الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالواحد المعبود، ويقول هذا كلام العالم الفلاني في قصيدته وشرحها فلان وفلان وتداولها العلماء فلم ينكروا ذلك.
وهذه الشبهة هي التي قامت بقلوبهم وتوارثوها عن آبائهم فهم لا يصغون إلا إليها ولا يعولون إلا عليها كأنهم لم يسمعوا بكتاب منزل ولا نبي مرسل، فلما فضحهم الله، وهتك أستارهم بها أقيم عليهم من أدلة الكتاب والسنة على ابطال الشرك، وكفر من فعله وإباحة دمه وماله، وأقيم عليهم من الأدلة ما لا يقدرون على دفعه لم يكن لهم حيلة إلا الجحود والإنكار، وقالوا نعم هذا الشرك بالله، ونشهد أنه باطل ولكن هذه القباب التي على القبور لا يقصدها إلا العوام والجهلة الطغام.
فإذا قيل أفلا تنهون العوام عما يفعلونه من الإشراك، وتهدمون هذه البنايا التي على القبور قالوا هذا أمر الملوك فبسبب هذه الأمور غلب الشرك على أكثر النفوس لغلبة الجهل وقلة العلم حتى صار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والسنة بدعة والبدعة سنة، ونشأ في ذلك الصغير وهرم عليه الكبير، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الهدى كلاماً حسناً يناسب ذكره في هذا الموضوع قال رحمه الله: لما ذكر غزوة الطائف وذكر فوائد القصة قال: ومنها أنه لا يجوز ابقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً فانها شعائر الكفر والشرك وهي من أعظم المنكرات، فلا يجوز الاقرار عليها بعد القدرة البتة، وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثاناً، وطواغيت تعبد من دون الله تعالى، والاحجار التي تقصد بالتعظيم والتبرك والنذر والتقبيل، فلا يجوز ابقاء شيء منها على وجه الارض مع القدرة على ازالتها وكثير منها بمنزلة اللات والعزى، ومناة الثالثة الاخرى وأعظم شركاً عندها وبها والله المستعان.
فلم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق، وترزق وتميت، وتحيي، وانما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله اخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم فاتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم، وسلكوا سبيلهم خذو القذة بالقذة، وأخذوا مأخذهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور الجهل وخفاء العلم، فصار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والسنة بدعة والبدعة سنة، ونشأ في ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وطمست الاعلام واشتدت غربة الاسلام، وقل العلماء وغلبت السفهاء، وتفاقم الامر واشتد البأس، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين ولأهل الشرك والبدع مجاهدين إلى أن يرث الله الارض ومن عليها وهو خير الوارثين انتهى كلامه.
فصل: اتخاذ القبور أعيادا في الغالب
…
(فصل)
وأما قول القائل واتخاذها أعيادا في الغالب فلكل شيخ يوم معروف في شهر معلوم يؤتى إليه من النواحي، وقد يحضر بعض العلماء ولا ينكر- فنقول – هذه
المسألة يظهر جوابها مما تقدم، فان الله قد أتم نعمته على خلقه برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه الكتاب ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وافترض على الخلق طاعته، وأخبر أن من أطاعه فقد أطاع الله فقال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} وقال جل وعلا: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وهو صلى الله عليه وسلم أنصح الخلق للأمة كما أخبر الله عنه في قوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} فدل أمته على كل خير يعلمه لهم، وحذر أمته عن شر ما يعلمه لهمن فكل عمل لم يشرعه فليس من الدين.
والعبادات مبناها على الأمر الاتباع لا على الهوى والابتداع، وكل عمل ليس عليه أمره فهو رد كما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وقال صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" فيقال لمن أجاز القبور أعياداً: هل هذا مما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغب فيه أم هو مما نهى عنه وحذر من صلى الله عليه وسلم وهل فعل ذلك خلفاؤه الراشدون، والذين أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم سنتهم كما في حديث العرباض "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فان كل بدعة ضلالة" ومعلوم أن قبره صلى الله عليه وسلم أشرف قبر على وجه الأرض فلو كان فضيلة لما أهملوه ومن له معرفة بالسنن والآثار يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وحذر أمته وأن الصحابة لم يفعلوه وكذلك أتباعهم الذين اتبعوهم بإحسان لم يفعلوه بل نهوا عن ذلك وأنكروا على ما فعله.
ونحن نذكر بعض ما ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن اتخاذ قبره عيداً وهو سيد القبور فقبر غيره من باب الأولى والأحرى، قال أبو داود في سننه: حدثنا أحمد بن صالح قال: قرأت على عبد الله بن نافع أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي فان صلاتكم تبلغني حديث ما كنتم" وهذا اسناد جيد رواته كلهم ثقاة مشاهير، وقال أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا جعفر بن ابراهيم من ولد ذي الجناحين حدثنا علي بن الحسين انه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه فقال: الا أحدثكم بحديث سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً وصلوا علي فان تسليمكم يبلغني أينما كنتم" رواه أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في مختاراته التي اختارها من الاحاديث الجياد الزائدة على الصحيحين، وقال سعيد بن منصور في السنن: حدثنا حبان بن علي حدثني محمد بن عجلان عن أبي سعيد مولى المهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"لا تتخذوا بيتي عيداً ولا بيوتكم قبوراً وصلوا علي حيث ما كنتم فان صلاتكم تبلغني" وقال سعيد: حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني سهيل بن أبي سهيل قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى فقال: هلم إلى العشاء فقلت: لا أريده فقال: ما لي رأيتك عند القبر فقلت سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اذا دخلت المسجد فسلم ثم قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا قبري عيداً ولا تتخذوا بيوتكم مقابر لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وصلوا علي فان صلاتكم تبلغني حيث كنتم ما أنتم ومن بالاندلس الا سواء " فهذان المسلان من هذين الوجهين المختلفين يدلان على ثبوت الحديث لا سيما، وقد احتج به من أرسله وذلك يقتضي ثبوته عنده هذا لو لم يكن روى مسندا من وجوه غير هذا فكيف وقد تقدم مسندا.
ووجه الدلالة منه ان قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الارض وقد نهى عن اتخاذه عيداً فقبر غيره أولى بالنهى كائناً من كان ثم أنه قرن ذلك بقوله: "ولا تتخذوا من بيوتكم قبوراً" أي لا تعطلوها من الصلاة فيها، والدعاء والقرآن فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحري النافلة في البيوت، ونهى عن تحري العبادة عند القبور، وهذا ضد ما عليه المشركون، ثم انه عقب النهى عن اتخاذه عيداً بقوله:"وصلوا علي فان صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم" يشير بذلك إلى ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم فلا حاجة إلى اتخاذه عيداً.
وقد حرف هذه الاحاديث بعض من أخذ شبها من النصارى بالشرك وشبها من اليهود بالتحريف فقال هذا أمر بملازمة قبره، والعكوف عنده واعتياد قصده، وانتيابه ونهى أن يجعل كالعيد الذي انما يكون من الحول إلى الحول، بل أقصدوه كل ساعة وكل وقت، وهذا مراغمة ومحادة ومناقضة لما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم وقلب للحقائق، ونسبة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التدليس، والتلبيس والتناقض. فقاتل الله أهل الباطل أنى يؤفكون، ولا ريب أن ارتكاب كل كبيرة بعد الشرك أسهل اثماً وأخف عقوبة من تعاطي مثل ذلك في دنيه وسنته، وهكذا غيرت أديان الرسل ولولا أن الله أقام لدنيه أنصاراً وأعواناً يذبون عنه لجرى عليه ما جرى على الاديان قبله.
ولو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله هؤلاء الضلال لم ينه عن اتخاذ قبور الانبياء مساجد أو يلعن فاعل ذلك، فانه إذا لعن من اتخذها مساجد يعبد الله فيها فكيف يأمر بملازمتها، والعكوف عندها، وأن يعتاد قصدها وانتيابها، ولا تجعل كالعيد الذي يجيء من الحول إلى الحول، وكيف يسأل ربه ألا يجعل قبره وثناً يعبد وكيف يقول أعلم الخلق بذلك؟ ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن خشى أن يتخذ مسجدا وكيف يقول:"لا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي حيثما كنتم" وكيف لم يفهم أصحابه وأهل بيته من ذلك مافهمه هؤلاء الضلال الذين جمعوا بين الشرك والتحريف.
وهذا أفضل التابعين من أهل بيته على بن الحسين رضي الله عنه نهي ذلك