الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: في ثبوت الأسماء وتعيينها
المبحث الأول: في معرفة ضابط الأسماء الحسنى
المطلب الأول: في أهمية معرفة ضابط الأسماء الحسنى
…
المطلب الأول: في أهمية معرفة ضابط الأسماء الحسنى
إن من أهم ما ينبغي أن يعنى به الدارس لباب الأسماء الحسنى هو معرفة ضابط الأسماء الحسنى وحدها، وذلك لما يحويه هذا الأمر من أهمية وفائدة عظيمة، فإن تحديد ضابط للأسماء الحسنى يكون مستكملا لمقومات التعريف المعلومة (وهي أن يكون جامعا مانعا) - يعد أمرا مهما للغاية، وخاصة إذا علم أن هذا الباب قد تعددت فيه المناهج في عد الأسماء واختلفت في تعيينها، فالدارس بحاجة إلى حد يميز فيه الصواب من تلك المناهج ليعرف الحكم الصحيح فيها، وخاصة في باب خطير كهذا الباب، فإن الخطأ في أسماء الله لاشك جليل.
وحري بهذه المسألة أن تعطى حقها من الاهتمام، وأن يقف الباحث عندها وقفة ليوفيها حقها من الدراسة والبحث، فكثير من الباحثين المعاصرين يغفل هذا الأمر ويهمله، فترى أكثرهم يسارع إلى الدخول في عد الأسماء وشرحها دون نظر في الضابط الذي اعتمده في ذلك الجمع والعد. وصنيعهم هذا يعد أمرا سلبيا، فهو يساعد على تعقيد المسألة وخفإنها ويزيد من كثرة الاختلافات الحاصلة فيها ويضيف لها عبأ ثقيلا يتعب الدارسين ويزيد من حيرتهم واضطرابهم، ولكأن لسان حالهم يقول: هذا يجمع وذاك يجمع، ولا نعلم أئ هؤلاء أولى بالصواب.
فتصحيحا لهذا الوضع الحاصل، وتأكيدا على ضرورة معرفة ضابط
الأسماء قبل الدخول في تعيينها، عقدت، هذا المبحث لتوضيح وإبراز قيمة هذا الضابط من جهة، ولبيانه وشرح شروطه من جهة أخرى.
وتبرز أهمية هذا الضابط في جانبين رئيسين هما:
الجانب الأول:
تحديد العلاقة التي تربط باب الأسماء بباب الصفات وباب الإخبار، فلابد من معرفة نوع العلاقة بين الأبواب الثلاثة وفهم ما بينها من عموم وخصوص.
فباب الأسماء أخص من البابين الآخرين، وبالتالي هما أوسع منه فباب الصفات أوسع من باب الأسماء، وباب الإخبار أوسع من باب الصفات.
1-
فكل ما صح اسما صح أن يدل على الصفة وصح الإخباربه.
2-
وكل ما صح صفة صح خبرا، ولكن ليس شرطا أن يصح اسما، فقد يصح وقد لا يصح، ولذلك كان باب الصفات أوسع من باب الأسماء.
فالله يوصف بصفات كالكلام، والإرادة، والاستواء، ولا يشتق له منها أسماء، فلا يسمى بالمتكلم، والمريد، والمستوي. وفي المقابل هناك صفات ورد إطلاق الأسماء منها كالعلم، والعلو، والرحمة، فمن أسمأنه العليم، والعلي، والرحيم.
3-
وما صح خبرا فليس شرطا أن يصح اسما أو صفة، فإن الله يخبر عنه بالاسم ويخبر عنه بالصفة، (ويخبر عنه ما ليس باسم ولا صفة بشرط ألا يكون معناه سئيا) 1، فالله يخبر عنه بأنه شيء، ومذكور، ومعلوم وغير ذلك، ولكته لا يسمى ولا يوصف بذلك، ولهذا كان باب الإخبار أوسع من البابين الآخرين.
1 مجموع الفتاوى 6/ 142.
فإذا كان الحال كذلك فلابد من معرفة ضابط الأسماء الحسنى من أجل أن تحفظ لهذا الباب خصوصيته فلا يدخل فيه ما ليس منه.
والجانب الثاني:
الاستفادة من هذا الضابط في تعيين الأسماء الحسنى وتحديد ما يصح وما لا يصح مما يورده أهل العلم في كتبهم، أو مما يشيع على ألسنة الناس. فالمناهج التي سار عليها العلماء في جمعهم للأسماء الحسنى مختلفة إلى حد ما عددا وطريقة، فمن حيث الكم هناك من اقتصر على التسعة والتسعين، وهناك من قصر عن ذلك، وهناك من زاد.
ومن حيث الطريقة التي ساروا عليها في جمع تلك الأسماء هناك أربعة مناهج وقفت عليها من خلال استقراء جهودهم في هذا المجال، أوردها لك على النحو التالي:
المنهج الأول:
الاعتماد على العد الوارد في روايات حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وبالأخص طريق الوليد بن مسلم، عند الترمذي وغيره، وذلك (لاعتقادهم بصحة حديث الأسماء وتعدادها على مذهب المتساهلين في التصحيح وعدم النظر في العلل الواردة فيه)
المنهج الثاني:
الاقتصار على ما ورد من الأسماء بصورة الاسم فقط، أي ما ورد إطلاقه.
وهذا منهج ابن حزم في عد الأسماء2
1 العواصم والقواصم 7/ 207.
2 1لمحلى 31/8.
قال عنه ابن حجر: "فإنه- أي ابن- حزم - اقتصر على ما ورد فيه بصورة الاسم لا ما يؤخذ من الاشتقاق كالباقي من قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} 1 ولا ما ورد مضافا كالبديع من قوله: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} 2"3.
المنهج الثالث:
منهج المتوسطين الذين اشتقوا من كل صفة وفعل اسما ولم يفرقوا بين البابين- أي باب الأسماء وباب الصفات- بل إنهم يدخلون ما يتعلق بباب الإخبار أحيانا.
ومن هؤلاء ابن العربي المالكي وابن المرتضى اليماني والشرباصي.
المنهج الرابع:
منهج المتوسطين الذين توسطوا بين أصحاب المنهج الثاني والمنهج الثالث، فلا هم الذين حجروا تحجر ابن حزم، ولا هم الذين توسعوا توسع ابن العربى وأمثاله.
وهذا المنهج هو الأشهر والأكثر تطبيقا عند أهل العلم، فهم حافظوا على خاصية هذا الباب، وبالتالي جعلوا شروطا لاشتقاق الاسم من الصفة، وهذه الشروط دلت عليها النصوص، وسيأتي تفصيلها في المطلب الثالث والرابع من هذا المبحث.
وليس الغرض هنا تفصيل تلك المناهج وبيان ما لها وما عليها، فإن لذلك مبحثه المستقل، ولكن المقصود هنا هو الإشارة إلى أن هذا الاختلاف الحاصل بين المناهج الأربعة السابقة الذكر يؤكد ضرورة تحديد ضابط
1 الآية 27 من سورة الرحمن.
2 الآية 117 من سورة البقرة.
3 فتح الباري 217/11.
للأسماء الحسنى يعين على معرفة الراجح منها.
فلعل هذا التوضيح يكون كافيا في شرح أهمية هذا الضابط، وهذا أوان الشروع في المقصود.