الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أضيقه» . والظاهر أن هذا عام. واختلف في الرد عليهم، والصواب وجوبه، والفرق بينهم، وبين أهل البدع أنا مأمورون بهجرهم، وثبت عنه أَنَّهُ مَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنَ المسلمين والمشركين، فسلم عليهم، وكتب إلى هرقل وغيره بـ:«السلام على من اتبع الهدى» ، ويذكر عنه:«تجزئ عَنِ الْجَمَاعَةِ إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ، وَيُجْزِئُ عَنِ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ» ، فَذَهَبَ إلى هذا من قال: الرد فرض كفاية، لَكِنْ مَا أَحْسَنَهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا! فَإِنَّ فيه سعيد بن خالد، قال أبو زرعة: ضعيف. وكذلك قال أبو حاتم. وكان من هديه إِذَا بَلَّغَهُ أَحَدٌ السَّلَامَ عَنْ غَيْرِهِ أَنْ يرد عليه وعلى المبلغ، ومن هَدْيِهِ تَرْكُ السَّلَامِ ابْتِدَاءً وَرَدًّا عَلَى مَنْ أحدث حدثا حتى يتوب.
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الاسْتِئْذَانِ]
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في الاستئذان صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الاستئذان ثلاثا، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ، وَإِلَّا فَارْجِعْ» (1) . وَصَحَّ عَنْهُ: «إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ» (2) . وَصَحَّ عنه أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَ الَّذِي نَظَرَ إليه من شق حُجْرَتِهِ، وَقَالَ:«إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ البصر» وَصَحَّ عَنْهُ التَّسْلِيمُ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ فِعْلًا وَتَعْلِيمًا، وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَأَلِجُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ: «اخْرُجْ إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل لَهُ: قُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟» (3) . فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ، فقال ذلك، فأذن له، فدخل. وفيه رد على من قال: يقدم الاستئذان، وعلى مَنْ قَالَ: إِنْ وَقَعَتْ عَيْنُهُ عَلَى صَاحِبِ المنزل قبل دخوله بدأ بالسلام وإلا بالاستئذان. وكان من هديه أنه إذا استأذن ثلاثا ولم يؤذن، انْصَرَفَ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إِنْ ظن أنهم لم يسمعوه زاد على الثلاث، وعلى من قال: يعيده بلفظ آخر. ومن هَدْيِهِ أَنَّ الْمُسْتَأْذِنَ إِذَا قِيلَ لَهُ: مَنْ أنت؟ فيقول: فلان ابن فلان، أو يذكر كنيته، ولا يقول: أنا. وروى أبو داود عنه: «أن رسول الرجل إلى الرجل إذن له» . وذكره
(1) البخاري ومسلم.
(2)
متفق عليه.
(3)
أبو داود بإسناد صحيح.
البخاري تعليقا، ثم ذكر ما يدل على اعتبار الاستئذان بعد الدعوة، وهو حديث دعاء أهل الصفة، وفيه: فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا. وقالت طائفة: إن الحديثين على حالين، فإن جاء المدعو على الفور، لم يحتج للاستئذان، وإن تراخى احتاج إليه. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنْ كَانَ عِنْدَ الدَّاعِي مَنْ قَدْ أَذِنَ لَهُ قَبْلَ مَجِيءِ الْمَدْعُوِّ لَمْ يحتج للاستئذان وإلا استأذن.
وكان إِذَا دَخَلَ إِلَى مَكَانٍ يُحِبُّ الِانْفِرَادَ فِيهِ، أمر من يمسك الباب، فلا يدخل عليه أحد إلا بإذن. وَأَمَّا الِاسْتِئْذَانُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الْمَمَالِيكَ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ فِي الْعَوْرَاتِ الثَّلَاثِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَوَقْتَ الظَّهِيرَةِ وَعِنْدَ النَّوْمِ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِهِ، وَيَقُولُ: تَرَكَ النَّاسُ العمل به. وقالت طَائِفَةٌ: الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ، وَلَمْ تَأْتِ بِحُجَّةٍ، وَقَالَتْ طائفة: أمر ندب، وَلَيْسَ مَعَهَا مَا يَدُلُّ عَلَى صَرْفِ الْأَمْرِ عن ظاهره، وقالت طائفة: المأمور به النساء خاصة، وهذا ظاهر البطلان، وقالت طائفة عكس هذا، نظروا إلى لفظ " الذين "، وَلَكِنْ سِيَاقُ الْآيَةِ يَأْبَاهُ، فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كان الأمر لعلة وزال بزوالها وهي الحاجة، فَرَوَى أبو داود فِي " سُنَنِهِ " أَنَّ نَفَرًا قالوا لابن عَبَّاسٍ: كَيْفَ تَرَى هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي أُمِرْنَا فِيهَا بِمَا أُمِرْنَا وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ؟ فقال ابن عباس: إن الله حكيم رءوف بِالْمُؤْمِنِينَ يُحِبُّ السِّتْرَ، وَكَانَ النَّاسُ لَيْسَ لِبُيُوتِهِمْ سُتُورٌ وَلَا حِجَالٌ، فَرُبَّمَا دَخَلَ الْخَادِمُ أَوِ الْوَلَدُ، أَوْ يَتِيمَةُ الرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي تِلْكَ الْعَوْرَاتِ، فَجَاءَهُمُ الله تعالى بِالسُّتُورِ وَالْخَيْرِ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَعْمَلُ بِذَلِكَ بعد. وقد أنكر بعضهم ثبوته، وَطَعَنَ فِي عكرمة، وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، وَطَعَنَ في عمرو بن أبي عمرو، وقد احتج به صاحبا الصحيح، فإنكاره تعنت لَا وَجْهَ لَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ لا دافع لها. والصحيح أن الحكم معلل بعلة قد أشارت إليها الآية، فإن كَانَ هُنَاكَ مَا يَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِئْذَانِ مِنْ فَتْحِ بَابٍ فَتْحُهُ دَلِيلٌ عَلَى الدُّخُولِ، أَوْ رَفْعِ سِتْرٍ، أَوْ تَرَدُّدِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ وَنَحْوِهِ - أَغْنَى ذَلِكَ عَنِ الِاسْتِئْذَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ما يقوم مقامه، فلا بد منه، فإذا وجدت العلة، وجد الحكم، وإذا انتفت انتفى.
فَصْلٌ ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ» . ذَكَرَهُ البخاري. وفي " صحيحه " أيضا: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ ويصلح بالكم» . وفي " صَحِيحِ مسلم «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ، فشمتوه، وإن لم يحمد الله، فلا تشمتوه» . وفي " صحيحه ": «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ، فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ وَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وإذا مات فاتبعه، وإذا مرض فعده» . وللترمذي عن ابن عمر: «عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ العطاس أَنْ نَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» . وَذَكَرَ مالك عَنْ نافع عَنِ ابْنِ عُمَرَ: إذا عطس أحدكم، فقيل له: يرحمك الله. فليقل: يرحمنا الله وإياكم، ويغفر لنا ولكم. وظاهر الْحَدِيثِ الْمَبْدُوءِ بِهِ أَنَّ التَّشْمِيتَ فَرْضُ عَيْنٍ. اختاره ابن أبي زيد، ولا دافع له. ولما كان العاطس قد حصل لَهُ بِالْعُطَاسِ نِعْمَةٌ وَمَنْفَعَةٌ بِخُرُوجِ الْأَبْخِرَةِ الْمُحْتَقِنَةِ، شرع له صلى الله عليه وسلم حَمْدُ اللَّهِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ مَعَ بَقَاءِ أعضائه على هيئتها بَعْدَ هَذِهِ الزَّلْزَلَةِ الَّتِي هِيَ لِلْبَدَنِ كَزَلْزَلَةِ الأرض لها. وكان إِذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فيه، وخفض بها صوته، ويذكر عنه:«أن التثاؤب الرفيع، والعطسة الشديدة من الشيطان» . وَصَحَّ عَنْهُ إِنَّهُ «عَطَسَ عِنْدَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يرحمك الله، ثم عطس أخرى، فقال له: الرجل مزكوم» ، لفظ مسلم، ولفظ الترمذي أنه قال بعد العطسة الثالثة، وقال: حديث صحيح. ولأبي داود عن أبي هريرة موقوفا: شَمِّتْ أَخَاكَ ثَلَاثًا، فَمَا زَادَ فَهُوَ زُكَامٌ، فإن قيل: الذي فيه زكام أولى أن يدعى له! قيل: يدعى له كما يدعى للمريض، وَأَمَّا سُنَّةُ الْعُطَاسِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَهُوَ نعمة، فإنه إلى تمام الثلاث، وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: