الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجازات، وَلَا سِيَّمَا إِذَا أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ تَسْمِيَةَ شبه المتكلمين قَوَاطِعَ عَقْلِيَّةً، فَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَمْ حصل بهاتين التسميتين من إفساد الدين والدنيا! ومنها أن يحدث الرجل بما يكون بينه وبين أهله كَمَا يَفْعَلُهُ السَّفَلَةُ. وَمِمَّا يُكْرَهُ مِنَ الْأَلْفَاظِ: زعموا، وذكروا وقالوا، ونحوه، وأن يقال للسلطان: خليفة الله؛ فإن الخليفة إنما يكون عن غائب، والله سبحانه خليفة الغائب في أهله. وليحذر كل الحذر من طغيان " أنا " و " لي " و " عندي " فإن هذه ابتلي بها إبليس وفرعون وقارون فـ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف: 12] لِإِبْلِيسَ، وَ {لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف: 51] لفرعون، و {عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78] لقارون، وأحسن مما وُضِعَتْ " أَنَا " فِي قَوْلِ الْعَبْدِ: أَنَا الْعَبْدُ المذنب المستغفر المعترف، ونحوه، و " لي " فِي قَوْلِهِ: لِيَ الذَّنْبُ، وَلِيَ الْجُرْمُ، وَلِيَ الفقر، والذل، و " عندي " فِي قَوْلِهِ:«اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي» .
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في الجهاد والغزوات]
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في الجهاد والغزوات لما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام، وَمَنَازِلُ أَهْلِهِ أَعْلَى الْمَنَازِلِ فِي الْجَنَّةِ، كَمَا لهم الرفعة في الدنيا، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الذِّرْوَةِ الْعُلْيَا مِنْهُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى أَنْوَاعِهِ كُلِّهَا، فَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ بِالْقَلْبِ وَالْجِنَانِ، وَالدَّعْوَةِ وَالْبَيَانِ، وَالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ، وَكَانَتْ سَاعَاتُهُ موقوفة على الجهاد؛ ولهذا كان أعظم العالمين عند الله قدرا. وأمره تعالى بالجهاد من حين بعثه، فقال:{فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52](1) . فهذه سورة مكية أمره فيها بالجهاد بالبيان، وكذلك جهاد المنافقين إنما هو بالحجة وهو أَصْعَبُ مِنْ جِهَادِ الْكُفَّارِ، وَهُوَ جِهَادُ خَوَاصِّ الْأُمَّةِ، وَوَرَثَةِ الرُّسُلِ، وَالْقَائِمُونَ بِهِ أَفْرَادٌ فِي العالم، وَالْمُعَاوِنُونَ عَلَيْهِ -وَإِنْ كَانُوا هُمُ الْأَقَلِّينَ عَدَدًا- فهم الأعظمون قَدْرًا. وَلَمَّا كَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْجِهَادِ قَوْلُ الحق مع شدة المعارض مثل أن يتكلم به عند من يخاف سطوته، كان للرسل صلوات الله وسلامه عليهم من ذلك الحظ الأوفر، وكان له صلى الله عليه وسلم من
(1) سورة الفرقان، الآية:52.
ذلك أكمله وَأَتَمُّهُ، وَلَمَّا كَانَ جِهَادُ أَعْدَاءِ اللَّهِ فِي الخارج فرعا على جهاد النفس، كما قال صلى الله عليه وسلم:«الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نفسه في ذات الله» (1) كان جهادها مقدما. فَهَذَانِ عَدُوَّانِ قَدِ امْتُحِنَ الْعَبْدُ بِجِهَادِهِمَا، وَبَيْنَهُمَا عَدُوٌّ ثَالِثٌ لَا يُمْكِنُهُ جِهَادُهُمَا إِلَّا بِجِهَادِهِ، وَهُوَ وَاقِفٌ بَيْنَهُمَا يُثَبِّطُ الْعَبْدَ عَنْ جِهَادِهِمَا، وهو الشيطان، قال الله تَعَالَى:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فَاطِرٍ: 6](2) . وَالْأَمْرُ بِاِتِّخَاذِهِ عَدُوًّا تَنْبِيهٌ عَلَى اسْتِفْرَاغِ الوسع في محاربته، فهذه ثلاثة أعداء أمر العبد بمحاربتها، وسلطت عليه امتحانا من الله، وأعطي العبد مددا وقوة، وبلي أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ بِالْآخَرِ، وَجَعَلَ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً، ليبلو أخبارهم، فَأَعْطَى عِبَادَهُ الْأَسْمَاعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْعُقُولَ وَالْقُوَى، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كُتُبَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُسُلَهُ، وَأَمَدَّهُمْ بِمَلَائِكَتِهِ، وأمرهم بِمَا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْعَوْنِ لَهُمْ عَلَى حرب عدوهم، وأخبرهم أنهم إن امتثلوه لَمْ يَزَالُوا مَنْصُورِينَ عَلَى عَدُوِّهِ وَعَدُوِّهِمْ، وَأَنَّهُ إِنْ سَلَّطَهُ عَلَيْهِمْ؛ فَلِتَرْكِهِمْ بَعْضَ مَا أُمِرُوا به، ثم لم يؤيسهم، بل أمرهم أن يداووا جراحهم، ويعودوا إلى مناهضة عدوهم بصبرهم، وأخبرهم أَنَّهُ مَعَ الْمُتَّقِينَ مِنْهُمْ، وَمَعَ الْمُحْسِنِينَ، وَمَعَ الصَّابِرِينَ، وَمَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ يُدَافِعُ عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مَا لَا يُدَافِعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، بَلْ بدفاعه عنهم انتصروا، ولولا ذلك لاجتاحهم عدوهم. وهذه المدافعة بحسب إيمانهم، فإن قوي إيمانهم قويت، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ. وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُجَاهِدُوا فِيهِ حَقَّ جِهَادِهِ، كَمَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَكَمَا أَنَّ حَقَّ تُقَاتِهِ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَيُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ - فَحَقُّ جِهَادِهِ أَنْ يجاهد نفسه؛ ليسلم قلبه ولسانه وجوارحه لِلَّهِ وَبِاللَّهِ، لَا لِنَفْسِهِ وَلَا بِنَفْسِهِ، وَيُجَاهِدُ شيطانه بتكذيب وعده ومعصية أمره، فإنه يعد الأماني، ويمني الغرور، ويأمر بالفحشاء، وينهى عن الهدى وأخلاق الإيمان كلها، فينشأ له من هذين الجهادين قوة وعدة، يجاهد بها أعداء الله بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَمَالِهِ؛ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي العليا. واختلفت
(1) أخرجه الترمذي.
(2)
سورة فاطر، الآية:6.