الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(آل مرا)
وأما آل مرا «1» ، فبيت الإمرة فيهم آل أحمد بن حجي، وبقيتهم آل منيخر وأميرهم سعد بن محمد، وآل نمي وأميرهم برجس بن سكال، وآل بقرة وأميرهم علوان بن أبي غراء، وآل شماء وأميرهم عمرو بن واصل، ثم صارت الإمرة في بيتين في آل أحمد (46) فمن بيت نجّاد بن أحمد، قناة بن نجّاد، ومن بيت سليمان بن أحمد [شطيّ]«2» بن عمرو بن توبة بن سليمان، وأحمد هذا هو ابن حجي بن يزيد «3» بن نبل بن مرا بن ربيعة، والإمرة مقسومة بين هذين الأميرين نصفين، ويدخل في إمرتهم من يذكر، وهم: حارثة، والحاص، ولام «4» ، وسعيدة، ومدلج، وفرير، وبنو صخر، وزبيد حوران وهم زبيد صرخد، وقد تقدم ذكرهم «5» ، وبنو غنيّ «6» ، وبنو عزّ، ويأتيهم من عرب البرية آل ظفير، والمفارجة، وآل سلطان، وآل غزّي، وآل برجس، والخرسان وآل المغيرة، وآل بني فضيل «7» ، والزّراق، وبنو حسين الشرفاء، ومطير، وخثعم، وعدوان، وعنزة.
وآل مرا أبطال مناجيد، ورجال صناديد، وأقيال، قل: كونوا من حجارة أو حديد «1» ، لا يعدّ معهم عنترة العبسيّ ولا عرابة الأوسيّ «2» ، إلا أنّ الحظّ لحظ بني عمهم أتمّ مما لحظهم ولم تزل بينهم نوب الحروب، ولهم في أكثرها الغلب، وقد كانت لهم بأحمد ابن حجيّ الأنفة الشّماء، والرتبة التي لا تتطاول إليها السّماء، ثم قتلت بينهم القتلى، وأنزف قوة بأسهم سفك الدّماء، وتشتتت كلمتهم بقسمة الإمرة على أنّه لو لم تقسّم لظلّ بينهم كلّ يوم قتيل، وأخذ بجريرتهم قبيل، لإباء نفوسهم، وعدم انقياد نظير منهم لنظير.
وديارهم من بلاد الجيدور «3» والجولان إلى الزرقاء «4» والضليل «5» إلى بصرى «6» ، ومشرقا إلى الحرّة المعروفة بحرّة كشب «7» قريبة مكة المعظمة إلى شعباء «8» إلى نير ابن مزيد إلى الهضب المعروف بهضب الراقي، وربما طاب لهم البرّ، وامتدّ بهم المرعى أوان خصب الشتاء، فتوسّعوا في الأرض وأطالوا عدد الأيام والليالي حتى تعود مكّة المعظمة وراء ظهورهم، ويكاد سهيل يصير شامهم، و [يصيرون]«9» مستقبلين بوجوههم الشام.
وأما زبيد الغوطة والمرج (47) وقد تقدمت الإشارة إليهم «1» وإمرتهم في بني نوفل، وهم والمشارقة جيران، وليس للمشارقة إمرة، ولكن لهم شيوخ منهم، وأمر هؤلاء وهؤلاء إلى نواب الشام ليس لأحد من أمراء العرب عليهم إمرة.
وديارهم جميعا المرج والغوطة بدمشق إلى لاهة إلى أم أوعال «2» إلى الرّويشدات «3» ، وعليهم الدّرك وحفظ الأطراف، وبهم تم ذكر بني ربيعة.
قال الحمدانيّ، وقد ذكر أعيانهم:
وفي آل ربيعة جماعة كثيرة أعيان لهم مكانة وأبّهة، فأول من رأيت منهم مانع بن حديثة وغنامّ أبو الطاهر على أيام الملك الكامل، ثم حضر الكلّ في هذه الأيام إلى أبواب السلاطين من دولة المعزّ أيبك وإلى أيام المنصور قلاوون، وهم زامل بن عليّ بن حديثة، وأخوه أبو بكر بن عليّ، وأحمد بن حجيّ وأولاده وإخوته، وعيسى بن مهنّا وأولاده وأخوه، وهم رؤساء أكابر (و) سادات العرب ووجوهها، ولهم عند السلاطين حرمة كبيرة، وصيت عظيم إلى رونق في بيوتهم ومنازلهم «4» :(البسيط)
[من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم
…
مثل النجوم التي يسري بها السّاري]
قال الحمدانيّ: إلا أنهم مع بعد صيتهم قليل عددهم، قلت «1» :(الطويل)
تعيّرنا أنّا قليل عديدنا
…
فقلت لها: إنّ الكرام قليل
وما ضرّنا أنّا قليل وجارنا
…
عزيز وجار الأكثرين ذليل
قال المهمندار الحمدانيّ: وقد وفد فرج بن حيّة على المعزّ [أيبك]«2» وأنزلناه بدار الضيافة، وقعد أياما، فجاء مقدار ما وصل إليه من عين وقماش وإقامة له ولمن معه ستة وثلاثين ألف دينار، واجتمع أيام الظاهر جماعة من آل ربيعة وغيرهم فحصل لهم من الضيافة خاصة في المدة اليسيرة أكثر من هذا المقدار، وكلّ ذلك على يدي (48)، قال:
وما يعلم ما خرج على يدي من بيوت الأموال والخزائن والغلال للعرب خاصة إلا الله تعالى مما لا تحصيه إلا بالجهد فسبحان من سخرّ لهم وقسم.
قلت: قد قال الحمدانيّ هذا واستكثره، وأطال في هذا واستعظمه واستكبره، فكيف لو عمّر إلى زماننا، ورأى إليهم إحسان سلطاننا، ورأى العطايا كيف كانت تفيض فيهم فيضا من الذهب العين والدراهم بمئين ألوف، والخلع الأطلس بالأطرزة الزراكش وأنواع القماش الذي يفصّل لملبوسهم بالسّمور والوشق والسّنجاب «3» والبرطاسي والأطرزة [الزّركش]«4» والملمع والباهي، والساذج، والعتّابي من الإسكندري وفاخر المقترح والمصبوغات المجوهرة، والذّهب، وأنواع الزّركش لنسائهم والسّكر المكرّر والأشربة المختلفة بالقناطير المقنطرة، وأحمال الجمال المقطرة إلى ما ينعم به على أعيانهم من الجواري التّرك والخيل للنّتاج،
والفحول للمهائر مع ما يطلق لهم من الأموال الجمة بالشام، ويقطع باسمهم من المدن والبلاد، ويملّك لهم من القرى والضّياع، ويعطى غلمانهم ويجرى من الإقطاعات لهم وللائذين بهم وللمتجوّهين بجاههم، مع المكانة العليّة والشّفاعات المقبولة في استخدام الوظائف وترتيب الرواتب وإقطاع الجند، والإطلاق من السّجون، والرعاية في الغيبة، والحضور، إلى غير ذلك من تجاوز أمثال الكفاية في الإنزال والمضيف لهم ولأتباعهم، منذ خروجهم من بيوتهم وإلى حين عودهم إليها مع مؤاكلة السلطان مدّة إقامتهم بحضرته غداء وعشاء، والدخول عليه في المحافل والخلوات، وملازمته أكثر الأوقات.
وإن وجدت لسانا قائلا فقل: وهم إلى الآن يقلعون بتلك الريح (49) ويستضيئون بتلك المصابيح.
قال الحمدانيّ: ولقد رأيتهم في الوقائع مع من غلب إلا نوبة حمص «1» يعني الكائنة أيام المنصور قلاوون، فإنهم أثّروا أثرا حسنا، وعملوا في التّتار عملا جيدا، وقاتلوا قتالا شديدا، وربما تقدموا الجيش في اللقاء، فكانوا سبب الكرّة، يعني المؤدية إلى النّصرة.
قلت: وحكى لي شيخنا أبو الثّناء محمود أنّه رأى آل مرا حين جاؤوا تلك المرة، قال:
كنت جالسا على سطح باب الإسطبل السّلطانيّ بدمشق، وقد أقبلوا زهاء أربعة آلاف فارس شاكين في السلاح على الخيل المسوّمة، والجياد المطهّمة، وعليهم الكزغندات «2»
الحمر من الأطلس المعدنيّ، والدّيباج الرومي، وعلى رؤوسهم البيض «1» مقلّدين بالسيوف، بأيديهم الرماح كأنهم صقور على صقور، وأمامهم العبيد تميل على الركائب، ويرقصون بتراقص المهاري، وبأيديهم الجنائب التي ظلّت إليهم عيون الملوك صورا، ووراءهم الظعائن والحمول، قال: وكانت معهم مغنية لهم تعرف بالحضرميّة وكانت لها سمعة طائرة في زمانها، ورأيتها سافرة من الهودج وهي تغني «2» :(الطويل)
وكنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة
…
ليالي لاقينا جذام وحميرا
ولما لقينا عصبة تغلبيّة
…
يقودون جردا للمنية ضمّرا
فلما قرعنا النّبع بالنبع بعضه
…
ببعض أبت عيدانه أن تكسّرا
سقيناهم كأسا سقونا بمثلها
…
ولكنّهم كانوا على الموت أصبرا
فقال رجل كان إلى جانبي: هكذا يكون وربّ الكعبة، فكان الأمر كما قال، فإن الكسرة كانت أولا على المسلمين، ثم كانت النّصرة لهم، واستحرّ القتل بالتتار، فسبحان منطق الألسنة، ومصرّف الأقدار، فهو الفاعل لما (50) يشاء، الفاعل المختار.