المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌امرؤ القيس بن حجر - مختصر تاريخ دمشق - جـ ٥

[ابن منظور]

فهرس الكتاب

- ‌أصبغ بن عمر

- ‌أصبغ بن محمد بن محمد بن لهيعة السكسكي

- ‌أغيبر مولى هشام بن عبد الملك

- ‌أفلح أبو كثير ويقال أبو عبد الرحمن

- ‌أقرع بن حابس بن عقال بن محمد

- ‌أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن

- ‌ألب رسلان بن رضوان بن تتش

- ‌إلياس بن تشبين بن العازر بن هارون

- ‌أماجور

- ‌أمد بن أبد الحضرمي اليماني

- ‌امرؤ القيس بن حجر

- ‌امرؤ القيس بن عابس بن المنذر

- ‌أمية بن أبي الصلت عبد الله

- ‌أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد

- ‌أمية بن عبد الله بن عمرو

- ‌أمية بن عثمان الدمشقي

- ‌أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص

- ‌أمية بن يزيد بن أبي عثمان

- ‌انتصار بن يحيى المصمودي

- ‌أنس بن السلم بن الحسن بن السلم

- ‌أنس بن سيرين وكنية سيرين

- ‌أنس بن عباس بن عامر بن حي

- ‌أنس بن عياض أبو ضمرة الليثي المدني

- ‌أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم

- ‌أنس الجهني

- ‌أوسط بن عمر ويقال ابن عامر

- ‌أوس بن أوس ويقال ابن أبي أوس

- ‌أوس بن حارثة بن لأم

- ‌أويس بن عامر بن مالك بن عمرو

- ‌إياس بن زيد ويقال ابن يزيد

- ‌إياس بن معاوية بن قرة بن إياس

- ‌أيمن بن خريم بن الأخرم بن شداد

- ‌أيمن بن نابل كنيته أبو عمران

- ‌أيمن رجل من ثقيف

- ‌أيوب نبي الله صلى الله على نبينا وعليه وسلم بن زارح بن آموص بن ليفزر

- ‌أيوب بن إسحاق بن إبراهيم بن سافري

- ‌أيوب بن بشير بن كعب العدوي البصري

- ‌أيوب بن تميم أبو سليمان التميمي المقرئ

- ‌أيوب بن حسان أبو حسان الجرشي

- ‌أيوب بن حمران

- ‌أيوب بن خالد أبو عثمان الجهني الحراني

- ‌أيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد

- ‌أيوب بن سليمان بن داود

- ‌أيوب بن سليمان بن عبد الملك

- ‌أيوب بن أبي عائشة

- ‌أيوب بن عبد الله بن مكرز

- ‌أيوب بن عثمان الدمشقي

- ‌أيوب بن محمد بن زياد بن فروخ

- ‌أيوب بن محمد بن محمد

- ‌أيوب بن مدرك بن العلاء

- ‌أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد

- ‌أيوب بن موسى ويقال ابن محمد

- ‌أيوب بن ميسرة بن حلبس

- ‌أيوب بن نافع بن كيسان

- ‌أيوب بن هلال وهلال أبو عقال

- ‌أيوب بن يزيد بن قيس

- ‌أسماء النساء على حرف الألف

- ‌أسماء بنت عبد الله أبي بكر الصديق

- ‌أسماء بنت واثلة بن الأسقع الليثية

- ‌أسماء ويقال فكيهة بنت يزيد

- ‌أسماء امرأة كانت في عصر أم الدرداء

- ‌آمنة ويقال أمة بنت سعيد بن العاص

- ‌آمنة بنت الشريد زوج عمر بن الحمق

- ‌آمنة ويقال أمينة

- ‌آمنة أو أمية بنت أبي الشعثاء الفزارية

- ‌آمنة بنت محمد بن أحمد

- ‌أميمة بنت أبي بشر بن زيد

- ‌أميمة بنت رقيقة

- ‌أنيسة بنت معبد المغني

- ‌حرف الباء

- ‌بحيري الراهب

- ‌بختري بن عبيد بن سليمان الطابخي

- ‌بخت نصر بن بيت بن جوذرز

- ‌بخيت بن محمد بن حسان البسري

- ‌بدر بن الهيثم بن خالد بن عبد الرحمن

- ‌بدر بن عبد الله أبو النجم

- ‌بدر بن عبد الله أبو النجم الأرمني

- ‌بديح مولى عبد الله بن جعفر

- ‌بديع بن عبد الله أبو الحسن

- ‌برد بن سنان أبو العلاء القرشي

- ‌بركان بن عبد العزيز بن الحسين

- ‌بركات بن عبد الواحد بن محمد

- ‌بركات بن علي بن الحسين بن مسعود

- ‌بركة الأردني ويقال الأزدي

- ‌بريدة بن الحصيب بن عبد الله

- ‌بريد الكلبي ثم العليمي

- ‌بسر بن أرطاة

- ‌بسر بن عبيد الله الحضرمي

- ‌بشار بن أحمد بن محمد أبو الرجاء

- ‌بشرى بن عبد الله الروحي الرملي

- ‌بشر بن إبراهيم أبو سعيد القرشي

- ‌بشر بن بكر أبو عبد الله

- ‌بشر بن الحارث بن عبد الرحمن

- ‌بشر بن أبي حفص

- ‌بشر بن حميد بن أبي مريم

- ‌بشر بن حيان الخشني البلاطي

- ‌بشر بن عبد الله بن يسار

- ‌بشر بن عبيد الله بن صالح

- ‌بشر ويقال بشير بن عبد الوهاب

- ‌بشر بن أبي عمرو بن العلاء

- ‌بشر بن عون أبو عون القرشي

- ‌بشر بن العلاء بن زبر

- ‌بشر بن قيس التغلبي

- ‌بشر بن مروان بن الحكم

- ‌بشر بن وهب أبو مروان السراج

- ‌بشر وهو الحتات بن يزيد بن علقمة

- ‌بشير بن أبان بن بشير بن النعمان

- ‌بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس

- ‌بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة

- ‌بشير بن عقربه ويقال بشر

- ‌بشير بن الخصاصية

- ‌بشير بن النعمان بن بشير بن سعد

- ‌بشير بن النعمان بن علي بن محمد

- ‌بشير مولى معاوية بن أبي سفيان

- ‌بشير مولى معاوية بن بكر

- ‌بشير مولى هشام بن عبد الملك

- ‌بشير بن كعب بن أبي الحميري

- ‌بطريق بن بريد بن مسلم

- ‌بغا أبو موسى الكبير

- ‌بقية بن الوليد بن صائد

- ‌بقي بن مخلد بن يزيد

- ‌بكار بن بلال أبو أيوب العاملي

- ‌بكار بن تميم أبو عبد الرحمن

- ‌بكار بن شعيب أبو خزيمة العبدي الدمشقي

- ‌بكار بن قتيبة بن عبيد الله

- ‌بكار بن محمد

- ‌بكر بن أحمد بن حفص بن عمر

- ‌بكر بن سهل بن إسماعيل بن نافع

- ‌بكر بن شعيب بن بكر بن محمد

- ‌بكر بن عبد العزيز بن إسماعيل

- ‌بكر بن عمرو المعافري المصري

- ‌بكر بن محمد بن بكر بن خريم

- ‌بكر بن محمد بن علي بن حيد

- ‌بكر بن مصعب

- ‌بكير بن ماهان أبو هاشم الحارثي

- ‌بكير بن محمد بن بكير

- ‌بكير بن معروف أبو معاذ

- ‌بلعم ويقال بلعام بن باعوراء

- ‌بنان بن حازم أبو عبد السلام

- ‌بندار بن عبد الله الهمذاني الصوفي

- ‌بندار بن عمر بن محمد بن أحمد

- ‌بلال بن جرير بن عطية

- ‌بلال بن الحارث بن عكم

- ‌بلال بن رباح أبو عبد الكريم

- ‌بلال بن سعد بن تميم أبو عمرو

- ‌بلال بن أبي بردة عامر بن عبد الله

- ‌بلال بن أبي هريرة الدوسي

- ‌بلال بن عويمر أبي الدرداء

- ‌أسماء النساء على حرف الباء

- ‌بثينة بنت حبا بن ثعلبة بن الهوذ

- ‌بحرية بنت هانئ بن قبيضة

- ‌برق الأفق المدنية

- ‌بلقيس بنت شراحيل الهدهاد بن شرحبيل

- ‌حرف التاء المثناة فوقها

- ‌تُبع بن حسان بن ملكيكرب بن تبع

- ‌تبوك بن أحمد بن تبوك بن خالد

- ‌تبوك بن الحسن بن الوليد بن موسى

- ‌تبيع بن عامر أبو عبيدة

- ‌تليد الخصي مولى عمر بن عبد العزيز

- ‌تمام بن عبد الله بن المظفر

- ‌تمام بن عبد السلام بن محمد

- ‌تمام بن كثير أبو قدامة الجبيلي

- ‌تمام بن محمد بن عبد الله

- ‌تمام بن نجيح الأسدي

- ‌تميم بن أوس بن خارجة

- ‌تميم بن بشر الأنصاري

- ‌تميم بن محمد بن طمغاج

- ‌تميم بن نصر بن تميم بن منصور بن حية

- ‌توبة بن أبي أسد واسم أبي أسد كيسان

- ‌أسماء النساء على حرف التاء

- ‌تجيفة زوج أبي عبيدة بن الجراح

- ‌تماضر بنت الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة

- ‌حرف الثاء المثلثة

- ‌ثابت بن أحمد بن الحسين

- ‌ثابت بن أحمد بن أبي الفوارس

- ‌ثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدي

- ‌ثابت بن ثوبان

- ‌ثابت بن جعفر بن أحمد

- ‌ثابت بن الحسين بن محمد بن عيسى

- ‌ثابت بن سرج أبو سلمة الدوسي

- ‌ثابت بن سعد أبو عمرو الطائي الحمصي

- ‌ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام

- ‌ثابت بن عجلان أبو عبد الله

- ‌ثابت بن قيس بن الخطيم

- ‌ثابت بن قيس بن منفع

- ‌ثابت بن معبد أخو عطية بن معبد

- ‌ثابت بن يحيى بن إسار

- ‌ثابت بن يوسف بن الحسين

- ‌ثروان أبو علي مولى عمر بن عبد العزيز

- ‌ثريا بن أحمد بن الحسن بن ثريا

- ‌ثعلب بن جعفر بن أحمد بن الحسين

- ‌ثمامة بن حزن بن عبد الله بن سلمة

- ‌ثمامة بن عدي القرشي أمير صنعاء

- ‌ثميل بن عبد الله الأشعري

- ‌ثوابة بن أحمد بن عيسى بن ثوابة

- ‌ثواب بن إبراهيم بن أحمد

- ‌ثوبان بن جحدر ويقال ابن يجدد

- ‌ثوبان بن شهر الأشعري

- ‌ثوب ويقال ثوب بن تلدة الوالبي الأسدي

- ‌ثور بن يزيد بن زياد أبو خالد

- ‌أسماء النساء على حرف الثاء المثلثة

- ‌الثريا بنت عبد الله بن الحارث

- ‌حرف الجيم

- ‌جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب

- ‌جابر بن عبد الله بن عمرو

- ‌جابر بن عبد الله بن عصمة المحاربي

- ‌جارية بن قدامة بن مالك بن زهير

- ‌جامع بن بكار بن بلال

- ‌جانوش بن بك أبو الحسن الفرغاني

- ‌جبرون بن عبد الجبار بن واقد

- ‌جبريل بن يحيى بن قرة

- ‌جبلة بن الأيهم بن جبلة

- ‌جبلة بن سحيم أبو سويرة

- ‌جبلة بن مطر

- ‌جبير بن الحويرث بن نقيذ

الفصل: ‌امرؤ القيس بن حجر

‌امرؤ القيس بن حجر

ابن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار ابن عمرو بن معاوية بن الحارث بن يعرب بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة، أبو يزيد ويقال أبو وهب ويقال أبو الحارث.

كان بأعمال دمشق.

وقد ذكر مواضع من أعمالها في شعره، فمن ذلك قوله:" من الطويل "

قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها

لما نسجتها من جنوبٍ وشمأل

وكل هذه مواضع معروفة بحوران ونواحيها.

ومن ذلك قوله في قصيدة: " من الطويل "

ولما بدا حوران والآل دونه

نظرت فلم تنظر بعينيك منظرا

ثم قال بعدها أبيات منها:

لقد أنكرتني بعلبك وأهلها

ولابن جريجٍ كان في حمص أنكرا

ففي كتاب طبقات الشعراء للجاهليين: في الطبقة الأولى: امرؤ القيس بن حجر.

قال ابن كلبي: إنما سمي حجر بن عمرو بن معاوية الأكرمين آكل المرار لأن امرأته هند بنت ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية الأكرمين لما أغار عليه ابن الهيولة السليحي فأخذها، فقال:

ص: 33

كيف ترين الآن حجراً؟ فقالت: أراه والله خبيث الطلب، شديد الكلب، كأنه بعير أكل مراراً.

والمرار نبتٌ حارٌ يأكله البعير، فيتقلص منه مشفره.

وكان حجر أفوه خارج الأسنان فشبهته به، فسمي آكل المرار بذلك.

حدث ابن الكلبي أن قوماً أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوه عن أشعر الناس.

فقال: ائتوا ابن الفريعة، يعني حسان.

فأتوه.

فقال: ذو القروح، يعني: امرؤ القيس، فرجعوا فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدق، رفيع في الدنيا خامل في الآخرة، شريف في الدنيا، وضيع في الآخرة، هو قائد الشعراء إلى النار.

أو كما قال.

قال محمد بن الحسن المخزومي: قيل لحسان بن ثابت: من أشعر الناس؟ قال: أبو أمامة يعني النابغة الذبياني.

قال: ثم من؟ قال: حسبك بي مناضلاً أو منافحاً.

قيل: فأين أنت من امرؤ القيس؟ قال: إنما كنت في ذكر الإنس.

قدم قوم من اليمن على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد أحيانا الله ببيتين من شعر امرئ القيس بن حجر.

قال: " وكيف ذلك "؟ قالوا: أقبلنا نريدك فضللنا فبقينا ثلاثاً بغير ماء، فاستظللنا بالطلح والسمر وفي رواية فانطلق كل رجل منا إلى أصل شجرةٍ ليموت في ظلها فبينا نحن في آخر رمق إذ أقبل فأقبل راكب متلثم بعمامة، وتمثل رجل منا ببيتين:" من الطويل "

ولما رأت أن الشريعة همها

وأن البياض من فرائضها دامي

تيممت العين التي عند ضارجٍ

يفيء عليها الطلح عرمضها طامي

فقال الراكب: من يقول هذا الشعر؟ قال: امرؤ القيس بن حجر.

قال: فلا والله

ص: 34

ما كذب.

هذا ضارج عندكم، فحبونا على الركب إلى ماء كما ذكر، عليه العرمض، يفيء عليه الطلح، فشربنا رينا، وحملنا ما بلغنا من الطريق.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ذلك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها، منسيٌ في الآخرة، خاملٌ فيها، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعر إلى النار ".

ويقال: إن لبيداً قدم المدينة قبل إسلامه فقال رجل من قريش لرجل منهم: انهض إلى لبيد، فاسأله أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشعر الناس؟ فنهض إليه فسأله.

قال: " إن شئت أخبرتك من أعلمهم ".

قال: بل أشعرهم.

قال: " يا حسان! أعلمه "، فقال حسان: الذي يقول: " من الطويل "

كأن قلوب الطير رطباً ويابساً

لدى وكرها العناب والحشف البالي

قال: هذا امرؤ القيس، فمن الثاني؟ قال:" يا حسان أعلمه ".

قال: الذي يقول: " من المتقارب "

كأن تشوفه بالضحى

تشوف أزرق ذي مخلب

إذا سل عنه جلالٌ له

يقال سليبٌ ولم يسلب

قال لبيد: وهذا له أيضاً.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أدركته لنفعته ".

ثم قال: " معه لواء الشعراء يوم القيامة حتى يتدهدى بهم في النار ".

فقال لبيد: ليت هذه المقالة قيلت لي، وأني أدهدى في النار، ثم أسلم بعد، فحسن إسلامه.

قال أبو سليمان الخطابي في حديث عمر، أنه ذكر امرأ القيس، فقال: خسف لهم عين الشعر، وافتقر عن معانٍ عورٍ أصح بصراً.

فسره ابن قتيبة في كتابه، فقال: خسف من الخسيف، وهو البئر يحفر في حجارة،

ص: 35

فيستخرج منها ماءٌ كثير.

وافتقر: فتح، وهو من الفقير.

والفقير: فم القناة.

وقوله: عن معان عور.

يريد أن امرأ القيس من اليمن، وليست لهم فصاحة.

قال أبو سليمان: هذا لا وجه له، ولا موضع لاستعماله فيمن لا فصاحة له، وإنما أريد بالعور ههنا: غموض المعاني ودفنها من قولك: عورت الركية إذا دفنتها، وركية عوراء، قال الشاعر:" من الزجر "

ومنهل أعور إحدى العينين

بصيرة الأخرى أصم الأذنين

جعل العين التي تنبع بالماء بصيرة، وجعل المندفنة عوراء، فالمعاني العور على هذا: هي الباطنة الخفية.

كقولك: هذا كلام معمى: أي غامض غير واضح.

أراد عمر أنه قد غاص على معان خفية على الناس، فكشفها لهم.

وضرب العور مثلاً لغموضها وخفائها، وصحة البصر مثلاً في ظهورها وبيانها.

وذلك كما أجمعت عليه الرواة، من سبقه إلى معان كثيرة لم يحتذ فيها على مثال متقدم: كابتدائه في القصيدة بالنسيب، والبكاء في الأطلال، والتشبيهات المصيبة، والمعاني المقتضبة التي تفرد بها، فتبعه الشعراء عليها، وامتثلوا رسمه فيها.

قال يونس بن حبيب: علماء البصرة يقدمون امرأ القيس بن حجر، وأله الكوفة يقدمون الأعشى، وأهل الحجاز والبادية يقدمون زهيراً والنابغة.

قال ابن سلام: واحتج لامرئ القيس من يقدمه، وليس أنه قال ما لم يقولوا، ولكنه سبق العرب إلى أشياء ابتدعها، استحسنتها العرب واتبعته فيها الشعراء، منه: استيقاف صحبه، والبكاء في الديار، ورقة النسيب، وقرب المأخذ، وتشبيه النساء بالظباء والبيض، وتشبيه الخيل بالعقبان والعصي وقيد الأوابد، وأجاد في التشبيه، وفصل بين النسيب وبين

ص: 36

المعنى، وكان أحسن طبقته تشبيهاً؛ وأحسن الإسلام تشبيهاً ذو الرمة.

قال أبو عبيدة: ذهبت اليمن بجد الشعر وهزله؛ فجده امرؤ القيس، وهزله أبو نواس.

سئل الفراء يحيى بن زياد القيسي النحوي عن أشعر العرب؟ فأبى أن يقول، فقيل له: إنك لهذا موضع فقل، فقال: كان زهير بن أبي سلمى واضح الكلام، مكتفية بيوته، البيت منها بنفسه كافٍ، وكان جيد المقاطع، وكان النابغة جزل الكلام حسن الابتداء والمقطع، يعرف في شعره قدرته على الشعر، لم يخالطه ضعف الحداثة.

وكان امرؤ القيس شاعرهم الذي علم الناس الشعر والمديح والهجاء بسبقه إياهم، وإنه إن كان خارجاً من حد الشعراء ينوفهم وكان لطرفة شيء ليس بالكثير، وليس كما يذهب إليه بعض الناس لحداثته، وكان لو متع بسنٍّ حتى يكبر معه شعره، كان خليقاً أن يبلغ المبالغ.

وكان الأعشى يضع لسانه من الشعر حيث شاء، وكان الحطيئة نقي الشعر، قليل السقط، حسن الكلام مستويه، وكان لبيد وابن مقبل يجريان مجرىً واحداً في خشونة الكلام وصعوبته.

وليس ذلك بمحمودٍ عند أهل الشعر، وأهل العربية يشتهونه لكثرة غريبه، وليس يجود الشعر عند أهله حتى يكون صاحبه يقدر على تسهيله وإيضاحه؛ فإذا نزلت عن هؤلاء فجرير والفرزدق، فهما اللذان فتقا الشعر وعلما الناس، وكادا يكونان خاتمي الشعر.

وكان ذو الرمة مليح الشعر يشبه فيجيد ويحسن، ولم يكن هجاءً ولا مداحاً، وليس الشاعر إلا من هجا فوضع، أو مدح فرفع، كالحطيئة والأعشى فإنهما كانا يرفعان ويضعان، ثم قال الفراء: والله الرافع والواضع.

قال ابن الكلبي: لما أقبل امرؤ القيس بن حجر يريد بني أسد ثائراً بأبيه، وكان مرثد بن علس بن ذي حزن ملك جهينة قد أمده بخمس مائة رجل من حمير رماة، فسار حتى مر بتبالة وبها ذو الخلصة، وكانت العرب كلها تعظمه، فدخل امرؤ القيس عليه وعنده قداح له ثلاثة: الآمر والناهي والمتربص، يستسقم في قتال بني أسد، فخرج

ص: 37

الناهي، فأعاد، فخرج الناهي، فأعاد، فخرج الناهي، فكسر الأقداح وضرب بها وجه ذي الخلصة، وقال: عضضت بأير أبيك، لو كان أبوك المقتول لما عوقتني، ثم أغار على بني أسد فقتلهم قتلاً ذريعاً، فلم يستسقم عند ذي الخلصة حتى جاء الله بالإسلام.

قال أبو عمرو بن العلاء: أقبل امرؤ القيس حتى لقي الحارث التوأم اليشكري وكان الحارث يكنى أبا شريح، فقال امرؤ القيس:" من الوافر "

أحار ترى بريقاً لم يغمض

فقال الحارث:

كنار مجوس تستعر استعارا

فقال امرؤ القيس:

أرقت له ونام أبو شريح

فقال الحارث:

إذا ما قلت قد هدأ استطارا

فقال امرؤ القيس:

كأن حنينه والذعر فيه

فقال الحارث:

عشارٌ ولهٌ لاقت عشارا

فقال امرؤ القيس:

فلم يترك ببطن الجو ظبياً

فقال الحارث:

ولم يترك بعرصتها حمارا

ص: 38

فقال امرؤ القيس:

فلما إذ علا بقفا أضاحٍ

قال الحارث:

وعت أعجاز ريقه فحارا

فقال امرؤ القيس: لا بغيت أحداً بعدك بالشعر.

قال الشافعي: قال امرؤ القيس: " من الطويل "

ألا زعمت بسباسة اليوم أنني

كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي

كذبت لقد أصبي على المرء عرسه

وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي

ومن شعره:

فلو أن ما سعى لأدنى معيشةٍكفاني ولم أطلب قليلٌ من المال

ولكنما أسعى لمجدٍ مؤثلٍ

وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

قال خالد بن يزيد الكاتب: بينا أنا مارٌ بباب الطاق إذ براكب خلفي على بغلة، فلما لحقني نخسني بسوطه، فقال: أنت القائل يا خويلد:

وليل المحب بلا آخر؟

قلت: نعم! قال: لله أبوك، وصف امرؤ القيس الليل الطويل في ثلاثة أبيات، ووصفه النابغة في ثلاثة أبيات، ووصفه بشار بن برد في ثلاثة أبيات، وبرزت عليهم بشطر

ص: 39

كلمة فلله أبوك.

قلت: وبم وصفه امرؤ القيس؟ فقال: بقوله: " من الطويل "

وليلٍ، كموج البحر أرخى سدوله

علي بأنواع الهموم ليبتلي

فقلت له لما تمطى بجوزه

وأردف أعجازاً وناء بكلكل

ألا أيها الليل الطويل ألا انجل

بصبحٍ وما الإصباح فيك بأمثل

قلت: وبما وصفه النابغة؟ فقال: بقوله: " من الطويل "

كليني لهمٍّ يا أميمة ناصب

وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب

وصدرٍ أراح الليل عازب همه

تضاعف فيه الهم من كل جانب

تقاعس حتى قلت ليس بمنقضٍ

وليس الذي يهدي النجوم بآيب

قلت له: وبم وصفه بشار؟ فقال: بقوله: " من الطويل "

خليلي ما بال الدجى لا تزحزح

وما بال ضوء الصبح لا يتوضح؟

أظن الدجى طالت وما طالت الدجى

ولكن أطال الليل سقم مبرح

أضل النهار المستنير طريقه

أم الدهر ليلٌ كله ليس يبرح؟

قلت له: يا مولاي هل لك في شعر قلته لم أسبق إليه؟ قال: نعم.

فقلت: " من مجزوء الرمل "

كلما اشتد خضوعي

لجوىً بين ضلوعي

ركضت في حلبتي خد

ي خيلٌ من دموعي

قال: فثنى رجله من بغلته وقال: هاكها فاركبها فأنت أحق بها مني.

فلما مضى سألت عنه فقيل: هو أبو تمام حبيب بن أوس الطائي.

ص: 40