الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: أفقيه هذه المدرة؟ قال: قلت: نعم أيها الأمير.
قال: فاجلس، ثم قال لي: ما تقول في زكاة أموالنا، أندفعها إلى السلطان أم إلى الفقراء؟ قال: قلت: أي ذلك فعلت أجزأ عنك، قال: فتبسم ثم رفع رأسه إلى الذي كان على رأسه فقال: لشيءٍ ما يسود من يسود.
ثم جعل يديم النظر إلي، فإذا أملت طرفي إليه صرف بصره عني، وإذا أطرقت أبدّ في نظره.
قال: ثم قمت فاستأذنت في الانصراف، فقال لي: مصاحباً محفوظاً.
قال: ثم عدت بالعشي فإذا هو قد انحدر من سريره إلى صحن مجلسه، وإذا الأطباء حواليه وهو يتململ تململ السليم، فقلت: ما للأمير؟ قالوا: محموم.
ثم عدت من غد، وإذا الناعية ينعاه، وإذا الدواب قد جزوا نواصيها، قلت: ما للأمير؟ قالوا: مات.
فحمل ودفن في جانب الصحراء.
ووقف الفرزدق على قبره فرثاه، فلم يبق أحدٌ كان على القبر إلا خر باكياً.
قال: ثم انصرفت فصليت في جانب الصحراء ما قدر لي ثم عدت إلى القبر، وإذا قد أتي بعبدٍ أسود، فدفن إلى جانبه، فوالله ما فصلت بين القبرين حتى قلت: أيهما قبر بشر بن مروان؟! وكانت ولاية بشرٍ للعراق سنة أربع وسبعين.
ومات في أول سنة خمسٍ وسبعين.
وقيل: مات سنة ثلاث وسبعين.
بشر بن وهب أبو مروان السراج
حدث عن الهيثم بن عمران، عن أبيه، عن مكحول، قال: إياك وطلبات الحوائج من الناس، فإنه فقرٌ حاضر، وعليك بالإياس، فإنه الغنى؛ ودع من الكلام ما يعتذر منه، وتكلم بما سواه؛ وإذا صليت فصل صلاة مودع.
بشر وهو الحتات بن يزيد بن علقمة
ابن حوي بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، أبو منازل المجاشعي التميمي.
وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم مع جماعة من أشرافهم.
وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان.
ووفد على معاوية.
قال ابن إسحاق: فقدمت وفود العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدم عليه عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي في أشراف من بني تميم، فيهم الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، وعمرو بن الأهتم، والحتات، ونعيم بن زيد، وقيس بن الحارث، وقيس بن عاصٍ في وفد عظيم من بني تميم، معهم عيينة بن حصن الفزاري، وهم الذين دخلوا المسجد ونادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات: أن اخرج إلينا يا محمد! فآذى لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، من صياحهم فخرج إليهم فقالوا: يا محمد جئناك نفاخرك، فأذن لشاعرنا وخطيبنا وقص الحديث كما ذكرناه في ترجمة الأقرع بن حابس أو بمعناه.
ونزل فيهم القرآن: " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ".
والحتات هو الذي مات عند معاوية، وورثه الفرزدق، وهجا معاوية لأخذه ميراثه، ويجمعهما في النسب سفيان.
والحتات هو القائل للفرزدق وأراد الخروج إليه إلى عمان: " من الوافر "
كتبت إلي تستهدي الجواري
…
لقد أنعظت من بلدٍ بعيد
أقد لا تأتنا فعمان أرضٌ
…
بها سمكٌ وليس بها ثريد
وكان للحتات قدر وذكر في الجاهلية، ثم أسلك ووفد إلى عمر بن الخطاب.
وهو الذي أجار الزبير بن العوام لما انصرف عن الجمل.
وقتل الزبير في جواره.
فجرير يعير مجاشعاً بذلك، فمما قال فيهم:" من الكامل "
قال النوائح من قريشٍ غدوةً
…
غدر الحتات وجاره والأقرع
وقال أيضاً فيهم: " من الكامل "
لو كنت حراً يا بن قين مجاشعٍ
…
شيعت ضيفك فرسخين وميلا
وبنو مجاشع تنكر أن يكون الحتات أجاره، ويقولون: إنما كان الزبير قصد النعر بن الزمام المجاشعي، فلم يصادفه.
ثم قتل من ليلته.
وكان الحتات ممن هرب من عليٍّ عليه السلام؛ وهو القائل: " من المتقارب "
لعمر أبيك فلا تجزعي
…
لقد ذهب الخير إلا قليلا
وقد فتن الناس في دينهم
…
وخلى ابن عفان شرٌ طويلا
وكان الحتات عم الفرزدق، وفد على معاوية والأحنث بن قيس وجارية بن قدامة السعدي، ففضلهما على الحتات في الجائزة، ولم يعلم بذلك الحتات؛ فلما خرجوا علم به فرجع إليه وقال: فضلت علي محرقاً ومخذلاً؟! يعني بالمحرق لأنه حرق دار الإمارة، والأحنف خذل عن عائشة والزبير - فقال معاوية: إنما اشتريت منهما دينهما ووكلتك إلى دينك ورأيك في عثمان بن عفان - وكان عثمانياً - فقال: وأنا فاشتر مني ديني؛ فألحقه بهما.
فخرج الحتات، فمات في الطريق، فبعث معاوية فأخذ المال.
فوفد الفرزدق على معاوية فقال من أبيات: " من الطويل "
أبوك وعمي يا معاوي أورثا
…
تراثاً فأولى بالتراث أقاربه
فما بال ميراث الحتات أخذته
…
وميراث صخرٍ جامدٌ لك ذائبه
فلو كان هذا الأمر في جاهليةٍ
…
عرفت من المولى القليل حلائبه
ولو كان هذا الأمر في عز ملككم
…
لأديته أو غص بالماء شاربه
فرد عليه معاوية ميراث الحتات.
قال: فأنشد هذه الأبيات بعض خلفاء بني أمية