المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الأسماء والكنى] - مختصر زاد المعاد

[محمد بن عبد الوهاب]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة الناشر مختصر زاد المعاد]

- ‌[ترجمة المؤلف]

- ‌[ترجمة الإمام ابن القيم]

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌[فصل اختص الله نفسه بالطيب]

- ‌[فصل في وجوب معرفة هدي الرسول]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْوُضُوءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فصل في قراءة صلاة الفجر]

- ‌[فصل في هديه في القراءة في باقي الصلوات]

- ‌[فصل في ركوعه صلى الله عليه وآله وسلم]

- ‌[فَصْلٌ في كيفية سجوده]

- ‌[فصل في كيفية جلوسه وإشارته في التشهد]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في سجود السهو]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في السنن الرواتب والتطوعات]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِيَامِ اللَّيْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في صلاة الضحى]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في الجمعة]

- ‌[فصل في تعظيم يوم الجمعة]

- ‌[فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صلاة العيدين]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في سفره وعباداته فيه]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في زيارة المرضى]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في الزكاة]

- ‌[فَصْلٌ في من يعطى الصدقة]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في صدقة التطوع]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في الصيام]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الِاعْتِكَافِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في حجه وعمرته]

- ‌[فصل في إحرامه]

- ‌[فصل قد تَضَمَّنَتْ حَجَّتُهُ صلى الله عليه وسلم سِتَّ وقفات للدعاء]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَالْعَقِيقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في الأضاحي]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في العقيقة]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في الأسماء والكنى]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِفْظِ الْمَنْطِقِ وَاخْتِيَارِ الْأَلْفَاظِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في الذكر]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم عند دخوله مَنْزِلِهِ]

- ‌[فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الأذان]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في آداب الطعام]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في السلام والاستئذان]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في السلام على أهل الكتاب]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الاسْتِئْذَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في آداب السفر]

- ‌[فصل فيما يقوله ويفعله من بلي بالوساوس]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يقوله عند الغضب]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَلْفَاظٍ كَانَ صلى الله عليه وسلم يكره أن تقال]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في الجهاد والغزوات]

- ‌[فصل في أنواع الجهاد]

- ‌[فَصْلٌ في دعوة الرسول قومه إلى دينه]

- ‌[فصل في الهجرة إلى الحبشة]

- ‌[فصل في الإسراء]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَبْدَأِ الْهِجْرَةِ الَّتِي فَرَّقَ اللَّهُ بها بين أوليائه وأعدائه]

- ‌[فصل في قدوم النبي الْمَدِينَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ]

- ‌[فصل في أحوال رسول الله والمسلمين عندما استقر بالمدينة]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في القتال]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في الأسارى]

- ‌[فصل في حكم الأراضي التي يغنمها المسلمون]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في الأمان والصلح]

- ‌[فصل في ترتيب هَدْيِهِ مَعَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ حِينِ بُعِثَ بالدين إلى أن لقي الله عز وجل]

- ‌[فصل في سياق مغازيه]

- ‌[فصل في غزوتي بدر وأحد]

- ‌[فصل في ما اشتملت عليه هذه الغزوة من الأحكام]

- ‌[فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ]

- ‌[فصل في قصة الحديبية]

- ‌[فصل في غزوة خيبر]

- ‌[فصل في غزوة الفتح العظيم]

- ‌[فصل في غزوة حنين]

- ‌[فصل في غزوة الطائف]

- ‌[فصل في غزوة تبوك]

- ‌[فصل في الإشارة إلى ما تضمنته هذه القصة من الفوائد]

- ‌[فصل في حديث الثلاثة الذين خُلِّفُوا]

- ‌[فصل في حجة أبي بكر رضي الله عنه]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في علاج حر المصيبة]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في علاج الكرب والهم والحزن]

- ‌[فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي علاج الفزع والأرق]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم أَقْضِيَتِهِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[فصل في حكمه بالغنائم]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صلى الله عليه وسلم في قسمة الأموال]

- ‌[فصل حكمه فِي الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ لِعَدُوِّهِ وَفِي رُسُلِهِمْ أَنْ لا يقتلوا ولا يحبسوا]

- ‌[فصل في أحكامه في النكاح وتوابعه]

الفصل: ‌[فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الأسماء والكنى]

[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في العقيقة]

فَصْلٌ

فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في العقيقة في " الموطأ " أنه سئل عنها، فَقَالَ:«لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ» ، كَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ، وصح عنه من حديث عائشة:«عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة» ، «كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السابع، ويحلق رأسه ويسمى» (1) . والرهن في اللغة: الحبس، قيل: محبوسا عن الشفاعة لأبويه، والظاهر أنه مرتهن في نفسه محبوس من خير يراد به، ولا يلزم منه أن يعاقب في الآخرة. وَقَدْ يَفُوتُ الْوَلَدَ خَيْرٌ بِسَبَبِ تَفْرِيطِ الْأَبَوَيْنِ، كترك التسمية عند الجماع، وذكر أبو داود فِي " الْمَرَاسِيلِ " عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ في عقيقة الحسن والحسين «أن يبعثوا إِلَى بَيْتِ الْقَابِلَةِ بِرِجْلٍ، وَكُلُوا وَأَطْعِمُوا، وَلَا تكسروا منها عظما» . قال الميموني: تذاكرنا لكم يسمى الصبي؟ فقال أبو عبد الله: يُرْوَى عَنْ أنس أَنَّهُ يسمى لثلاثة، وأما سمرة فقال: يسمى اليوم السابع.

[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في الأسماء والكنى]

فَصْلٌ

فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عند الله عز وجل رجل تسمى ملك الأملاك، لا مالك إلا الله» (2) . وثبت عنه: «إن أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ» . وَثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامَكَ يَسَارًا، وَلَا رَبَاحًا، ولا نجيحا، ولا أفلح، فإنك تقول: أثم هو؟ فلا يكون، فيقول: لَا» . وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ، وَقَالَ أَنْتِ جَمِيلَةٌ، وَكَانَ اسْمُ جويرية: بَرَّةً، فغيره بِاسْمِ جويرية، وَقَالَتْ زينب بنت أم سلمة: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن يسمى بهذا الاسم، وَقَالَ:«لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمُ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ البر منكم» ، وَغَيَّرَ اسْمَ أَبِي الْحَكَمِ بِأَبِي شُرَيْحٍ، وَغَيَّرَ اسم أصرم بزرعة، وغير اسم

(1) أبو داود والنسائي، وصححه غير واحد.

(2)

متفق عليه، قال سفيان بن عيينة: ملك الأملاك مثل شاهنشاه.

ص: 68

حزن جد ابن المسيب بسهل، فأبى، وقال: السهل يوطأ ويمتهن. وقال أبو داود: وَغَيَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اسْمَ الْعَاصِ، وَعَزِيزٍ، وَعَتَلَةَ، وَشَيْطَانٍ، وَالْحَكَمِ، وَغُرَابٍ، وَحُبَابٍ، وَشِهَابٍ، فَسَمَّاهُ هِشَامًا، وَسَمَّى حَرْبًا سلما، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضا عَفْرَةً سَمَّاهَا خَضِرَةً، وَشَعْبَ الضَّلَالَةِ سَمَّاهُ شَعْبَ الهداية، وبنو مغوية سماهم بني رشدة. ولما كانت الأسماء قوالب للمعاني دالة عَلَيْهَا، اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا ارْتِبَاطٌ وَتَنَاسُبٌ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَعْنَى مَعَهَا بمنزلة الأجنبي المحض، فإن الحكمة تَأْبَى ذَلِكَ، وَالْوَاقِعُ يَشْهَدُ بِخِلَافِهِ، بَلْ لِلْأَسْمَاءِ تَأْثِيرٌ فِي الْمُسَمَّيَاتِ، وَلِلْمُسَمَّيَاتِ تَأَثُّرٌ عَنْ أَسْمَائِهَا فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، وَالْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ، وَاللَّطَافَةِ وَالْكَثَافَةِ، كما قيل:

وقل أن أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ ذَا لَقَبٍ

إِلَّا وَمَعْنَاهُ إِنْ فَكَّرْتَ فِي لَقَبِهْ

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يحب الِاسْمَ الْحَسَنِ، وَأَمَرَ إِذَا أَبْرَدُوا إِلَيْهِ بَرِيدًا أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الِاسْمِ، حَسَنَ الْوَجْهِ، وَكَانَ يَأْخُذُ الْمَعَانِيَ مِنْ أَسْمَائِهَا فِي الْمَنَامِ وَالْيَقَظَةِ، كما رأى أنه هو وَأَصْحَابَهُ فِي دَارِ عقبة بن رافع، فَأُتُوا برطب من رطب ابن طاب، فأوله أن العاقبة لهم في الدنيا، والرفعة في الآخرة، وأن الدين الذي اخْتَارَهُ اللَّهُ لَهُمْ قَدْ أَرْطَبَ وَطَابَ. وَتَأَوَّلَ سهولة الأمر يوم الحديبية من مجيء سهيل، وَنَدَبَ جَمَاعَةً إِلَى حَلْبِ شَاةٍ، فَقَامَ رَجُلٌ يَحْلُبُهَا، فَقَالَ:«مَا اسْمُكَ "؟ قَالَ: مرة. فَقَالَ: " اجْلِسْ " فَقَامَ آخَرُ، فَقَالَ: " مَا اسْمُكَ "؟ قَالَ- أظنه-: حرب. قال: " اجْلِسْ " فَقَامَ آخَرُ، فَقَالَ: " مَا اسْمُكَ "؟ قَالَ: يعيش، قال: " احْلُبْهَا» . وَكَانَ يَكْرَهُ الْأَمْكِنَةَ الْمُنْكَرَةَ الْأَسْمَاءِ، وَيَكْرَهُ العبور فيها، كما مر بين جبلين، فسأل عن اسمهما، فقالوا: فاضح ومخزي. فعدل عنهما. وَلَمَّا كَانَ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ وَالْمُسَمَّيَاتِ مِنَ الِارْتِبَاطِ وَالتَّنَاسُبِ وَالْقَرَابَةِ مَا بَيْنَ قَوَالِبِ الْأَشْيَاءِ وَحَقَائِقِهَا، وَمَا بَيْنَ الْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَامِ، عَبَرَ الْعَقْلُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ، كَمَا كَانَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُ يَرَى الشَّخْصَ، فَيَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اسْمُهُ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَلَا يَكَادُ يخطئ، وضد هذا العبور من اسمه إلى مسماه، كما سأل عمر رَجُلًا عَنِ اسْمِهِ، فَقَالَ: جمرة. فَقَالَ: وَاسْمُ أبيك؟ فقال: شهاب. قَالَ: فَمَنْزِلُكَ؟ قَالَ بِحَرَّةِ النَّارِ. قَالَ: فَأَيْنَ مَسْكَنُكَ؟ قَالَ: بِذَاتِ لَظَى. قَالَ: اذْهَبْ فَقَدِ

ص: 69

احترق مسكنك، قال: فذهب فوجد الأمر كذلك. كَمَا عَبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عن اسم سهيل إلى سهولة أمرهم، وأمر أُمَّتَهُ بِتَحْسِينِ أَسْمَائِهِمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يُدْعَوْنَ يَوْمَ القيامة بها، وَتَأَمَّلْ كَيْفَ اشْتُقَّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَصْفِهِ اسْمَانِ مُطَابِقَانِ لِمَعْنَاهُ وَهُمَا أَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ، فَهُوَ لِكَثْرَةِ مَا فِيهِ مِنَ الصفات المحمودة وشرفها وفضلها على صفات غيره أحمد، وكذلك تكنيته لأبي الحكم بأبي جهل، وَكَذَلِكَ تَكْنِيَةُ اللَّهِ عز وجل لعبد العزى بأبي لهب لما كان مصيره إلى ذات لهب، وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة، واسمها يثرب، سماها طيبة لما زال عنها من معنى التثريب. ولما كان الاسم الحسن يقتضي مسماه قال صلى الله عليه وسلم لبعض العرب:«يَا بَنِي عَبْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أحسن اسْمَكُمْ وَاسْمَ أَبِيكُمْ» . فَانْظُرْ كَيْفَ دَعَاهُمْ إِلَى عبودية الله بذلك. وتأمل أيضا الستة المتبارزين يوم بدر، فالوليد لَهُ بِدَايَةُ الضَّعْفِ، وشيبة لَهُ نِهَايَةُ، وعتبة من العتب، وأقرانهم علي وأبو عبيدة والحارث، العلو والعبودية والسعي الذي هو الحرث؛ ولذلك كَانَ أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ مَا اقْتَضَى أحب الأوصاف إليه، فإضافة العبودية إلى اسمه " الله " و " الرحمن " أحب إليه من إضافتها إلى " القادر " و " القاهر " وغيرها، وهذا لأن التعلق الذي بين العبد وربه إنما هو العبودية المحضة، والتعلق بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ بِالرَّحْمَةِ الْمَحْضَةِ، فَبِرَحْمَتِهِ كان وجوده وكماله، والغاية التي أوجده لأجلها أن يتألهه وحده محبة وخوفا ورجاء. ولما والهم مبدأ الإرادة، وترتب على إرادته حرثه وكسبه، كان أصدق الأسماء اسم همام وحارث. ولما كان الملك الحق لله وحده، كان أخنع اسم عِنْدَ اللَّهِ وَأَغْضَبَهُ لَهُ اسْمُ " شَاهَانْ شَاهْ " أَيْ مَلِكُ الْمُلُوكِ، وَسُلْطَانُ السَّلَاطِينِ، فَإِنَّ ذَلِكَ ليس لأحد غير الله عز وجل، فتسمية غيره بهذا باطل، والله لا يحب الباطل. وقد ألحق بعضهم بهذا قاضي القضاة، ويليه في القبح سيد الناس؛ لأن ذلك ليس لأحد إِلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. ولما كان مسمى الحرب والمرارة أكره شيء للنفوس، كان أقبح الأشياء حربا ومرة. وعلى قياسه حنظلة وحزن، وما أشبههما، ولما كانت أخلاق الأنبياء أشرف الأخلاق، كانت في أسمائهم أحسن الْأَسْمَاءِ، فَنَدَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ إِلَى التَّسَمِّي بِأَسْمَائِهِمْ، كَمَا فِي سُنَنِ أبي داود وَالنَّسَائِيِّ عَنْهُ:«تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ» ، ولو لم يكن فيه

ص: 70

إِلَّا أَنَّ الِاسْمَ يُذْكَرُ بِمُسَمَّاهُ، وَيَقْتَضِي التَّعَلُّقَ بمعناه، لكفى به مصلحة. وأما النهي عن تسمية الغلام بيسار ونحوه، فهو لمعنى آخر أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:«فَإِنَّكَ تقول: أثم هو؟» ، إلى آخره، والله أعلم هل هي من تمام الحديث أو مدرجة، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لَمَّا كَانَتْ قَدْ تُوجِبُ تطيرا، وقد تقطع الطيرة على المتطيرين، فاقتضت حكمة الرءوف بأمته أن يمنعهم من أسباب توجب سماع المكروه أو وقوعه، هذا إلى مَا يَنْضَافُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيقِ ضِدِّ الِاسْمِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُسَمَّى يَسَارًا مَنْ هُوَ مِنْ أَعْسَرِ النَّاسِ، وَنَجِيحًا مَنْ لَا نَجَاحَ معه، وَرَبَاحًا مَنْ هُوَ مِنَ الْخَاسِرِينَ، فَيَكُونُ قَدْ وَقَعَ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِ وَعَلَى اللَّهِ. وَأَمْرٌ آخر وهو أن يطالب بمقتضى اسمه، فلا يوجد، فيجعل ذلك سببا لسبه، كَمَا قِيلَ:

سَمَّوْكَ مِنْ جَهْلِهِمْ سَدِيدًا

وَاللَّهِ ما فيك من سداد

وَهَذَا كَمَا أَنَّ مِنَ الْمَدْحِ مَا يَكُونُ ذما موجبا لسقوط الْمَمْدُوحِ عِنْدَ النَّاسِ، فَإِنَّهُ يُمْدَحُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، فَتُطَالِبُهُ النُّفُوسُ بِمَا مُدِحَ بِهِ، وَتَظُنُّهُ عنده، فلا تجده كذلك فينقلب ذما، ولو ترك لغير مدح لم تحصل تلك المفسدة، وأمر آخر وهو اعتقاد المسمى أنه كذلك، فيقع في تزكية نفسه كما نهى أن تسمى برة، فعلى هذا تكره التسمية بالرشيد والمطيع والطائع وأمثال ذلك. وَأَمَّا تَسْمِيَةُ الْكُفَّارِ بِذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ التَّمْكِينُ منه ولا دعاؤهم بشيء من ذلك. وأما الكنية، فهي نوع تكريم، وَكَنَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صهيبا بأبي يحيى، وعليا بأبي تراب، وكنى أخا أنس وهو صغير بأبي عمير، وكان هديه تَكْنِيَةُ مَنْ لَهُ وَلَدٌ، وَمَنْ لَا وَلَدَ لَهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ كنية إلا الكنية بأبي القاسم، فاختلف فيه، فقيل: لا يجوز مطلقا، وقيل: لا يجوز الجمع بينها وبين اسمه، وفيه حديث صححه الترمذي، وقيل: يجوز الجمع بينهما؛ لحديث علي: «إن ولد لي من بعدك ولد أسميه باسمك، وأكنيه بكنيتك؟ قال: " نعم» ، صححه الترمذي. وقيل: المنع منه مختص بحياته. والصواب أن التكني بِكُنْيَتِهِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، وَالْمَنْعُ فِي حَيَاتِهِ أَشَدُّ، والجمع بينهما ممنوع منه، وحديث علي فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِيهِ نَوْعُ تَسَاهُلٍ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدْ قَالَ علي: إِنَّهَا رُخْصَةٌ لَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْمَنْعِ لِمَنْ

ص: 71