المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(511) الباب الثاني عشر في مملكة إفريقية - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٤

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌هذا الكتاب

- ‌منهج التحقيق

- ‌1- وصف النسخ المعتمدة

- ‌2- خطة العمل

- ‌3- الرموز المستعملة في التحقيق

- ‌4- المختصرات الخاصة ببعض المؤلفين أصحاب الكتب المفردة وغيرهم

- ‌5- نموذجات مصورة عن النسختين المعتمدتين في التحقيق

- ‌آ- تتمة الجزء الثاني- أحمد الثالث 2797/2

- ‌ب- الجزء الثالث- أحمد الثالث 2797/3

- ‌[تتمة النوع الثانى فى ذكر مماليك الاسلام]

- ‌الباب السابع في مملكة اليمن

- ‌الفصل الأول فيما بيد أولاد رسول

- ‌الفصل الثاني فيما بيد الأشراف

- ‌الباب الثامن في ممالك المسلمين بالحبشة

- ‌الفصل الأول في أوفات

- ‌الفصل الثاني في دوارو

- ‌الفصل الثالث في أرابيني

- ‌الفصل الرابع في هدية

- ‌الفصل الخامس في شرحا

- ‌الفصل السادس في بالي

- ‌الفصل السابع في دارة

- ‌الباب التاسع في ممالك مسلمي السودان على ضفة النيل إلى مصر

- ‌الفصل الأول في الكانم

- ‌الفصل الثاني في النّوبة

- ‌الباب العاشر في مملكة مالي وما معها

- ‌الباب الحادي عشر في مملكة جبال البربر

- ‌(511) الباب الثاني عشر في مملكة إفريقيّة

- ‌الباب الثالث عشر في مملكة برّ العدوة

- ‌الباب الرابع عشر في مملكة الأندلس

- ‌(2) الباب الخامس عشر في ذكر العرب الموجودين في زماننا وأماكنهم

- ‌(توطئة)

- ‌(العرب البائدة)

- ‌(العرب العاربة)

- ‌(بنو حمير بن سبأ)

- ‌(بنو كهلان بن سبأ)

- ‌ الأزد

- ‌(طيئ)

- ‌(مذحج)

- ‌(همدان)

- ‌(كندة)

- ‌(مراد)

- ‌(أنمار)

- ‌(بنو عمرو بن سبأ)

- ‌(بنو الأشعر بن سبأ)

- ‌(بنو عاملة بن سبأ)

- ‌(العرب المستعربة)

- ‌(ذكر النسب النبوي الشريف)

- ‌(طوائف العرب الموجودين في زماننا)

- ‌(عرب الشام)

- ‌(آل ربيعة)

- ‌(آل فضل)

- ‌تتميم

- ‌(آل علي)

- ‌(آل مرا)

- ‌(بقية العرب وديارهم)

- ‌(بنو خالد)

- ‌(بنو كلاب)

- ‌(آل بشّار)

- ‌غزيّة

- ‌(خفاجة وعبادة)

- ‌عربان العذار

- ‌عرب العارض

- ‌عائذ [بني سعيد]

- ‌بنو يزيد

- ‌(المزايدة)

- ‌عقيل

- ‌حرب

- ‌(صليبة العرب)

- ‌(مصر ودمشق)

- ‌عرب مصر

- ‌(بنو طلحة)

- ‌(بنو الزّبير)

- ‌(بنو مخزوم)

- ‌(بنو شيبة)

- ‌(كنانة طلحة)

- ‌(لواثة)

- ‌(عرب الحوف)

- ‌(بنو زيد بن حرام بن جذام)

- ‌(هلبا بعجة بن زيد)

- ‌بنو سليم

- ‌(قبائل العربان من مصر إلى أقصى المغرب)

- ‌(عرب الطرق المسلوكة إلى مكة المكرمة)

- ‌(طريق الركب المصري)

- ‌(طريق الركب الشامي)

- ‌[فهارس الكتاب]

- ‌1- فهرس المصادر والمراجع

- ‌1- المصادر

- ‌2- المراجع

- ‌2- فهرس المحتويات

الفصل: ‌(511) الباب الثاني عشر في مملكة إفريقية

(511) الباب الثاني عشر في مملكة إفريقيّة

ص: 135

(في

مملكة إفريقيّة) هي مملكة عظيمة ولها شهرة عظيمة، صحيحة الهواء، عذبة الماء، وسيعة المدى. كانت في أول منشأ الدولة الفاطمية «1» [مقرّ]«2» ملكهم، طلعت بها شمسهم من المغرب، وظهرت آية المتعجّب، ثم صارت إلى بني باديس «3» ، واستقلوا بأعبائها، وامتدت لهم فيها أيام قضوا بلهنيتها، وبلغوا أمنيتها، ثم كانت في أيام جدود ملوكها الآن «4» ، ذات عزّ

ص: 137

وسلطان، امتدّت بها مهابة الأمير أبي زكريّا «1» ، وادّعى بها ابنه المستنصر «2» الخلافة لما غلب على السبعة ملوك المنازلين له من الفرنج، ولم يخرج بنفسه إلى لقائهم، وإنما اكتفى بإخراج سبعة قواد نازلوهم ونصبوا محلاتهم بإزاء محلاتهم «3» وليس هذا مما نحن بصدده.

وإفريقيّة اسم الإقليم، وقاعدة الملك بها مدينة تونس وأضيف إليها مملكة بجاية ومملكة تدلس «4» يكون طولها خمسة و [ثلاثين]«5» يوما، وعرضها [عشرين]«6» يوما، وطولها من تدلس إلى حدود برقة «7» ، وطرابلس أول مدنها مما يلي برقة، وتدلس آخر مدنها مما يلي الغرب الأوسط.

ص: 138

وحدّها من الجنوب الصحراء الفاصلة بينها وبين بلاد جناوة «1» المسكونة بأمم من السودان، ومن الشرق آخر حدود طرابلس وهي داخلة من المحدود.

ومن الشّمال البحر [الشماليّ]«2» البحر الشاميّ، ومن الغرب آخر حدود تدلس لجزائر بني مزغنّة «3» آخر عمالة صاحب برّ العدوة، وملوكها الآن من بني أبي حفص «4» أحد العشرة أصحاب محمد بن تومرت «5» أصحاب المغرب.

وحدّثني الشيخ العلامة ركن الدين أبو عبد الله محمد بن القويع القرشيّ التونسيّ «6» أنها بلاد خصب تزرع على الأمطار، ومعاملتها من الدراهم (512) نوعان: أحدهما يسمى القديم، والآخر الجديد ووزنهما واحد، ولكن نقد الجديد خالص [الفضة] ، «7» ونقد القديم

ص: 139

مغشوش بالنحاس [للمعاملة] . «1» وإذا قيل: درهم ولم يميز يراد به العتيق، وتفاوت ما بينه وبين الجديد أن كلّ عشرة [دارهم]«2» عتق [بثمانية]«3» [دراهم]«2» جدد، وفي مصطلحهم أنّ كلّ عشرة دراهم من العتق دينار، وهذا الدينار هو دينار مسمى لا حقيقة له كالرائج بإيران والجيشيّ بمصر.

ورطلها ست عشرة أوقية، وزن الأوقية أحد وعشرون درهما من دراهمها، والكيل اثنان:

قفيز وصحفة، فأما القفيز فهو ست عشرة ويبة كلّ ويبة اثنا عشر مدّا قرويا يقارب المدّ النبويّ، وهي ثمانية [أمداد]«2» بالكيل الحفصيّ، والحفصيّ هو كيل قرره ملوكها الحفصيون آباء ملوكها الآن [بقدر مدّ ونصف من المدّ المقدم ذكره]«2» ، وأما الصّحفة فهي عشر صحاف كلّ صحفة اثنا عشر مدّا بالحفصي «4» .

وأوسط الأسعار بها في غالب أوقاتها كلّ قفيز [من القمح]«2» بخمسين درهما من العين، والشعير دون ذلك.

والموجود بها من الحبوب القمح، والشعير، [والحمّص]«2» ، والفول، والعدس، والذّرة، والدّخن، والجلبان، والبسلّة وتسمى بإفريقيّة النسيم «5» ، وأما الأرزّ فمجلوب إليها، وبها

ص: 140

من الفواكه العنب والتين كلاهما على أنواع، والرمان الحلو والمزّ والحامض، والسّفرجل، والتفاح، والكمّثرى، والعنّاب، والزعرور، والخوخ أنواع، والمشمش أنواع، والتوت الأبيض والأسود المسمى بالفرصاد، والعين «1» ، والقراسيا، والزيتون، والأترجّ، والليمون، والليم، والنّارنج، وأما الجوز فقليل، وكذلك النخل، وأما الفستق والبندق فلا يوجد، وكذلك الموز، وبها فاكهة أخرى تسمى مصغ دون الجوزة المقشورة الصغيرة وأكبر من البندقة يجيء في زمان الشتاء، وطعمه بين الحموضة والقبض شبيه بطعم السفرجل، ولونه بين الحمرة والصّفرة وله نوى وهو يقطف من شجر (هـ) فجّا ثم يلبّس ويثقّل ويدفّأ [كما يعمل بالموز فينضج ويؤكل حينئذ]«2» .

(513)

قلت: وهذا ذكره ابن وحشية في كتابه" الفلاحة النبطية".

وأما قصب السكر فيوجد منه ما قلّ بها ولا يعتصر، وبها البطيخ الأصفر على أنواع، والبطيخ الأخضر، ولكنه قليل ويسمى بها خاصة وبالغرب عامة الدلاع، وبها الخيار والقثّاء، وبها اللوبيا، واللّفت والباذنجان والقرنبيط والكرنب والبقلة اليمانية واسمها بليدس «3» ، والرّجلة «4» [والخسّ]«5» ، والهندباء على أنواع وسائر البقول والملوخية ولكنها قليلة وبها الهليون «6»

ص: 141

والصّعتر، والشّمار بريّة كلّها [و] «1» بها الرياحين: الآس، والورد، ومعظمه أبيض، والياسمين، والنّرجس، والنيلوفر الأصفر، والتّرنجان، والمنثور، والمرزنجوش «2» ، والبنفسج، والسّوسن، والزّعفران، والحبق، والنّمام «3» .

وبها من الدوابّ الخيول العراب المشابهة لخيل برقة، والإبل، والبغال، والحمير، والبقر، والغنم، والمعز، وبها الإوزّ ولكن قليل، وأنواع الصيد من الكركيّ ويسمى عندهم الغرنوق، وكذلك الوحش بها الحمر الوحشية، والبقر، والنعام، والغزال وغير ذلك، وغالب سعر لحم الضّأن كلّ رطل إفريقيّ بدرهم عتيق، وبقية اللحوم دونه في القيمة، وفي الربيع يكثر ويرخص غير هذا رخصا كثيرا، والدجاجة الجيدة بدر همين جديدين، وأحوالها مقاربة للديار المصرية في مثل ذلك لقرب المجاورة.

وأما مدنها الكبار، فالقاعدة تونس والمشرقيات على الساحل: سوسة «4» ، والمهدية «5» ،

ص: 142

وصفاقس «1» ، وقصر زياد، وقابس «2» ، والمغربيات على الساحل: بنزرت «3» وبلد العنّاب وهي: بونة «4» ، والقلّ «5» ، وجيجل «6» ، وبجاية، وتازروت «7» ، وآزفون، وتدلس وقبلي تونس إلى الجنوب القيروان «8» ، وجنوبيّها بلاد الجريد «9» وأمّها توزر «10» ، وبقربها

ص: 143

تقيوس «1» ، وهي ثلاث بلاد ذات نخيل وزيتون، وكامة البهاليل بين توزر وتونس على طريق القيروان (و) قفصة «2» ذات نخيل وزيتون، وبغربي توزر على نصف يوم منها نفطة «3» ، وغربي تونس بعيدا من البحر باجة «4» (514) على يومين منها، وبالقرب خولان على نهر بجردة «5» في جنوبيّهما بغربي تونس جامة «6» ، وتبرسق، وكسرة، وبالقرب من ذلك مما يلي الغرب الأربس «7» ، وشقبناريّة، وفي [القرب]«8» منها مما يلي الغرب أبّة «9» ، وهي قصور مجتمعة نحو مئة وخمسين «10» قصرا، وبالقرب منها على

ص: 144

مسيرة يوم قلعة سنان، وهي قصر لا يعرف على وجه الأرض أحصن منه على رأس جبل منقطع عن سائر الجبال [ليس في رأسها ماء إلا المطر بها خمس مراحل نقر في حجر]«1» ، وهو جبل عال يقصر سهم العقّار عن الوصول إليه ويرتقى إليها من سلّم نقر في حجر طوله مئة وتسعون درجة وبأسفلها قصبة بها عين ماء وبها فواكه وثمار.

ومن عمالتها قسنطينة «2» ، وهي بلد (ة) كبيرة متحضرة بها غاية الحصانة والمنعة.

فأما تونس فهي قاعدة الملك وبها مما يليها بجاية قاعدة ملك ثانية، وهي مدينة مسوّرة في وطاءة من الأرض بسفح جبل يعرف بأمّ عمرو، ويستدير بها خندق حصين وثلاثة أرباض كبيرة من جهاتها، وأرضها سباخ «3» ، وبها قصبة وهي القلعة في مصطلح المغاربة هي سكن السلطان، وجميع بناء تونس بالحجر والآجرّ [وأبنيتها]«4» مسقوفة بالأخشاب وتفرش ديار أكابرها بالرّخام، ومنذ خلا الأندلس من أهله وآووا إلى جناح ملوكها مصّروا إقليمها ونوعوا بها الغراس فكثرت متنزّهاتها، وامتدّ بسيط بساتينها على بحيرة من البحر الشاميّ خارجة إلى شرقيّها من فم ضيق.

قال أبو عبيد البكريّ:

دورها أربعة وعشرون ميلا في وسطها جزيرة يقال لها سكلة لا ساكن بها، وربما يركب إليها السلطان ويقطع في المراكب إليها زمان الربيع ويضرب أخبيته بها، ويقيم للتنزّه فيها

ص: 145

أياما ثم يعود، على أنه لا ماء فيها ولا مرعى، ولكن لما تشرف عليه من البساتين المستديرة بتلك البحيرة وما فيها من الجواسق المشرفة ومنظر البحر.

وبتونس ثلاث مدارس: السماعية، والمعرضية، ومدرسة الهواء.

وبها الحمامات والأسواق (515) الجليلة، ويعمل بها القماش الإفريقيّ وهو ثياب رفاع من القطن والكتّان معا، ومن الكتّان وحده، وثيابها أمتع من النصافي البغدادي وأحسن، وهو أجلّ كساوي المغرب، وللسلطان بستانان أحدهما ملاصق (أ) رباض البلد اسمه رأس الطابية، والآخر بعيد من البساتين اسمه أبو فهر بينه وبين البلد نحو ثلاثة أميال، والماء مساق إليهما من ساقية زغوان من جبل «1» بعده يومان من تونس، ويدخل القصبة منه فرع وليس لأهل تونس شرب إلا من الآبار أشهرها بئر طبيان، وبالبيوت صهاريج تجمع مياه الأمطار لغسل القماش وغير ذلك.

وأما بجاية «2» فهي مدينة قديمة مسوّرة «3» أضيف إلى جانبها [ربض]«4» أدير على سور ضامّ لنطاق المدينة فصارا به كالشيء الواحد، والرّبض في وطاءة، والمدينة القديمة المتصلة به في سفح جبل «5» يدخل إليها جون من البحر الشاميّ يعبر بالمراكب إليها، وبها عينان اثنتان من الماء إحداهما كبيرة منها شرب أهل البلد، ولها نهر جار على نحو ميلين منها تحفّ به البساتين ليس إلا أن يصبّ في البحر الشاميّ، وبضفتيه بستانان للسلطان

ص: 146

متقابلان شرقا وغربا، الشرقيّ يسمى الرفيع «1» ، ويسمى الغربيّ البديع هما مكان فرجته، ومحلّ نزهته، وفيهما يقول محمد بن محمد المكوديّ القابسيّ بديها حين رآهما:

(الكامل)

هذا البديع كما رأيت بديع

وكذا الرفيع كما عهدت رفيع

هذي معاهد كلّها معشوقة

والحسن فيها كلّه مجموع

وهي ثانية تونس في الرتبة والحال، وجميع المعاملات والموجودات والأحوال.

ولبجاية حصانة عظيمة ومنعة، ولها رفق كثير بمدخل السفن إليها من البحر.

وبقية مدن إفريقيّة جميعها ممنّعة ممدنة ذوات جوامع ومساجد وحمامات وطواحين وأسواق وديارات سريّة لكنها عاطلة من حلي البرّ والمعروف لا يكاد يوجد بها مدرسة ولا خانقاه ولا زاوية ولا رباط (516) ولا مارستان إلا فاس ومرّاكش وإن لم يبلغا أدنى رتب أمثالهما، ولا تعلّقا بأذيالهما على أنّ الذي بمرّاكش أجود وسيأتي ذكرهما في موضعه.

وحدّثني أقضى القضاة أبو الروح عيسى الزواويّ أن أبواب ملوك إفريقيّة كبيرة فإذا جلس سلطانها جلس حوله ثلاثة للرأي والمشورة، ويجلس دونهم عشرة من أكابر أشياخه، وقد يكون هؤلاء الثلاثة من العشرة المذكورين، وبعد هؤلاء خمسون نفرا «2» فإذا أمر السلطان بأمر بلّغه وزير الجند لآخر واقف وراءه، وبلّغه الآخر الآخر، وبلّغه الآخر لآخر إلى أن يسمع الأمر السلطانيّ من خارج الباب بنقل أناس [عن ناس]«3» كما ذكرنا.

ص: 147

ويقف جماعة تسمى الوقافين بأيديهم السيوف حوله وهم دون الخمسين المذكورين في الرتبة.

وأما ركوبه إلى صلاة العيدين أو إلى سفر فهو على ما يذكر يركب السلطان ويمشي إلى جانبه رجلان مقلّدان سيفين رجّالة إلى جانبه يمسك أحدهما بركابه اليمين والآخر بركابه اليسار، ويليهما جماعة رجّالة من أكابر دولته مثل الثلاثة أصحاب الرأي والعشرة الذين يلونهم ومن يجري هذا المجرى من أعيان الجند، وتسمى هذه الجماعة ايربان يمشون حوله بالسيوف، وبأيديهم عكاكيز.

قال الزواويّ:

وربما مشى في هؤلاء قاضي الجماعة، وهو عندهم قاضي القضاة، وقدام هؤلاء الجماعة المشائين نفر كثير من الموجودين (من) أقارب السلطان بسيوف ومزاريق ويسمون بالمشاين «1» ، وقدامهم جماعة جفاوة «2» [وهم عبيد سود بأيديهم حراب في رؤوسها رايات من حرير وهم لابسون جبابا بيضا مقلّدون بالسيوف] »

، وقدامهم عبيد المخزن، وهو اسم لعوام البلد ينادى فيهم ليلة العيد أو ركوب السلطان لسفر فيخرج أهل كلّ صناعة ويبيت بظاهر البلد، فإذا أصبح مشوا قدام كفاوة وبأيديهم الدّرق والسيوف، ومعهم العلم الأبيض المسمى عندهم" العلم المنصور"[محمول]«4» بيد فارس وأهل الأسواق (517)[المسمّون]«5» بعبيد المخزن وحوله كما ذكرنا.

ص: 148

وعلى يمين السلطان فارس وعلى يساره فارس هما من أكابر أشياخه من العشرة المقدّم ذكرهم.

وخلف السلطان فارس إليه أمور الأعلام والصّناجق يقال له صاحب العلامات مثل أمير علم، ووراءه أعلام القبائل، ولكلّ قبيلة في علمها ما تمتاز به من الكتابة، والكتابة مثل: لا إله إلا الله، أو الملك لله أو ما يناسبهما، ووراء الأعلام الطبول والبوقات وأصحاب النفير، وخلفهم فرسان يعرفون بمحركي الساقة بأيديهم عصيّ يرتّبون الناس، وهؤلاء هم بمنزلة النقباء.

وخلف هؤلاء العسكر والجند، والفارس الذي على يمين السلطان إليه أمر دقّ الطبول، يقول: دقّ فلان باسم كبير الطبالة.

ويخرج السلطان لصلاة العيدين من طريق، ويعود من أخرى، وهذا هو زيّ ملوك هذه المملكة وترتيبهم في الخروج للعيدين والأسفار، ولا يزال من حول السلطان ممن ذكرنا أنهم يمشون بقدر ساعة ثم يركبون و [يطوف]«1» بالسلطان جماعة يقرءون حزبا من القرآن الكريم، ثم يقف السلطان ويدعو ويؤمن الجند على دعائه، ويؤمن الناس على تأمينه، ويجدّ السلطان والناس السير فإذا كانوا في فضاء كان مشيهم على هذا الترتيب [وإن ضاق بهم الطريق مشوا كيف جاء على غير ترتيب]«2» إلا أنّ السلطان لا يتقدم عليه جنده، فإذا قربوا من المنزلة وقف السلطان ودعا وأمّن على دعائه كما تقدم.

وأعلام هذا السلطان الذي تحمل له سبعة أعلام التي تحمل وراءه الأوسط أبيض وإلى جانبه أحمر وأصفر وأخضر.

ص: 149

قال العلامة أبو عبد الله محمد بن القويع: ولا أتحقق كيف ترتيبها.

وقد ذكر ابن سعيد أن شعار سلطان إفريقيّة يوم الجمعة لا يجتمع بأحد بل يخرج عندما ينادي المنادي [بالصلاة]«1» ويشقّ رحبة قصره ما بين خواص من المماليك الأتراك، فعندما يعاينونه ينادون: سلام عليكم نداء عاليا من صوت واحد يسمعه من يكون بالمسجد الجامع، ثم يتقدمه وزير الجند بين يديه في ساباط «2» يخرج هناك للجامع (518) عليه باب مذهب سلطاني، والوزير لا يخرج معه من هذا الباب بل يسبق فيفتح الباب، ويخرج السلطان منه وحده، ويقوم له جماعة الوقافين من أعيان الدولة، ولا يقوم له في الجامع غيرهم، وليس له مقصورة مخصوصة، فإذا انفصل عن الصلاة قعد في قبة كبيرة له في صدر الرحبة، وحضر عنده أقاربه ثم يدخل قصره.

قال: وربما خرج إلى بستان له من أعظم ما تهمّمت ببنيانه الملوك، واحتفلت بغرسه السلاطين، ويخرج في نحو مئتي فارس من شباب أرباب دولته يعرفون بالصّبيان يوصلونه إلى البستان ويرجعون، ويبقى وزراؤه نوابا له وهم ثلاثة: وزير الجند، وهو بمنزلة الحاجب بمصر، ووزير المال وهو المسمّى صاحب الأشغال، ووزير الفضل وهو كاتب السرّ، ومهما تجدّد عند كلّ واحد منهم أمر يطالعه بالمكاتبات فيما يتعلق بشغله المنوط به، ويجاوبهم بما يراه.

قلت: وركوبه إلى البستان في زقاق من قصبته إلى البستان محجوب بالحيطان لا يراه فيه أحد، والمشهور أنّ سلطانها الآن قليل الرّكوب، فإذا ركب إلى البستان لا يكون معه إلا جواريه وخدمه.

ص: 150

قال [ابن]«1» سعيد:

ويوم السبت مخصوص عنده لأن يقعد في القبة الكبيرة، يعني بقصبته ويحضر عنده أعيان دولته وأقاربه والأشياخ، والجانب الأيمن لأقاربه والأيسر للأشياخ، وبين يديه وزير الجند ووزير المال وصاحب الشرطة والمحتسب وصاحب كتب المظالم، قلت: هو الموقع على القصص، قال:

ويقرأ- يعني قصص المظالم- الكاتب المعين بما وقع إليه، ويردّ إلى وظيفة القصّة المتعلقة بوظيفته وينفّذ الباقي «2» .

قلت: والمشهور على ألسنة التونسيين أنّ سلطانهم الآن كثير الاحتجاب بخلاف جميع سلفه، قليل الاعتناء بالنظر في مصالح أهل دولته ورعاياه، مقتصر على لذاته مع ما هو عليه من الشجاعة والإقدام وإباء النفس، ويحكى عنه في أوائل طلبه للملك ومنازعته الثوار عليه ما أقرت له به الأبطال، وقرت بزلزلته الجبال، ويدلّ على قوله فعله، وعلى فعله (519) قوله «3» :(البسيط)

انظر إلينا ترانا «4» ما بنا دهش «5»

وكيف يطرق أسد الغابة الدّهش

ص: 151

لا تعرف الحادث المرهوب أنفسنا

فإنّنا بارتكاب الموت ننتعش

من كفّ ظبي سقاني من مدامته

لنرتوي عطشا فازداد بي العطش

كأنّ وجنتها من حمرة شفق

وشعرها غسق بالجسم مفترش

فالقوس حاجبها والسّهم مقلتها

وإن فررت فإنّ السالف الخلس «1»

فانظر ما نطق به أول هذه الأبيات من إقدامه ثم ما جذبته إليه دواعي النفس من ذكر حبيبه ومدامه.

وأما ما هو ممحض بوصف شجاعته وجلده فهو قوله «2» : (الطويل)

وأزماننا لم تعد عنها «3» الغرائب

مواطننا في دهرهنّ عجائب

مواطن لم تحك التواريخ مثلها

ولا حدّثت عنها الليالي الذواهب

وأدلّ ما فيها على فعله قوله في الاعتذار عن هزيمة لاقى بها كلّ عظيمة: (الطويل)

ومن قاتل الصفّين وامتاز مانعا

وقد نهلت منه الظّبى وهو غالب

قال هذه الأبيات التي هي من قصيدة طويلة عقيب وقعة جرت بينه وبين قواد السلطان أبي تاشفين عبد الرحمن «4» صاحب تلمسان قريب قلعة سنان، وثبت لملاقاة عدوّه ثباتا

ص: 152

كثيرا، وقد انهزم كلّ جنده حتى جرح ثلاث جراحات، وأخذ له ولدان «1» من أولاده وحظا (يا) هـ فقال هذه الأبيات، ومدح في آخرها سلطان المغرب «2» وذكر فيها بعثه ولده أبا زكريا «3» في البحر لاستنجاده فمدّ له ساعدا، وسدّد لأعدائه سهما قاصدا «2» ولما أخذت أولاده صبا إليهم واشتاقهم وقال يتسلى بعدهم وفراقهم «4» :(الطويل)

طمت في دموعي للفراق بحور

وأجّج ما بين الضلوع سعير

وفارقت قلبي يوم فارقت صبيتي

فلله أحياء خلت وقصور

وقلت له يا قلب صبرا فقال لي

حنانيك إني نحوهنّ أسير

(520)

عسى الله يدني للمحبين أوبة

فتشفى قلوب منهم وصدور

وكم من قصيّ الدار أمسى بحزنه

فأعقبه عند الصباح سرور

ثم لجأ إلى بلد العنّاب، ثم إلى بجاية وبعث ولده كما ذكر إلى أبي سعيد عثمان والد سلطانها الآن يستصرخ به فطلع إلى قريب تلمسان لنصرته، ثم ردّ لمرض عرض له، وأوصى

ص: 153

ولده السلطان أبا الحسن الآتي ذكره في ذكر برّ العدوة بإتمام ما بدأ به من نجدتهم، ثم إنّ صاحب إفريقّة بعث الشيخ العارف أبا الهادي إلى صاحب تلمسان فأعاد عليه ابنيه أحمد «1» وعمر «2» ومربيته لاعب، وأما الحظايا فأبت له نفسه استردادهن، وهذه الواقعة من الأسباب في أخذ صاحب برّ العدوة لتلمسان، وسيأتي هذا في مكانه «3» ، وهذه فائدة جاءت عرضا في هذا التأليف وإن لم تكن من شأنه.

ونعود إلى ما كنا فيه من ذكر قصص الظّلامات، قال ابن سعيد:

والذي يتولى إبلاغ الظّلامات إلى هذا السلطان يسمى صاحب الرقاعات يأخذ براءات المتظلمين أي قصصهم ويعرضها ويخرج بجوابها، قلت: وهذا بمثابة الدّوادار «4» .

قال ابن سعيد في" المغرب"، وقال العلامة أبو عبد الله بن القويع: فيما حدّثني به أنّ هذا السلطان لا يعلّم على شيء يكتب وإنما يعلّم عنه صاحب العلامة الكبرى، قال ابن القويع:

وفي الغالب يكون صاحب العلامة الكبرى كاتب السرّ، وهذا في الأمور الكبار

ص: 154

والعلامة: الحمد لله والشّكر لله، وأما مادون هذا فإنما تكون الكتابة فيه عن وزير الجند يكتب عليه صاحب العلامة الصغرى اسم وزير الجند، ومن خاصة كتب هذا السلطان أن يكتب في ورق أصفر، وأما ما يكتب عن وزير الجند ففي غير الأصفر، ومن عادة المغاربة كلّهم أن لا تطول كتبهم ولا تبعد بين سطورهم كما جرت بها العادة في مصر والشام وإيران.

وسألت الإمام أبا عبد الله بن القويع عن طبقات الجند في هذه المملكة ومبلغ أرزاقهم في ديوانه، فقال:

هؤلاء على ما قرّره لهم المهديّ يعني مهديّهم محمد بن تومرت، هكذا (521) كان عبد المؤمن «1» وأبناؤه لما كان لهم المغرب ليس لهم أمراء ولا أتباع يطلب بعدتهم كعدة الأمراء بمصر، وإنما لهم أشياخ من أعيانهم لا عدة لهم ولا جند ولا المرء منهم إلا بنفسه، وإنما هم أعيان الجماعة ممن يحضر عند سلطانهم الرأي والمشورة.

قلت: وقد تقدم القول عليهم، قال: ولكلّ طائفة مزوار، وهو كبير لهم يتولى النظر في أحوالهم، وأمّا الجند فهم من الموحّدين والأندلسيين ومن قبائل العرب، وقليل ممن هرب وأقام عندهم من مصر، والفرنج هم خاصة السلطان، يقال لهم العلوج لا يطمئنّ إلا إليهم.

ص: 155

وأما أرزاقهم فإنّ أعظم بركاتهم يعني أرزاقهم التي بمعنى الإقطاعات بمصر [وهو الجماعة الموحدين والسلطان يأخذ معهم كواحد معهم سواء بسواء]«1» وهذه البركات تفرّق أربع مرات في كلّ سنة، في عيد الفطر تفرقة، وفي عيد الأضحى تفرقة، وفي ربيع الأول المبارك تفرقة، وفي رجب تفرقة، ولا يصيب كلّ واحد من الموحدين في كل تفرقة من هذه التفريقات الأربع إلا أربعون دينارا المسماة فتكون بثلاث مئة درهم عتيقة، ولأكابر هؤلاء مع هذه التفرقات أراض مطلقة تحرث وتزرع لهم، أو تحكر ويكون لهم عشر ما يطلع منها.

قال القاضي أبو القاسم بن بنون:

طبقات الجند بإفريقيّة أشياخ كبار، وأشياخ صغار، ثم الوقّافون، ثم عامة الجند، فأما البركات فهي ما ذكروا، وأما مقدار ما لكلّ واحد فحرث عشرة أزواج بقرا، والزوج هو محرث أربع من البقر لأن الزوج بشعبتين، والشعبة رأسان من البقر.

قلت: وهذه الشعبة هي المسماة في بلد دمشق بالفدان فتكون جملة ما لكلّ واحد من أهل هذه الطبقة العالية في كلّ سنة مئة و [عشرين]«2» دينارا مسماة عنها ألف ومئتا درهم مغربية عنها من تفصيل مصر والشام ستّ مئة وخمسة وسبعون درهما «3» ، وما يتحصل من مغلّ [عشرين]«4» فدانا لعلّه لا يكون بأكثر من مثلها، فيكون تقدير جملة ما لهذا الرجل الكبير في الدولة في كلّ سنة (522)[ألفا]«5» وثلاث مئة وعشرة دراهم

ص: 156

[نقرة]«1» ، وهذا بمنزلة أحد الأمراء الألوف «2» بمصر والشام والنوين أمير التومان «3» بإيران، قال:

وأما الأشياخ الصغار [لهم]«4» مع ذلك البركات لكلّ [واحد منهم]«1» محرث خمسة أزواج من البقر، قال: ولعامة الأشياخ الكبار والصغار والوقّافين والجند شيء آخر يفرقه السلطان عليهم يسمى المواساة، وشيء آخر يسمى الإحسان، فأما المواساة فهي غلة تفرّق عليهم عند تحصيل الغلات التي تتحصل في المخازن، وأما الإحسان فمبلغ يفرّق عليهم، وكلاهما من السنة إلى السنة، قال: وهذه الإحسان والمواساة «5» ، ليست بمضبوطة بقدر مخصوص بل على قدر ما يراه السلطان، وبحسب أقدار الناس، وإنما هو شيء

«6» الجميع ويتفاوت مقدار العطايا بينهم، قال: وأما القبائل ومزاويرهم فمما يناسب هذا، ولكني لا أحرره.

قال ابن القويع:

والجند الغرباء يتميزون في العطيات على الموحّدين، وسألته عن حقيقة معنى الوقّافين ما هم، فقال: هؤلاء لهم خاصّية بالسّلطان يسكنون معه في القصبة يعني القلعة، وهم

ص: 157

طبقتان: [وقّافون كبار و]«1» وقّافون صغار وهؤلاء كلّهم يقفون بين يديه في أوقات جلوسه إذا جلس للناس، وهم بمنزلة الأمراء الخاصكيّة «2» بمصر.

وقال لي القاضي أبو القاسم بن بنون:

إنّ سلاطين إفريقيّة ليس يخلعون على من يولّونه وظيفة مثل ما يعمل في مصر، وإنما إذا أرادوا أن يخلعوا على أحد لأمر ما يكسونه، والكسوة [هي]«3» قماش يعطى للإنسان تفاصيل غير مفصلة يتصرف بها كيف أراد.

وسألت الإمام أبا عبد الله بن القويع عن أرزاق القضاة والوزراء والكتاب، فقال: ليست بطائلة، وأما وزير الجند فهو مثل واحد من الأشياخ.

قال ابن بنون:

ومبلغ ما لقاضي الجماعة فهو خمسة عشر دينارا مسماة في كلّ شهر، وكان له معها عليق لبغلته، فقطع العليق، وما أعرف غير هذا وعلى هذا فقس.

[وسألت]«4» (523) ابن القويع عن أرباب الوظائف ما هم؟ فقال:

شيخ الموحّدين كأنّه نائب [السلطان]«5» ، ويسمّى الشيخ المعظّم، وهو يتولى عرض الموحّدين وأمورهم.

ص: 158

وأما الوزير فليس له كثير أمر ولا وضع ولا لسائر الوظائف إلا الأسماء، قال أبو عبد الله بن القويع:

وعدّة العسكر لعلّها لا تبلغ عشرة آلاف فارس، وأمّا العرب أهل البادية فعدد جم، ولهم إقطاعات كثيرة، وشوكتهم قوية، ومنهم من يخرج مع السلطان إذا استدعاهم القائم بسلطنتها الآن، فأما [من]«1» قبله [فقلما]«2» كان يسكن شغبهم، أو يسكن أبيهم لانتظام أمر هذا السلطان وما طبع عليه من الشجاعة، ولاعتقاده بالسلطان أبي الحسن المرينيّ صاحب برّ العدوة منذ تزوج بنته «3» أبو الحسن فثبت بنيانه، ونفذ أمر سلطانه، وسيأتي ذكره في موضعه بما فيه دلالة.

وأما زيّ صاحب إفريقيّة القائم الآن في لبسه فهو عمامة ليست بمفرطة في الكبر بحنك وعذبة صغيرة وجباب، ولا يلبس هو ولا عامة أشياخه وجنده خفا إلا في السّفر، وغالب لبسه ولبس أكابر أشياخه من قماش يسمى السّفساري يعمل عندهم من حرير وقطن أو حرير وصوف إما أبيض أو أحمر أو أخضر، وقماش يعرف بالحريري وهو صوف رفيع جدا، وقماش يعرف بالتلمساني مما يعمل بتلمسان، وهو نوعان: مختّم وغير مختّم، منها صوف خالص، ومنها صوف وحرير.

قال ابن بنون:

والسلطان يمتاز بلبس الخزّ ولونه لون الخضرة والسواد، قال: وهذا اللون هو المسمى بالجوزي وبالغبار وبالنفطي.

ص: 159

قال ابن سعيد:

وهو مما يخرج من البحر بصفاقس المغرب، وأنا رأيته كيف يخرج، يغوص الغواصون في البحر فيخرجون كمائم [شبيهة]«1» بالبصل بأعناق في أعلاها زوبرة فتنشر في الشمس فتنفتح تلك الكمائم الشبيهة بالبصل عن وبر فيسمط ويخرج صفوه ويغزل ويعمل منه طعمة لقيام حرير وينسج منه ثياب مختّمة وغير مختّمة، وهو أفخر ثياب السلطنة بتونس، ويبلغ ثمن الثوب مئتي دينار من دنانيرهم (524) المسمّاة فيكون ثمن الثوب ألف درهم من نقد مصر والشام.

قلت: وقد رأيت من هذا القماش على بعض أكابر الكتّاب بدمشق، ثم رأيته على بعض سفلة الكتّاب بمصر، وهو المسمّى بمصر والشام بوبر السّمك.

وأما لبس الأشياخ والدّواوين والوقّافين والجند والقضاة والوزراء والكتاب وعامة الناس فعلى زي واحد، لا يكاد يتفاوت العمائم والجباب، ولا يمتاز الأشياخ والوقّافون والجند إلا بشيء واحد لا يكاد يظهر ولا يبين وهو صغر العمائم وضيق القماش.

ولباس أهل إفريقيّة من الجوخ ومن الثياب الصوف ومن الأكسية، ومن الثياب القطن فمن لبس غير هذا «2» مما يجلب من طرائف الإسكندرية والعراق كان نادرا شاذا.

قلت: وقد ذكر ابن سعيد في" المغرب" جملة من ترتيب سلاطين إفريقيّة زمان [سلطانها]«3» عبد الواحد بن أبي حفص «4» مما أذكره هنا لأنّه ليس بالعهد من قدم،

ص: 160

والسلطان القائم الآن من أبناء ذلك السلطان، ولو تغيرت الأحوال ما تغيرت [وزالت]«1» بالجملة، فلهذا نذكر ما ذكره ابن سعيد، قال:- وقد ذكر عبد الواحد بن أبي حفص- ما معناه: أنه كان يجلس في يوم السبت لمطالعة ما يقرأ عليه من قصص المتظلمين والسائلين حتى من شكا إليه الغربة سأل عنه، فإن كان مشكور السيرة أطلق له الصّداق وأجرى عليه رزقا.

وذكر في ترجمة ولده أبي زكريا بن عبد الواحد أنّه يلبس الثياب الصوف الرفيعة ذوات الألوان البديعة، وأكثر ما يلبس المختّم الممتزج من الحرير والصوف، وكمّاه طويلان من غير كثرة طول، ضيّقان من غير أن [يكونا مزنّرين]«2» ، وثيابه دون شدّ نطاق إلا أن يكون في الحرب، فإنّه يشدّ المنطقة، ويلبس الأقبية، وله طيلسان «3» من صوف في غاية اللّطافة كأنّه شرب يتردى به، ولا يضعه على رأسه، وله عمامة كبيرة من صوف أو كتان، وفيها طراز من حرير، ولا يعمم أحد من أهل دولته على قدرها في الكبر، قد اختصت (به) وبأقاربه، وليس له أخفاف في الحاضرة (525) ولكنّه يلبسها في السّفر، وله عذبة خلف أذنه اليسرى، وهذه العذبة مخصوصة به وبأقاربه، وجنده مختلفو الأجناس، فمنه الموحّدون الذين أسّسوا له دولة يعني من أصحاب مهديّهم ابن تومرت، قال:

ومن قبائل زناتة «4» المنضافين إليهم أصناف مشهورون بالفروسية وجموع من الغزّ «5» .

ص: 161

القدماء الذين هاجروا إلى المغرب في مدة بني عبد المؤمن، ونحو ألف فارس من المماليك الترك ابتيعوا له من مصر، وجميع الجموع من الأندلس والغرب.

وقاعدته في مدينة مملكته يعني تونس أنه يخرج با (كر) كلّ يوم إلى موضع يعرف بالمدرسة، ويبعث خادما صغيرا يستدعي وزير الجند من موضعه المعين له فيدخل عليه رافعا صوته ب" سلام عليكم" من بعد من غير أن يومئ برأسه، ولا يقوم له السلطان، ويجلس بين يديه، ويسأله السلطان عما يتعلق بأمور الجند والحروب، ثم يأمره باستدعاء من يريد من أشياخ الجند أو العرب، أو من له تعلق بوزير الجند، ثم يأمر باستدعاء وزير المال وهو المعروف بصاحب الأشغال فيأتي معه ويسلمان جميعا من بعد على السلطان، وإن كان قد تقدم سلام وزير الجند ولكنّه عادة الدخول إليه، فيتقدم وزير المال إلى بين [يديّ]«1» السلطان، ويتأخر وزير الجند إلى مكان لا يسمع فيه حديثهما، ثم يخرج وزير المال، ويستدعي من يتعلق به، ثم يحضر صاحب الطعام بطعام الجند ويعرضه على وزيرهم لئلا يكون فيه تقصير، ثم يقوم السلطان من المدرسة إلى موضع مخصوص، ويستدعي وزير الفضل يعني كاتب السرّ، ويسأله عن الكتب الواردة من البلاد وعما تحتاج إليه خزانة الكتب، وعما تجدّد في الحضرة وفي البلاد مما يتعلق بأرباب العلم وسائر فنون الفضل والقضاة، ويأمره باستدعاء من يخصّه من الكتاب ويملي عليهم وزير الفضل ما أمر بكتابته ويعلّم عليه وزير الفضل بخطّه، والعلامة هي أن يكتب بعد بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على نبيّه محمد وآله اسم السلطان (526) . وفي ذلك المجلس يستدعي السلطان من شاء من العلماء والفضلاء ويتحاضرون محاضرة خفيفة، وإن كان وزير الفضل قد رفع قصيدة لشاعر وافد أو مرتب في معنى استجدّ أمر السلطان بقراءتها عليه إن لم يأمر بحضور الشاعر، وينشدها قائما أو قاعدا على ما يؤهل له، ويتكلم السلطان مع وزير الفضل ومن يحضر في ذلك، ويوقع على كلّ قصيدة بما يراه.

ص: 162

قال ابن سعيد:

وقواعد الشعراء أن ينشدوا بين يديه في الأعياد والخروج إلى الأسفار أو القدوم منها.

قلت: ومواضع مما ذكره ابن سعيد قد تقدم شيء منه، وإنما ذكرناه هنا لاتصاله شيئا بشيء، وليؤكد بعضه بعضا، وليعلم في بعض ما بينهما مقدار التّفاوت مما تغيّر مع قرب الزمان واقتفاء الولد لآثار الوالد، وكيف يكون مقدار التفاوت فيما يغيّر بدخول دول الأعداء بعد الأعداء وبعد الزمان.

قلت: وهؤلاء ملوك الموحدين لم يزالوا منذ ملكوا ممد (و) حين تصغي إلى المديح مسامعهم، وتهتزّ به أنديتهم ومجامعهم، ومنهم من له النظم الفائق والنثر الفائت، ولأهل إفريقيّة لطف أخلاق وشمائل بالنسبة إلى أهل برّ العدوة وسائر بلاد المغرب، وما ذاك إلا بمجاورتهم لمصر وقربهم من أهلها ومخالطتهم لهم ولمن سكنها من أهل إشبيلية «1» ، وهم من هم خفة روح وحلاوة نادرة، وهم على كلّ حال أهل انطباع وكرم طباع، وسأذكر لهم عنوان قولهم.

وأما اتصال الأخبار بين السلطان ونوابه، فإنّه إذا كتب الكتاب يجهّز مع من يقع الاختيار على تجهيزه من نوع النقباء أو الوصفان، وهم عبيد السلطان، ويركب ذلك المجهّز على بغل إما أن يكون ملكا له، أو يستعيره من أصحابه، ويسافر عليه إلى الجهة المجهّز إليها، فإذا أعيا بغله في مكان تركه عند الوالي بذلك المكان، وأخذ منه بغلا عوضه يعيره الوالي له، أو يسخره من الرعايا لركوبه إلى أن يبلغ جهة قصده إلى أن يعود، ووالي المدينة هو المسمى عندهم بالحافظ والمحتسب (527) بها، فإذا تجدّد عندهم أمر أعلموا به وزير الجند.

ص: 163

ومن عجائب إفريقيّة ما حدّثني به القاضي أبو الروح عيسى الزواويّ وأبو عبد الله السّلالجيّ [قالا]«1» :

إن بين توزر قاعدة بلاد الجريد وبين بشترى «2» من بلاد نفزاوة «3» سبخة عظيمة آخذة في الجنوب إلى الصحراء المجهولة المسالك، (و) في وسط هذه السّبخة مع طرفها الشّمالي طريق سالكة للمارة يسلكها من يطلب السرعة لقريب مداها مع المخاطرة في سلوكها، لأنها طريق قليلة العرض، ضربها الله طريقا يبسا في وسط تلك السّبخة، من خرجت رجله عنها ولو قيد شبر واحد نزلت به قدمه، وهوى في تلك السّبخة وغاص فيها إلى أن يذهب، فلا يبين له أثر، ولا يعرف له خبر، ورفيقه إلى جانبه يراه وهو نازل ولا يقدر (أن) ينفعه بشيء، ولا (أن) يمدّ يده إليه خوفا أن يغوص معه، وهي مهلك عظيم، سباخ من ملح لا ماء [فيها] «4» كم خرج فيها عن تلك الجادة إنسان وفرس وجمل فهلك. قالا:

وعلى جنبتي هذه الطريق أعلام منصوبة من الخشب يمنة ويسرة، والطريق بينهما، ولولاها لهلكت المارة من الجهال بها.

قال السّلالجيّ:

وسمعت أنّ هذه الأعلام نصبها هناك أبو إبراهيم إسحاق بن غانية الميورقيّ «5» الثائر على

ص: 164

الموحّدين بإفريقيّة.

وقال لي الزواويّ:

وفي هذه الطريق ضرر آخر على السفّار، وهو أنّه أيّ من وضع إناء ماء حلو على الأرض صار مرا زعاقا لوقته وساعته، و [إذا]«1» احتاج المسافر في ذلك الطريق أن يضع إناءه يعمل تحته شيئا يحول بينه وبين الأرض، قال: وطول هذه المسافة أكثر من نصف نهار، مقداره من الطريق الأخرى السالكة في العمران يوم وليلة، قال الزواويّ:

وفي وسط هذه الطريق الآخذه في السّبخة فرجة يستريح فيها بالقعود السفّار، قال: وأنا سلكتها، ورأيت هذا كلّه بالمشاهدة والعيان.

قال السّلالجيّ:

نحن جئنا إلى أطراف هذه السّبخة، ولم ندخلها خوفا منها.

(528)

قال الزواويّ:

والمشهور بين أهل تلك البلاد كلّها أنّ الصحراء التي في جنوب هذه السّبخة ما سلكت ولا تسلك، ولا يقدر أحد على سلوكها.

وحكى لي السّلالجيّ أنّ أهل الجريد يتحدثون فيما بينهم أن رفقة كبيرة وقع أهلها في هذه السّبخة فلم يطلع أحد منهم، ولا عاد منهم ولا عنهم مخبر.

قال أبو عبد الله السلالجيّ:

ووقفت في تونس على شرح القصيدة الشّقراطسية «2» الشهيرة البديعة وتخميسها،

ص: 165

وشارحها القاضي الإمام أبو عبد الله محمد بن عليّ التوزريّ المصريّ «1» ، ورأيته قد تكلم في أوائلها عند ذكر ناظم هذه القصيدة، وتعرضه لموطنه ومسقط رأسه وهي شقراطس، وهي- غالب ظني على ما ذكر- من إقليم الجريد، ثم آخر كلامه إلى ذكر توزر، ومدحها وأثنى عليها، وذكر هذه السّبخة والصحراء التي تليها، وقال: إنّ مدينة النحاس بها مما يلي هذه السّبخة.

قال السلالجيّ: وقفت على أول مجلدة من هذا الشرح، وهو يكون في أربع مجلدات كبار بمدينة تونس استعرته من بعض فضلاء أهل توزر لمطالعته، وشارح هذه القصيدة ناقل الحكاية أيضا، وهو مشهور ثقة مأمون معروف من أهل العلم المشاركين في كلّ علم، وله تصانيف كثيرة في الفقه والأدب.

قلت: وهذه القصيدة الشّقراطسيّة في المديح الشريف النبويّ زاده الله شرفا، وأولها:

(البسيط)

الحمد لله منا باعث الرسل

هدى بأحمد منا أحمد السّبل

ص: 166