المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ابن خالد بن معبد بن عديّ بن أفلت بن سلسلة - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٤

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌هذا الكتاب

- ‌منهج التحقيق

- ‌1- وصف النسخ المعتمدة

- ‌2- خطة العمل

- ‌3- الرموز المستعملة في التحقيق

- ‌4- المختصرات الخاصة ببعض المؤلفين أصحاب الكتب المفردة وغيرهم

- ‌5- نموذجات مصورة عن النسختين المعتمدتين في التحقيق

- ‌آ- تتمة الجزء الثاني- أحمد الثالث 2797/2

- ‌ب- الجزء الثالث- أحمد الثالث 2797/3

- ‌[تتمة النوع الثانى فى ذكر مماليك الاسلام]

- ‌الباب السابع في مملكة اليمن

- ‌الفصل الأول فيما بيد أولاد رسول

- ‌الفصل الثاني فيما بيد الأشراف

- ‌الباب الثامن في ممالك المسلمين بالحبشة

- ‌الفصل الأول في أوفات

- ‌الفصل الثاني في دوارو

- ‌الفصل الثالث في أرابيني

- ‌الفصل الرابع في هدية

- ‌الفصل الخامس في شرحا

- ‌الفصل السادس في بالي

- ‌الفصل السابع في دارة

- ‌الباب التاسع في ممالك مسلمي السودان على ضفة النيل إلى مصر

- ‌الفصل الأول في الكانم

- ‌الفصل الثاني في النّوبة

- ‌الباب العاشر في مملكة مالي وما معها

- ‌الباب الحادي عشر في مملكة جبال البربر

- ‌(511) الباب الثاني عشر في مملكة إفريقيّة

- ‌الباب الثالث عشر في مملكة برّ العدوة

- ‌الباب الرابع عشر في مملكة الأندلس

- ‌(2) الباب الخامس عشر في ذكر العرب الموجودين في زماننا وأماكنهم

- ‌(توطئة)

- ‌(العرب البائدة)

- ‌(العرب العاربة)

- ‌(بنو حمير بن سبأ)

- ‌(بنو كهلان بن سبأ)

- ‌ الأزد

- ‌(طيئ)

- ‌(مذحج)

- ‌(همدان)

- ‌(كندة)

- ‌(مراد)

- ‌(أنمار)

- ‌(بنو عمرو بن سبأ)

- ‌(بنو الأشعر بن سبأ)

- ‌(بنو عاملة بن سبأ)

- ‌(العرب المستعربة)

- ‌(ذكر النسب النبوي الشريف)

- ‌(طوائف العرب الموجودين في زماننا)

- ‌(عرب الشام)

- ‌(آل ربيعة)

- ‌(آل فضل)

- ‌تتميم

- ‌(آل علي)

- ‌(آل مرا)

- ‌(بقية العرب وديارهم)

- ‌(بنو خالد)

- ‌(بنو كلاب)

- ‌(آل بشّار)

- ‌غزيّة

- ‌(خفاجة وعبادة)

- ‌عربان العذار

- ‌عرب العارض

- ‌عائذ [بني سعيد]

- ‌بنو يزيد

- ‌(المزايدة)

- ‌عقيل

- ‌حرب

- ‌(صليبة العرب)

- ‌(مصر ودمشق)

- ‌عرب مصر

- ‌(بنو طلحة)

- ‌(بنو الزّبير)

- ‌(بنو مخزوم)

- ‌(بنو شيبة)

- ‌(كنانة طلحة)

- ‌(لواثة)

- ‌(عرب الحوف)

- ‌(بنو زيد بن حرام بن جذام)

- ‌(هلبا بعجة بن زيد)

- ‌بنو سليم

- ‌(قبائل العربان من مصر إلى أقصى المغرب)

- ‌(عرب الطرق المسلوكة إلى مكة المكرمة)

- ‌(طريق الركب المصري)

- ‌(طريق الركب الشامي)

- ‌[فهارس الكتاب]

- ‌1- فهرس المصادر والمراجع

- ‌1- المصادر

- ‌2- المراجع

- ‌2- فهرس المحتويات

الفصل: ابن خالد بن معبد بن عديّ بن أفلت بن سلسلة

ابن خالد بن معبد بن عديّ بن أفلت بن سلسلة بن عمرو «1» بن غنم بن ثوب بن معن بن عتود بن عنين بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئّ، فهذا ما ذكره الحمدانيّ.

وأما نسب ربيعة إلى برمك، فقالوا: ربيعة (27) بن سالم بن شبيب بن حازم بن عليّ ابن جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك.

قال الحمدانيّ: ولد ربيعة أربعة، وهم: فضل، ومرا، وثابت، ودغفل، وسنذكرهم على ما هم في وقتنا على ما ذكره لي محمود بن [عرّام]«2» من بني ثابت بن ربيعة، قال:

(آل فضل)

فضل «3» منهم آل عيسى «4» وقد صاروا بيوتا: بيت مهنّا بن عيسى «5» وأميرهم

ص: 309

وأمير سائر آل فضل أحمد بن مهنّا «1» وبيت فضل بن عيسى وأميرهم سيف بن فضل «2» ، وبيت حارث بن عيسى وأميرهم قناة بن حارث.

وأما أولاد محمد بن عيسى «3» ، وأولاد حديثة بن عيسى، وآل هبة بن عيسى فتبّاع، وهذا البيت أسعد بيت في العرب وفي وقتنا الذي أشرقت فيه طوالع سعودهم، وأينع [فيه]«4» مخضرّ عودهم.

وأما بقية بيوت آل فضل فمنهم آل فرج، والأمير فيهم زيد بن طاهر، وغنام بن وهيبة، وآل سميط، والإمرة فيهم في صافية بن حجير بن الصّميد، وآل مسلم والإمرة فيهم في طامي بن عباس، وآل عامر، والإمرة فيهم في بني عامر بن درّاج.

وأما آل عليّ، فهم وإن كانوا من [ضئضئ]«5» آل فضل، فقد انفردوا منهم واعتزلوا عنهم حين صاروا طائفة أخرى وسيأتي ذكرهم، فهؤلاء آل فضل.

ص: 310

وأما من ينضاف إليهم ويدخل فيهم فمن يذكر وهم: زغب «1» والحريث «2» وبنو كلب وبعض بني كلاب، وآل بشار، وهم موال، وخالد حمص، وطائفة من سنبس، وسعيدة «3» ، وطائفة من فرير «4» ، وبنو خالد الحجاز، وبنو عقيل من كرز «5» ، وبنو رميم، وبنو حيّ، وقمران والسراحين، ويأتيهم من عرب البرّية من يذكر.

فمن غزيّة: غالب، وآل أجود، والبطنين، وساعدة.

ومن بني خالد: آل جناح، و [الصبيات]«6» من مياس، والجبور، والدّغم، والقرسة، وآل منيخر، وآل بيوت، [والمعامرة]«7» ، والعلجات وهؤلاء من خالد، وفرقة (28) من عائذ وهم آل يزيد وشيخهم ابن مغامس، والمرابدة وشيخهم كليب بن أبي محمد، وبنو سعيد وشيخهم محمد العليمي، والدواشر «8» وشيخهم رواء بن بدران، هؤلاء غير من يخالفهم في بعض الأحايين، على أنني لا أعرف في وقتنا من لا يؤثر صحبتهم ويظهر محبتهم، وأمير القوم كما تقدم أحمد بن مهنّا، وهذا نسبه إلى ربيعة [أبوه مهنّا بن عيسى بن مهنّا بن مانع بن حديثة بن عصيّة بن فضل بن ربيعة]«9» ، وديارهم من حمص إلى

ص: 311

قلعة جعبر «1» إلى الرّحبة «2» آخذين على سعة الفرات «3» ، وأطراف العراق حتى ينتهي حدّهم قبلة بشرق إلى الوشم «4» وآخذين يسارا إلى البصرة، ولهم مياه كثيرة ومناهل مورودة:(الخفيف)

ولها منهل على كلّ ماء

وعلى كلّ دمنة آثار

قلت: وكان من خبر هذا البيت الذي رفعت عمده، وشدّ بطنب الجوزاء وتده، يد سلفت لعيسى بن مهنّا عند الظاهر بيبرس «5» حال تشريده وتطريده احتاج فيها إلى فرس يركبه، فبالغ في إكرامه، وأركبه خير خيله، فلما ملك قلّده الإمرة ورقّاه وأنهله ريّ الأمل ورواه، ثم لم [يزل]«6» يزداد سموا ويترقى في علو حتى مات.

ص: 312

وقلّد في الأيام المنصورية «1» مهنّا ولده الإمرة وعظم بنفسه وبأبيه، وعرف بعلوّ الهمم، وبلغ المرجوّ من رعاية الذّمم، وعفّ عن الفواحش إلا اللّمم، فزاد قدره ارتفاعا وصدره اتساعا.

قلت: هذا البيت أوله رجل من طيئ من بني سلسلة بن عنين بن سلامان.

نشأ هذا الرجل في أيام أتابك زنكي وأيام ولده نور الدين الشّهيد كما تقدم «2» ، وفد عليه فأكرمه وشاد بذكره، وإلى هذا عنين «3» ينتسب كلّ عرب عنين من كان من ولده أو من حلفائه أو من استخدمه الأمراء الذين من ولده، ومهنّا «4» جدّ مهنّا هذا [أبي أحمد]«5» الأمير الآن هو [ابن]«6» الأمير مانع بن حديثة [بن عصيّة]«6» بن فضل بن ربيعة الطائيّ (29) الشاميّ التدمريّ، وكان أمير عرب الشام في دولة طغتكين صاحب

ص: 313

دمشق «1» ، ولم يصرح لأحد من هذا البيت بإمرة على العرب بتقليد من السّلطان إلا من أيام العادل أبي بكر أخي السّلطان صلاح الدين أمّر منهم حديثة ثم إنّ ابنه الكامل «2» قسّم الإمرة نصفين نصفا لمانع بن حديثة ونصفا لغنّام أبي طاهر بن غنّام.

ثم إنّ الإمرة انتقلت إلى أبي بكر [بن عليّ]«3» بن حديثة وعلا فيها قدره، وبعد صيته، فلما كان من البحرية «4» ما كان «5» ساقت تصاريف الدهر الملك الظاهر بيبرس إلى بيوتهم وهو طريد مشرّد، ولم يكن قد بقي معه سوى فرس واحد يعول عليه، فسأل عليّ ابن حديثة فرسا يركبه فلم يعطه شيئا، وكان ذلك بمحضر من عيسى بن مهنّا فأخذه عيسى

ص: 314

وضمّه إليه وآواه وأكرمه وقراه وخيّره في رباط خيله، فاختار منها فرسا فأعطاه ذلك الفرس وزوده وبالغ في الإحسان إليه فعرفها له الظاهر، فلما تملّك انتزع الإمرة من أبي بكر بن عليّ وجعلها لعيسى بن مهنّا، وأتاه أحمد بن طاهر بن غنّام وسأله أن يشركه معه في الإمرة، فأرضاه أن يعطيه إمرة ببوق وعلم، وبقي أبو بكر بن عليّ شريدا طريدا تارة بنجد وتارة بأطراف الشام إلى أن مات، وأمّنه الملك الظاهر غير مرة وحلف له فما وثق به ولا اطمأنّ، ثم إنّ درجة عيسى بن مهنّا علت عند الملك الظّاهر، ولم يزل معظّما إلى أن مات، ثم إنّ الإمرة صارت [لولده]«1» الأمير حسام الدين مهنّا بن عيسى في أيام الملك المنصور قلاوون، وعلت مكانته في أيام المنصور أكثر من مكانة أبيه.

حكى لي شيخنا شهاب الدين أبو الثناء محمود «2» ، قال: حضرت طرنطاي المنصوريّ «3» وهو مخيم بالخربة «4» ، وقد حضره أحمد بن حجيّ «5» أمير آل مرا يدّعي

ص: 315

بألف بعير أخذتها آل فضل لعربه، ومهنّا (30) حاضر، وكلّ منهما جالس إلى جانب من طرنطاي، فألحّ أحمد بن حجيّ في المطالبة، واحتدّ وارتفع صوته، ومهنّا ساكت لا يتكلم، فلما طال تمادى في الضجيج وتمادى مهنّا في السكوت، أقبل طرنطاي على مهنّا، وقال: ما تقول يا ملك العرب؟ فقال: وما أقول نعطيهم ما طلبوا هم أولاد عمّنا وإن كانت لهم عندنا هذه البعيرات أعطيناهم حقّهم، وإن كان ما لهم شيء فما هو كثير إذا أعطينا بني عمّنا من مالنا، فقال له أحمد: لا، ألا قل أتكلم، وزاد في هذا ومثله ومهنّا ساكت فلما زاد رفع مهنّا رأسه إليه، وقال له: يا أحمد إن كان كلامك عليك هينا فكلامي علي ما هو هين، وهذه الأباعر أقلّ من أن يحصل فيها كلام، وأنا معطيك إياها، ثم قام فقال طرنطاي: هكذا والله يكون الأمير «1» ، ودام مهنّا على هذا حتى جاءت الدولة الأشرفية «2» ، ولما خرج الأشرف لفتح قلعة الروم «3» مرت

ص: 316

العساكر بسرمين «1» إقطاع مهنّا، فأكلت زروعها وآذت أهلها فشكوا إلى مهنّا أذية العساكر، فشكا إلى الأشرف فعزّ عليه واستنقص همته، وقال: كم جهد ما آذوا حتى تواجهني بالشكوى، وما كان يغتفر هذا الفعل لهذا الجيش العظيم الخارج لأجل إذلال العدوّ وقصّ جناح الكفر، وأسمعه من هذا ومثله.

ثم لما كان الفتح ركب الأشرف في الفرات في خواصّه ومعه جلساؤه من بني مهديّ، وكانوا يضحكونه، فجاء مهنّا بن عيسى فأمر بمدّ الإسقالة ليدخل فلما دخل عليها غمز عليه فحركت الإسقالة فوقع في الماء وتلوث بالطين فهزئت به بنو مهديّ وضحك الأشرف ومن حوله، وطوى مهنّا جوانحه على ألمها، ثم إنه استأذن في الانصراف إلى بيوته فأذن له وقال إلى لعنة الله، فأسرّها مهنّا في نفسه ولم يبدها، وركب من وقته، وتوجّه إلى أهله، وأقام عندهم على حذر ثم (31) عاد الأشرف ونزل بحماة بعث إليه مهنّا بخيل وجمال فقبلها وخلع على رسوله وبعث له خلعة سنيّة ليطمئنه ثم يكبسه، فلما جاءت لبسها إظهارا للطاعة، وارتحل لوقته ضاربا في وجه البرّ فلم يتمّ للأشرف ما أراده منه، وعاد إلى مصر وفي نفسه من إمساك مهنّا وإخوته وبنيه، وظنّ مهنّا أن لا حقد عنده، فلم يلبث الأشرف أن خرج إلى الكرك وخرج إلى دمشق، وخرج منها على أنه يصيد كباش الجبل، ثم إن مهنّا عمل له ضيافة عظيمة فحضرها الأشرف وأكل منها، ولما فرغ ذلك أمسك مهنّا ومعه جماعة وجهزهم إلى مصر وحبسهم ببرج في القلعة وضيق عليهم إلا في الراتب لهم، وكان مهنّا في الحبس لا يأكل إلا بعد مدّة، وإذا أكل ما يقيم رمقه ويصلي الصبح، ويدير وجهه إلى الحائط ويصمت ولا يكلم أحدا حتى تطلع الشمس، ثم يقوم بعجلة وسرعة ويأخذ كفا من حصى وتراب كان هناك ثم يزمجر ويرمي به إلى الحائط كالأسد الصائل، فلما خرج الأشرف إلى الصّيد ترك ذلك الفعل، فقيل له في ذلك، فقال: قضي الأمر، ولم ير

ص: 317

منبسطا إلا في ذلك الحين.

قال، وحدثني مظفر الدين موسى ولد مهنّا، قال: لما كنا بالاعتقال كان عمي محمد بن عيسى مغرى بدخول المرتفق والتطويل فيه، وكان المرتفق مقاربا لدور حريم السّلطان ولبعض الأمراء، فقلت له في ذلك، [فقال:] «1» يا ولد مهنّا لعلي أسمع خبرا من النسوان فإنهنّ يتحدثن بما لا يتحدث به الرجال، فبينا نحن ذات يوم، وإذا بمحمد قد خرج، وقال:

بشراكم قد سمعت صائحة النساء تقول: وا سلطاناه!، فقلنا له: دعنا مما تقول، فقال: ما أقول لكم حقّ، وكان لنا صاحب من العرب تنكر وأقام بمصر، وكان يقف قبالة مرمى البرج الذي نحن فيه، ويومئ إلينا ونومئ إليه غير أنّه (32) لا يسمعنا ولا نسمعه، فلما كان في تلك الساعة ومحمد يحدثنا، وإذا بصاحبنا قد جاء وأومأ ثم مدّ يده الى التراب وصنع فيه هيئة قبر ونصب عليه عودا عليه خرقة صفراء كأنّها سنجق السلطان ثم نكسها، وقعد كأنه يبكي، ثم وقف قائما ورقص فتأكد الخبر عندنا بموت الأشرف، فلما فتح علينا من الغد سألنا الفتاح والسجّانين فأنكرونا ثم اعترف لنا بعضهم وكان ذلك أعظم سرور دخل على قلوبنا.

ولما خرجوا من السجن شكوا احتياجهم إلى النساء فأطلق لهم جماعة من الجواري الأشرفيات ولم يكن مرادهم بذلك إلا التشفّي، وأعيد الجماعة الى أهلهم إلا مهنّا فإنه أخّر مدة ثم جهّز فلما خرج من دمشق لحقه البريد إلى ثنيّة العقاب «2» بأن يعود فامتنع وقد توجّه إلى أهله وكانوا قد ندموا على إطلاقه، ثم إنّه قدم مصر بعد ذلك مرات وهو كالطائر الحذر الذي نصب له الشّرك بكلّ مكان، وآخر مدة قدمها في أوائل الدولة الناصريّة

ص: 318

الأخيرة «1» سنة عشر وسبع مئة، وكان برلغي الكبير «2» مملوك مهنّا وهو الذي قدّمه «3» فلما وجده قد أمسك تحدث فيه مع السلطان، وقال: هذا مملوكي وقدّمته ليعطى إقطاعا في الحلقة، فأعطي فوق حقّه حتى جعلتموه ملكا من الملوك، وأنا أريد أن تأخذ كلّ ماله ومماليكه وتعطيني إياه برقبته ليكون عندي إلى أن يموت فوعد بذلك، ثم إنّ برلغي مات في ذلك الوقت فقيل له: قد مات، فعزّ ذلك عليه عدم قبول شفاعته مع ما كان يمتّ به من سوابق الخدم.

ولما كان السلطان في الكرك فخرج مهنّا، وقد طار خوفا ورعبا ولما اجتمع بقراسنقر «4» وكانت بينهما صداقة قديمة مؤكدة، وكلّ منهما مستوحش، [فجدّدا]«5» الأيمان والعهود على المضافرة وأن لا يسلم واحد منهما (33) صاحبه فلما توجه قراسنقر إلى حلب زاره مهنّا فخلا به مهنّا فأراه قراسنقر كتابا من السلطان فيه إعمال الحيلة على إمساك مهنّا، فقال له مهنّا: ما أنت صانع؟ فقال أنا أطيعه فيك وأجاهره وهو يجعلني دأبه ووكده فمن

ص: 319

يحميني منه إذا قصدني فقال له مهنّا: تجيء إلينا فتحالفا على ذلك، ثم إنّ مهنّا [وفى]«1» لقراسنقر لما توجه إليه على ما هو معروف في موضعه حتى أنّ زوجة مهنّا عائشة بنت عسّاف بالغت في خدمة قراسنقر، وكانت تقول لمهنّا: يا مهنّا ذكر الدهر لا تدعه، وكذلك محمد بن عيسى «2» [إلا]«3» فضل بن عيسى أخو مهنّا فما كان رأيه إلا التقرب بإمساك قراسنقر والجماعة إلى السلطان، فكانت عائشة تقول: تعسا لأمّ ولدت الفضل بعد مهنّا و (محمد بن) عيسى.

وكتب مهنّا إلى السلطان يستعطفه ويقول: هؤلاء مماليكك ومماليك أبيك وكبار بيتكم وقد هربوا من الموت وسألوا أن تكفّ عنهم وتجعل البيرة «4» لقراسنقر، والرحية للأفرم «5» ، وبهسنا «6» للزّردكاش «7» ، وإذا حضر مهمّ جامع للإسلام حضروا إليه، وجاهدوا بين يديك

ص: 320

فأجابهم بإطابة القلب، وأنه قد جعل الصّبيبة «1» لقراسنقر، وعجلون «2» للأفرم، والصّلت للزّردكاش، أو إمريّة كما كان فما اطمأنوا لذلك، وزادهم نفورا فجهزهم إلى خربندا «3» ، وقال له: متى حميت هؤلاء كنت أنا في طاعتك معهم، وأخفر الركب العراقيّ وسيّرهم مع ابنه سليمان «4» ، وبعث معهم من جهته لخربندا ومن حوله خيولا مسوّمة فقوبلوا بالإكرام والرعاية، وخلع على سليمان وأطلق له أموالا جمة، وجهّزت لمهنّا خلع وإنعامات وبرالغ «5» بالبصرة له ولأهله ومعها الحلّة والكوفة وسائر البلاد الفراتية، واشتدّت الوحشة بينه وبين السلطان الملك الناصر، وتأكدت فأعطى الإمرة لأخيه (34) فضل، وتظاهر مهنّا بالمنافرة والمباينة والوحشة، وحضر إلى عند خربندا فأكرمه غاية الإكرام وأجلّه نهاية الإجلال، وقرّر أمر الركب العراقيّ وأعطى عصاه خفارة لهم وتأمينا، وضاع الزمان وامتدت الأيام والليالي في المراوغة من مهنّا وهو يعد السلطان أنّه يحضر إليه ويمنيه، ويسوّف به من وقت إلى

ص: 321