الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القبور وشد الرحال إليها، وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى والويل عندهم لمن لم يقبل مشهد الكهف، ولم يتمسح بالآجر يوم الأربعاء، ولم يقل لحمالون على جنازته أبو بكر الصديق أو محمد أو علي أو لم يعقد على قبر أبيه أزجا بالجص والآجر، ولم يخرق ثيابه. ولم يرق ماء الورد على القبر انتهى كلامه.
فتأمل رحمك الله ما ذكره هذا الإمام وما كشفه من الأمور التي يفعلها الخواص من الأنام فضلاً عن النساء، والغوغاء والعوام، مع كونه في سادس القرون والناس لما ذكره يفعلون وجهابذة العلماء والنقدة لذلك مشاهدون، وحظهم من النهي مرتبته الثانية فهم بها قائمون يتضح لك فساد ما زخرفه المبطلون وموه به المتعصبون والملحدون.
فصل: في قوله ان نظر فيه من حيثية القول فهو كالحلف بغير الله، وان نظر فيه من حيثية الإعتقاد فهو كالطيرة
…
فصل
قوله الثاني: ان نظر فيه من حيثية القول فهو كالحلف بغير الله، وقد ورد أنه شرك وكفر ثم أولوه بالأصغر، وان نظر فيه من حيثية الاعتقاد فهو كالطيرة وهي من الأصغر.
فنقول هذا كلام باطل، وليس يخفى ما بينهما من الفرق فأي مشابهة بين من وحد الله وعبده ولم يشرك معه أحداً من خلقه وأنزل حاجته كلها بالله واستغاث له في تفريج كرباته وإغاثة لهفاته، لكنه حلف بغير الله يميناً مجردة لم يقصد بها تعظيمه على ربه ولم يسأله ولم يستغث به وبين من استغاث لغير الله، وسأله جلب الفوائد وكشف الشدائد، فإن هذا صرف مخ العبادة الذي هو لبها وخالصها لغير الله وأشرك مع الله غيره في أجل العبادات وأفضل القربات التي أمرنا الله بها في غير موضع من كتابه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه هو العبادة كما تقدم في حديث النعمان بن بشير أن الدعاء هو العبادة، وفي حديث أنس "الدعاء مخ العبادة" وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يحب الملحين فيه، وأن من لم يسأل الله يغضب عليه، ففي الترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم:"سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل" وفيه أيضاً "إن الله يحب الملحين في الدعاء" وفيه أيضاً "من لم يسأل الله يغضب عليه" وفي الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء".
وما الحلف فلم يأمرنا الله به، بل أمرنا بحفظه فقال:{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} قيل المعنى: لا تحلفوا وقيل: لا تحنثوا، ولا يرد على هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حلف في مواضع فاليمين تستحب إذا كان فيها مصلحة راجحة، وعلى هذا حمل العلماء ما روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو يحلف لمصالح مطلوبة للأمة كزيادة إيمانهم وطمأنينة قلوبهم كما أمره الله بذلك في ثلاث مواضع من كتابه، وأما الحلف لغير مصلحة فليس مشروعاً بل يباح إذا كان صادقاً.
وأما الدعاء فهو محبوب مشروع لله، بل سماه الله في كتابه الدين وأمر بإخلاصه
له، وسماه رسوله صلى الله عليه وسلم العبادة ومخ العبادة فكيف يقال هو الحلف؟ فمن صرف الدعاء لغير الله فقد أشرك في الدين الذي أمر الله بإخلاصه وفي العباد
ة التي أمر الله بها، وأيضاً فإن الداعي راغب راهب فالعبد يدعو ربه رغباً ورهباً، ويتوكل عليه في حصول مطلوبه ودفع مرهوبه، فإذا طلب فوائده وكشف شدائده من غير الله فقد أشرك مع الله في الرغبة والرهبة والرجاء والتوكل فإن هذا من لوازم الدعاء وهو من العبادة التي أمر الله بها كقوله تعالى:{وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} وقوله تعالى {فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} وقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فمن استغاث بغيؤر الله فهو راغب في حصول مطلوبه راج له متوكل عليه وذلك هو حقيقة العبادة التي لا تصلح إلا لله، وهو معنى لا إله إلا الله، فإن الإله هو الذي تؤلهه القلوب محبة ورجاء وخوفاً وتوكلاً.
ويقال أيضاً الذي يدعو غير الله في مهماته وكشف كرباته قد رد على الله وكذب بآياته فإن الله أخبر أنه لا يشفع إلا بإذنه وأن الشفاعة كلها لله، وهذا زعم أن الميت يشفع له، وأخبر الله أن الأولياء والصالحين لا يملكون كشف الضر ولا تحويله وأنهم لا ينفعون ولا يضرون ولا يسمعون الدعاء ولا يستجيبون، وهذا زعم أنهم باب حوائجه إلى الله وأنهم ينفعون ولا يضرون ولا يسمعون الدعاء ولا يستجيبون، فكذب على الله وكذب بآياته فكيف يقال: أن هذا كالحلف بغير الله؟ الذي قصاراه أن يكون شركاً اصغر يعاقب عليه كما يعاقب الزاني، وقاتل النفس وآكل الربا لأنه ارتكب محرماً غير مستحل له نظير ما يفعله الزاني وقاتل النفس، فأما ان فعله مستحلاً له أو يكون المخلوق في قلبه أعظم من الخالق كان ذلك كفراً.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء والتواضع للخلق والحلف بغير الله وما لي إلا الله وأنت وأنا متوكل على الله وعليك ولولا أنت لم يكن كذا وكذا وقد يكون هذا شركاً أكبر بحسب حال قائله ومقصده انتهى.
ويقال أيضاً: من المعلوم بالإضرار من دين الإسلام أن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم يدعو إلى التوحيد وينهى عن الإشراك فكان أول آية أرسله الله بها {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} فأنذر عن الشرك، وهجر الأوثان وكبر الله، وعظمه بالتوحيد فاستجاب له من استجاب من المسلمين، وصبروا على الأذى من قومهم، وقاسوا الشدائد العظيمة فهاجروا وأخرجوا من ديارهم، وأذوا في الله وتميز الكافر من المسلم. ومات من المسلمين من استوجب الجنة ومات من الكفار من استوجب النار، هذا كله قبل النهي عن الحلف بغير الله، فالاستغاثة بأهل القبور واستنجادهم واستنصارهم لم يبح في شرائع الرسل كلهم بل بعث الله جميع رسله بالنهي عن ذلك والأمر بعبادته وحده لا شريك له.
وأما الحلف فكان الصحابة يحلفون بآبائهم بالكعبة وغير ذلك، ولم ينهوا عن ذلك إلا بعد مدة طويلة فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" وقال: "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت". ومن لا يميز بين دعاء
الميت والحلف به لا يعرف الشرك الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم ينهي عنه، ويقاتل أهله، وأي جامع بين الحلف والاستغاثة فالمستغيث طلب سائل والحلف لم يطلب ولم يسأل، فإن كان الجامع بينهما عند القائل باتحادهما إن كل منهما قول باللسان؟ فيقال له: والإنكار والدعوات وقول الزور وقذف المحصنات كل ذلك قول باللسان، ولو قال أحد: إنها ألفاظ متقاربة لعد من المجانين.
وإن أراد هذا القائل اتحادهما في المعنى فهذا باطل كما تقدم بيانهن وأي مشابهة بين من جعل لله نداً من حلقه ويرجوه، ويستنصره ويستغيث به. وبين من لا يدعو إلا الله وحده لا شريك لهن واخلص له في عبادته؟ فالأول أشرك مع الله في قوله وفعله واعتقاده بخلاف الحالف بل لو اعتقد الحالف تعظيم المخلوق على الخالق لصار مشركاً شركاً أكبر كما تقدم.
ومما يبين ذلك أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما نهاهم عن الحلف بغير الله وحلف بعض الصحابة حدثاء العهد فقال في حلفه: واللات قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله" ولما قال له بعض الصحابة حدثاء العهد بالكفر: اجعل لنا ذلت أنواط قال: "الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة لتركبن سنن من كان قبلكم" فانظر كيف نهي الحالف وأرشده إلى الكفارة بأن يقول لا إله إلا الله من غير تغليظ، والذين قالوا اجعل لنا أنواط غلظ عليهم التغليظ الشديد وحلف لهم إن طلبهم كطلبة بني إسرائيل وإن قولهم: اجعل لنا ذات أنواط كقول بني إسرائيل اجعل لنا إلهاً سواء فهما متفقان معنى، وإن اختلفا لفظاً، وهذا مما يبين لك من معنى لا إله إلا الله.
فإذا كان اتخاذا الشجرة للعكوف حولها وتعليق الأسلحة بها للتبرك اتخاذا له مع الله مع أنهم لا يعبدونها ولا يسألونها فما الظن بالعكوف حول القبر، ودعائه في إنزال الفوائد، والاستغاثة به في كشف الشدائد، وأخذ تربته تبركاً وإسراج القبر وتخليقه، وأي شيهة للفتنة بشجرة إلى الفتنة بالقبر؟ لو كان أهل الشرك والبدع يعلمون. قال بعض أله العلم من أصحاب مالك: فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمونها ويرجون البرء والشفاء من قبلها ويضربون بها المسامير والخرق فهي ذات أنواط فاقطعوها انتهى.
ومما يبين الفرق بين دعاء الأموات، والاستغاثة بهم. وبين الحلف بهم أن العلماء قسموا الشرك: إلى أكبر وأصغر جعلوا دعاء الأموات، والاستغاثة بهم فيما لا يقدر عليه إلا رب السموات والأرض هو عين شرك المشركين الذين كفرهم الله في كتابه، وجعلوا الحلف بغير الله شركاً أصغر فيذكرون الأول في باب حكم المرتد وأن من أشرك بالله فقد كفر ويستدلون بقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} ويفسرون هذا الشرك بما ذكرناه ويذكرون الثاني في كتاب الإيمان فيفرقون بين هذا وهذا.
ولم نعلم أن أحداً من العلماء الذين لهم لسان صدق في الأمة قال إن طلب الحوائج