المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مجموعة الرسائل والمسائل والفتاوى ‌ ‌مسألة هل يجب على المبتدئين المتعلمين الرقي - مجموعة الرسائل والمسائل والفتاوى

[حمد بن ناصر آل معمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ترجمة حياة الشيخ حمد بن ناصر بن معمر

- ‌الفواكه العذاب في الرد على من لم يحكم السنة والكتاب

- ‌المسألة الأولى: فيمن دعا نبيا أو وليا وأستغاث به في تفريج الكربات

- ‌المسألة الثانية: من قال لا إله إلا الله ولم يصل ولم يزك هل يكون مؤمنا

- ‌المسألة الثالثة: هل يجوز البناء على القبور

- ‌مجموعة الرسائل والمسائل والفتاوى

- ‌مسألة هل يجب على المبتدئين المتعلمين الرقي إلى معرفة الدليل أم يكفيهم بتقليد من سبقهم

- ‌مدخل

- ‌هل يجب على المتعلم معرفة الدليل

- ‌بحث تقليد نقاد الحديث في صحته وغيرها

- ‌ما قيل في تقليد الأئمة الأربعة

- ‌الانتقال من مذهب إلى آخر

- ‌عدة رسائل في مسائل فقهية

- ‌الرسالة الأولى

- ‌الرسالة الثانية

- ‌الرسالة الثالثة

- ‌الرسالة الرابعة

- ‌الرسالة الخامسة

- ‌الرسالة السادسة

- ‌الرسالة السابعة

- ‌الرسالة الثامنة

- ‌الرسالة التاسعة

- ‌الرسالة العاشرة

- ‌الرسالة الحادية عشرة

- ‌الرسالة الثانية عشرة

- ‌الرسالة الثالثة عشرة

- ‌رسائل وفتاوى الشيخ حمد بن ناصر بن معمر

- ‌الرسالة الأولى

- ‌الرسالة الثانية

- ‌الرسالة الثالثة

- ‌الرسالة الرابعة

- ‌الرسالة الخامسة

- ‌الرسالة السادسة

- ‌الرسالة السابعة

- ‌الرسالة الثامنة

- ‌الرسالة التاسعة

- ‌الرسالة العاشرة

- ‌الرسالة الحادية عشرة

- ‌الرسالة الثانية عشرة

- ‌الرسالة الثالثة عشر

- ‌كتاب مختصرات الردود

- ‌رسالة من محمد أحمد الحفظي اليمني: منها أنه زعم إن إطلاق الكفر بدعاء غير الله غير مسلم به

- ‌فصل: في قوله ان نظر فيه من حيثية القول فهو كالحلف بغير الله، وان نظر فيه من حيثية الإعتقاد فهو كالطيرة

- ‌فصل: أن ورد في حديث الضرير قوله: يا محمد وفيمن انفلتت دابته قال: "يا عباد الله أحبسوا" وهذا دعاء ونداء لغير الله

- ‌فصل: في قول القائل إما التوسل فإن آدم توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل: في قوله إن سلمنا هذا القول وظهر دليله فالجاهل معذور لأنه لم يدر ما الشرك والكفر ومن مات قبل البيان فليس بكافر

- ‌فصل: قوله أن كثير من العلماء فعلوا هذه الأمور أو فعلت بحضرتهم ولم تنكر

- ‌فصل: اتخاذ القبور أعيادا في الغالب

- ‌فصل: إن في اتخاذ القبور أعيادا من المفاسد العظيمة التي لا يعلمها إلا الله

- ‌فصل: قوله فلكل شيخ يوم معروف في شهر معلوم يؤتى إليه من النواحي وقد يحضره بعض العلماء ولا ينكر

الفصل: ‌ ‌مجموعة الرسائل والمسائل والفتاوى ‌ ‌مسألة هل يجب على المبتدئين المتعلمين الرقي

‌مجموعة الرسائل والمسائل والفتاوى

‌مسألة هل يجب على المبتدئين المتعلمين الرقي إلى معرفة الدليل أم يكفيهم بتقليد من سبقهم

‌مدخل

مجموعة الرسائل والمسائل والفتاوى

(وبه أستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

(مسألة) ما قولكم نور الله قلوبكم لفك المعضلات، ووفقكم للأعمال الصالحات: هل يلزم المبتدئين المتعلمين الترقي إلى معرفة الدليل الناص على كل مسألة ومعرفة طرقه وصحته؟ أم تقليد المخرجين للحديث أنه صحيح أو حسن، أو يكفيهم العمل بالفقهيات المجردة عن الدليل يغنهم هذا فيمن طلب العلم وتأهل له. فما الحال في العوام هل يجزئهم مجرد التقليد؟

وأيضاً حكى بعض المتأخرين الإجماع على تقليد الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد فأفيدونا واحتسبوا فان الحاجة ماسة إلى هذه المباحث فان تتفضلوا بطول الجواب وذكر الدليل ومن قال به فهو المطلوب.

فأجاب الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر رحمه الله تعالى: الجواب وبالله التوفيق.

لا ريب أن الله سبحانه فرض على عباده طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} وقال تعالى {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} إلى قوله {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} ولم يوجب الله على هذه الأمة طاعة أحد بعينه في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفق العلماء على أنه ليس أحد معصوماً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهؤلاء الأئمة الأربعة قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولون فقال أبو حنيفة: علمنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه ومن جاءنا بأحسن منه قبلناه منه. وقال معن بن عيسى سمعت مالكاً يقول: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في قولي فكل ما خالف الكتاب والسنة فاتركوه. وقال ابن القاسم كان مالك يكثر أن يقول: (أن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين) وقال الشافعي: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط وإذا رأيت الحجة على الطريق فهي قولي. والأمام أحمد كان يقول لا تقلدوني ولا تقلدوا

ص: 41

مالكاً ولا الشافعي ولا الثوري وتعلموا كما تعلمنا. وكان يقول من قلة علم الرجل أن يقلد دينه الرجال. وقال لا تقلد دينك الرجال فانهم لن يسلموا من أن يغلطوا. وقال ابن عبد البر أجمع الناس على أن المقلد ليس معدوداً من أهل العلم وأن العلم معرفة الحق بدليله.

ولهذا جعل الفقهاء من شروط القاضي أن يكون مجتهداً فلا يصح أن يتولاه المقلد. هذا الذي عليه جمهور العلماء قال في الإفصاح1 اتفقوا على أنه لا يجوز أن يولى القضاء من ليس من أهل الاجتهاد، إلا أبا حنيفة فإنه قال يجوز ذلك. وقال الموفق في المغني2. يشترط في القاضي ثلاثة شروط (أحدها) الكمال وهو نوعان كمال الأحكام وكمال الخلقة (والثاني) العدالة (والثالث) أن يكون من أهل الاجتهاد وبهذا قال مالك والشافعي وبعض الحنفية وقال بعضهم يجوز أن يكون عامياً فيحكم بالتقلد لأن الغرض فصل الخصومات فإذا أمكنه ذلك بالتقليد جاز كما يحكم بقول المقومين ولنا قوله تعالى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} ولم يقل بالتقليد وقال {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} وقال {فافَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} وروى بريدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة: رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل جار في الحكم فهو في النار" رواه ابن ماجه (1) والعامي يقضى على جهل ولأن الحكم آكد من الفتيا لأنه فتيا وإلزام، والمفتي لا يجوز أن يكون مقلداً فالحاكم أولى انتهى.

وقال في الإنصاف (2) ويشترط القاضي أن يكون مجتهداً هذا المذهب المشهور وعليه معظم الأصحاب، قال ابن حزم يشترط كونه مجتهداً إجماعاً وقال أجمعوا على أنه لا يحل لحاكم ولا لمفت تقليد رجل فلا يحكم ولا يفتي إلا بقوله، وقال في الإفصاح الإجماع انعقد على تقليد كل من المذاهب الأربعة وأن الحق لا يخرج عنهم واختار في الترغيب ومجتهداً3 في مذهب إمامه للضرورة. واختار في الإفصاح والرعاية ومقلداً

1 الإفصاح عن شرح معاني الصحاح –أي أحاديث الصحيحين لأبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الوزير المتوفي سنة 560.

2 المغني في فقه المذاهب الإسلامية للشيخ موفق الدين بن قدامة الحنبلي المتوفي سنة 620.

3رواه أصحاب السنن والحاكم، وهذا لفظ ابن ماجة.

4 يوجد عدة كتب سميت (الإنصاف في مسائل الخلاف) أحدها للقاضي أبو بكر بن العربي المالكي المتوفي سنة 543 وثانيها لأبي سعد محمد بن يحيى النيسابوري الشافعي المتوفي سنة 548 وثالثها للحافظ أبي الفرج بن الجوزي الحنبلي المتوفي سنة 591 والظاهر أن هذا الأخير هو المراد هنا فقوله: معظم الأصحاب يعني به الحنابلة.

5 الظاهر أنه معطوف على محذوف منصوب.

ص: 42

(قلت) وعليه العمل من مدة طويلة وإلا تعطلت أحكام الناس وقيل في المقلد يفتي ضرورة وذكر القاضي أن ابن شاقلا اعترض عليه بقول الإمام أحمد لا يكون فقيهاً حتى يحفظ أربعمائة ألف حديث فقال ان كنت لا أحفظه فانني أفتى بقول من يحفظ أكثر منه. قال القاضي لا يقتضي هذا أنه كان يقلد أحمد لمنعه الفتيا بلا علم قال بعض الأصحاب: ظاهره تقليده إلا أن يحمل على أخذ طرق العلم عنه. وقال ابن بشار من الأصحاب لا أعيب على من يحفظ خمس مسائل لأحمد يفتي بها. وقال القاضي هذا منه مبالغة في فضله وظاهر نقل عبد الله يفتي غير مجتهد ذكره القاضي وحمله الشيخ تقي الدين على الحاجة انتهى ملخصاً.

وذكر ابن القيم مسئلة التقليد في الفتيا ثلاثة أقوال:

(أحدها) أنه لا يجوز الفتوى بالتقليد لأنه ليس بعلم والفتوى بغير علم حرام ولا خلاف بين الناس أن التقليد ليس بعلم وأن المقلد لا يطلق عيه اسم عالم وهذا قول أكثر الأصحاب وهو قول جمهور الشافعية.

(والثاني) أن ذلك يجوز فيما يتعلق بنفسه فيجوز أن يقلد غيره من العلماء إذا كان الفتوى لنفسه ولا يجوز أن يقلد العالم فيما يفتي به لغيره وهذا قول ابن بطة وغيره من أصحابنا.

(والقول الثالث) أنه يجوز ذلك عند الحاجة وعدم العالم المجتهد وهو أصح الأقوال وعليه العمل انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.

فتبين بما ذكرناه أن المقلد ليس بعالم وإن التقليد إنما يصار إليه عند الحاجة للضرورة ولكن قد دعت الحاجة والضرورة إليه من زمان طويل لا سيما في هذا الوقت وحينئذ فيقال التقليد ثلاثة أنواع:

(أحدها) التقليد بعد قيام الحجة وظهور الدليل على خلاف قول المقلد فهذا لا يجوز وقد اتفق السلف والأئمة على ذمه وتحريمه قال الشافعي رحمه الله أجمع المسلمون على أنه من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس.

(النوع الثاني) التقليد مع القدرة على الاستدلال والبحث عن الدليل فهذا مذموم أيضاً لأنه عمل على جهل وإفتاء بغير علم مع قدرته وتمكنه من معرفة الدليل المرشد والله تعالى قد أوجب على عباده أن يتقوه بحسب استطاعتهم فقال تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" فالواجب على كل عبد أن يبذل جهده في معرفة ما يتقيه مما أمره الله به ونهاه عنه ثم يلتزم طاعة الله ورسوله ولم يكلف الله عباده ما لا يطيقونه بل الواجب

ص: 43

على العبد ما يستطيعه من معرفة الحق فإذا بذل مجهوده في معرفة الحق فهو معذور فيما خفي عليه.

(النوع الثالث) التقليد السائغ وهو تقليد أهل العلم عند العجز عن معرفة الدليل وأهل هذا النوع نوعان أيضاً (أحدهما) من كان من العوام الذين لا معرفة لهم بالفقه والحديث ولا ينظرون في كلام العلماء فهؤلاء لهم التقليد بغير خلاف بل حكى غير واحد إجماع العلماء على ذلك.

(النوع الثاني) من كان محصلاً لبعض العلوم قد تفقه في مذهب من المذاهب وتبصر في كتب متأخري الأصحاب كالإقناع والمنتهى في مذهب الحنابلة أو المنهاج ونحوه في مذهب الشافعية أو مختصر خليل ونحوه في مذهب المالكية أو الكنز ونحوه في مذهب الحنفية ولكنه قاصر النظر عن معرفة الدليل ومعرفة الراجح من كلام العلماء فهذا له التقليد أيضاً إذ لا يجب عليه إلا ما يقدر عليه {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} ونصوص العلماء على جواز التقليد لمثل هذا كثيرة مشهورة وذلك لقوله تعالى {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال" ولم تزل العامة في زمن الصحابة والتابعين ومن بعدهم يستفتون العلماء ويتبعونهم في الأحكام الشرعية والعلماء يبادرون إلى إجابة سؤالهم من غير إشارة إلى ذكر الدليل ولا ينهونهم عن ذلك من غير نكير فكان إجماعاً على جواز اتباع العامي العلماء المجتهدين ويلزم هذا العامي أن يقلد الأعلم عنده كما يلزمه في مسألة القبلة فإذا اجتهد مجتهدان عند اشتباه القبلة فاختلفا في الجهة اتبع المقلد أوثقهما عنده ولا يجوز له أن يتبع الرخص بل يحرم لك عليه ويفسق به. قال ابن عبد البر لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعاً. ولا يلزم العامي أن يتمذهب بمذهب يأخذ بعزائمه ورخصه. قال الشيخ تقي الدين في الأخذ برخص المذهب وعزائمه طاعة1 غير النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمره ونهيه وهو خلاف الإجماع وتوقف أيضاً في جوازه.

وبالجملة فالعامي الذي ليس له من العلم حظ ولا نصيب فرضه التقليد فإذا وقعت له حادثة استفتى من عرفه عالماً عدلاً أو رآه منتصباً للإفتاء والتدريس واعتبر الشيخ تقي الدين وابن الصلاح الاستفاضة بأنه أهل للفتيا ورجحه النووي في الروضة ونقله عن أصحابه.

وقال الشيخ تقي الدين لا يجوز أن يستفتي إلا من يفتي بعلم وعدل. فعلى هذا لا يكتفي بمجرد اعتزائه إلى العلم ولو بمنصب تدريس أو غيره لا سيما في هذا الزمان

1 قوله: طاعة الخ خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو أي الأخذ المذكور طاعة بغير النبي الخ إلا أن يكون سقط من الناسخ بعض الكلم.

ص: 44

الذي غلب فيه الجهل وقل فيه طلب العلم وتصدى فيه جهلة الطلبة للقضاء والفتيا فتجد بعضهم يقضي ويفتي وهو لا يحسن عبارة الكتاب ولا يعلم صورة المسئلة بل لو طولب بإحضار تلك المسألة وهي في الكتاب لم يهتد إلى موضعها فإنا لله وإنا إليه راجعون.

لقد هزلت حتى بدا من هزالها

كلاها وحتى استامها كل مفلس

قال في شرح مختصر التحرير ويلزم ولي الأمر منع من لم يعرف بعلم أو جهل حاله من الفتيا قال ربيعة بعض من يفتي أحق بالضرب من السراق. ولا تصح الفتيا من مستور الحال. وما يجيب به المقلد عن حكم فإخبار عن مذهب إمامه لا فتيا قاله أبو الخطاب وابن عقيل والموفق ويعمل بخبره إن كان عدلاً لأنه ناقلاً كالراوي. ولعامي تقليد مفضول من المجتهدين عند الأكثر من أصحابنا منهم القاضي وأبو الخطاب وصاحب الروضة وقاله الحنفية والمالكية وأكثر الشافعية وقيل يصح إن اعتقده فاضلاً أو مساوياً لا أن اعتقده مفضولاً لأنه ليس من القواعد أن يعدل عن الراجح إلى المرجوح وقال ابن عقيل1 وابن سيرج والقفال والسمعاني يلزمه الاجتهاد فيقدم الأرجح، ومعناه قول الخرقي والموفق في المقنع ولأحمد روايتان. ويلزمه إن بان له الأرجح تقليده في الأصح زاد بعض أصحابنا وبعض الشافعية في الأظهر ويقدم الأعلم على الأورع، ويخير في تقليد أحد مستويين عند أكثر أصحابنا قال في الرعاية ولا يكفيه من تسكن نفسه إليه، بل لا بد من سكون النفس والطمأنينة به، ويحرم عليه تتبع الرخص ويفسق به. وإن اختلف مجتهدان بأن أفتاه أحدهما بحكم والآخر بخلافه تخير في الأخذ بأيهما شاء على الصحيح، اختاره القاضي والمجد وأبو الخطاب وذكر أنه ظاهر كلام أحمد وقيل يأخذ بقول الأفضل منهما علماً وديناً وهذا اختيار الموفق في الروضة.

ويحرم تساهل مفت وتقليد معروف به2 لأن الفتيا أمر خطر فينبغي أن يتبع السلف الصالح في ذلك فقد كانوا يهابون الفتيا كثيراً وقد قال الإمام أحمد إذا هاب الرجل شيئاً لا ينبغي أن يحمل على أن يقول به. قال بعض الشافعية من اكتفى في فتياه بقول أو وجه في المسئلة من غير نظر في الترجيح فقد جهل وخرق الإجماع. وذكر عن أبي الوليد الباجي3 إنه ذكر عن بعض أصحابهم أنه كان يقول الذي لصديقي علي أن أفتيه بالرواية التي توافقه، قال أبو الوليد وهذا لا يجوز عند أحد يعتد به في الإجماع. انتهى كلامه في شرح المختصر ملخصاً.

وهذا الذي ذكره أبو الوليد ذكر مثله الشيخ تقي الدين وصاحب الإنصاف وغيرهما. قال في الاختيارات وأجمع العلماء على تحريم الحكم والفتيا بالهوى أو بقول أو وجه

1 ابن عقيل من كبار فقهاء الحنابلة والثلاثة الذين ذكروا بعده من كبار الشافعية.

2 أي التساهل.

3 هو من كبار المالكية.

ص: 45