الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: منهج المقتصرين على ما ورد بصورة الاسم
أصحاب هذا المنهج يرون الاقتصار على ما ورد إطلاقه من الأسماء في النصوص، ويستبعدون ما يؤخذ بالإضافة أو الاشتقاق.
وهذا المنهج سار عليه ابن حزم الظاهريّ، وإن كنت لم أجد في كلامه ما ينص على ذلك نصّا، ولكن طريقته في تتبع الأسماء وحصرها تؤكد ذلك، بالإضافة إلى أن غير واحد نسب إليه ذلك.
فإن ابن حجرينسب ذلك إلى ابن حزم حيث قالت عنه: (فإنه اقتصر على ما ورد بصورة الاسم لا ما يؤخذ بالاشتقاق "كالباقي " ولاما ورد مضافا "كالبديع"1.
وكذلك ابن العربى المالكيّ ذكر هذا المنهج لابن حزم، وقال معترضا عليه (قال سخيف من جملة المغاربة (يعني ابن حزم) : عددت أسماء الله فوجدتها ثمانين، وجعل يعدّد الصّفات النّحويّة، وياليتني أدركته فلقد كانت فيه حشاشة لو تفاوضت معه في الحقائق لم يكن بدّ من قبوله والله أعلم) إلى أن قال: (والعالم عندنا اسم، كزيد اسم وأحدهما يدل على الوجود، والآخر يدلّ على الوجود ومعنى زائد عليه، والذي يعضُدُ ذلك أن الصحابة وعلماء الإسلام حين عدّدوا الأسماء ذكروا المشتق والمضاف والمطلق في مساق
1 فتح الباري 217/11.
واحد.1
والشاهد من كلام ابن العربيّ هو اعتراضه على ابن حزم لاقتصاره على لمطلق من الأسماء دون المشتق أوالمضاف.
وإليك الأسماء التي عدّها ابن حزم في كتابه المحلى (8/ 31) والتي تؤكد اقتصاره على المطلق من الأسماء دون المشتق أو المضاف.
1 أحكام القرآن (2/ 803
ويلاحظ على القاعدة التي سار عليها ابن حزم قصورها، ودليل ذلك عجزه حتى عن إكمال التسعة والتسعين اسما التي ورد بفضلها الحديث الصحيح، فقد وقف على عدّ ثمانين أو أربعة وثمانين اسما فقط.
ولعلّ ابن حزم ألزم نفسه بالاقتصار على المطلق من الأسماء واستبعد المشتق والمضاف منها، لعقيدته المعروفة في الأسماء والصفات، فالمشهور عنه إثباته للأسماء مجرّدة من المعاني وإنكاره للصفات1، فهو يرى رأي المعتزلة في هذه المسألة الذين ينظرون إلى أسماء الله على أنها أعلام محضة خالصة من الدّلالة على أيّ معنى، فإذا كان هذا هو اعتقاد ابن حزم في أسماء الله وصفاته فليس بمستغرب منه أن يتجاهل الأسماء المشتقة والمضافة، إذ أنه لا يثبت أصلها فضلأ عن أن يثبتها، ويظهر أن ابن حزم أراد أن يطبِّق القاعدة النحويّة التي وضعها النّحاة لأنفسهم في الئفريق بين الاسم والصِّفة، فالنّحاة يفرِّقون بين الاسم والصِّفة، فحقيقة الاسم عندهم: هو كل لفظ جعل للدّلالة على المعنى إن لم يكن مشتقا، فإن كان مشتقا فليس باسم، وإنّما هو صفة. وهذه قاعدة أسّسها سيبويه ليرتب عليها قانونا من الصِّناعة في التصريف والجمع والتصغير والحذف والزِّيادة والنسبة وغير ذلك من الأبواب2. ولكن مسألة التفريق بين الوصفيّة والعلميّة لا تنطبق على أسماء الله لأن أسماء الله الحسنى أعلام وأوصاف، والوصف بها لا ينافي العلميّة، بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميّتهم) 3 وذلك لسبببين:
السبب الأوّل: أن أوصاف الخالق مختصّة به، فلذلك لا تنافِي بينهاوبين
1 شرح الأصفهانتة ص 76.
2 أحكام القرآن لابن العربيّ 2/ 802، 853.
3 بدائع الفوائد.
العلميّة المختصة. بخلاف أوصاف العباد فهي مشتركة بينهم فنافتها العلميّة المختصة.
وشرح ذلك: أن الاسم وظيفته الاختصاص والتعيين، ولذلك قالوا في تعريفه: هو اللفظ الموضوع للشيء تعيينا له وتمييزا. وبالتالي لا يمكن للصفات أن تؤدي هذه الوظيفة بالنسبة للمخلوق لأن صفات العباد مشتركة بينهم فيتعذر بذلك الاختصاص الذي هو وظيفة الاسم.
ولذلك إذا سمي الإنسان بوصف من الأوصاف مثل كريم، وشجاع، وجميل فإن هذه الألفاظ تتجرّد من خصائص الوصفيّة ويصبح لها خصائص العلميّة.
السبب الثاني: لا تُقاس أسماء الله بأسماء المخلوق؛ لأن أسماء الخلق مخلوقة مستعارة وليست أسماؤهم نفس صفاتهم، بل قد تكون مخالفة لصفاتهم، وأسماء الله وصفاته ليس شيء منها مخالفا لصفاته، ولا شيء من صفاته مخالفا لأسمائه.
فمن ادّعى أن صفة من صفات الله مخلوقة أو مستعارة فقد كفر وفجر، لأئك إذا قلت:(الله) فهو (الله) ، وإذا قلت (الرحمن) فهو (الرحمن) وهو (الله)، فإذا قلت:(الرّحيم) فهو كذلك، وإذا قلت:(حكيم- عليم- حميد- مجيد- جبّار- متكبّر- قاهر- قادر فهو كذلك هو (الله) سواء لا يخالفه اسمٌ اسم صفتَه ولا صفتُه اسما. فهذا في حقّ الخالق.
وأما في حقّ المخلوق فقد يُسمَّى الرّجل "حكيما" وهو جاهل، وحكما وهو ظالم، وعزيرا وهو حقير، وكريما وهو لئيم، وصالحا وهو طالح، وسعيدا وهو شقيّ، ومحمودا وهو مذموم، وحبيبا وهو بغيض، وأسدا
وحمارا وكلبا وجديا وكليبا وهرّا وحنظلة وعلقمة؛ وليس كذلك.
والله تعالى وتقدّس اسمه كُلُّ أسمائه سواء، لم يزل كذلك، كان خالقا قبل المخلوقين، ورازقا قبل المرزوقين وعالما قبل المعلومين، وسميعا قبل أن يسمع أصوات المخلوقين، وبصيرا قبل أن يرى أعيانهم مخلوقة1.
وبهذين السببين يتأكَّدُ التَّفريق بين أسماء الخالق وأسماء المخلوقين، وأن أسماء الله مشتقة من صفاته وليست أعلاما جامدة لا تدلّ على معنى كما يزعم ابن حزم والمعتزلة، ولهذا الموضوع تتمّة في الفصل الثاني من هذه الدّراسة وا لله أعلم.
وخلاصة القول إنّ الّذي دعى ابن حزم لاستبعاد الأسماء المشتقّة والمضافة هو استبعاده لأصلها الذي جاءت به النّصُوص الّذي هو الصفات.
1 الرَّدّ على المريسى ص 365.