الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدنيا أحلام نوم، وإن أضحكت قليلا، أبكت كثيرا.
ومنه العلم أن الجزع لا يرد بل يضاعف.
ومنه أن يعلم أن فوات ما ضمن الله على الصبر والاسترجاع أعظم منها.
ومنه أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْجَزَعَ يشمِّت عَدُوَّهُ، وَيَسُوءُ صديقه، ويغضب ربه. ومنه أن يعلم أن ما يعاقب الصبر والاحتساب من اللذة أضعاف ما يحصل له من نفع الفائت لو بقي له.
ومنه أَنْ يروِّح قَلْبَهُ بِرُوحِ رَجَاءِ الْخَلَفِ مِنَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عِوَضٌ إِلَّا الله.
ومنه أن يعلم أن حظه منها مَا تُحْدِثُهُ لَهُ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَى، ومن سخط فله السخط.
ومنه أن يعلم أن آخر الجزع إلى الصبر الاضطراري، وهو غير محمود، ولا مثاب عليه.
ومنه أن يعلم أن من أنفع الأدوية موافقة ربه فِيمَا أَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ لَهُ وَأَنَّ خَاصِّيَّةَ الْمَحَبَّةِ وسرها موافقة المحبوب.
ومنه أن يوازن بين أعظم اللذتين والتمتعين وَأَدْوَمِهِمَا لَذَّةِ تَمَتُّعِهِ بِمَا أُصيب بِهِ، وَلَذَّةِ تمتعه بثواب الله.
ومنه العلم بأن المبتلي أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأنه لم يبتله ليهلكه، بل ليمتحن إيمانه، وليستمع تضرعه، وليراه طريحا ببابه.
ومنه أن يعلم أن المصائب سبب لمنع أدواء المهلكة، كالكبر والعجب والقسوة.
ومنه أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَرَارَةَ الدُّنْيَا هِيَ بِعَيْنِهَا حلاوة الآخرة، وبالعكس، فإن خفي عليك هذا، فانظر قَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ:«حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» وَفِي هَذَا الْمَقَامِ تَفَاوَتَتْ عُقُولُ الخلائق، وظهرت حقائق الرجال.
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في علاج الكرب والهم والحزن]
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في علاج الكرب والهم والحزن في " الصحيحين " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم» .
وللترمذي عَنْ أنس كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث» .
وله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا أهمه أمر رفع طرفه إلى السماء
وقال: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ قال: يا حي يا قيوم» .
ولأبي داود عن أبي بكر الصديق مرفوعا: «دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللُّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كله لا إله إلا أنت» ، وله عَنْ أسماء بنت عميس قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إلا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب: الله اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» وَفِي رواية «سبع مرات» .
وللترمذي عن سعد مرفوعا: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا رَبَّهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا مَكْرُوبٌ إِلَّا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كلمة أخي يونس» .
ولأبي داود أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي أُمامة: «أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عز وجل هَمَّكَ، وَقَضَى دَيْنَكَ؟ قَالَ: قلت: بلى، قَالَ: قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبن وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وقهر الرجال "، ففعلت، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عز وجل هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي» .
ولأبي داود عن ابن عباس مرفوعا: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب» .
وَفِي " السُّنَنِ ": «عَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، فَإِنَّهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنِ النُّفُوسِ الهم والغم» .
وفي " المسند «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا حزبه أمر فزع إلى الصلاة» ، ويُذكر عن ابن عباس مرفوعا:«مَنْ كَثُرَتْ هُمُومُهُ وَغُمُومُهُ، فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لا حول ولا قوة إلا بالله» .
وفي " الصحيحين «إنها كنز من كنوز الجنة» .
وهذه الْأَدْوِيَةُ تَتَضَمَّنُ خَمْسَةَ عَشَرَ نَوْعًا مِنَ الدَّوَاءِ، فإن لم تقو على إذهاب الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْحُزْنِ، فَهُوَ دَاءٌ قَدِ اسْتَحْكَمَ، وتمكنت