الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
منذ القرن الماضي بدأ عصر ما بعد الموحدين يزايل العالم الإسلامي، لكن هذا العالم لم يستعد بعد إطاره الطبيعي، لقد انطلق كفارس أفلت الركاب من قدميه ولم يوفق بعد لإحكامه؛ لذا فهو يبحث عن توازنه الجديد.
فانحلاله عبر القرون الذي قضى عليه: بالجمود، والخمول، والضعف والقابلية للاستعمار قد حفظ له مع ذلك قيمة ولو في شيء من التحجر.
لقد أطل في حالته هذه على القرن العشرين وهو في ذروة قوته المادية؛ بينما سائر قواه الأخلاقية قد بدأت تنهار منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
فالعالم الإسلامي اليوم تتقاذفه أفكار ٌ متناقضة: الأفكار التي تضعه وجهاً لوجه مع مشكلات الحضارة التقنية دون أن تؤصله نماذجه السلفيّة، رغم جهود مصلحيه المشكورة.
وبدافع الافتنان، أو بسائق منزلقات وضعت تحت قدميه، فهو معرضٌ لخطر الانجراف في الإيديولوجيات الحديثة، في الوقت الذي بدأ يكتمل إفلاسها في الغرب حيث ولدت.
وإذا كان يحاول أن يقتفي أثر أوربة في سائر الميادين؛ كما يبدو من أجوائه، أو ربما من رغبة (غير معلنة من نخبته) فإنه معرضٌ لخطر السير متخلفاً عن التاريخ بمرحلة. بمعنى أنه لا بد أن يعيد على حسابه سائر التجارب التي أخفقت.
ونخص بالذكر التجربة (الماركسية) التي تبدو مع ذلك قد تجاوزها الزمن على الصعيد العلمي؛ كما على الصعيد الفلسفي.
فحين تبدأ النخبة الغريبة؛ التي بهرتها المادية الجدلية؛ خصوصاً في نهاية الحرب العالمية الثانية تستفيق لتستعيد استقلالها الفكري تجاهها في السنوات الأخيرة؛ نرى هذه النظرية تشغل فكر بعض النخبة المسلمين وتستحوذ عليهم كما لو كانوا وجدوا ضالتهم في لحظة (أرخميدس).
فنحن لا نستطيع أن نصنع التاريخ بتقليد خُطا الآخرين في سائر الدروب التي طرقوها، بل بأن نفتح دروباً جديدة.
ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بأفكار أصلية تستجيب لسائر المشكلات على الصعيد الأخلاقي، أو على صعيد الأفكار الفعّالة؛ لتجابه مشكلات التطور في مجتمع يعيد بناء نفسه.
لقد حاولنا في الصفحات السابقة أن نبين الصعوبات التي يتخبط فيها المجتمع الإسلامي في مواجهة مشاكله الحاضرة في كلا الميدانين: الميدان الأخلاقي، وميدان الأفكار الفعّالة. فتناولنا بالتحليل أصل الصعوبات التي تتداخل فيها الأفكار المتناقضة. وعندما حركنا هنا مشكلة الأفكار أردنا أن نبيِّن مدى وزنها في التاريخ، في مصائر البشرية.
وإذا كنا لم نصل إلى تحديد حلٍ واضح لهذه المشكلة؛ فقد أحطنا بها بما فيه الكفاية على ما نعتقد.
ولم نكن إضافة لذلك نطمح بأكثر من فتح نقاش أساسي هو أبعد من أن يكون قد انتهى بنهاية هذه الصفحات.
مالك بن نبي
الحزائر: 21 رمضان 1390
20 تشرين الثاني 1970 م