الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
هذا كتابٌ شرعت في تأليفه منذ عشرة أعوام، وكنت أُقيم في القاهرة، وما أن استجمعت له في نفسي ومن حولي العناصر الضروريَّة لإتمامه، حتى أوقفني ظرف مفاجئ، لا مجال لروايته هنا خاصة في مقدمة كتاب. إنما يكفي أنْ أقول: إنّه ظرفٌ يتّصل بالصراع الفكريّ، وإنه اضطرني إلى تغيير برنامج عملي حين ألزمني بتأليف كتابٍ آخر لأواجه بالذات ذلك الظرف.
منذ ذلك الزمن توالت الأعوام، وكان استئناف العمل يُؤَجَّلُ عاماً بعد عام. حتى إذا زارني منذ عهد قريب صديقي الدكتور (عمّار طالبي) الذي عاد من مصر بعد أن أتمَّ دراسته فيها، وكان يعْلم حين كان طالباً في القاهرة الحال التي تركت عليها هذه الدراسة، فأقنعني إلحاحُه بأهمية إتمام ما بدأت به من عمل.
كنت أُدرك حينما قررت العودة إلى هذا العمل مقدار ما ضاع إلى الأبد من المسَوَّدة القديمة التي جَبَّرتُها على عَجَلٍ في القاهرة. بيد أني حينما تناولت مدوّناتي وجدت كلماتي بعينها رغم أني لم أجد فيها الموضوع الذي أردت أن أُضَمِّنَه إيَّاها.
كانت هذه مدوناتٍ ضَمَّنتها نقاطَ إرشادٍ، أو علاماتٍ تعينني على الاهتداء إلى العناصر الكامنة في نفسي؛ والتي كانت تتكامل بمن يحيط بي أو بما أستشفُّه على رفِّ مكتبة، أو أستقيه من مكان آخر.
لذا كانت مدوناتي ميِّتةً في مجملها؛ كعظامٍ نعثر عليها عند نبش قبرٍ قديم، وكان مضمونها يبدو لي بعيداً، وغامضاً غير أكيد، وأفضِّل أن أتركها للذكرى
…
وربما استطاع يومًا قارئها الصبور أن يكتشف في ثنايا صفحاتها الْمُصْفَرَّةِ خَيْطها المقطوع حين يتأمل صفحات هذا الكتاب وما وراءها، إذ سيكون له بمثابة خيط (أريان)(1) الذي يقوده بثقةٍ في مشكلة الأفكار في المجتمع الإسلامي.
فنحن هنا أبعد من أن نُقدِّم دراسة شاملة لهذه المشكلة، ولكن بسبرنا لغورها ولِبُناها الخاصَّة نعتقد أنَّ هذا الكتاب سيعطينا عن أهميتها فكرة أوضح، ليس فقط في المجتمع الإسلامي بل في كل مجتمع.
وبقَدْر ما نوفَّق في إبراز هذه الفكرة فإن الغاية المنشودة من هذا الكتاب تكون قد تحققت.
الجزائر 22 نوفبر 1970م
مالك بن نبي
(1)(أريان Ariane) : ابنة ملك جزيرة كريت (في العصر القديم). أحبّت (تزيوس Thesea) الذي جاء إلى الجزيرة لقتل (المينوتور: الوحش Minotaure) الذي رأسه رأس ثور، وجده جد إنسان، وأعطته لفيفة خيط يبسطها وراءه في دهاليز القصر؛ كي يستطيع الاهتداء إلى طريق العودة والخروج منه بعد قتل الوحش. وتستعمل عادة عبارة (خيط أريان) للدلالة على الصراط الذي يهدي المرء ويقود خطاه في الأمور الصعبة والمعقَّدة.