المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب العاشر في مملكة مالي وما معها - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٤

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌هذا الكتاب

- ‌منهج التحقيق

- ‌1- وصف النسخ المعتمدة

- ‌2- خطة العمل

- ‌3- الرموز المستعملة في التحقيق

- ‌4- المختصرات الخاصة ببعض المؤلفين أصحاب الكتب المفردة وغيرهم

- ‌5- نموذجات مصورة عن النسختين المعتمدتين في التحقيق

- ‌آ- تتمة الجزء الثاني- أحمد الثالث 2797/2

- ‌ب- الجزء الثالث- أحمد الثالث 2797/3

- ‌[تتمة النوع الثانى فى ذكر مماليك الاسلام]

- ‌الباب السابع في مملكة اليمن

- ‌الفصل الأول فيما بيد أولاد رسول

- ‌الفصل الثاني فيما بيد الأشراف

- ‌الباب الثامن في ممالك المسلمين بالحبشة

- ‌الفصل الأول في أوفات

- ‌الفصل الثاني في دوارو

- ‌الفصل الثالث في أرابيني

- ‌الفصل الرابع في هدية

- ‌الفصل الخامس في شرحا

- ‌الفصل السادس في بالي

- ‌الفصل السابع في دارة

- ‌الباب التاسع في ممالك مسلمي السودان على ضفة النيل إلى مصر

- ‌الفصل الأول في الكانم

- ‌الفصل الثاني في النّوبة

- ‌الباب العاشر في مملكة مالي وما معها

- ‌الباب الحادي عشر في مملكة جبال البربر

- ‌(511) الباب الثاني عشر في مملكة إفريقيّة

- ‌الباب الثالث عشر في مملكة برّ العدوة

- ‌الباب الرابع عشر في مملكة الأندلس

- ‌(2) الباب الخامس عشر في ذكر العرب الموجودين في زماننا وأماكنهم

- ‌(توطئة)

- ‌(العرب البائدة)

- ‌(العرب العاربة)

- ‌(بنو حمير بن سبأ)

- ‌(بنو كهلان بن سبأ)

- ‌ الأزد

- ‌(طيئ)

- ‌(مذحج)

- ‌(همدان)

- ‌(كندة)

- ‌(مراد)

- ‌(أنمار)

- ‌(بنو عمرو بن سبأ)

- ‌(بنو الأشعر بن سبأ)

- ‌(بنو عاملة بن سبأ)

- ‌(العرب المستعربة)

- ‌(ذكر النسب النبوي الشريف)

- ‌(طوائف العرب الموجودين في زماننا)

- ‌(عرب الشام)

- ‌(آل ربيعة)

- ‌(آل فضل)

- ‌تتميم

- ‌(آل علي)

- ‌(آل مرا)

- ‌(بقية العرب وديارهم)

- ‌(بنو خالد)

- ‌(بنو كلاب)

- ‌(آل بشّار)

- ‌غزيّة

- ‌(خفاجة وعبادة)

- ‌عربان العذار

- ‌عرب العارض

- ‌عائذ [بني سعيد]

- ‌بنو يزيد

- ‌(المزايدة)

- ‌عقيل

- ‌حرب

- ‌(صليبة العرب)

- ‌(مصر ودمشق)

- ‌عرب مصر

- ‌(بنو طلحة)

- ‌(بنو الزّبير)

- ‌(بنو مخزوم)

- ‌(بنو شيبة)

- ‌(كنانة طلحة)

- ‌(لواثة)

- ‌(عرب الحوف)

- ‌(بنو زيد بن حرام بن جذام)

- ‌(هلبا بعجة بن زيد)

- ‌بنو سليم

- ‌(قبائل العربان من مصر إلى أقصى المغرب)

- ‌(عرب الطرق المسلوكة إلى مكة المكرمة)

- ‌(طريق الركب المصري)

- ‌(طريق الركب الشامي)

- ‌[فهارس الكتاب]

- ‌1- فهرس المصادر والمراجع

- ‌1- المصادر

- ‌2- المراجع

- ‌2- فهرس المحتويات

الفصل: ‌الباب العاشر في مملكة مالي وما معها

‌الباب العاشر في مملكة مالي وما معها

ص: 105

(في مملكة مالي وما معها «1» )(494) اعلم أنّ هذه المملكة في جنوب نهاية الغرب متصلة بالبحر المحيط، قاعدة الملك بها مدينة ييتي «2» ، وهذه المملكة شديدة الحرّ، قشفة المعيشة، قليلة أنواع الأقوات، وأهلها طوال في غاية السواد، وتفلفل الشّعور، وغالب طول أهلها من سوقهم لا من هياكل أبدانهم، وملكها الآن اسمه سليمان «3» أخو السلطان موسى منسى «4» بيده ما كان قد جمعه أخوه مما فتحه من بلاد السّودان، وأضافه إلى يد الإسلام، وبنى به المساجد والجوامع والمواذن، وأقام به الجمع والجماعات والأذان، وجلب إلى بلاده الفقهاء من مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، وبقي بها سلطان المسلمين، وتفقه في الدين.

وصاحب هذه المملكة هو المعروف عند أهل مصر بملك التّكرور، ولو سمع هذا أنف منه

ص: 107

لأنّ التكرور إنما هو إقاليم من أقاليم مملكته، والأحبّ إليه أن يقال: صاحب مالّي لأنّه الإقليم الأكبر، وهو به أشهر.

وهذا الملك هو أعظم ملوك السودان المسلمين وأوسعهم بلادا، وأكثرهم عسكرا، وأشدّهم بأسا، وأعظمهم مالا، وأحسنهم حالا، وأقهرهم للأعداء، وأقدرهم على إفاضة النّعماء.

والذي تشتمل عليه هذه المملكة من الأقاليم: غانة «1» ، وزافون «2» ، وترنكا «3» ، وتكرور «4» ، وسنغانة «5» ، وبانبقوا «6» ، وزرنطابنا، وبيترا، ودومورا، وزاغا «7» ،

ص: 108

وكابرا «1» ، وبراغوري «2» ، وكوكو «3» ، وسكان كوكو قبائل يرتان «4» .

وإقليم مالّي (هو) الذي به قاعدة الملك مدينة ييتي، وكلّ هذه الأقاليم مضافة إليه، والاسم المطلق عليه في هذه الأقاليم كلّها مالّي، قاعدة أقاليم هذه المملكة [ذات]«5» المدن والقرى والأعمال (وهي) أربعة عشر إقليما.

حدّثني الشيخ الثقة الثّبت أبو عثمان سعيد الدكّاليّ وهو ممن سكن مدينة ييتي خمسا وثلاثين سنة واضطرب في هذه المملكة أنها «6» مربعة طولها أربعة أشهر وأزيد، وعرضها مثل ذلك تقع جنوب مرّاكش ودواخل برّ العدوة «7» جنوبا بغرب إلى المحيط، وطولها من تولي إلى طوروا (495) وهي على المحيط، جميعها مسكونة إلا ما قلّ وإنّ في طاعة سلطان هذه المملكة بلاد مغزارة التبر يحملون إليه التبر في كلّ سنة وهم كفار همج، ولو شاء أخذهم، ولكنّ ملوك هذه المملكة قد جربوا أنه ما فتح منهم أحد مدينة من مدن الذهب وفشا بها الإسلام، ونطق بها داعي الأذان إلا قلّ بها وجود الذهب ثم يتلاشى حتى

ص: 109

يعدم، ويزداد فيما يليه من بلاد الكفار، وأنه لما [صحّ]«1» هذا عندهم على التجريب «2» أبقوا بلاد التّبر بأيدي أهلها الكفار، ورضوا منهم ببذل الطاعة وحمول قرّرت عليهم.

وليس في مملكة صاحب هذه المملكة من يطلق عليه اسم ملك إلا صاحب غانة «3» ، وهو كالنائب له، وإن كان ملكا.

وفي شمال بلاد مالي قبائل من البربر بيض تحت حكم سلطانها وهم: نيتصر، ونيتغراس ومدوسة ولمتونة «4» ولهم أشياخ تحكم عليهم إلا نيتصر فإنهم يتداولهم ملوك منهم تحت حكم صاحب مالي، وكذلك في طاعته قوم من الكفار ومنهم من يأكل لحوم بني آدم، ومنهم من أسلم، ومنهم من هو باق على هذا، وقد ذكر هذا في موضعه.

ومدينة ييتي ممتدة طولا وعرضا تكون طول بريد «5» تقريبا، وعرضها كذلك لا يحيط بها سور وأكثرها متفرقة، وللملك عدة قصور، يستدير بها سور محيط بها، وفرع من النيل يستدير بهذه المدينة من جهاتها الأربع، وفي بعضها يخاض ويمشى فيه عند قلة الماء، وفي بعضها لا يعبر إلا بالمراكب.

ص: 110

وبناء هذه المدينة بأياد من الطين «1» مثل جدران بساتين دمشق، وهو أنه يبنى تقدير نصف ذراع بالطين ثم يترك حتى يجفّ، ثم يبنى عليه مثله، ثم يترك حتى يجفّ ثم يبنى عليه مثله هكذا حتى يتناهى، وسقوفها بالأخشاب والقصب، وغالب سقوفها قباب أو جملونات كالأقباء، وأرضها تراب مرمل، وشرب أهلها من ماء النيل وآبار محتفرة، وجميع هذه البلاد مصخرة مجبلة، وجبالها ذوات (496) أشجار برية مشتبكة غليظة السوق إلى غاية تكون منها الشجرة الواحدة تظلّ خمس مئة فارس.

وغالب أقواتهم الأرزّ و [الفوني]«2» وهو دقّ مزغب يدرس فيخرج منه شبيه حبّ الخردل أو أصغر، وهو أبيض يغسل ثم يطحن تم يعجن ويؤكل «3» ، وعندهم الحنطة وهي قليلة، والذرة وفيها لهم قوت، وعليق خيلهم وطعم دوابّهم، وعندهم الخيل من نوع الأكاديش التترية، والبغال كلّها صغار المقادير جدا، وكذلك كلّ دوابّهم من البقر والغنم والحمر ليس يوجد منها إلا ذميم الخلق صغير الحبّة.

ويزرع عندهم شيء اسمه القافي «4» وهو عروق دقاق تدفن في الأرض فتزكو حتى تصير غلاظا طعمها شبيه بالقلقاس لكنّه ألذّ من القلقاس، وهو يزرع في الخلاء فإن اطلع الملك على أنّ أحدا سرق شيئا منه قطع رأسه و [علّقه]«5» مكان ما قطعه، هذه سنّة عندهم يتوارثها كابر عن كابر لا ترخصها مسامحة، ولا تنفع فيها شفاعة، ويزرع عندهم اللوبيا،

ص: 111

والقرع، واللّفت، والبصل، والثوم، والباذنجان، والكرنب، ولكن الباذنجان والكرنب قليل عندهم، وتطلع الملوخيّة برية.

وعندهم من الفواكه البستانية الجمّيز وهو كثير عندهم، وتطلع عندهم أشجار برية ذوات ثمار مأكولة مستطابة فيها شجر يسمى نادموت «1» يحمل مثل القواديس في كبرها وفي داخلها شبيه دقيق الحنطة ساطع البياض مزّ لذيذ، ويعمل منه إذا جفّ في الحناء، فيسوده مثل النوشادر، وهو يدّخر عندهم للأكل والخضاب، ومنها شجر يسمى زبيزور تخرج ثمرته مثل قرون الخرّوب يخرج منه شبيه بدقيق التّرمس حلو لذيذ الطعم، وله نوى ومنها شجر يسمى شومي «2» يحمل شبيه السفرجل طعمه لذيذ يشبه طعم الموز، وله نوى شبيه [بغضروف العظم يأكله بعضهم معه، وشجر اسمه فاريتي يحمل شبيه]«3» الليمو (ن) وطعمه شبيه بطعم الكمّثرى بداخله نوى ملحم يؤخذ ذلك النوى وهو طريّ ويطحن فيخرج منه شبيه بالسّمن ويجمد مثله تبيّض به البيوت، وتوقد منه السّرج (497) والقناديل، ويعمل منه صابون، وإذا أريد أن يؤكل ذلك الدهن يحرق بتدبير، وصورة تدبيره أن يوضع على نار لينة ويغطى ويترك إلى أن يقوى غليانه ويبقى الذي يدبره يشارفه مشارفة في اختباره ويرضعه بالماء قليلا قليلا مرات وهو مغطى محترز عليه أن يتناهى على قدر القوة، ثم يترك حتى يبرد، ويستعمل في المأكل بالسمن، ومتى فوجئ بكشف الغطاء فار وطار وتصاعد إلى السقف، وربما انعقد منه نار فأحرقت الدار، وربما زاد فاحترقت البلد، وهذا الدّهن يخرق كلّ جلد وضع فيه ولا يحمله إلا ظروف القرع.

ص: 112

ويوجد بها من الثمرات البرية ما هو شبيه بكلّ الفواكه البستانية على اختلاف أنواعها، ولكنها حرّيفة لا [تستطاب] ولا يأكلها إلا السودان، وهي قوت [كثير منهم]«1» .

وعندهم الملح موجود بخلاف الجوانيين والمسامتين لسجلماسة وما وراءها.

وفي صحاريهم الجواميس برية تصاد كالوحوش وصورة صيدهم لها أنهم يحملون من

«2» الصغار، وما يربى عندهم في البيوت، فإذا أرادوا صيد الجواميس أخرجوا واحدا منها إلى موضع الجواميس لتراه وتقصده وتتآلف به

«2» التي هي علة الضم، فإذا تآلفت بها رموها بنشّاب مسموم عندهم، ثم يقطعون مواضع السّم، وهو موضع الرّمية وما حوله، ثم يؤكل باقيه.

وأغنامهم ومعزهم لا مرعى لها وإنما هي جلّالات على القمامات والمزابل، وتلد الواحدة من المعز في بطن واحد سبعة وثمانية.

وبصحاريهم أنواع الوحوش من الحمر والبقر والغزلان والنّعام وما يجري مجراها، والفيلة والآساد والنمور وكلّها لا تؤذي إلا من تعرض لها أو تحرش بها، وربما مرّ الرجل بها إلى جانبها فلا تعترضه ما لم يهجها.

وعندهم وحش يسمى ترمّي- بضمّ التاء المثناة والراء المهملة وتشديد الميم- ولا يكون إلا خنثى له ذكر وفرج، مولّد بين الذئاب والضّباع.

ص: 113

قال الشيخ سعيد (498) الدكّاليّ:

وقد رأيته بعيني، وهو خنثى قدر الذئب متى وجد في الليل آدميا صغيرا أو مراهقا خطفه وأكله، فأما بالنهار فلا يؤذي ولا له إقدام على الرجل التّمام، وهو ينعر كنعار الثور إذا أراد النّطاح، وهو ينبش الموتى ويأكلهم، وأسنانه كأسنان التمساح مصفّحة ذكر في أنثى.

وفي مجرى النيل عندهم تماسيح كبار هائلة المقادير يوجد منها ما يكون طوله عشرة أذرع وأزيد، قال الدكّاليّ:

وصيد منها تمساح وضع في قلبه رمح طوله عشرة أشبار، ومرارته سمّ، وهي تحمل إلى خزانة ملكهم، قال:

والفيل يصاد في بلاد الكفار المجاورة لهم بالسّحر حقيقة لا مجازا، والسحر بهذه البلاد كلّها [كثير]«1» إلى غاية، وخصوصا ببلاد غانة، وفي كلّ وقت يتحاكم عند ملكهم بسببه، ويقال إن فلانا قتل بالسحر أخي أو ولدي أو بنتي أو أختي، ويحكم على القاتل بالقصاص ويقتل الساحر.

وسلطان هذه المملكة يجلس في قصره على مصطبة كبيرة تسمى عندهم بنبي- بالباء الموحدة والنون والباء الموحدة- على دكّة كبيرة من آبنوس كالتخت يكون قدر المجلس العظيم المتسع، عليها أنياب الفيلة في جميع جوانبها الناب إلى الناب، وعنده سلاحه من ذهب كلّه، سيف ومزراق وتركاش «2» وقوس ونشّاب، وعليه سراويل كبير مفصل من نحو

ص: 114

عشرين نصفية لا يلبس مثله أحد، ويقف خلفه نحو ثلاثين [مملوكا]«1» من التّرك «2» وغيرهم ممن يبتاع له من مصر بيد واحد منهم جتر حرير عليه قبة وطائر من ذهب، والطائر صفة [باز]«3» ، يحمل على يساره، وأمراؤه جلوس حوله (و) من تحته [سماطان]«4» يمينا ويسارا، ثم دونهم أعيان من فرسان عسكره جلوس، وبين يديه شخص يغني له وهو سيافه، وآخر سفير بينه وبين الناس يسمى الشاعر، وحولهم أناس بأيديهم طبول يدقون بها، وبين يديه أناس يرقصون (499) وهو يتفرج عليهم ويضحك منهم وخلفه صنجقان منشوران، وقدّامه فرسان مشدودان محصلان لركوبه متى شاء، ومن عطس في مجلسه ضرب ضربا مؤلما، ولا يسامح [أحد]«5» في هذا، وإنما إذا جاءت واحدا منهم عطسة انبطح على الأرض وعطس حتى لا يعلم به، وأما الملك فإنه إذا عطس ضرب الحاضرون بأيديهم على صدورهم.

ولباسهم عمائم بحنك مثل العرب، وقماشهم بياض من ثياب قطن يزرع عندهم، وينسج في نهاية الرّفع واللّطف يسمى الكميصيّا، ومنهم شبيه بزيّ المغاربة، جباب ودراريع بلا تفريج، وتلبس أبطالهم الفرسان أساور من ذهب، فمن زادت فروسيته لبس معها أطواقا، فإن زادت لبس معها خلاخل ذهب، وكلما زادت فروسية الفارس منهم لبسه الملك [سراويل]«6» متسعا، وكلما زادت فروسية البطل منهم يزيد في كبر سراويله، وصفة سراويلاتهم ضيق أكمام الساقين وسعة السّرج، ويمتاز الملك في زيّة بأنه يرخي له عذبة من

ص: 115

بين يديه يكون سراويله من عشرين نصفية لا يتجاسر على لبس هذا أحد غيره.

وملوك هذه المملكة يجلب إليها الخيل العراب، وتبذل الأثمان الكثيرة فيها، ومقدار عسكره مئة ألف نفر منهم نحو عشرة آلاف فارس فرسان خيالة، وسائرهم رجّالة لا خيل لهم ولا مركب، والجمال والمراكب عندهم موجودة، ولا يعرف بها ركوب «1» ، و [الشعير]«2» معدوم عندهم بالجملة الكافية، لا ينبت عندهم البتة.

ولأمراء هذا الملك وجنده إقطاعات وإنعامات من أكابرهم من يبلغ ماله على الملك في كلّ سنة خمسين ألف مثقال من الذهب، ويتفقدهم بالخيل والقماش، وهمته كلّها في تجميل زيّهم، وتمصير مدنه، ولا يدخل أحد دار هذا الملك إلا حافيا كائنا من كان، فمن لم يخلع نعليه ساهيا كان أو عامدا قتل بلا عفو، وإذا قدم (500) القادم على الملك من أمرائه أو غيرهم أوقفه قدامه زمانا، ثم يومئ القادم بيده اليمنى مثل من يضرب الجوك «3» ببلاد توران «4» وإيران، فإذا أنعم على أحد بإنعام، أو وعده بجميل، أو شكره على فعل تمرغ ذلك المنعم عليه بين يديه من أول المكان إلى آخره، [فإذا]«5» وصل إلى آخره أخذ غلمان ذلك المنعم عليه أو من هو من أصحابه من رماد يكون موضوعا في أواخر مجلس الملك معدا هناك

ص: 116

دائما لأجل مثل هذا، فيذرّ في رأس المنعم عليه، ثم يعود يتمرغ إلى أن يصل بين يدي الملك، ويضرب جوكا آخر بيده كما تقدم ثم يقوم، وأما صورة هذا المشبّه بضرب الجوك (فهي) أن يرفع الرجل يده اليمنى إلى قريب أذنه ثم يضعها وهي قائمة منتصبة ويلقيها بيده اليسرى فوق فخذه واليد اليسرى مبسوطة الكفّ [لتلقي]«1» مرفق اليمنى مبسوطة الكفّ مضمومة الأصابع بعضها إلى جانب بعض كالمشط [تماسّ]«2» شحمة الأذن.

وأهل هذه المملكة يركبون بالسروج العربية، وهم في غالب أحوالهم [في الركوب كأنهم من العرب]«3» ، ولكنهم يبدؤون في الركوب بالرجل اليمنى بخلاف الناس جميعا.

ومن عادتهم أن لا يدفن عندهم ميت إلا إذا كان ذا قدر وحشمة، وإلا فكلّ من سوى هؤلاء ممن لا قدر له، والفقراء والغرباء فإنه يرمى رميا في الفلاة مثل ما ترمى باقي الميتات.

وهي بلاد يسرع فيها فساد المدخورات وخصوصا السمن فإنه ينتن ويجيف في يومين.

قلت: وليس هذا بغريب لأن أغنامهم جلّالات تأكل القمامات والمزابل وبلادهم شديدة الحرّ سريعة [التحلل]«4» .

وملك هذه المملكة إذا قدم من سفر يحمل على رأسه الجتر راكب وينشر على رأسه علم، ويضرب قدامه الطبول والطنابير «5» والبوقات بقرون لهم فيها صناعة محكمة.

ص: 117

ومن عادته أنه إذا عاد إليه أحد ممن ندبه في شغل أو مهمّ يسأله عن كلّ ما تمّ له من حال من حين مفارقته له إلى حين عوده (501) مفصلا.

والشكاوى والمظالم تنتهي إلى هذا الملك فيفصلها بنفسه، وفي الغالب لا يكتب شيئا بل أمره بالقول غالبا، وله قضاة وكتاب ودواوين، هذا ما حدثني به الدكاليّ.

وحكى لي الأمير أبو الحسن عليّ ابن أمير حاجب «1» أنه كان كثير الاجتماع بالسلطان موسى ملك هذه البلاد لما قدم مصر حاجّا، وكان هو نازلا بالقرّافة، وابن أمير حاجب والي مصر والقرّافة إذ ذاك، واتحدت بينهم الصحبة، وأنّ هذا السلطان موسى حدّثه بكثير من أحواله وأحوال بلاده ومن يجاورها من أمم السودان، قال:

ومما حدّثني به أن بلاده متسعة اتساعا كثيرا وهي متصلة بالبحر المحيط، فتح فيها بسيفه وجنده أربعا وعشرين مدينة ذوات أعمال وقرى وضياع، وهي كثيرة الدوابّ من البقر والغنم والمعز والخيل والبغال وأنواع الطير الدواجن كالأوزّ والحمام والدّجاج، وأن أهل بلاده عدد كبير وجم غفير، وهم بالنسبة إلى من جاورهم من أمم السّودان المتوغلين في الجنوب كالشّامة البيضاء في البقرة السّوداء، وفي مهادنته أهل منابت الذهب، وله عليهم القطيعة، قال، فسألته كيف نبات الذهب. فقال: يوجد على نوعين. نوع في زمن الربيع عقيب الأمطار ينبت في الصحراء، وله ورق شبيه بالنّجيل «2» أصوله التّبر، والنوع الآخر يوجد في جميع السنة في أماكن معروفة على ضفاف مجاري النيل، فيحفر هناك حفائر، فتوجد أصول الذهب كالحجارة والحصي فيؤخذ وكلاهما هو المسمى بالتّبر، والأول أفحل في العيار، وأفضل في القيمة. قال:

ص: 118

وحدّثني السلطان موسى أن الذهب حمى له يجمع له متحصله كالقطيعة إلا ما يأخذه أهل تلك البلاد منه على سبيل السرقة.

قلت: والذي قاله الدكّاليّ إنه إنما يهادى بشيء منه كالمصانعة، ويتكسب عليهم في المبيعات، لأنّ بلادهم لا شيء بها، وقول الدكّاليّ أثبت.

قال ابن أمير حاجب:

(502)

وشعار هذا السلطان أصفر في أرض حمراء، (و) تنشر عليه الأعلام حيث يركب، وهي ألوية كبار جدا، وخدمة القادم عليه أو المنعم عليه أن يكشف مقدم رأسه ويضرب بيده اليمنى جوكا إلى الأرض نحو ما يعمل التتار، فإذا احتاج إلى أكثر من هذه الخدمة تمرّغ بين يديه، قال ابن أمير حاجب: وأنا رأيت هذا بالمشاهدة والعيان، قال:

ومن عادة هذا السلطان أنه لا يأكل بحضور أحد من الناس كائنا من كان، بل يأكل دائما وحده بمفرده.

ومن عادة أهل مملكته أنّه إذا نشأ لأحد، منهم بنت حسناء قدمها له أمة موطوءة فيملكها بغير تزويج مثل ما ملكت اليمين، مع ظهور الإسلام بينهم وتمذهبهم بمذهب المالكيّة.

قال ابن أمير حاجب:

هذا مع كون السلطان موسى متدينا محافظا على الصلاة والقراءة والذّكر، قال، فقلت له: إن مثل هذا لا يجوز ولا يحلّ لمسلم شرعا ولا عقلا، [فقال ولا للملوك، فقلت: ولا للملوك]«1» وسل العلماء، فقال: والله ما كنت أعلم وقد تركت هذا [من الآن]«2»

ص: 119

ورجعت رجوعا كليا عنه.

قال ابن أمير حاجب:

ورأيت هذا السلطان محبا للخير وأهله، وترك مملكته واستناب بها ولده محمدا، وهاجر إلى الله ورسوله فأدى فريضة الحج، وزار النبيّ صلى الله عليه وسلم وعاد إلى بلاده على أنّه يقرر لابنه الملك، ويتركه له بالكلّية، ويعود إلى مكة المعظمة، ويقيم مجاورا بها، فأتاه أجله، رحمه الله تعالى.

قال ابن أمير حاجب: وسألته إن كان له أعداء (بينه و) بينهم حروب وقتال، فقال: نعم، لنا عدو، وشديدهم في السودان كالتتار لكم، وبينهم وبين التتار مناسبة من جهات منها:

أنهم وساع الوجوه، فطس الأنوف، ولنا ولهم وقائع، ولهم بأس شديد بإصابة رميهم بالنّشّاب، وبيننا وبينهم نوب، والحروب ثارات.

قلت: وقد ذكر ابن سعيد في" المغرب"«1» طائفة الدّمادم «2» الذين خرجوا على أصناف (503) السودان، فأهلكوا بلادهم وهم يشبّهون بالتّتر، وكان خروج الفريقين في عصر واحد «3» ، انتهى كلامه في هذا المعنى.

قال ابن أمير حاجب: سألت السلطان موسى كيف انتقلت إليه المملكة، فقال: نحن أهل بيت نتوارث الملك، وكان الذي قبلي لا يصدق أنّ البحر المحيط لا يمكن الوقوف على

ص: 120

آخره، وأحبّ الوقوف على هذا وولع به، فجهّز مئين [المراكب]«1» مملوءة من الرجال وأمثالها مملوءة من الذّهب والماء والزّاد ما يكفيهم سنين، وقال للمسفّرين فيها: لا ترجعوا حتى تبلغوا نهايته [أو]«2» تنفد أزوادكم وماؤكم، فساروا وطالت مدة غيبتهم لا يرجع منهم أحد حتى مضت مدة طويلة، ثم عاد مركب واحد منها، فسألنا كبيرهم عما كان من أثرهم وخبرهم، فقال: تعلم أيها السلطان أنّا سرنا زمانا طويلا حتى عرض (لنا) في لجّة البحر واد له جرية قوية وكنت آخر تلك المراكب، فأما تلك المراكب فإنها تقدمت فلما صارت في ذلك المكان ما عادت ولا بانت، ولا عرفنا ما جرى لها، وأما أنا فرجعت من مكاني ولم أدخل ذلك الوادي، قال: فأنكر عليه، قال: ثم إن ذلك السلطان أعدّ ألفي مركب، ألفا له وللرجال استصحبهم معه، وألفا للزاد والماء ثم استخلفني وركب بمن معه في البحر المحيط وسافر فيه، وكان آخر العهد به وبجميع من معه وانتقل إليّ الملك.

قال ابن أمير حاجب:

ولقد كان هذا السلطان مدّة مقامه بمصر قبل توجهه إلى الحجاز الشّريف وبعده على نمط واحد في العبادة والتوجّه إلى الله عز وجل كأنّه بين يديه لكثرة حضوره، وكان هو ومن معه على مثل هذا مع حسن الزيّ في الملبس والسكينة والوقار، وكان كريما جوادا كثير الصّدقة والبر، خرج من بلده بمائة وسق جمل «3» من الذّهب أنفقها في حجّته على القبائل بطريقه من بلاده إلى مصر ثم بمصر ثم من مصر إلى الحجاز الشريف في التوجه والعود حتى احتاج

ص: 121

إلى القرض فاستدان على ذمته (504) من التجار بمكاسب كثيرة وافرة جعلها لهم بحيث حصل لهم في ثلاث مئة دينار سبع مئة دينار ربحا، ثم بعثها إليهم بالرّاجح.

قال ابن أمير حاجب:

وبعث لي خمس مئة مثقال ذهبا على سبيل الافتقاد، وأخبرني ابن أمير حاجب:

أنّ المعاملة في بلاد التكرور بالودع، وأنّ التجار أكثر ما تجلب إليهم الودع وتستفيد به فائدة جليلة، انتهى كلام ابن أمير حاجب.

قلت: وقد كان بلغني أول قدومي مصر وإقامتي بها حديث وصول هذا السّلطان موسى حاجا، ورأيت أهل مصر لهجين بذكر ما رأوه من سعة إنفاقهم «1» فسألت الأمير أبا العبّاس أحمد بن الجاكي المهمندار «2» رحمة الله عليه عنه، فذكر ما كان عليه هذا السلطان من سعة الحال والمروءة والدّيانة، وقال:

لما خرجت لملتقاه أعني من جهة السلطان الأعظم الملك الناصر أكرمني إكراما بليغا، وعاملني بأجمل الآداب، ولكنه كان لا يحدثني إلّا بترجمان مع إجادة معرفته للتكلم باللسان العربيّ، ثم إنّه قدّم للخزانة السلطانيّة جملا كثيرة من الذّهب المعدنيّ الذي لم يصنع وغير ذلك، وحاولته أن يطلع للقلعة «3» ويجتمع بالسّلطان فأبى عليّ وامتنع، وقال: أنا جئت لأحجّ لا لشيء آخر وما أريد (أن) أخلط حجي بغيره، وشرع في الاحتجاج

ص: 122

بهذا، وأنه أفهم أنه يرى الحضور نقصا عليه لما يضطرّ إليه من تقبيل الأرض أو اليد، وبقيت أحاوله وهو يتعلّل ويعتذر والمراسم السلطانيّة تتقاضاني في إحضاره، فما زلت به حتى وافق، فلما حضر إلى حضرة السلطان قلنا له: قبّل الأرض، فتوقف وأبى إباء ظاهرا وقال:

كيف يجوز هذا، فأسرّ إليه رجل عاقل كان معه كلاما لا نعلمه، فقال: أنا أسجد لله الذي خلقني وفطرني، ثم سجد وتقدّم إلى السلطان فقام له بعض قيام، وأكرمه وأجلسه إلى جانبه، وتحادثا حديثا طويلا، ثم خرج السلطان موسى، وبعث إليه السلطان (505) بعدّة من الخلع الكاملة له ولأصحابه ولكلّ من حضر معه، وخيلا مسرجة ملجمة ولأعيان من معه، وكانت خلعته طرد وحش «1» [بقصب]«2» كثير بسنجاب مقندس «3» مطرز بزرگش «4» على مقترح إسكندريّ «5» ، وكلوتة زركش «6» وكلاليب «7» ذهب و [شاشا]«8» [بحرير ورقم]«9» خليفتي، ومنطقة ذهب مرصعة و [سيفا محلى ومنديلا مذهبا خزّا،

ص: 123

وأعلاما] «1» وفرسين مسرجين ملجمين بمراكب ثقل «2» محلاة وأجرى عليه الإنزال والإقامات الوافرة مدّة مقامه، فلما آن أوان الحجّ بعث إليه دراهم [كثيرة وجمالا وهجنا خاصة]«3» كاملات الأكوار والعدد لمراكبه و [هجنا]«4» [أتباعا]«5» لأصحابه ومن حضر معه، وأزواد (اً) جمّة، ور كز له العليق في الطريق، ورسم لأمراء الركب بإكرامه واحترامه، ثم لما عاد تلقيته وأنزلته، واستمرّ على علوفاته وإنزاله، وأرسل إلى السلطان متبركا من هدايا الحجاز الشّريف، فقبله السلطان منه، وبعث إليه بالخلع الكوامل له ولأصحابه والألطاف والثوابي من البزّ الإسكندري والأمتعة الفاخرة ثم عاد إلى بلاده.

قال المهمندار:

ولقد أفاض هذا الرجل بمصر فيض الإحسان، لم يدع أميرا مقرّبا ولا ربّ وظيفة سلطانيّة حتى وصله بجملة من الذهب، ولقد كسب أهل مصر عليه وعلى أصحابه في البيع والشّراء والأخذ والعطاء ما لا يحصر، وبذلوا الذهب حتى أهانوا في مصر قدره، وأرخصوا سعره.

قلت: ولقد صدق المهمندار فإنّه حكى مثل هذا غير واحد، ولما مات المهمندار وجد الديوان فيما خلّفه آلافا من الذّهب المعدنيّ مما أعطاه له باقيا على حاله في ترابه لم يصنّع.

وحدّثني خلق من تجار مصر والقاهرة عمّا حصل لهم من المكاسب والربح عليهم، فإنّ الرجل منهم كان يشتري القميص أو الثوب أو الإزار وغير ذلك بخمسة دنانير (506) وهو لا يساوي دينارا واحدا، وكانوا في غاية سلامة الصّدر والطّمأنينة يجوّز عليهم مهما جوز

ص: 124

عليهم، ويأخذون كلّ قول يقال لهم بالقبول والصّدق، ثم ساءت ظنونهم بأهل مصر غاية الإساءة لما ظهر لهم من غشّهم لهم في كلّ قول، وفي تزاحمهم المفرط عليهم في أثمان ما يباع عليهم من الأطعمة والسّلع حتى لو رأوا اليوم أكبر أئمة العلم والدين، وقال لهم إنّه مصريّ امتهنوه، وأساؤوا به الظنّ لما رأوا من سوء معاملتهم لهم.

وحدّثني مهنّا بن عبد الباقي العجرميّ الدليل أنّه كان في صحبة السلطان موسى لما حجّ، وأنّه أفاض على الحجيج وأهل الحرمين سجال الإحسان، وكان في غاية التجمّل وحسن الظنّ في سفره هو ومن معه، وتصدّق بمال كثير، قال:

ونابني منه نحو مئتي مثقال من الذّهب، وأعطى رفاقي جملا أخرى، وبالغ مهنا في وصف ما رآه منه من الكرم وسعة النفس ورفاهيّة الحال.

قلت: ولقد كان الذهب مرتفع السّعر بمصر إلى أن جاءوا إليها في تلك السّنة، كان المثقال لا ينزل عن خمسة وعشرين درهما وما زاد عليها، فمن يومئذ نزلت قيمته، ورخص سعره، واستمرّ على الرخص إلى الآن لا يتعدّى المثقال اثنين وعشرين درهما وما دونها، هذا من مدة تقارب اثنتي عشرة سنة إلى الآن لكثرة ما جلبوا من الذّهب إلى مصر وأنفقوه بها.

قلت: ولقد جاء كتاب من هذا السّلطان إلى الحضرة السلطانيّة بمصر وهو بالخطّ المغربيّ في ورق عريض، السّطر إلى جانب السّطر، وهو يمسك فيه ناموسا لنفسه مع مراعاة قوانين الأدب كتبه على يد بعض خواصّه ممن جاء يحجّ، ومضمونه السّلام والوصية بحامله، وجهّز معه على سبيل الهدية خمسة آلاف مثقال من الذّهب.

وبلاد مالّي وغانة وما معها يسلك إليها من (507) غربيّ صعيد مصر على الواحات «1»

ص: 125

في برّ مقفر تسكنه طوائف من العرب ثمّ من البربر إلى عمران يتوصّل منه إلى مالي وغانة وهي مسامتة لجبال البربر في جنوب مرّاكش وما يليها في قفار طويلة وصحار ممتدة موحشة.

وحدّثني الفقيه العلّامة أبو الرّوح عيسى الزّواويّ «1» ، قال:

حدّثني السلطان موسى منسى أن طول مملكته نحو سنة، وبمثل هذا أخبرني عنه ابن أمير حاجب، وأما ما قاله الدكّاليّ فقد تقدم ذكره، وهو أنها أربعة أشهر طولا في مثلها عرضا «2» ، وقول الدكّاليّ أثبت لأن موسى منسى ربما عظّم شأن ملكه.

قال الزّواويّ:

قال لي هذا السّلطان موسى إنّ عنده في مدينة اسمها تكرا «3» معدن النّحاس الأحمر تجلب منه القضبان إلى مدينة ييتي «4» ، قال، وقال: ليس في مملكتي شيء يمكس سوى هذا النّحاس المعدنيّ الذي يجلب فإنه خاصة لا غير ونحن نبعثه إلى بلاد السودان الكفار نبيعه (كلّ) وزن مثقال بثلثي وزنه [ذهبا]«5» ، فنبيع كلّ مئة مثقال من النحاس بستة

ص: 126

وستين مثقالا من الذهب وثلثي مثقال، قال:

وقال لي: إن عنده أمما من الكفار في مملكته وهو لا يأخذ منهم جزية وإنما يستعملهم في استخراج الذهب من معادنه، وقال لي: إن معادن الذهب تحفر الجورة عمق قامة أو ما يقاربها فيوجد الذهب في جنباتها وربما يوجد مجتمعا في سفل تلك الحفائر.

وملك هذه المملكة في جهاد دائم وغزو ملازم لمن جاوره من كفّار السودان، وهم أمم لا يستوعبهم الزمان.

قال لي الدكّاليّ:

وأهل هذه المملكة كثير فيهم السحر والسّم ولهم عناية بهما وتدقيق فيهما، وعندهم حشائش وحيوانات يركّبون منها السموم القتالة ولا سيما من نوع السمك، يوجد عندهم ومرارات التماسيح، فإنها سموم لا دواء لها.

وحدّثني الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن الصّائغ الأمويّ قال:

حدّثني الوزير أبو عبد الله محمد بن زاغنوه [من]«1» (508) أهل بلدنا المريّة بالأندلس، وهو ثقة من الفقهاء العلماء، قال:

ركبت في مركب لتجارة لي مع جملة تجار من فم الإيلاية وهو مدخل البحر المحيط قاصدين بعض بلاد (برّ) العدوة، فلعبت بنا الريح، و [تقاذفتنا] الأمواج إلى أن عدّينا المكان المقصود، وتمادى بنا الحال إلى أن عجزنا عن الإرساء إلى البرّ، ولم نزل على هذا نتغلغل في المحيط إلى الجنوب إلى أن دفعنا في ظلمات ممتدة إذا أخرج الإنسان بها يده لم يكد يراها، وأيقنا بالهلاك لوقوعنا في الظلمات، ثم لطف الله بسكون الريح فدارينا المركب، ورفقنا به وقصدنا جهة البرّ إلى أن وصلنا إلى البرّ وأرسينا به وخرجنا نطلب الخلاص لأنفسنا، فرأينا

ص: 127

أعلام مدينة فقصدناها فوجدنا بها أمة من السودان لما رأونا بيضا عجبوا منا واعتقدوا أنا صبغنا جسومنا بالبياض، فحكّوا جلودنا باللّيف، فلما ظهر لهم أنها خلقة بقي كلّ واحد منهم يتعجب ويتحدثون بذلك بعضهم مع بعض، فأقمنا عندهم فوجدنا غالب أكلهم لحوم الثعابين والحيّات، وهي كثيرة في أرضهم جدا يتصيدونها ويأكلون لحومها ليس بأرضهم نبات ولا مرعى، فأقمنا عندهم مدة حتى خرج منهم ناس إلى بلاد مجاورة لهم في بعض أشغالهم فخرجنا معهم ثم تنقلنا من مكان إلى مكان إلى (أن) وصلنا إلى برّ العدوة.

وحدّثني أبو عبد الله بن الصائغ أن الملح معدوم في داخل بلاد السودان، فمن الناس من يغرر ويصل به إلى أناس منهم يبدّلون نظير كلّ صبرة ملح [مثلها]«1» من الذهب، قال:

وحدّثت أنّ من أمم السودان الداخلة بل لا يظهر لهم «2» بل إذا جاؤوا وضعوا الملح ثم غابوا فيضع السودان إزاءه الذهب، فإذا أخذ التجار الذهب أخذوا هم الملح.

وحكى لي عيسى الزواويّ قال:

حدّثت أنّ رجلا دخل بملح، ووصل إلى مدينة من مدن كفّار السّودان (قال) فأهديت إلى ملكها شيئا من الملح فقبله وبعث إليّ (509) بجاريتين من أحسن السّودان صورة، ثم حضرت عنده بعد أيام فقال: بعثنا إليك بتلك الجاريتين فاذبحهما وكلهما لأنّ لحمهما أطيب ما يؤكل عندنا فلأيّ شيء ما ذبحتهما، فقلت: ما يحلّ هذا عندنا، قال: فأيّ شيء تأكل؟ قلت: لحم البقر والغنم، فبعث ببقر وغنم، قال: وحدّثت أيضا أنّ في بلاد هؤلاء السودان جبلا عاليا لا يمكن الصعود إليه، به أنواع من الفواكه والثمار، ولا سبيل لهم إليها إلا بما ألقت إليهم الرياح مما يتساقط من أوراقها وثمارها.

ص: 128

قلت: ولم يذكر هذا عن بلاد الكفار، وإن كان ليس من شرطنا، لكني ذكرته لغرابته وزيادة فائدة، ولأنه يتعلق ببلاد السودان.

وأما ما أقوله فإنّه قد كثر القول عمن يأكل من السودان لحوم الناس، وهم الذين بلادهم متوغلة في غاية الجنوب، ومنهم من الزّنج.

قال الجاحظ في كتاب" البيان والتبيين":

وقد ذكرنا الزّنج وإنهاء ثناياها «1» ، قال «2» : سألت مباركا الزّنجي الفشكار «3» ، فقلت: لم تنزع الزّنج ثناياها؟ ولم [يحدّد (د) ] ناس منهم أسنانهم؟ فقال: أما أصحاب التحديد فللقتال والنّهش، ولأنهم يأكلون لحوم الناس، ومتى حارب ملك ملكا فأخذه قتيلا أو أسيرا [أكله]«4» ، وكذلك إذا حارب بعضهم بعضا أكل الغالب منهم المغلوب، وأما أصحاب [القلع]«5» فإنهم نظروا إلى مقادم أفواه الغنم فكرهوا أن تشبه مقادم أفواههم مقادم أفواه الغنم.

ص: 129