الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني في النّوبة
«1»
تلي مصر في نهاية جنوبها على ضفتيّ النيل الجاري إلى مصر، وقاعدتها دنقلة.
ومدنها أشبه بالقرى والضّياع من المدن، قليلة الخير والخصب، يابسة الهواء، وكذلك زهد فيها [بنو]«2» أيوب في مدة السّلطان صلاح الدين لما تجهز أخوه شمس الدولة «3» لأخذها «4» ، فعدل [إلى]«5» ، اليمن «6» لأنّهم خافوا من الشّهيد نور الدين محمود بن زنكي أن يقصدهم إلى مصر وينتزع المملكة من أيديهم، فأرادوا فتح بلاد من ورائهم تكون
ملجأ لهم، فقصدوا النوبة، فلما رأوها بلادا لا تصلح لمثلهم عدلوا إلى اليمن «1» .
وأديان أهل هذه البلاد دين النصرانية، وملكهم كأنه واحد من العامة، ومن بلادهم لقمان الحكيم، وقد ذكره البيهقيّ في" مفاخر النّوبة"، ثم سكن مدينة أيلة «2» مع اليهود
ورحل إلى بيت المقدس، ورأى أنبياء بني اسرائيل وجالس داود عليه السلام.
قال ابن سعيد:
رآه يصوغ الحديد ويصنع منه حلقا ولا يعرف ما يؤول إليه أمره، فصحبه على ذلك سنة ولم يسأله عما يصنعه إلى أن كمّل داود الدرع ولبسها، فقال لقمان: درع حصينة ليوم قتال، كفتني عيني مؤونة لساني، الصمت حكمة وقليل فاعله، قال:
ومنها ذو النون المصريّ أبو الفيض ثوبان بن ابراهيم «1» ، كان أبوه عبدا نوبيا، وقد تقدم ذكره في الفقراء «2» .
وقال صاحب كتاب" الأبرار"«3» : ومما سمع منه: (الطويل)
أموت وما ماتت إليك صبابتي
…
ولا قضيت من صدق حبّك أوطاري
وأنت منى سؤلي وغاية مقصدي
…
وموضع شكواي ومكنون أسراري
وخدمه رجل على أن يعلمه اسم الله الأعظم، فمطله زمانا ثم أمره أن يحمل من عنده
طبقا مغطى إلى شخص بالفسطاط، فلما حمله استخفّه، فقال:(493) لأبصرنّ ما فيه، فكشفه، فخرجت منه فأرة، فاغتاظ، وقال: ضحك عليّ ذو النّون، فرجع إليه مغضبا، فلما رآه ذوالنون تبسم، وقال: يا مجنون ائتمنتك على فأرة فخنتني، فكيف ائتمنك على اسم الله الأعظم، قم عني فلا أراك بعدها.
وقيل له: المصريّ لأنه سكن مصر ومات بها، وقبره بالقرّافة «1» رحمه الله تعالى.
وملكها الآن مسلم من أولاد كنز الدولة «2» ، وهؤلاء أولاد الكنز أهل بيت ثارت لهم فيما تقدم ثوائر مرات، ولا يملك الآن بها ملك إلا من الأبواب السلطانية بمصر، وعلى ملوك دنقلة حمل مقرر لصاحب مصر، وهذه الإتاوة لا ذهب فيها ولا فضة، بل هي عدد من العبيد والإماء والحراب والوحش النّوبية.
وحدّثني غير واحد ممن دخل النّوبة أنّ دنقلة «3» مدينة ممتدة على النيل، وأهلها في شظف من العيش على أنهم أصلح من كثير ممن سواهم من السودان، وبها مسجد جامع تأوي إليه الغرباء، وتجيء رسل الملك إليهم تستدعيهم إليه، فإذا جاؤوا أضافهم ووهبهم وأكرمهم هو و [أمراؤه]«4» ،
وأكثر (أ) عطياتهم إما عبد أو جارية، وأما أكثر (أ) عطياتهم فهي دكاديك، وهي أكسية غلاظ غالبها سود، واللحوم والألبان والسمك عندهم كثير، والحبوب قليلة إلا الذرة، وأفخر أطبختهم ما يعمل باللوبيا في مرق اللحم ويثرد ويصفّ اللحم واللوبيا على وجه الثريد، ويعمل اللوبيا بورقها وعرقها ولهم انهماك على السّكر بالمزر «1» ولهم ميل شديد إلى الطّرب.
وحدّثني أحمد بن المعظمي وكان قد دخل مع أبيه إلى هذه البلاد وما وراءها في الرّسلية مرات أنّ ملوك السودان يتخذون كلابا معلّمة تنام على التخوت حولهم هي كالحراس لهم.
والنّوبة لهم قتال، وبأسهم بينهم على ضعف قواهم وقلة بأسهم.