الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول في أوفات
«1» حدّثني الفقيه عبد الله الزيلعيّ ومن معه من الفقهاء أنّ مملكة أوفات طولها خمسة عشر يوما، وعرضها عشرون يوما، بالسّير المعتاد، وكلّها عامرة آهلة بقرى متصلة وبها نهر جار [وهي]«2» أقرب أخواتها إلى الديار المصرية وإلى السواحل المسامتة لليمن، وهي أوسع هذه الممالك أرضا، والأجلاب إليها أكثر لقربها من البلاد.
وملكها يحكم على الزّيلع، والزّيلع اسم ميناء التجار الواردين إليها، وهو في وقتنا اليوم شافعيّ المذهب وغالبها شافعية.
وعسكرها خمسة عشر ألفا من الفرسان، ويتبعهم عشرون ألفا وأزيد من الرّجّالة، وهم يركبون الخيل عرايا بلا سروج، وإنما يوطئون لهم بجلود مرعز حتى الملك، وخيلهم عراب، وفي غالب الأوقات ركوبهم البغال، والملك عندهم أو الأمير يعدّ من حشمته إذا ركب بغلة (أن) يردف خلفه غلامه على كفل البغلة، وأما إذا ركب فرسا فإنه لا يردف أحدا عليه.
ويسمى الملك عندهم فاط، والملك يعتصب على رأسه بعصابة من حرير تدور بدائر رأسه، ويبقى وسط الرأس مكشوفا.
وأما الأمراء والجند فتعصّب رؤوسهم بعصائب من قطن على مثل هذا الوضع، ولا
يعتصب بالحرير إلّا الملك، وقلّ من يلبس منهم قميصا أو ثوبا مخيطا وإنما يتزرون وزرات، وتلبس طائفة أرباب السيوف منهم سراويلات.
وأما الفقهاء، فتلبس العمائم، وعامة الناس تلبس كوافي بيضا طاقيات، ومن الفقهاء وأرباب النعم من يلبس القمصان وإلا فالجمهور الغالب [الوزرات]«1» كلّ واحد بوزرتين واحدة على كتفه متوشحا بها والأخرى في وسطه، وكلامهم بالحبشية وبالعربية.
ومما يعدّه أهل هذه المملكة من الحشمة أن الملك أو الأمير إذا مشى يتوكأ على رجلين من خاصّته، والملك يجلس على (479) كرسي حديد مطعم [بالذهب]«2» علوّه أربعة أذرع، ويجلس أكابر الأمراء حوله على كراسيّ أخفض من كرسيّه وبقية الأمراء وقوف، ويحمل رجلان على رأسه السلاح، وإذا ركب يحمل على رأسه جتر «3» حرير، [ثم إن كان الملك راكبا فرسا كان حامل الجتر ماشيا بإزائه والجتر بيده]«2» ، فإن كان الملك [راكبا]«4» بغلة كان حامل الجتر رديفه، والجتر بيده [على رأس الملك]«2» وقدامه حجّاب ونقباء تطرد الناس، وتضرب قدامه الشّبابة والبوقات من خشب اسمه البنبو المعمول منه في اليد وفي رؤوسها قرون بقر ويدقّ معها الوطواط وهي طبول معلقة في رقاب الرجال، ويكون قدام الجميع بوق اسمه
الحبنا «1» وهو ملويّ من قرون الوحش، وحش عندهم اسمه عجزين «2» من نوع بقر الوحش يكون طوله ثلاثة أذرع [محروق]«3» من علوّه يسمع من قريب نصف نهار، فيعلم الناس ركوب الملك فيتبادر إليه من له عادة الركوب معه، ويتنحى عن طريقه من يحبّ أن يتنحّى.
وعنده قضاة وفقهاء، وليس فيهم بارع العلم، و [الملك]«4» يتصدى للحكم بين الناس، ويقصد الإنصاف.
وفي مملكته مدن أمهات، وهي «5» : بقلرز، وكلجور «6» ، وسبمق، وسوا، وعدل، وجبا، ولاو.
وأكثر قتال هذه المملكة بالحراب، وفيهم الرماة بالنشّاب، وأقواتهم القمح والذرة والطّافي وهو حبّ دقيق إلى غاية، أكبر من الخردل «7» ، وهو أحمر اللون لهم منه قوت، وعندهم الأبقار والأغنام كثيرة جدا، وكذلك السمن والعسل، وأما المعز فقليلة عندهم، وأسعارهم رخية.
وكيلهم يسمى الرّابعيّة، وهذا الكيل مقداره ويبة مصرية «1» ، ورطلهم [اثنتا عشرة]«2» أوقية، وزن الأوقية عشرة دارهم نقرة «3» بصنجة مصر «4» .
وعندهم من قصب السكر مقدار صالح، ويخرج منه القند «5» ، ويعمل قطعا صغارا، وعندهم الموز والجمّيز والأترجّ والليمون وقليل من النارنج والرمان الحامض والمشمش والتوت الأسود والعنب الأسود، وهو والتوت قليلان، وعندهم تين بري، وخوخ بري، ولكنّهم لا يأكلون [الخوخ و]«6» التين، ولهم فواكه أخرى لا تعرف بمصر والشام والعراق، فمنها:
(480)
شجر اسمه كشياد «7» يخرج ثمره أحمر صفة البلح، وهو حلو ماويّ، وشجر يعرف لمويه يخرج ثمره أسود صفة البلح، طعمه مزّ ماوي.
ومنها شجر يسمى كوسي يخرج ثمره مدورا شديد الاستدارة كالبرقوق، ولونه أصفر خلوقيّ كلون الشمس وهو مزّ ماويّ.
ومنها شجر طانة يخرج ثمره أصغر من البسر، وفي وسطه شبيه النوى، وهو حلو صادق الحلاوة.
ومنها شجر اسمه أوجات «1» بفتح الواو والجيم تخرج ثمرته أكبر من حبّ الفلفل وطعمه شبيه به في الحرافة مع بعض حلاوة.
ومنها شجر اسمه جات «2» ، وهذه الجيم الموحدة نطقهم بها بين الجيم والشين لا ثمر له، وإنما المأكول قلوبه، وهو يزيد في الذكاء ويذكّر الناسي، ويفرج ويقلل الأكل والنوم والجماع، وكلّهم يأكلونه ويرغبون في أكله، وخصوصا طلبة العلم منهم، ومن يريد الاشتغال أو من يؤثر دوام السهر لسفر يسافره، أو لحرفة يعملها، وعنايتهم به شبيه بعناية أهل الهند بالتّنبول «3» وإن لم يكن هذا شبه ذلك، وحاشى ما يقال عن تلك الأفعال المحمودة من مشابهة هذا لما يدل عليه من زيادة تحقيقه بما يورثه من قلة النوم والأكل والجماع، ولقد أعجبني ما حكاه بعض هؤلاء الفقهاء المخبرين نيابة عن الملك المؤيّد داود صاحب اليمن رحمه الله، قال:
سافر بعض المسلمين من أهل بلاد الحبشة إلى اليمن، واتصل بالملك المؤيّد، وصار من خاصّته، فمنّاه يوما، فتمنّى عليه قلوب شجر [الجات]«4» ، فبعث من نقل إليه منها، وغرست باليمن، فأنجبت فلما آن اقتطاف قلوبها، سأله الملك المؤيّد عما يفيد، فوصف له ما
يحدث عنها، فلما قال له: إنّها تقلل الأكل والنوم والجماع، قال له الملك المؤيّد: وأيّ لذة في الدنيا سوى هذا، والله لا آكله فإنني ما أنفق الأموال إلا على الثلاثة الأشياء فكيف استعمل ما يحول بيني وبين لذّاتي منها «1» .
ويزرع عندهم اللوبيا والخردل والباذنجان والبطيخ الأخضر والخيار والقرع والكرنب «2» وتطلع عندهم (481) الملوخيّة، وكذلك الشّمار «3» والصّعتر.
ويجلب إليهم الذهب من داموت وسحام وهما بلاد معادن بالحبشة، وتساوي الأوقيّة منه من ثمانين درهما إلى مئة وعشرين درهما على قدر جودة الذّهب ورداءته بقدر ما يخالطه من التراب والتربة، والطّيب من الذهب عندهم يسمى
…
«4» .
وعندهم الدجاج الدواجن ولا لهم كثير رغبة في أكلها استقذارا لها لأكلها من القمامات والزّبل، وعندهم جواميس برية تصاد كما ذكر في بلاد مالّي، وبها من أنواع الوحش البقر والحمر والغزال والنّعام والمها والإبل والكركدن والفهد والأسد والضّبعة العرجاء، وتسمى عندهم مرغفيف «5» ، ويصاد عندهم دجاج الحبش المعروف، ويؤكل ويستطاب لحمه
ويفاخر فيه.
وليس لأمراء هذا الملك ولا لجنده إقطاعات عليه ولا نقود، وإنما لهم الدوابّ الكثيرة السليمة، ومن شاء منهم زرع واستغلّ ولا يعارض.
ولهذا الملك سماط عامر ممدود بل له سماط له ولخاصته، ولكنّه يفرق في بعض الأحيان على أمرائه بقرا عوضا عن أكلهم على السّماط، وأكثر ما يعطى الأمير الكبير منهم [مئتا]«1» بقرة.
وليس بأوفات ولا بلادها دار ضرب ولا سكّة، ومعاملتهم بدنانير مصر، ودراهمها مما يدخل مع التجار إلى بلادهم.