المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقت، والبريد يروح ويجيء، والرسل تتردد، وجهز إليه أرسلان الدّوادار - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٤

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌هذا الكتاب

- ‌منهج التحقيق

- ‌1- وصف النسخ المعتمدة

- ‌2- خطة العمل

- ‌3- الرموز المستعملة في التحقيق

- ‌4- المختصرات الخاصة ببعض المؤلفين أصحاب الكتب المفردة وغيرهم

- ‌5- نموذجات مصورة عن النسختين المعتمدتين في التحقيق

- ‌آ- تتمة الجزء الثاني- أحمد الثالث 2797/2

- ‌ب- الجزء الثالث- أحمد الثالث 2797/3

- ‌[تتمة النوع الثانى فى ذكر مماليك الاسلام]

- ‌الباب السابع في مملكة اليمن

- ‌الفصل الأول فيما بيد أولاد رسول

- ‌الفصل الثاني فيما بيد الأشراف

- ‌الباب الثامن في ممالك المسلمين بالحبشة

- ‌الفصل الأول في أوفات

- ‌الفصل الثاني في دوارو

- ‌الفصل الثالث في أرابيني

- ‌الفصل الرابع في هدية

- ‌الفصل الخامس في شرحا

- ‌الفصل السادس في بالي

- ‌الفصل السابع في دارة

- ‌الباب التاسع في ممالك مسلمي السودان على ضفة النيل إلى مصر

- ‌الفصل الأول في الكانم

- ‌الفصل الثاني في النّوبة

- ‌الباب العاشر في مملكة مالي وما معها

- ‌الباب الحادي عشر في مملكة جبال البربر

- ‌(511) الباب الثاني عشر في مملكة إفريقيّة

- ‌الباب الثالث عشر في مملكة برّ العدوة

- ‌الباب الرابع عشر في مملكة الأندلس

- ‌(2) الباب الخامس عشر في ذكر العرب الموجودين في زماننا وأماكنهم

- ‌(توطئة)

- ‌(العرب البائدة)

- ‌(العرب العاربة)

- ‌(بنو حمير بن سبأ)

- ‌(بنو كهلان بن سبأ)

- ‌ الأزد

- ‌(طيئ)

- ‌(مذحج)

- ‌(همدان)

- ‌(كندة)

- ‌(مراد)

- ‌(أنمار)

- ‌(بنو عمرو بن سبأ)

- ‌(بنو الأشعر بن سبأ)

- ‌(بنو عاملة بن سبأ)

- ‌(العرب المستعربة)

- ‌(ذكر النسب النبوي الشريف)

- ‌(طوائف العرب الموجودين في زماننا)

- ‌(عرب الشام)

- ‌(آل ربيعة)

- ‌(آل فضل)

- ‌تتميم

- ‌(آل علي)

- ‌(آل مرا)

- ‌(بقية العرب وديارهم)

- ‌(بنو خالد)

- ‌(بنو كلاب)

- ‌(آل بشّار)

- ‌غزيّة

- ‌(خفاجة وعبادة)

- ‌عربان العذار

- ‌عرب العارض

- ‌عائذ [بني سعيد]

- ‌بنو يزيد

- ‌(المزايدة)

- ‌عقيل

- ‌حرب

- ‌(صليبة العرب)

- ‌(مصر ودمشق)

- ‌عرب مصر

- ‌(بنو طلحة)

- ‌(بنو الزّبير)

- ‌(بنو مخزوم)

- ‌(بنو شيبة)

- ‌(كنانة طلحة)

- ‌(لواثة)

- ‌(عرب الحوف)

- ‌(بنو زيد بن حرام بن جذام)

- ‌(هلبا بعجة بن زيد)

- ‌بنو سليم

- ‌(قبائل العربان من مصر إلى أقصى المغرب)

- ‌(عرب الطرق المسلوكة إلى مكة المكرمة)

- ‌(طريق الركب المصري)

- ‌(طريق الركب الشامي)

- ‌[فهارس الكتاب]

- ‌1- فهرس المصادر والمراجع

- ‌1- المصادر

- ‌2- المراجع

- ‌2- فهرس المحتويات

الفصل: وقت، والبريد يروح ويجيء، والرسل تتردد، وجهز إليه أرسلان الدّوادار

وقت، والبريد يروح ويجيء، والرسل تتردد، وجهز إليه أرسلان الدّوادار «1» وألطنبغا الحاجب «2» ، الذي عمل (في) نيابة حلب، والشيخ صدر الدين الوكيل «3» ولا ألوى ولا عاج، ثم كان أولاده وإخوته يتناوبون الحضور إلى السّلطان وهو ينعم عليهم بمئين ألوف وبالإقطاعات العظيمة والأملاك وهم يمنونه حضوره ويعدونه بقدومه، ومهنّا لا يزداد إلا حذرا، والسلطان لا يزداد إلا طمعا، وإذا حضرت للمسلمين نصيحة أو مصلحة كان مهنّا ينبه عليها ويشير بها، وكان السلطان يقبل نصحه ويعرف ديانته.

ثم لما كانت سنة أربع وثلاثين توجّه مهنّا بنفسه إلى السلطان ودخل إلى مصر فأكرمه غاية الإكرام، وأنعم عليه إنعامات كثيرة إلى الغاية، وعاد مهنّا راجعا إلى بلاده، ولم يزل إلى أن توفي في ذي القعدة سنة خمس وثلاثين وسبع مئة بقرب سلميّة، وأقاموا عليه المآتم ولبسوا السّواد وعاش نيّفا وثمانين سنة، وكان وقورا متواضعا لا يحتفل بملبس.

‌تتميم

وهؤلاء آل عيسى هم في وقتنا ملوك البرّ ما بعد واقترب، وسادات الناس ولا تصلح إلا عليهم العرب «4» ، قد ضربوا على الأرض نطاقا، وتفرقوا فجاجها حجازا وشاما وعراقا، أنى

ص: 322

نزلوا خلت الأرض قد رمت أفلاذها أو السماء قد مرت رذاذها، ترتجّ بخيولها صهيلا، وتحتجّ (35) بسيوفها على الرقاب صليلا، تجمع قنابل «1» ، وتلمع مناصل، وتنبت قنا، و [تميت]«2» فتنا، قد نصبوا بمدرجة الطريق خيامهم، وأوقروا في علم الأسماع إعلامهم، أنّ الكرم أعلامهم، وتقارعوا في قرى الضّيفان، وسارعوا إلى تقريب الجفان، قد داروا على البلاد أسوارا حصينة، وسوارا على معصم كلّ نهر وعقدا في جيد كلّ مدينة، وأحاطوا بالبرّ من جميع أقطاره، وحالوا بين الطير المحلق وبين مطاره، وحفظوه من كلّ جهاته، وحرسوه من سائر مواضعه وآفاته، وصانوه من كلّ طارق يتطرق، وسارق يتسلّل أو يتسرق، فلا تبصر إلّا مرسى خيام، ومسرى هيام، ومورد كرام، وموقد ضرام، ومقعد همام، ومعقد ذمام، ومجال غمام وآجال رزق أو حمام، ومعهد أياد جسام، ومشهد يوم يرعف به أنف قناة أو حسام، وتكبير وتكثير [صلاة]«3» ومكان مفزع، وأمان من يجزع، وملجأ خائف، وملجم حائف، وسجايا ملكية، وعطايا برمكية، ومواهب طائيّة، ومذاهب حاتميّة، وبوادر ربيعيّة، ونوادر مرعيّة، وصوارم تتحسس بذيلها الرقاب، ومكارم يتحسر على آثارها السّحاب، لا يطرق لهم غاب، ولا يطرق لهم بذل رغاب، ولا يطرح لهم بيت مضيف، ولا يطيح إلا إليهم تابع مشتى ومصيف، لا يخلو ناديهم عن سيد مسوّد، وكريم مقدّم، وشجاع بطل، وجواد كريم، وحليم وقور، ووافد آمل، وقاصد [نائل]«4» وصارخ ملهوف، وهارب مستجير، لا تنفكّ لهم نارا قرى وقراع، ومنارا منى ومناع، يسرح عدد الرمل لهم إبل وشاء،

ص: 323

ومدد البحر ما يريد المريد منهم وما يشاء، تطلّ منهم على بيوت قد بنيت بأعلا الرّبى، وبلغت السحاب وعقدت عليها الحبى «1» قد اتّخذت من الشّعر الأسود وبطّنت (36) بالدّيباج والحرير والوشي المرقوم، وفرشت بالمفارش الرومية، والقطائف الكرجيّة، ونضّدت بها الوسائد، وقامت حولها الولائد، وشدّت بوتد السماء أطنابها، وأعدت لطوالع النجوم قبابها، وأرخيت سجفها وشرعت أبوابها إلى الهواء، واستصرخت واستغيث بها لدفع اللّأواء ورفعت عمدها، ووضعت حجلاتها وقرّر في الأرض وتدها، وطلعت البدور في أكلّتها، ورتعت الظّباء في مشارق أهلّتها، وحولهم خيول تحمي حجبها وترمي إزاء البيوت سحبها، وتعرف بين العرب الأتراب عربها، وتعرض في الشهب الحسان نخبها من كرائم الخيل المخبورة، وعظائم السيل معنى وصورة، قد تمايلت ألوانا، وتقابلت في مناسب الخيل إخوانا، وتنوّعت شياتها فبرزت بستانا، وتسرّعت أعوجيّاتها السوابق، فقصر مدى لاحق، وتقدمت قدّامه ميدانا.

وتفرّعت من أصول العرب في ربيعة ومضر، وتبرّعت بما لا يلزمها، فمنها ما انتظر ما خلفه، ومنها ما فات النظر، وتقدمت وأمهلت وراءها الرياح، وأقدمت وأنهلت ظمأها مورد الصباح، ومرّ كلّ طرف منها وطرف البرق حائر، ومد [وجوار]«2» المجرّة ما فيها طريق لسائر، وحفّت والطير في وكناتها لم تبرح، ووفّت والوحوش في مكان بياتها لم تسرح، تمّت كأنّها كثبان، وهمّت كأنها عقبان، قد صلدت حوافرها كأنها قعب حالب، وصلدت مشاعرها كأنها وجه عاتب، واتّسع منخرها كأنّه وجار ثعالب، وارتفع مؤخّرها كأنه ربوة مراقب، وطال غرتها كأنّه انتظار غائب، ومالت نواصيها كأنها عقود ترائب ودقّ منخرها

ص: 324

كأنّه طرف قاضب، ورقّ أديمها كأنه حديث حبايب، واتسع ذيلها كأنّه ذيل راهب، و [تلبد]«1» (37) مغرزها كأنه إقعاء أرانب، وقصر [عجب]«2» ذنبها كأنه بقاء ذاهب، ونهد موضع لببها «3» كأنه نهد كاعب، و [نتأ]«4» صدرها كأنّه نهضة واثب، وولولت، آذانها كأنها [أقلام]«5» كاتب، ولانت شعرتها كأنما عليها لوف سليط ذائب، ولانت عريكتها كأنها للتأديب لعبة لاعب، ونظرت نظر حادر «6» ، وتلفتت التفات ربائب، وأشبهت الوحش والطير، فطورا تحلق وطورا تواثب، وقد برزت شهبا ودهما وحمرا وشقرا وصفرا وخضرا وما بين هذه الألوان، وما بين [صنوان]«7» وغير صنوان «8» ، قد رتعت كالظّباء، ورفعت كالخباء، وطلعت [كالكواكب]«9» وتطلعت كالرقباء، وحالت أمام بيوت الحي تهزّ ندوة عطفه وخطوة فارسه المعلم في موقف صفّه، فكم ترى من سابق وسابقة توافقا فلم تر أيّهما سليلة سابقين تناحلاها، ولا بأيّهما تعقد الظبية الأدماء «10»

ص: 325

طلاها «1» ، ولا أيّهما بلغ السماء واغتصب النجوم حلاها، ولا أيّهما الموصوف في كرائم الخيل، ولا أيّهما ائتزر «2» برداء النهار أو أطاح رداء الليل، من حصون كالحصون الشوامخ تتحصّن على صهواتها، ويتحصّل الظفر ولا تروى فواغر لهواتها، قد اشتدت مبانيها الوثيقة، وتشيدت فكانت حصونا لا حصنا على الحقيقة، ومن حجر كالحجر بل شيء أشدّ من الحجارة، وأشدّ من السّهم في مهاجمة الغارة، قد تبرجت تبرج الحسان، وتخرّجت تخرّج الكاعب وبرزت للفرسان، وأقبلت في ميدانها تتمطّر، وجالت وعنانها لا يزيد على أنّه «3» يتخطّر، كلاهما محفوظ النّسب، ملحوظ الحسب، محفوظ البخت لاعن غير سبب.

فمن قرطاسية بيض ذاب على أعطافها اللّجين، وبقي عليها أثر الفضة وذهب العين، أقبلت كأنها البيض الكواعب، واستقبلت كأنها أيام وصل الحبايب، كأنما جلّلت بالنهار، أو حولت (38) إلى مطالع الأقمار، أو خولت مما تلبس الشمس من حلل الأنوار، وجاءت قرطاسية لما قرطست سهامها، وقرّبت مواعيد الظفر أيامها.

ومن دهم لم ترض بالليل ردّ ردائها، ولا بلمم الشبيبة شبية ظلمائها، ولا بالأهلّة إلا تحت مواطئ حوافرها، ولا بالصباح إلا لما بين وظيفها ومشاعرها، فأما ما سأل أو استدار من الغدر الصّباح، فإنه مما قرّ أو [تموّج بين عينيها]«4» من لوامع الأسنة لا من طلائع الصّباح.

ومن حمر أوقد الشفق عليها جمره، وبدّد الشقيق على كأسها خمره، منها معصم بسواد

ص: 326

كأنما ذرّ المسك على وردها، أو أمسك الليل فحمته [على]«1» وقدها.

ومنها كميت يميل براكبه ميل الكميت بشاربها، ويستطيل باقي ظلماته في شفق الصباح على ذاهبها.

ومنها ورد كأنه أباة قد قطف، أو رباة إذا شبّه بخدّ غانية أو وصف، وفيها صامت، وأعزّ منها ما طلع كوكب الصبح بمحلّقه، ومنها ما هاب خوض الدماء فتغطى بسجاف أفقه.

فأما الحجول فمنها ما أدار عليه جباها، ومنها ما قال هذه حيلة لنقيصة فأباها، وبدت تعرف الأنفة في مناخيرها الشّم، وتقوض الجبال إذا أقبلت شوامخها الصّم.

ومن شقر قدح الفرق فيها فما أفاد، وقرّح الذهب عينه حتى لبست منه جيدا من جساد، واصطدمت جياد الخيل فطار منها شرارة من زناد، واقتحمت حلبة السباق فجاءت سابقة عليها آثار الخلوق دون بقية الجياد، ومنها رافلة في أعلام الشيات، ومنها عاطلة من أعلامها، هذه قد تجلت بالغرر والحجول، وتلك جعلتها حلية لأيامها.

ومن صفر هي في العصر الأصائل، وفي الفجر آخر ما بقي من شعاعه السائل، شاقت اللهب «2» وهو الطائر والطائل، وفاقت الذهب وهو الحائر والحائل، وراقت فهي الشّمول، ورقّت (39) فهي الشمائل، وتاقت إليها لمع البرق فحال دونها حائل، وضاقت بها الحزم واتّسعت مصبّغات الغلائل، وساقت إليها الشمس وأوقعتها من خيط سوادها الممتد في الحبائل، ونوّهت بالحبش لما قيل إنها حبشيّة، وأفاضت [عليهم] »

النائل، من فواضل

ص: 327

حللها الموشية، وسعد بها هذا الجنس لما نسبت إليه، وحمد لّما كان النّسب يصحّ أن يطلق عليها وعليه، وفخر كلّ حبشيّ لكونها تعدّ منه وهو من أعدادها، وتطاول حتى موّه عليها بالشبه، وأخذ في وجهه محاسن التخطيط من خطّ سوادها، فكأنها نار ترفع في الليلة الظّلماء لها لهب، فتوقدت شعلها إلا ما اعتلق به الليل من العرف والناصبة والذّنب.

ومن حصير ما منها إلا من بيت العرب، وما فيها إلا ما يهتدي إلا إلى الهرب، كأنها إليه ظلّ دائب أو علاها رحيق سحائب، أو ألقى عليها زبرجد، أو أبقي منها أثر شعاعة مهنّد، قد أفادتها الجباه نضرتها، والشّفاه من كثرة التّقبيل خضرتها، وبدت ولا هي بيض ولا جون، وغدت تنتشي وما قطعت بها عناقد النواصي ولا عصرت من أعطافها ابنة الزّرجون «1» .

ومن بلق كرام ما قعدت بها هجنة، ولا بعدت عن شبهين أخذت من كلّ منها حسنه، لا كما يقال إنّ الطبيعة قصّرت في إنضاجها، ولا إنّ حسنها كلّه ذهب في ديباجها، بل كلّ منهما علم على صاحبه يعرف به إذا ركبه، ويحلف أنه اقتاد الروض وتوقّل منكبه.

منها ما يقابل بين صباح وظلام، ومنها ما ماثل بين البياض والحمرة خدّ غلام، فأما الأول فقد طلع منظرا حسنا، وجمع بين ضدين لما اجتمعا حسنا «2» ، كأنه توليع السّحب وترضيع السّخب، أو قطع ليل يهزّ بالشهب، أو نقع (40) حرب ظهر في وجوه لمعان القضب، في كلّ منهما ما أظلم وما أنار «3» ، وما أظلّ جانبي الأرض ففي وقت واحد في هذا ليل وفي هذا نهار، وأما الثاني فكأنّه اختلاط ماء وراح، واختلاف مجاري شفق على صباح، لا

ص: 328

يقاس [به]«1» البرق، وهو أحقر، ولا يتشبّه به إلا كان هو إلى التشبيه [به]«1» أفقر، ولا يبالغ واصفه إلا قال كظهر الحصان الأنبط البطن «2» يكشف الجلّ واللون أشقر، ومما سوى ذلك جميعه من ألوان الخيل مما يمزج من أحمر [وأبيض]«3» يقق «4» وأصفر أصيل وأخضر سحر، وأشهب نهار، وأدهم ليل.

ومنه كلّ ديزج «5» ، ذلك بفيروزج، كأنما لوّن من ماء يتموّج، أو كوّن من سماء صدره بصداد على سناه ينسج، وأصدأ لا يقدر جون الغمام لمعارضته يتصدى، وأكهب، لا هو كالأحمر أو كالأشهب، وهي فتيّة وما فيها إلا عتيق وكثيرة، وما فيها إلا ما هو قليل كالصّديق «6» ، ما استنكرها إلا من تجرّب، ولا استكبرها «7» إلا من جاء بنقعها في وجه السماء يترّب، وكأنما عنيتها، في قصيدة كنت في وصف الخيل بينتها «8» ، وهي:(الخفيف)

أقبلت في ميدانها تتجارى

هي والريح في المدى تتبارى

ودعت سابق [الغمائم]«9» للسب

ق فأضحى بذيلها يتوارى

سابقات ما قصّر البرق لما

أدرك البرق بعدها الآثارا

ص: 329

سابقات ما فاتت الطّرف حتى

خلّت الشّهب في الظلام حيارى

وأرتنا يوم الرّهان أناسيّ

سكارى وما هم بسكارى «1»

من جياد منسوبة في بيوت

ليس ترضى من غيرها الإضمارا

كلّ حجر كأنه الحجر الصّل

د لهذا تفجر الأنهارا

وحصان كأنه شعب رضوى «2»

رابط الجأش لا يخاف وقارا

نخبة الخيل من خيول كرام

ردّدت في اختيارها الاختيارا

(41)

وأتت بالجياد من كلّ فجّ

واستجادت منها الخيار خيارا

علمتها في حربها كلّ شيء

في مجال للموت إلّا الفرارا

مشرقات كأنها روضة الحز

ن بل الحزم أينعت أزهارا

أبيض جاء مثل يوم وصال

قد تعالى ضياؤه واستنارا

ملفتا جيده إلى ذات حسن

مثله قد بدت نهارا جهارا

لا يباري الشهباء شيء سواها

ليس مثل الشّهباء مما يبارى

وكذا أخضر هو الآس غضالا

أشبه المرد سالفا وعذارا

وأتانا ما بين لونيه يحكي

مذ تبدّى مساءة واعتذارا

معه من شرواه «3» خضراء تجري

حيث تجري زمرّدا منهارا

ص: 330

وأغرّ كأنّه الليل إلا

ما بدا بين مقلتيه نهارا

أدهم رقّ جلده فحسبنا

منه ما رقّ في الدّجى إسحارا

وشبيه بجنسه بنت دهما

ء ببهماء «1» لا تخاف القفارا

وكميت لو قابل في الكأ «2»

س شربنا مما كساها العقارا

ثم ورد يطيب منه شميم

قد قطفنا من غصنه أنوارا

بهما من لونيهما كلّ عذرا

ء عليها يبدو حياء العذارى

وكذا أشقر كريم مفدّى

جاء كالبرق يستطير شرارا

ثم شقراء كم تولّع صبّ

بهواها وبات يشكو النارا

وكذا أصفر تراه أصيلا

سار نجم منه وسال نضارا

ثم صفراء ما تشرّب طرف

خمرها الحلّ ثم خاف الخمارا

ثم وافى عقيبها الأبلق الفر

د يضمّ الظلام والأقمارا

معه مثله من البلق لاثت

فوق ثوب الدجى عليها الإزارا

فهي تحكي بيضاء مظلومة «3» الجس

م فبعض دجا وبعض أنارا

وكذا أبلق بأحمر قان

فكّ عمدا عن جيبه الأزرارا

(42)

ثم بلقاء أقبلت تخجل الخدّ

بياضا من لونها واحمرارا

ص: 331

تتهادى في مشيها كعروس

أفرغوا فوقها الجيوب نثارا

ما كفاهم أن نقّطوها إلى أن

نقّطوا كلّ درهم دينارا

ثم في الخيل ديزج ماج بحرا

أو سماء وصارما بتّارا

ثم حجر [تلزّه]«1» فرأينا

جدولا منه صادف التيّارا

ثم من سائر الجياد كرام

أرسل الركض نوءها مدرارا

وتذكر مع السوابق أصدا

مثل ما تصدأ السيوف مرارا

ثم صدياء لا تضاهى غمام

مكفهرّ من سيلها الأمطارا

بعدها أكهب تحيّر لونا

لا شقيقا حكى ولا نوّارا

لا ولكن بحكمها في امتزاج

قد تردّى لذا وهذا شعارا

ثم يتلوه في المحاسن حجر

مثله لا يميل عنه ازورارا

صافنات زادت على الخير حسنا

في مداها وزانت الأخيارا

وأتت في [فعالها]«2» وحلاها

بصفات تعجّب النّظّارا

ملكت حكم مالكيها الأماني

وحوت للذي حواها الفخارا

سبّق تجعل الأنام جميعا

من رعاياه والبسيطة دارا

ص: 332

فأما هؤلاء العرب إذا ركبوا الهياج، أو وثبوا إلى معاركة الفجاج، سدّت الأفق قتاما، والطرف إبلا كراما، قد تقلدوا سيوفا تغرّق الأرواح [في]«1» لججها، وتقصّر مناظرات الرقاب لحججها، كأنما طبعت فيها حمر المنايا، أو أطبعت «2» عليها سود الرزايا، ترصّعت بالنجوم، وانتعلت بالهلال، وتقطّعت من الغيوم، وضربت مرهفات النصال، لا يخشى ورق حديدها الأخضر، ولا يجتلى وجه فرندها الصقيل ولا ينظر، قيل لها صوارم لأنها صرمت الأعمار، وقواضب لأنّها تقتضب الأجل وتعجّل الدمار، ومشرفيات لأنّها أشرفت على الرءوس، ومهنّدات (43) لأنها ترى رأي الهند في إحراق النّفوس، ومناصل لأنّها تتنصّل لا مما جنت، وقواطع لأنّها تقطع بالأمر أساءت أو أحسنت، كأنما تأكلّت فيها النار أو تشكّلت فيها الأنهار، وما على ضجيعها أين بات، ولا (على) قريعها عار لعدم الثبات، ولا على حاملها الجازر، إن كثرت لديه النحائر، أو كبرت عليه من حيث الأعداء الجرائر، كأنما رضعت زرق اليواقيت، أو علت قرى نمل أو قرى رمل لها فيها آثار مخافيت، وقد اعتقلوا من عوالي الرماح كل ردينية سمراء ما ماس مثلها قدّ، ولا مال أهيف ولعب مثلها دست بند «3» عواسل قصبها المرّان، عوامل شهبها تعمل في أطرافها النيران، تطاولت [لتثقب]«4» درّ الكواكب، أو لتنقب سدّ السحائب، ثم رأت أنّه لا تروى بغير الدماء حوائم أسنتها العطاش، ولا يقوم بكفايتها إلا ورود الوريد لا من المطر الرشاش، فرمت على لبّات الرجال عنقها، وبلّت صداها ونقعت [غليلها]«5» ، وما [رويت]«6» من دماء

ص: 333

أعدائها، ما دارت دوائرها على عدوّ إلا وخاف أن يصعد على أسوارها أو يتسوّر، ولا صبحت [بمصاعها]«1» ذا عنق إلا تطاير بها وتشاءم بكعبها المدوّر، ورأيت من الرجال في تلك البيد صقورا [تحمي]«2» محارمها، وسيولا تطمّ فجاجها ليوثا ضراغم، و [عقبانا]«3» كواسر، وأبطالا لا تعبأ بمن لاقت، ورجالا لا تبالي أين نزلت، تدخل على عزيز قوم بلاده، وتحمي عليه أرضه وترد دونه ماءه وتمنعه شربه، وتردّ عليه قوله، وتصدّ عنه قومه وتأخذ ماله، إذا شاءت غصبا، وتقسمه اقتساما لا نهبا، لا تحرس «4» في ليل ولا تجتمع في نهار، كفتها المهابة أن تخاف، والمنعة أن تتوقى، فإذا سارت قلت: الشّهب سارت، والسحب سالت، والجبال مادت، والرمال (44) مالت، تركب النّجب، وتجنب الجياد، فتختال الأرض في حلبة السماء ببدور أخفاف المطيّ، وأهلّة حوافر الخيل، ونجوم أسنة الخرصان، توطأ لهم الرواحل، وتطوى بهم المراحل، وتبدو ركائبهم كأنها قلل جبال أو حلل نزال، تتسع مجال الرياح بين فروجها، وترتفع طوال الرماح فوق بروجها، تمدّ أعناقها طلبا لقرب المنزل، وتجدّ أشواقها إلى أرض وتصبح عنها بمعزل، كأنها لتمام الخلق بنيان، أو لأكام الأرض تبيان، لا يقرّ بعينها الزئبق المتد حرج، ولا في بينها سيرها المتلجلج، يتثنى راكبها كأنه شارب ثمل، ولا يستقرّ كأنّه بارق عمل، ركب من الإبل السحاب وهو محتفل، ووثب وكأنّه لتمايلها يتخبط تخبط الظبي في أشراك محتبل، من امتطاها وركبها أضرم نشاطه، ومن استبطأها فضربها ظلمها وظلم بالضّرب لها سياطه، والأكوار تتراءى عليها كأنّها أهلة على غمام، والمجرة البطان، والجوزاء الزّمام، وأمامهم الظعائن تجري بها في الآل السّفائن، وقد شدّ كلّ

ص: 334