الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
الإجابتان عن الفراغ الكوني
- موقف الإنسان في عزلته: ماديّ (الثقافة الغربية) أو فكريّ (الثقافة الإسلاميّة).
- المسلم مكلَّف بحمل فكرة واحدة: حبِّ الخير، وكُرْهِ الشرّ.
ــ
إذْ يعتزل الإنسان وحيداً، ينتابه شعورٌ بالفراغ الكوني، لكنَّ طريقته في مَلْء هذا الفراغ؛ هي التي تحدِّد طُرُزَ ثقافته وحضارته؛ أي سائر الخصائص الداخلية منها والخارجية لوظيفته التاريخية.
هناك أساساً طريقتان لملء الفراغ.
فإما أنْ ينظر المرء حول قدميه، أي نحو الأرض.
وإما أنْ يرفع بصرَه نحو السماء.
فالطريقةُ الأولى تملأ وحدَته بالأشياء حيث يَجْمَح بَصَرُه المتسلِّط لامتلاكها.
والطريقة الثانية تملأ وحدته بالأفكار ويبحث عن الحقيقة بنظره المتسائل.
هكذا ينشأ عبر الطريقتين نموذجان من الثقافة:
ثقافةُ سيطرةٍ ذات جذور تقنية.
وثقافة حضارةٍ ذات جذور أخلاقية وغَيْبيَّة.
فالظاهرة الدينية تبدو حين يُوَجِّه الإنسان بصرَه نحوَ السماء. هنا يظهرُ الرسول: صاحب الدعوة والرسالة، أيْ ذلك الإنسان الذي يملك أفكار اً يريد تبليغها إلى الناس مثل أرمية، وعيسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم.
فأوروبة، مهدُ عديد من الرجال العظماء، تبدو مع ذلك خارج الظاهرة الدينية في مستوى تلك الرسالات، كما لو أن طبيعة الأوربي الممتلئة بآدميّته لا تدع مجالاً للألوهيَّة.
بالمقابل فإنّ الرجل الساميَّ يبدو مُهَيَّئاً للفكرة الغيبية؛ بحيث لم تدع الألوهيَّةُ في ذاته غير قليل من المشاغل الأرضيَّة.
ويأْتي في منتصف الطريق بين الساميَّة والآريَّة الشماليَّة، اليونان الذي يشغل عالَمه بالأشكال ويملأ وحدته بمشاعر الجمال حتى إنه ليسميه (الخير) كما لاحظ تولستوي في تأملاته العميقة حول الفن (1).
بالإجمال فإن أوربة رَكَّبت في مضمون ثقافتها مزيجاً من الأشياء والأشكال من التقنيّة والجماليَّة. بينما الشرقُ الإسلاميُّ رَكَّب في ثقافته مزيجاً من فكرتين: الحقيقةِ والخيرِ.
هذه الخطَّة لا تتوافق مع مرحلة معينة من التاريخ فحسب، بل مع سائر مراحله التي فيها يتداول كرقاص الساعة في دقاته المزدوجة، صعودُ الحضارة العالميَّة إلى القمة وهبوطها إلى الحضيض.
(1)(ليون نيقولايفيتش تولستوي) روائيّ وكاتب مسرحي روسيّ. وُلد في روسيا سنة 1828 وتوفي فيها سنة 1910. قدَّم العديد من المؤلفات؛ أهمها الروايتان: (الحرب والسلم)، و (آنا كارنين). وله (ما الفن؟) الذي نشره سنة (1897)، وهو عبارة عن مجموعة من التأملات حول الفن، يعارض الكاتب فيها فكرة (الفن للفن)؛ التي تقول بأنه لا هدف للفن ولا تعليل لوجوده سوى الفن ذاته. ويبدو أن مالك بن نبي يشير هنا إلى هذا الكتاب.
فحيناً تكون القمة لثقافة من تلك الثقافتين والحضيض للأخرى، وحيناً يكون العكس، وبينهما في المراحل الوسيطة نسجِّل فتراتِ إخصابٍ متبادل يَكتنفها لحظات اختلاط في البابليَّات التاريخية كما هو عصر بابل القرن العشرين (1).
تلكم هي الحضارة في أحيانها وتقلباتها: تكون في الأوج حضارةً تتركز فيها الأشياء حول فكرة حيناً، وحيناً تبلغ الأوج حضارةً أخرى تتركز فيها الأفكار حول الشيء.
وتبدو هذه الظاهرة بجلاء عندما يعبر الفكر عن نفسه بحرية كاملة، وتِلْقائيَّة تامة، دون مواربة أو سراديب بلاغية، وبتواصلٍ مباشر مع جذور الثقافة.
والأدب الشعبي كاشف في هذا المجال. بل الأدب في عمومه حتى المتَكلَّفُ منه يحمل مع ذلك تلك الخاصيَّة الشعبيَّة في طبيعة موضوعه.
وليس كالقصة تُجَلِّي عُمْقَ تلك الجذور.
ويمكن لتوضيح ما أسلفنا أن نأخذ نموذجاً: قصتين: الأولى (روبنسون كروزو) والأخرى (حي بن يقظان).
فبطلا القصتين المنعزلان؛ هما في الحقيقة المثلان اللذان يُعبِّران بوضوح عن نَمَطَي الثقافة.
(1) بابل مدينة قديمة جداً (القرن الثالث والعشرون قبل الميلاد) قامت في بلاد ما بين النهرين (على بعد 160 من موقع بغداد الحالي). يحكى أن أهلها بنوا فيها برجاً عظيماً أرادوا بواسطته أن يبلغوا السماء. فغضب الله عليهم وبذر الشقاق بينهم بإدخال تعدُّديَّة الألسن. فتخاصموا وتفرّقوا في البلاد وفشلوا في بناء البرج. وتستعمل عبارة (برج بابل) للدلالة على الفوضى والغموض والضياع التي تصيب قيماً من الأقوام.
فالأولى ينطلق بها دانيال دي فوي من محوٍ كاملٍ للوسائل (أي الأشياء) حينما يبدأ بطلُ قصته المغامرة (1).
والثانية ينطلق بها ابن طفيل من محوٍ كاملٍ للأفكار، حينما يتدرج في مراحل أحداثها.
ففي كلا القصتين تكمن العبقرية في الطريقة التي ملأ بها مؤلفاهما وقت عزلة بطليهما.
وهاكم طريقة استخدام الزمن ليومٍ واحدٍ، في حياة (روبنسون كروزو) على الجزيرة التي نجا بنفسه إليها بعد غرق سفينته:
((بدأت أُنظِّم وقت عملي وخروجي، وقت راحتي ونُزهاتي، وانطلاقاً من هذه القاعدة التي واظبت على مراعاتها، كنت أخرج في الصباح إذا لم يكن الطقس ممطراً، ومعي بندقيتي لمدة ساعتين أو ثلاث، ثم أعمل بعد ذلك إلى ما يقارب الساعة الحادية عشرة، ثم آكل ما كنت أستطيع الحصول عليه، وكنت أنام من الظهر حتى الساعة الثانية بسبب الحرّ المضني. وفي المساء كنت أستأنف العمل. لقد أنفقت وقتي كلَّه في ذلك اليوم، وفي اليوم التالي في صنع طاولةٍ لنفسي، ذلك أنني لم أكن آنذاك سوى عاملٍ بائسٍ، ولكن الزمن والحاجة جعلاني فيما بعد صانعاً ممتازاً)).
تلك شريحة من زمن (روبنسون كروزو) في عزلته في الجزيرة. فالوقت يجري منذ البداية في وقائع محسوسة. أكْل- نوْم- عَمَل. وهي وقائع تكمن في
(1)(دانيال ديفر Daniel de Foe) روائي وشاعر وصحفي بريطاني. وُلد في لندن سنة (1660). وتوفي سنة (1731). له عديد من الروايات أهمها (ربنسون كروزو) حيث يخطّ البطل ذكرياته في وحدته على جزيرة نائية نجا إليها بعد غرق سفينته. وهو يُعَدُّ رمزاً للنجاة بالعمل، ومثالاً لصراع الإنسان ضدّ الوحدة، والعزلة.
طبيعة خاصة، تضع ثواني الزمن في خدمة اقتصادٍ شخصيٍّ نفعيٍّ بحْت.
فروبنسون كروزو يتغلّب على كآبة الوحدة بالعمل. وخلال هذا الوقت من ذلك اليوم فإنّ عالمَ أفكار هـ كلَّه يتركز حول (شيء): إنّها الطاولة التي كان يريد صنعها لنفسه.
أما بالنسبة لحي بن يقظان فإنّ مغامرة الوحدة تتخذ لها اتجاهاً مختلفاً تماماً. فهي لا تبدأ في الواقع إلا بعد أن نَفَقَتِ الغزالةُ التي تَبَنَّت الطفلَ المنعزل كأمّ ترعاه: ((فكان يرتاد بها المراعي الخصبة، ويجتني لها الثمرات الحلوة، ويطعمها. وما زال الهزال والضعف يستولي عليها ويتوالى، إلى أن أدركها الموت، فسكنت حركاتها بالجملة، وتعطلت جميع أفعالها، فلما رآها الصبيُّ على تلك الحالة، جزع جزعاً شديداً، وكادت نفسه تفيض أسفاً عليها. [
…
] فكان ينظر إلى أذنيها وإلى عينيها فلا يرى بها آفة ظاهرة، وكذلك كان ينظر إلى جميع أعضائها فلا يرى بشيءٍ منها آفة. فكان يطمع أن يعثر على موضع الآفة فيزيلها عنها، فترجع إلى ما كانت عليه فلم يتأتَّ له شيء من ذلك ولا استطاعة)) (1).
لم يعثر حي بن يقظان على موطن الداء: لكن ابن طفيل يجعلنا نتتبع صعود ذهنه كيما يكتشف شيئاً فشيئاً (الروح) ثم (خلود الروح) وأخيراً (فكرة خالق).
منذ تلك اللحظة تتتابع المغامرة تأملاً يسمح لابن يقظان أن يَدْلُفَ بعد عدة محاولات فاشلة إلى إدراك النظام الإلهي؛ إلى رؤيةٍ داخليةٍ للإله، وإلى مفهومِ صفاته.
(1) ابن طفيل: حيّ بن يقظان، 132 - 133، دار الآفاق الجديدة، بيروت ط 3/ 1980
إنَّ الزمن يجري هنا في مراحل من ذلك الصعود بالفكر إلى لحظة شبيهة بلحظة (زرادشت) عند (نيتشة) حينما نزل من جبله حاملاً رسالته. فحي بن يقظان سيذهب مع رفيق الصدفة ((آسال))؛ حاملاً إلى مواطني ورعايا الحكيم (سلمان) ثمرة تفكيره.
إن العالم هنا؛ عالم تتركز فيه الأشياء حول الفكرة. فحي بن يقظان لا يتغلّب على كآبة الشعور بالوحدة بصنع طاولة؛ بل ببناء الأفكار واكتشافها. إنَّه عالمٌ لا يتحدَّد فيه الزمنُ لصالح شيءٍ ما.
في مؤتمر علم الاجتماع الذي عُقد مؤخراً في (فارنا) لم يكن الأستاذ (سيكار) على خطأ تام، رغم أنه لم يكن على صواب تام، في تفسيره حينما لاحظ ((أن الزمن الصناعي المتواصل؛ لا يدع على الإطلاق للإنسان المنعزل أن يواجه نفسه وذلك في مقابل الزمن غير المتواصل في بلاد العالم الثالث)).
فكلُّ من وجد نفسه منخرطاً في اطِّراد الإنتاج الصناعي يدرك في الواقع أن الآلةَ التي تنتج والشيء المنْتَجَ لا يدعان للإنسان (لحظةً للذات) ولا أيِّ إحساسٍ بالزهو، أو سُكونٍ إلى النفس.
لقد امتلأ يوم (روبنسون كروزو) بصنع (طاولة).
بيد أن الأستاذ (سيكار) إذا كان على حق في ملاحظته، فإنّه على خطأ في تفسيره.
إذْ لا جدال في أنه في مقابل وتيرة الزمن المحيطة بالإنتاج في البلاد الصناعية؛ هناك الزمن متقطع الوتيرة في البلاد المتخلِّفة.
ويبدو هذا التقطع في الوتيرة عند سيكار في شكل ((فراغات لا حصر لها تربط- إذا صح التعبير- بين لحظات الحياة)).
وهنا نقول عن طيب خاطر- إذا سمح لنا الأستاذ سيكار-: إن تحليله صحيح في موضوعيته، وقد أشرنا نحن أيضاً في دراسة سابقة إلى ظاهرة تَقَطُّع الزمن في العالم الإسلامي المعاصر (1). لذا فهو يكشف لنا بدقة عن الجذور التي سبق أن ألمحنا إليها.
فالزمن في نظر الأستاذ (سيكار) لا اعتبار له إلا في عالم الأشياء. والحياة نفسها لا معنى لها إلا حينما تنساب لحظاتها في طاولة (روبنسون كروزو) على سبيل المثال.
لكن هذا في الحقيقة غُلوٌّ في تقدير الأمور عبر الزمن، والمجتمع الغربي يستطيع اليوم حساب نتائجه المدمّرة.
وإذا كان ينبغي على البلاد الإسلاميّة أن تعرف كيف تقدّر في (ثقافتها) الحاضرة- إذا جاز التعبير- الآثار السلبية للتفريط بقيمة الزمن في نشاطها، فإنَّ عليها بالمقابل أن لا تغلو في الإفراط في تقديره حيث نستطيع أن نرى بسهولة نتائجه السلبيَّة في البلاد الصناعية.
والإشارة إلى المغالاة في جانبَي الإفراط والتفريط لا تحجب عنا حقيقةً أساسيَّةً؛ هي أننا نتناول ثقافتين في لحظة أُفولها. وهذا ما فات الأستاذ (سيكار) في مؤتمر علم الاجتماع بفارنا. فالفكر الأوربي يجهل قانون التداول بين الأوج والحضيض في مسيرة الحضارة.
ذلك أنَّ أوربة كانت قبل (لوكراس)(2) وبعده. وقبل (بلانك)(3) وبعده
(1) لقد لفتنا الانتباه إلى هذا المظهر على الخصوص في كتابنا (فكرة الإفريقية- الآسيويَّة) طبعة القاهرة.
(2)
(لوكراس Lucrece) شاعر وفيلسوف لاتيني، وُلد في روما سنة (98) ق. م. وتوفي فيها سنة (55) ق. م. له مؤلف ضخم بعنوان (في الطبيعة De natura rerum) ، يحاول فيه أن يلغي من النفوس خشية لله؛ وذلك بإعطاء تفسيرات مادية للوجود.
(3)
(بلانك Max Planck) عالمُ فيزياء ألمانيّ (1758 - 1931م). له عدة نظريات في الفيزياء أهمها (نظريّة الكمّات Théorie des quantum) . نال جائزة نوبل للفيزياء سنة 1918.
الأرض المختارة للفكر الكمِّي ولوضعيَّة (أوجست كونت)(1) وماديَّة (ماركس)(2).
فالفكر الغريي يجنَح على ما يبدو أساساً إلى الدوران حول مفهوم الوزن والكمِّ. وهو عندما ينحرف نحو المغالاة فهو يصل حتماً إلى المادية في شكلَيْها:
الشكلِ البورجوازيِّ للمجتمع الاستهلاكي.
والشكلِ الجدلِّي للمجتمع السوفياتي.
وحينما يكون الفكر الإسلاميُّ في أُفوله كما هو شأنه اليوم فإن المغالاة تدفعه إلى التصوُّفِ، والمبهم، والغامض، وعدم الدقة، والتقليد الأعمى، والافتتان بأشياء الغرب.
لكن هذا ليس مداره الأصليّ. ففي الأصل حينما أعطاه القرآن اندفاعه الأَوَّليَّ اتَّخذ الفكرُ الإسلاميّ مداره أساساً حول فكرةٍ واحدة تكون حيناً ((حبَّ الخير))، وحيناً آخرَ ((كره الشر)).
تلك هي رسالة الفكر الإسلامي عَبَّر عنها القرآن الكريم بقوله {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ .. } [آل عمران: 3/ 110].
(1)(أوجست كونت Auguste Comte) فيلسوف فرنسيّ، وُلد في مونبلييه سنة (1798). وتوفي في باريس سنة (1857). يقول بأن البشريّة مرّت في مرحلة الدين والحرب، ثم في مرحلة الميتافزيقيا والتشريع، ثمّ أخيراً في مرحلة الوضعيّة والتصنيع، وأن المعرفة الحقّة في النهاية تقوم على التجربة والاحتكاك بالأمور الوضعيّة (أي التي وُضعت بقانون طبيعيّ لا بتفكير تجريديّ).
(2)
(كارل ماركس Karl Marx) فيلسوف، واقتصادي، ورجل سياسة ألماني (1818 - 1883م). صاحب نظريات عديدة في السياسة والمجتمع؛ منها نظريته في الماديّة التاريخيّة التي تجعل من قوى الإنتاج وتوزيع العمل (أي توزيع المجتمع إلى طبقات متناحرة) أساسَ النظام الاجتماعي.
فالمسلم مكلّف بحملِ تلك الرسالة؛ في الجليل من الأُمور والصغير منها. فتقسيم التَّرِكة عند وفاة صاحبها هي بلا ريب ظرف اجتماعيٌّ عاديٌّ. لكن انظر ما يقول القرآن فيه {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ
…
} [النساء: 4/ 8].
قد يقال لنا: إنَّ هذا حكمٌ يمكن أنْ يرِدَ في كلِّ قانونٍ مدنيٍّ تقدميٍّ. هذا صحيح؛ لكنّ القرآن يُرَغِّب بأكثرَ من هذا. فهو لا يريد أنْ يقومَ المجتمع بتقسيم المال كآلةِ توزيع القِطَعِ المعدنية، فهذا شيءٌ يستطيع المجتمع الاستهلاكي أن يفعله.
لكن ينبغي على المجتمع الإسلاميّ أن يفعل أكثر من توزيع أموال تركة، وذلك بأنْ يوزِّع في الوقت نفسه الخير.
فالآية التي استشهدنا بها قد تَعمّدْنا ذكرها ناقصةً لنبيِّن ما يمكن أن تشترك فيه مع تشريع مدني لكنّ الآية تنتهي بتوصيةٍ أخرى، بحكمٍ آخر:{ .. وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء: 4/ 8].
الآن اكتملت الآية: وزِّعوا أموالاً طبعاً، لكن أضيفوا إليها فكرةً، أو كلمةً، أو لفتة تعبِّر عن شعوركم، عن مفهومكم، عن فكرة (الخير) عندكم.
إنَّ هذه التكملة ذات الصبغة الروحية الخالصة؛ لا يمكن تصوُّرها في أيِّ تشريع مدنيٍّ.
إنَّها تُعطي للرابط الاجتماعي النابع من الفكر الإسلاميّ طابعاً خاصّاً يجعل وجودَ ما يُسَمَّى (التناقضات في وسط الجماهير) ظاهرةً غير قابلة للتفسير في المجتمع الإسلامي.