصدقوا الله فيما أخبر به عن الآخرة، والجنة والنار وغير ذلك وصدقوا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن الله وعن الآخرة والجنة والنار وغير ذلك. ثم حققوا الإيمان بالعمل، فأدوا فرائض الله من صلاة وغيرها وابتعدوا عن محارم الله، وتناصحوا فيما بينهم، وتواصوا بالحق، ودعوا إلى الله، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتواصوا بالصبر على ذلك. هؤلاء هم الرابحون، وهؤلاء هم المؤمنون حقا، وهم الصادقون، وهذا هو التعاون على البر والتقوى، وهذا هو شأن المؤمنين الذين قال الله فيهم:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (5)
(1) سورة العصر الآية 1
(2)
سورة العصر الآية 2
(3)
سورة العصر الآية 3
(4)
سورة العصر الآية 3
(5)
سورة التوبة الآية 71
هذا شأن المؤمنين أولياء متحابون في الله متناصحون، متعاونون على البر والتقوى، لا يظلم بعضهم بعضا ولا يخون بعضهم بعضا، ولا يكيد بعضهم لبعض ولا يغش بعضهم بعضا. هؤلاء هم أولياء. يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويتواصون بالحق والصبر عليه. هكذا المؤمنون.، وهكذا أولياء الله.
فوصيتي لجميع المسلمين في كل مكان من العرب والعجم، من الجن والإنس وصيتي للجميع أن يتقوا الله، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يكونوا أولياء متحابين في الله آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر متواصين بالحق صابرين عليه أينما كانوا. يرجون فضل الله وإحسانه ويخافون عقاب الله عز وجل ومقته. هكذا المؤمنون، هكذا الصادقون أينما كانوا. يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويتفقهون في الدين، وينصحون لله ولعباده، ومما يعين على هذا التفقه في الدين والتعلم.. يقول الله سبحانه:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} (1) .
(1) سورة يوسف الآية 108
فالواجب التعلم؛ لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (1) والمعنى إنما يخشى الله خشية كاملة هم العلماء وهم الرسل وأتباعهم.
فالواجب عليك يا عبد الله، وعليك يا أمة الله التعلم والتفقه في الدين، ثم العمل لأداء فرائض الله وترك محارم الله، والتواصي بالحق والتناصح، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أهم ذلك العناية بالأهل، بأولادك وزوجتك وجميع أهل بيتك تنصحهم لله. تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر وتصبر على ذلك. كما قال الله سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (2) وقال سبحانه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (3) وقال سبحانه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} (4){وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} (5) فالواجب على كل مؤمن العناية
(1) سورة فاطر الآية 28
(2)
سورة التحريم الآية 6
(3)
سورة طه الآية 132
(4)
سورة مريم الآية 54
(5)
سورة مريم الآية 55
بالأهل والحرص على صلاحهم وعلى توجيههم إلى الخير، وعلى أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
وهكذا المرأة في بيتها تتقي الله، عليها أن تتقي الله وأن تقوم على أهل بيتها ولا سيما إذا كانت هي المسئولة وليس معها رجل. بينما الواجب عليها أعظم، وإذا كان يوجد رجل فالواجب التعاون معه على ذلك مع زوجها، ومع أبيها ومع أخيها حتى يصلح أهل البيت، وحتى يستقيموا على دين الله؛ وحتى يؤدوا ما أوجب الله من صلاة وغيرها وحتى يبتعدوا عن محارم الله، وحتى يقفوا عند حدود الله. وأوصي صحيفة "المسلمون" أوصي الصحيفة والقائمين عليها بتقوى الله وأن يجتهدوا في نشر ما ينفع الناس، وأن يحذروا نشر ما يضر الناس.
فالواجب على جميع العاملين في الصحف أن يتقوا الله. وأن ينشروا ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم، وأن يحذروا نشر ما يضر الناس في دينهم أو دنياهم.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية ونسأل الله سبحانه أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم. كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن يعينهم على كل خير
وأن ينصر بهم الحق، وأن يجعلنا وإياكم وإياهم من الهداة المهتدين. إنه سميع قريب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
رئيس التحرير:
سماحة الوالد باسم إخواني وباسم جريدة "المسلمون" نشكرك على إتاحة الفرصة لنا للسماع منكم والاستفادة، وأيضا لنعرض لكم ما نواجهه في الحقيقة من خلال اتصالنا بجمهور القراء في العالم الإسلامي، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يكتب هذا في ميزان حسناتكم يوم القيامة.
سماحة الوالد: تعودنا على هذا اللقاء في كل عام. نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يمتعكم بالصحة والعافية وأن يطيل عمركم في طاعته بإذن الله وأن ينفعنا بكم.
ولذلك الإخوة في الحقيقة لديهم بعض التساؤلات التي يريدون أن يطرحوها على سماحتكم، ولعل في إجابتكم إن شاء الله ما ينير الطريق للتعامل مع قضايا المسلمين المختلفة، فإذا أذنت لنا ولإخواني قدمنا الأسئلة:
س: سماحة الوالد: نحن نعلم أن صلاح الأمة بشكل عام مرتبط بصحة العقيدة، إلا أن الأمر يحتاج من سماحتكم إلى
نوع من التوضيح، كيف أن صحة المعتقد وصفاءه من شأنه أن يؤدي إلى الصلاح في شأن الأمة، الصلاح الشامل لأمور الدنيا والآخرة؟
ج: متى صلحت العقيدة استقام أمر الخلق جميعا، كل إنسان إذا صلحت عقيدته واستقام على أمر الله تمت له أسباب السعادة، والعقيدة معناها أن يؤمن بأن الله سبحانه هو المستحق للعبادة، وأنه لا إله إلا الله. لا معبود بحق سواه جل وعلا، وأن يؤمن بأنه رب الجميع، وخالق الجميع، وأنه رازقهم، وأنه العليم بكل شيء سبحانه وتعالى، وأنه فوق العرش، ورب جميع الخلق. لا شبيه له ولا نظير له سبحانه وتعالى. كما قال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1) وقال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (2) فهو سبحانه في العلو، وهو العلي العظيم كما قال تعالى:{فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} (3)
(1) سورة طه الآية 5
(2)
سورة الأعراف الآية 54
(3)
سورة غافر الآية 12
فهو فوق العرش. وفوق جميع الخلق، وعلمه في كل مكان سبحانه وتعالى:{يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} (1) يعلم أحوال العباد فلا بد من الإيمان بأن الله سبحانه فوق العرش. وفوق جميع الخلق وعلمه في كل مكان، ولا بد من الإيمان بأنه سبحانه هو المستحق للعبادة قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (2) فلا بد من الإيمان بأنه سبحانه هو المعبود بالحق كما دعت الرسل. الرسل جميعا دعت إلى هذا. قال الله جل وعلا: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3) وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4) وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (5) فالله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه وأمرهم بهذا، وأرسل الرسل بهذا. فلا بد من الإيمان بأنه هو المعبود
(1) سورة طه الآية 7
(2)
سورة الحج الآية 62
(3)
سورة النحل الآية 36
(4)
سورة الذاريات الآية 56
(5)
سورة البقرة الآية 21
بالحق، وهو الرازق لعباده. فلا يدعى إلا الله، ولا يستغاث إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يصلى إلا له، ولا يذبح إلا له، ولا يصام إلا له، ولا يحج إلا له، هذا هو المقصود بالعبادة، كما قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (1) وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2) وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (3) .
أما الأمور العادية التي يستطيع فعلها المخلوق الحي فلا بأس بها. فالإنسان يستعين بأخيه في الأمر الذي يستطيعه إذا كان حيا حاضرا، فلا بأس أن تقول: يا أخي أعني على كذا، على إصلاح مزرعتي. على إصلاح بيتي، على إصلاح سيارتي، وهو يسمع كلامك، أو بمكاتبة تكتب له، أو من طريق الهاتف، لا بأس بذلك، كما قال الله سبحانه في قصة موسى:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (4) فالتعاون بين الناس الحاضرين القادرين أو بالمكاتبة لا بأس به، أما أن يدعو الميت أو يدعو الغائب يعتقد أنه يعلم الغيب. أو أنه يسمع منه بدون أسباب
(1) سورة البقرة الآية 21
(2)
سورة الإسراء الآية 23
(3)
سورة البينة الآية 5
(4)
سورة القصص الآية 15
حسية، أو يدعو الموتى وأصحاب القبور أو الأصنام، أو يدعو الجن ويستغيث بهم، هذا هو الشرك. فهذا هو الشرك بالله، وهذا يناقض قول لا إله إلا الله. فلا بد من الإيمان بأنه سبحانه هو المستحق أن يعبد {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1) ولا بد من الإيمان بأنه سبحانه هو الخلاق العليم وخالق الخلق لا خالق سواه ولا رب سواه، قال جل وعلا:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (2) وقال جل وعلا: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (3) ، وهو سبحانه الخلاق العليم. لا رب غيره ولا خالق سواه، وهو سبحانه المستحق لأن يعبد، كما قال تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (4) وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (5) ولا بد من الإيمان بالنوع الثالث من أنواع التوحيد، وهو الإيمان بأسمائه وصفاته. الإيمان بأنه سبحانه ذو الأسماء الحسنى والصفات العلا الثابتة
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2)
سورة الأعراف الآية 54
(3)
سورة الأعراف الآية 54
(4)
سورة البقرة الآية 163
(5)
سورة البينة الآية 5
في القرآن، وفيما صحت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. يجب إثباته لله على الوجه اللائق بالله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، كما قال الله سبحانه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) وقال سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2){اللَّهُ الصَّمَدُ} (3){لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (4) وقال عز وجل: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (5) هذه عقيدة أهل السنة والجماعة وهذه هي أقسام التوحيد الثلاثة:
1 -
الإيمان بأنه سبحانه هو الخلاق العليم، وخالق كل شيء، وهذا توحيد الربوبية.
2 -
الإيمان بأنه هو المستحق للعبادة، وأن العبادة حقه دون غيره، فلا يدعى إلا الله، ولا يستغاث إلا به، ولا يصلى إلا له.. إلى غير ذلك من أنواع العبادة، وهذا هو توحيد العبادة.
(1) سورة الشورى الآية 11
(2)
سورة الإخلاص الآية 1
(3)
سورة الإخلاص الآية 2
(4)
سورة الإخلاص الآية 3
(5)
سورة النحل الآية 74
3 -
الإيمان بأسمائه وصفاته وأنه سبحانه لا شبيه له، ولا كفء له، ولا ند له، وأن الواجب إثبات أسمائه وصفاته الواردة في القرآن العظيم أو السنة الصحيحة.
على الوجه اللائق بالله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل على حد قوله سبحانه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) .
(1) سورة الشورى الآية 11
س: سماحة الوالد الآن هناك من يقول إن أقسام التوحيد أربعة، ويقول إن القسم الرابع هو:"توحيد الحاكمية"، فهل هذا صحيح؟
ج: ليست أقسام التوحيد أربعة، وإنما هي ثلاثة كما قال أهل العلم، وتوحيد الحاكمية داخل في توحيد العبادة. فمن توحيد العبادة الحكم بما شرع الله، والصلاة والصيام والزكاة والحج والحكم بالشرع كل هذا داخل في توحيد العبادة.
س: ما موقف المسلم من المستجدات في هذا العصر. كما هو الحال على سبيل المثال في قضية الاستنساخ؟
ج: الواجب على المسلم أن يحكم الشرع المطهر في كل شيء، وذلك بأن يقبل ما وافق الكتاب أو السنة الصحيحة مما أحدثه الناس، وما خالف ذلك وجب رده؛ لقول الله عز وجل:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1) وقوله سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (2) . أما الاستنساخ فهو باطل لا أساس له، ولا يجوز استعماله. لا في بني آدم ولا غيرهم.
(1) سورة الحشر الآية 7
(2)
سورة النساء الآية 59
س: سماحة الوالد، العالم الإسلامي كله يشهد مشكلتين رئيسيتين لهما آثار اجتماعية خطيرة هما مشكلة الزواج وتأخر سن الزواج. ثم مشكلة الطلاق. ففي مشكلة تأخر سن الزواج إحصائيات خطيرة في عالمنا الإسلامي تثبت عاما بعد آخر زيادة أعداد غير المتزوجين، وغير المتزوجات. طبقا لأسباب اقتصادية وأسباب أخرى، ومشكلة الطلاق تقابل مشكلة الزواج زيادة عدد المطلقات والمطلقين. لدرجة أن
دولة من الدول أثبتت أن مليوني مطلق زادوا خلال عام واحد في دولة إسلامية كبيرة؟
ج: في الحقيقة لا إشكال في الزواج ولا في الطلاق، وإنما حصل ذلك من جهل الناس، وقلة العلم، وكثرة الغضب، وقلة الصبر، والواجب على الرجال البدار بالزواج مع الاستطاعة. وعدم التكلف في المهور وفي مؤن الزواج، حتى يكثر المتزوجون. وحتى يقل العزاب، وتقل العوانس في البيوت، ولكن بسبب الجهل والطمع وعدم الرضى باليسير أغلوا المهور. وتكلفوا في مؤن الزواج إلا من شاء الله، وبسبب ذلك قل الزواج؛ لأنه ليس كل واحد عنده قدرة.
فالواجب على المؤمنين التعاون في هذا، والتسامح وعدم التكلف في الزواج حتى يكثر المتزوجون، وحتى يقل العزاب، وتقل العوانس في البيوت، هذا هو الواجب على الجميع، والواجب على الرجل أن لا يستعجل في الطلاق، وأن يعاشر بالمعروف، وأن يحذر ظلم المرأة وبخسها حقوقها، والواجب على الزوجة التواضع وعدم إغضاب الزوج وعدم إيذائه، وعليها أن تتواضع، وأن تستعمل اللطف والرفق والكلام الطيب مع الزوج حتى لا تثير حفيظته فيطلق، وقد صح عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قوله: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطيع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء (1) » متفق على صحته.
فالمشروع للزوج تقوى الله سبحانه وعدم العجلة في الطلاق والتحمل والصبر. وعلاج الأمور بالحكمة والكلام الطيب والأسلوب الحسن وعدم ظلم المرأة، المشروع للمرأة تقوى الله، وألا تستثير الزوج بطلب الطلاق، وأن تقوم بواجبها، وأن تعاشر بالمعروف، وهو كذلك عليه أن يعاشر بالمعروف كما قال الله سبحانه:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (2) وقال جل وعلا: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (3) وعلى الجميع الصبر والاحتساب في جميع الأحوال كما قال سبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (4) فلا بد من الصبر والتعاون على الخير لقول الله سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (5) ،
(1) أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع برقم 5065، ومسلم في كتاب النكاح باب استحباب النكاح برقم 1400
(2)
سورة النساء الآية 19
(3)
سورة البقرة الآية 228
(4)
سورة الزمر الآية 10
(5)
سورة المائدة الآية 2
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم (1) » ويقول في لفظ أخر: «فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، فإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها (2) » فلا بد من الصبر على بعض العوج. ولا بد للمرأة أن تصبر أيضا على ما قد يقع من الزوج من بعض الخلل أو بعض التقصير وما أشبه ذلك.
فعليهما جميعا أن يتعاونا على البر والتقوى، وعلى الزوج أن يتحمل ويتقي الله ويعاشر بالمعروف ويعرف لها قدرها وحقها. وعليها أن تصبر وتتحمل بعض الشيء وتؤدي الحق الذي عليها حتى لا يقع الطلاق. نسأل الله لنا ولجميع المسلمين الهداية والتوفيق.
انتهى المجلد الثلاثون من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله وبانتهائه ينتهي هذا المجموع وسيليه بمشيئة الله تعالى فهارس عامة لهذا المجموع وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
(1) سنن الترمذي الرضاع (1163) ، سنن ابن ماجه النكاح (1851) .
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء برقم 1468.