الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: الأدلة على أن أسماء الله أعلام وأوصاف
ا- دلالة القرآن والسنة على ذلك: تنوعت دلالة القرآن والسنة في إثبات هذه المسألة، فمن ذلك:
أ- أن الله يخبر بمصادرها ويصف نفسه بها: والمصدر هو الوصف الذي اشتقت منه تلك الصِّفة.
فمن القرآن: قال تعالى: {وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} 1، وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} 2، وقال تعالى:{فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} 3، وقوله:{فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 4.
فعلم أن "القويَّ" من أسمائه، ومعناه الموصوف بالقوة.
وكذلك "العزيز" من أسمائه، ومعناه الموصوف بالعزة.
فالقويّ من له القوة، والعزيز من له العزة، فلولا ثبوت القوة والعزة لم يُسم قويّا ولا عزيزا.
وقال تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 5.
وقال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} 6.
1 الآية 19 من سورة الشورى
2 الآية 58 من سورة الذاريات
3 الآية 10 من سورة فاطر.
4 الآية 82 من سورة ص.
5 الآية 8 من سورة الأحقاف
6 الآية 6 من سورة الرعد.
وقال تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} 1.
فالغفور هو المتصف بالمغفرة.
والرحيم هو المتصف بالرحمة.
وقال تعالى: {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} 2.
وقال تعالى: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} 3.
فهوالحكيم الذي له الحكم.
وقال تعالى: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} 4.
وقال تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} 5.
وكذلك الحال في السُّنَّة:
ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القِسْطَ ويرفعه، يَرفعُ عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النُّور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"6. فأثبت المصدر الذي اشتق منه اسمه "البصير".
وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات"7.
فأثبت المصدر الذي اشتق منه اسمه "السَّميع".
1 الآية 58 من سورة الكهف.
2 الآية 84 من سورة الزخرف.
3 الآية 12 س سورة غافر.
4 الآية 166 من سورة النساء.
5 الآية 255 من سورة البقرة.
6 أخرجه مسلم في صحيحه 1/162.
7 صحيح البخاري 4/ 195.
وفي الصحيح حديث الاستخارة " اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك"1.
فهو قادر بقدرة.
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تبارك وتعالى: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي"2.
فهو العظيم الذي له الكبرياءُ.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ برضاك من سخطك" 3، وقوله صلى الله عليه وسلم:"أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت"4.
فقد دلَّ القرآن والسنة على إثبات مصادر هذه الأسماء له سبحانه وصفا، ولولا هذه المصادر لانتفت حقائق الأسماء والصفات والأفعال، فإن أفعاله غير صفاته، وأسماؤه غير أفعاله وصفاته، فإذالم يقم به فعل ولا صفة فلا معنى للاسم المجرد وهو بمنزلة صوت لا يفيد شيئا، وهذا غاية الإلحاد5.
فكل ما دلت عليه أسماؤه فهو مما وصف به نفسه، فيجب الإيمان بكل ما وصف به نفسه.
1 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى. (فتح الباري 3/ 48ح1162) .
2 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر 136، وأخرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس باب ما جاء في الكبر ح.409- 4/ 350، 351- وابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب البراءة من الكبر والتواضع 2/ 421 ح 4228، وأخرجه الإمام أحمد 3/276، 414، 427، 442.
3 صحيح مسلم 1/352
4 صحيح البخاري 4/ 194، صحيح مسلم 4/ 2086.
5 شفاء العليل 566، التفسير القيم 30، 31.
ب- (أن الله يخبرُ عن الأسماء بأفعالها "أي حُكمُ تلك الصفة") :
وقال تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} 2.
وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} 3.
وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 4.
فلو لم تكن أسماؤه مشتملة على معان وصفات لم يسغ أن يخبر عنها بأفعالها، فلا يقال: يسمع ويرى ويعلم ويريد، فإن ثبوت أحكام الصفات فرعُ ثبوتها، فإذا انتفى أصل الصفة استحال ثبوت حكمها.
ج- أن الله يعلِّل أحكامه وأفعاله بأسمائه:
(فالله سبحانه يعلل أحكامه وأفعاله بأسمائه، ولو لم يكن لها معنى لما كان التعليل صحيحا، كقوله تعالى:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} 5، وقال تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 6، فختم حكم الفيء الذي هو الرجوع والعود إلى رضى الزوجة والإحسان إليها بأنه غفور رحيم، يعود على عبده بمغفرته ورحمته إذا رجع إليه با لمغفرة والرحمة.
1 الآية امن سورة المجادلة.
2 الآية 46 من سورة طه.
3 الآية 19 من سورة النحل.
4 الآية 185 من سورة البقرة.
5 الآية 10 من سورة نوح.
6 الآيتان 226- 227 من سورة البقرة.
{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فإن الطلاق لما كان لفطا يُسمع ومعنى يُقصد عقّبه باسم "السميع" للنطق به "العليم" بمضمونه.
وقال أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} 1.
أي لما صاروا إلى كرامته بمغفرته ذنوبهم وشكره إحسانهم قالوا: {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} وفي هذا معنى التعليل: أي بمغفرته وشكره وصلنا إلى دار كرامته، فإنه غفر لنا السيئات وشكر لنا الحسنات.
وقال تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً} 2.
فهذا جزاء لشكرهم، أي إن شكرتم ربكم شكركم، وهوعليم بشُكرِكم لا يخفى عليه من شكره ممَّن كفره) 3.
د- الله يُسْتَدَلُّ على توحيده بأسمائه:
فالله سبحانه يُستدلُّ بأسمائه على توحيده ونفي الشريك عنه، ولو كانت أسماء لامعنى لها لم تدل على ذلك.
كقول هارون لعبدة العِجل: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ} 4. وقوله سبحانه في القصَّة: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} 5.
1 الآية 34 من سورة فاطر.
2 الآية 147 من سورة النساء.
3 جلاء الأفهام ص 135- 136
4 الآية 90 من سورة طه.
5 الآية 98 من سورة طه.
وقوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} 1.
فسبَّح نفسه عن شرك المشركين به عقب تمدُّحه بأسمائه الحسنى المقتضية لتوحيده، واستحالة إثبات شريك له3.
هـ- أن الله يعلِّق بأسمائه المعمولات من الظُّروف والجار والمجرور وغيرهما:
فالله سبحانه يعلق بأسمائه المعمولات من الظروف والجار والمجرور وغيرهما، ولوكانت أعلاما محضة لم يصح فيها ذلك.
كقوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 4.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} 5.
وقوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ} 6.
وقوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} 7.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 8.
1 الآية 163 من سورة البقرة
2 الآيتان 22- 24 من سورة الحشر
3 جلاء الأفهام ص 147
4 الآية 16 من سورة الحجرات
5 الآية 7 من سورة الجمعة.
6 الآية 63 من سورة آل عمران
7 الآية 43 من سورة الأحزاب.
8 الآية 117 من سورة التوبة.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 1.
وقوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً} 2.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} 3.
ونظائره كثيرةٌ4.
و وصف الله عز وجل أسماءه بأنها حسنى:
قال ابن القيم: "أسماء الرب تبارك وتعالى كلها أسماء مدح، ولو كانت ألفاظا مجردة لا معاني لها، لم تدل على المدح، وقد وصفها اللة بأنها حسنى كلها، فقال:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 5.
فهي لم تكن حسنى لمجرد اللفظ، بل لدلالتها على أوصاف الكمال.
ولهذا لما سمع بعض العرب قارئا يقرأ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ} 6 (والله غفور رحيم) .
قال: ليس هذا كلام الله.
فقال القارىء: أَتُكَذِّبُ بكلام الله تعالى؟
فقال: لا، ولكن ليس هذا بكلام الله تعالى.
فعاد إلى حفظه وقرأ: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
1 الآية 189 من سورة آل عمران.
2 الآية 39 من سورة النساء.
3 الآية 27 من سورة الشورى
4 جلاء الأفهام ص 137-138
5 الآية 180 من سورة الأعراف.
6 الآية 38 من سورة المائدة
فقال الأعرابي: صدقت: عزَّ، فحكمَ، فقطعَ، ولوغفر ورحِمَ لما قطع.
ولهذا إذا خُتمت آية الرحمة باسم عذاب، أو بالعكس، ظهر تنافر الكلام وعدم انتظامه.
ولو كانت هذه الأسماء أعلاما محضة لا معنى لها لم يكن فرق بين ختم الآية بهذا أو بهذا"1.
وقال أيضا: "أخبر سبحانه أنه إله واحد، وإن تعددت أسماؤه الحسنى المشتقة من صفاته، ولهذا كانت حسنى، وإلا فلو كانت كما يقول الجاحدون لكماله أسماء محضة فارغة من المعاني ليس لها حقائق لم تكن حسنى، ولكانت أسماء الموصوفين بالصفات والأفعال أحسن منها"2.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الله له الأسماء الحسنى دون السّوآى، وإنما تميّز الاسم الحسن عن الاسم السيىء بمعناه، فلو كانت كلها بمنزلة الأعلام الجامدات التي لا تدل على معنى لم تنقسم إلى حسنى وسوآى"3.
2-
دليل الإجماع:
أ- إجماع أهل اللغة:
(أجمع أهل اللغة والعرف على أنه لا يقالُ: عليم إلا لمن له علم، ولا سميع إلا لمن له سمع، وهذا أمر بين لا يحتاج إلى دليل)4.
ب- إجماع المسلمين:
(أجمع المسلمون أنه لو حلف بحياة الله أو سمعه أو بصره أو قوَّته أو عزَّته
1 جلاء الأفهام 135-136.
2 الصواعق المرسلة 3/ 938.
3 شرح العقيدة الأصفهانية ص 77.
4 بدائع الفوائد 1/ 165.
أو عظمته انعقدت يمينه، وكانت مكفِّرة لأن هذه صفات كماله التي اشتق منها أسماؤه1.
3-
دليل العقل:
أ- (إنه يُعلم بالاضطرار الفرق بين الحيّ والقدير والعليم والملك والقدُّوس والغفور.
وإن العبد إذا قال: رب اغفرلي وتب علي إنك أنت التواب الغفور، كان قد أحسن في مناجاة ربِّه.
وإذا قال: اغفر لي وتُب على إنَّك أنت الجبار المتكبر الشديد العقاب، لم يكن محسنا في مناجاته) 2.
ب- إنَّ من المستحيل أن يكون عليما قديرا سميعا بصيرا ولا علم له ولا قدرة؛ بل صحَّةُ هذه الأسماء مستلزمة لثبوت معانيها له، وانتفاء حقائقها عنه مستلزم لنفيها عنه، والثاني باطل قطعا فتعيَّن الأول) 3 لأن شرط صحة إطلاق هذه الأسماء حصول معانيها وحقائقها للموصوف) 4.
1 القواعد المثلى ص 8.
2 مدارج السالكين 1/28، 29
3 شرح العقيدة الأصفهانية ص 76.
4 مختصر الصواعق 2/ 189.