المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: الجانب العقدي في المسألة - معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى

[محمد بن خليفة التميمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: في ثبوت الأسماء وتعيينها

- ‌المبحث الأول: في معرفة ضابط الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الأول: في أهمية معرفة ضابط الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الثاني: تحديد ضابط الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الثالث: في الشرط الأول للأسماء الحسنى وهو ورود النص بذلك الإسم

- ‌المطلب الرابع: الشرط الثاني للأسماء الحسنى وهو: أن تقتضي الأسماء المدح والثناء بنفسها

- ‌المبحث الثاني: مناهج الناس في عدد الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الأولى: القائلون بأن أسماء الله غير محصورة بعدد معين نعلمه

- ‌المطلب الثاني: القائلون بأن أسماء الله محصورة بعدد معين

- ‌المبحث الثالث: مناهج الناس في تعيين الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الأول: منهج المعتمدين على العد الوارد في بعض روايات حديث أبى هريرة رضي الله عنه

- ‌المطلب الثاني: منهج المقتصرين على ما ورد بصورة الاسم

- ‌المطلب الثالث: منهج المتوسِّعين

- ‌المطلب الرابع: منهج المتوسِّطي

- ‌المبحث الرابع: جهود أهل العلم في جمع الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الأول: نماذج لاجتهادات أهل العلم في جمع الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الثاني: الأسماء التي ورد إطلاقها في النُّصوص وأدلَّتها ومن ذكرها من أهل العلم ومن أسقطها

- ‌المطلب الثالث: الأسماء التى لم ترد في النصوص بصورة الاسم وإنما أُخذت بالاشتقاق

- ‌المطلب الرابع: الأسماء المضافة

- ‌المطلب الخامس: الأسماء المزدوجة

- ‌الفصل الثاني: أحكام الأسماء الحسنى

- ‌المبحث الأول: أسماء الله غير مخلوقة أو ما يعرف بمسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الأول: الجانب اللغوي للمسألة

- ‌المطلب الثاني: الجانب العَقَديُّ في المسألة

- ‌المبحث الثاني: أسماء الله كلها حسنى

- ‌المطلب الأول: الأدلة على كون أسماء الله كلها حسنى والمقصود بذلك

- ‌المطلب الثاني: وجه الحسن في أسماء الله:

- ‌المطلب الثالث: الأحكام المستفادة من كون أسماء الله حسنى

- ‌المبحث الثالث: أسماء الله الحسنى أعلام وأوصاف

- ‌المطلب الأول: بيان معتقد أهل السنة في المسألة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على أن أسماء الله أعلام وأوصاف

- ‌المطلب الثالث: الأحكام المستفادة من هذه المسألة

- ‌المبحث الرابع: إحصاء أسماء الله الحسنى

- ‌المطلب الأول: الحث على إحصاء أسماء الله والمقصود بذلك

- ‌المطلب الثاني: مراتب الإحصاء:

- ‌المطلب الثالث: ثمرات إحصاء أسماء الله الحسنى

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: الجانب العقدي في المسألة

‌المطلب الثاني: الجانب العَقَديُّ في المسألة

أولا: عرض الأقوال الواردة في مسألة الاسم والمسمى:

الذي وقفت عليه من الأقوال في هذه المسألة ثمانية أقوال:

أربعة منها لأهل السنة.

وأربعة منها لأهل البدعة.

وهذه الأقوال كما يلي:

القول الأول: الإمساك عن القول في المسألة نفيا وإثباتا؛ فأسماء الله لا يُقالُ فيها: هي هو، ولا هي غيره.

وهذا قول بعض أهل السنة1.

القول الثاني: الاسم للمسمى.

وهذا قوله أكثر أهل السنة2.

القول الثالث: الاسم من المسمّى.

وهذا قولٌ منقولٌ عن أبي بكر بن أبي، داود السجستاني3.

1 مجموع الفتاوى 6/ 187

2 المصدرالسابق 6/ 187، شفاء العليل ص 277

3 شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي 2/ 212

ص: 278

القول الرابع: الاسم هو المسمى (أي الاسم يُراد به المسمَّى) .

وهذا قول بعض أهل السنة1.

القول الخامس: الاسم عين المسمى (أي القول باتحاد الاسم والمسمى) .

وهذا قول الأشاعرة والماتريدية2.

القول السادس: الاسم تارة يكون هو المسمى، وتارة يكون الاسم غير المسمى، وتارة لا يكون الاسم هوالمسمى ولا غيره.

وهذا القول المشهور عن أبي الحسن الأشعري3.

القول السابع: الاسم غير المسمى.

وهذا قول الجهمية والمعتزلة والخوارج، وكثير من المرجئة وكثير من الزيدية4.

القول الثامن: أسماء البارئ لا هي البارئ ولا هي غيره.

وهذا قول لبعض الكلابية5.

1 مجموع الفتاوى 6/ 187، 188.

2 مجموع الفتاوى 6/ 188، أصول الدين للبغدادي ص114، 115، تبصرة الأدلة ص 198.

3 مجموع الفتاوى 6/ 188 المواقف للإيجي ص 133

4 مجموع الفتاوى 6/ 186، مقالات الإسلاميين ص 172.

5 مقالات الإسلاميين ص 172، مجموع الفتاوى 6/ 189

ص: 279

ثانيا: أصل المسألة وأساسها:

لتوضيح الجانب العقدي في مسألة "الاسم والمسمى" يحسن:

أولا: التعرف على أصل المسألة، أساسها الذي تعود إليه، فهذا يعين من جهة على تصور المسألة وفهمها، ويعين من جهة أخرى على معرفة غاية كل طائفة من قولها ومراميها وأهدافها التي تسعى إليها من وراء قولها في المسألة. فأصل هذه المسألة هو مسألة "صفات الله تعالى" فقول كل فريق مبنيٌّ على قوله في صفات الله تعالى على وجه العموم، وفي "صفة الكلام" على وجه الخصوص.

فلمسألة "الاسم والمسمى" ارتباطٌ وثيقٌ بمسألة "صفة الكلام"، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:"إن القول في أسماء الله هو نوع من القول في كلام الله"1.

ولذلك سأعرض لك أقوال من له قول في هذه المسألة في كل من "مسألة الصفات"، و"مسألة صفة الكلام"، وذلك على وجه الإجمال لتتصور خلفية كل فريق وقوله في المسألتين قبل تفصيل الأقوال في مسألة الاسم والمسمى.

أما أقوالهم في مسألة الصفات فهي، كما يلي:

ا- قول أهل السنة والجماعة:

إنهم يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، إثباتٌ بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، فقولهم في الصفات مبنيٌّ على أصلين:

أحدهما: أن الله سبحانه وتعالى منزهٌ عن صفات النقص مطلقا؛ كالسِّنة،

1 مجموع الفتاوى 6/ 186.

ص: 280

والنَّوم، والعجز، والجهل، وغير ذلك.

والثاني: أنه متصفا بصفات الكمال التي لا نقص فيها، على وجه الاختصاص بما له من الصفات، فلا يماثله شيءٌ من المخلوقات في شيء من الصفات1.

2-

قول الجهمية والمعتزلة:

الجهمية والمعتزلة ينفون جميع الصفات عن الله عز وجل، ولا يثبتون له صفة من الصفات التي أثبتها لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

3-

قول الكلابية وقدماء الأشاعرة:

الكلابية والمتقدمون من الأشاعرة كأبي الحسن الأشعري في طوره الثاني، والباقلاني، وابن فورك، يثبتون جميع الصفات ما عدا الأفعال الاختيارية، فإنهم ينفونها.

4-

الأشاعرة المتأخرون والماتريدية:

يثبتون سبع صفات هي: الحياة، العلم، القدرة، 1لإرادة، السمع، البصر، الكلام، وينفون ما عداها من الصفات.

وأما أقوالهم في "مسألة صفة الكلام" فهي كما يلي:

ا- قول أهل السنة والجماعة:

اتفق قول أهل السنة والجماعة على إثبات صفة الكلام لله تعالى، وأن الله يتكلم بمشيئته متى شاء كيف شاء، وكلامه بحرف وصوت مسموعين على الوجه اللائق بجلاله وعظمته.

وصفة الكلام صفة ذاتية وفعلية باعتبارين؛ فإنه باعتبار أصله ونوعه صفة ذاتية؛ لأن الله لم يزل ولا يزال متكلِّما.

1 منهاج السنة 2/523.

ص: 281

وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته تعالى متى شاء وبما شاء1.

2-

قول الجهمية والمعتزلة:

يقولون: إن الله تعالى لا يقوم به شيءٌ من الصفات: لا حياة ولا علم، ولا قدرة، ولا كلام، ولا غير ذلك، وإن كلامه مخلوق، ومن بعض مخلوقاته، خلقه كما خلق السموات والأرض. خارجا عن ذاته، وأنه خلقه في بعض الأجسام، وابتداؤه من ذلك الجسم لا من لله2.

وهذا المذهب هو من فروع ذلك الأصل الباطل المخالف لجميع كتب الله ورسله، ولصريح المعقول والفطر، من جحد صفات الرب وتعطيل حقائق أسمائه ونفي قيام الأفعال به، فلما أصَّلوا أنه لا يقوم به وصفٌ ولا فعلٌ، كان من فروع هذا الأصل أنه لم يتكلم بالقرآن ولا بغيره، وأن القرآن مخلوق3، وأن أسماءه مخلوقةٌ.

3-

قول الكلابية:

إن كلام الله معنى قائم بالنفس، وهو الكلام النفسي، وهو قديم بقِدَمِه تعالى، ولازم لذاته كلزوم الحياة والعلم، غير متعلق بمشيئته وقدرته، وأنه لا يسمَع على الحقيقة، والحروف والأصوات حكايةٌ له دالةٌ عليه، وهي مخلوقةٌ4.

1 مختصر الصواعق المرسلة 2/ 293، شرح العقيدة الطحاوية ص 180، العقيدة السلفية في كلام ربِّ البرية ص 63

2 مختصر الصواعق المرسلة 2/ 288، 289، شرح العقيدة الطحاوية ص 180، العقيدة السلفية في كلام رب البرية ص 277

3 مختصر الصواعق 2/ 290.

4 مختصر الصواعق 2/290، 291، شرح الطحاوية ص 180، العقيدة السلفية في كلام رب البرية ص 7.

ص: 282

4-

قول الأشاعرة والماتريدية:

يقولون إن كلام الله معنى نفسي قائم بذات الرب، وهو صفة أزلية قديمة قِدَم الذات الإلهية، وإنه واحدٌ لا يتجزأ ولا يتبعض وهو التوراة والإنجيل والقرآن، وليس بحرف ولا صوت، وإن الألفاظ عبارة عنه، وهي خلقٌ من المخلوقات1.

والفرق بينهم وبين الكلابية؛ أن الكلابية يقولون بأن الحروف والأصوات حكاية لكلام الله ودالةٌ عليه. والأشاعرة والماتريدية يقولون إنها عبارة، ولا يسمونها حكاية2.

كما أن الكلابية يقولون: هو معانٍ متعددة في نفسها، فهو عندهم أربع معان، وهي الأمر، والنهي، والخبر، والاستفهام.

وأما الأشاعرة فيقولون: هو معنى واحدٌ بالعين لا ينقسم ولا يتبعض3.

ثالثا: تفصيل الأقوال في مسألة الاسم والمسمَّى:

أولا: قول أهل السنة والجماعة:

يثبت أهل السنة والجماعة الصفات لله حقيقة، ويؤمنون بأن الله متصفا بصفة الكلام حقيقة، وهم لذلك يؤمنون بأن الله سمى نفسه وتكلم بهذه الأسماء، وأن هذه الأسماء ليست من وضع البشر، وليست مخلوقة، وكذلك هي دالة على الصفات حقيقة.

1 مختصر الصواعق 2/ 291، 292، شرح العقيدة الطحاوية ص 180، العقيدة السلفية في كلام رب البرية ص 278، 279

2 مختصر الصواعق 2/ 291

3 المصدر السابق 2/ 329.

ص: 283

ويؤمنون بأن أسماء الله الحسنى التي في القرآن من كلامه عز وجل، وكلامه غير مخلوق، ولذلك يقولون: إذا كان القرآن كلامه وهو صفة من صفاته، فهو متضمن لأسمائه الحسنى، فإذا كان القرآن غير مخلوق ولا يقال: إنه غير الله، فكيف يقال إن بعض ما تضمنه وهو أسماؤه مخلوقة وهي غيره1.

وقد اتَّفق قول أهل السنة في الرد على من زعم بأن أسماء الله مخلوقة وقال بأن الاسم غير المسمى. ولذلك كان معروفا عند أئمة أهل السنة مثل الإمام أحمد وغيره إنكارهم على الجهمية الذين يقولون: أسماء الله مخلوقة، فيقولون الاسم غير المسمى، وأسماء الله غيره، وما كان غيره فهو مخلوق2.

قال الإمام أحمد رحمه الله: "لسنا نَشُكُّ أن أسماء الله عز وجل غير مخلوقة؛ لسنا نشك أن علم الله غير مخلوق، فالقرآن من علم الله وفيه أسماء الله، فلا نشك أنه غير مخلوق، وهو كلام الله عز وجل، لم يزل متكلما به"3.

وقال: "من زعم أن أسماء الله مخلوقة فهوكافر"4.

وقال إسحاق بن راهويه: "أفضوا إلى أن قالوا: أسماء الله مخلوقة؛ لأنه كان ولا اسم، وهذا الكفر المحض"5.

ويروى عن الشافعي والأصمعي وغيرهما أنه قال: "إذا سمعت الرجل يقول: الاسم غير المسمى، فاشهد عليه بالزندقة"6.

1 بدائع الفوائد 1/ 18.

2 مجموع الفتاوى 6/ 185، 186.

3 الإبانة ص 75.

4 شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/ 214 رقم 351، 352.

5 شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/ 214 رقم 351، 352

6 مجموع الفتاوى 6/187، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/211، 212.

ص: 284

فهذا هو موقف أهل السنة والجماعة من أصل المسألة ومن دعوى من قال بأن أسماء الله مخلوقة وأطلق القول بأن "الاسم غير المسمى".

أما موقفهم من القول نفسه- أي هل يُقالُ: الاسم هو المسمى أو غير المسمى، وغير ذلك من الألفاظ-.

فلأهل السنة والجماعة تجاه ذلك أربعة مواقف، متفقة جميعًا في مضمونها وإن اختلفت في ألفاظها وتعبيراتها، وهذه المواقف هي:

الموقف الأول:

الإمساك عن القول في المسألة نفيا وإثباتا، فلا يقال:"الاسم هو المسمى"، ولا يُقال:"الاسم غير المسمى".

إذ إن كلا الإطلاقين بدعة1 فلم يعرف عن أحد من السلف أنه قال: الاسم هو المسمى؛ بل هذا قاله كثير من المنتسبين إلى السنة بعد الأئمة. والقول بأن "الاسم غير المسمى" هو قول الجهمية والمعتزلة.

وهذا القول ذكره الخلال عن إبراهيم الحربي وغيره، وذكره أبو جعفر الطبري في الجزء الذي سمَّاه صريح السنة2، حيث قال: "وأما القول في الاسم أهو المسمى أم غير المسمى، فإنه من الحماقات الحادثة التي لا أثر فيها فيُتَّبغ، ولا قول من إمام فيُستَمغ، فالخوض فيها شينٌ، والصمتُ عنه زينٌ، وحسب المرء من العلم به والقول فيه أن ينتهي إلى قول الله عز وجل ثناؤه الصادق وهو قوله:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ، وقوله تعالى:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} 3.

1 مجموع الفتاوى 6/ 187

2 مجموع الفتاوى 6/ 187

3 صريح السنة ص 26، 27، تحقيق بدر يوسف المعتوق

ص: 285

قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن أورد كلام الطبري السابق: "وهذا هو القول بأن الاسم للمسمى"1؛ وهذا التعليق من شيخ الإسلام لعل مراده منه أن يبتن أن ما نقل عن بعض علماء أهل السنة من الإمساك في المسألة نفيا وإثباتا، لا يتعارض مع ما نقل عن البعض الآخر من قول في المسألة، فأهل السنة يمسكون عن الأقوال المحدثة المبتدعة، لاستغنائهم بالألفاظ الشرعية من جهة، ولأن الألفاظ البدعية تجرُّ إلى محاذير فاسدة.

فسكوتهم إنما كان عن الألفاظ البدعية لا عن الألفاظ الشرعية، ويؤكد هذا الفهم ما نقل عن الإمام أحمد في المسألة، فقد ذكر القاضي ابن أبي يعلى أن الإمام أحمد كان يشقُّ عليه الكلام في "الاسم والمسمى" ويقول: هذا كلام محدث، ولا يقول: الاسم غير المسمى، ولا هو هو، ولكن يقول الاسم للمسمَّى اتباعا لقوله تعالى:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} 2.

فالذي يظهر لي والله أعلم أن الموقف الأول هو تتميمٌ للموقف الثاني، فلا يقال:"الاسم غير المسمى"، ولا "الاسم هو المسمى" ولكن يقال:"الاسم للمسمى" لأن النصوص دلت على ذلك.

الموقف الثاني: الاسم للمسمى:

وهذا قول أكثر المنتسبين إلى السنة من أصحاب الإمام أحمد وغيره3.

وهذا الذي دلت عليه النصوص.

1 مجموع الفتاوى 6/ 187.

2 طبقات الحنابلة 2/ 270

3 مجموع الفتاوى 6/ 187، 206، 207، شفاء العليل ص 277.

ص: 286

قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 1.

وقال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 2.

وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 3. وقال تعالى: {لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 4.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسما"5.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما الذين يقولون: "الاسم للمسمى" كما يقوله أكثر أهل السنة فهؤلاء وافقوا الكتاب والسنة والمعقول"6.

قال ابن القيم: "والاسم للمسمى ولا يقال غيره"7.

الموقف الثالث: الاسم من المسمى:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كان في كلام الإمام أحمد أن هذا الاسم من أسمائه الخسنى، وتارة يقول: الأسماء الحسنى له"8.

وهذا القول أيضا لأبي بكر بن أبي داود السجستاني.

وقد ذكره اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، حيث قال: "أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران، عن أبي بكر بن أبي داود السجستاني،

1 الآية 185 من سورة الأعراف

2 الآية 8 من سورة طه

3 الآية 110 من سورة الإسراء

4 الآية 24 من سورة الحشر

5 متفق عليه.

6 مجموع الفتاوى 6/ 206، 207

7 شفاء العليل ص 277.

8 مجموع الفتاوى 6/ 198.

ص: 287

قال: من زعم أن الاسم غير المسمى فقد زعم أن الله غير الله، وأبطل في ذلك؛ لأن الاسم غير المسمى في المخلوقين لأن الرجل يسمَّى محمودٌ وهو مذمومٌ، ويسمى قاسم ولم يقسم شيئا قط. إنما الله جل ثناؤه واسمه منه، ولا نقول: اسمه هو، بل نقول: اسمه منه"1.

ومقصوده أن الله هو المسمي نفسه بأسمائه الحسنى، وأن لها معانيَ دالة عليها، وهذا هو معتقد أهل السنة في أسماء الله كما تقدم ذكره.

وهو يريد بذلك الرد على المعتزلة في، زعمهم أن الصِّفات لا تقوم بالذَّات، وأن الأسماء لاتدلُّ على الصفات.

الموقف الرابع: الاسم هو المسمى:

وهذا قاله كثير من المنتسبين إلى السُّنة بعد الأئمة، وإن كان قد أنكره أكثر أهل السنة عليهم2.

وممن قال به اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة3. والسجزي في رسالته إلى أهل زبيد4، والأصبهاني، في الحجَّة في بيان المحجَّة5، والبغوي صاحب شرح السنة، وغيرهم6.

وهؤلاء جعلوا الاسم ليس هو اللفظ، بل هو المراد باللفظ "أي المسمى" فهم يقولون: إنك إذا قلت: يا زيد! يا عمر! فليس مرادك دعاء اللفظ، بل

1 2/212

2 مجموع الفتاوى 6/187، 188

3 2/204

4 ص 179.

5 2/ 187، 189.

6 مجمرع الفتاوى 6/ 188

ص: 288

مرادك دعاء المسمى باللفظ، وذكرت الاسم، فصار المراد بالاسم هو المسمى.

فهؤلاء نظروا إلى المسألة من جهة أن أسماء الأشياء إذا ذُكِرَت في الكلام المؤلف فإنما المقصود هو المسميات، فقالوا:" الاسم هو المسمى" أي يراد به المسمى.

وهذا لا ريب فيه، فإنه إذا أخبر عن الأشياء فَذُكِرَت أسماؤها فقيل مثلا:"محمدٌ رسول الله وخاتم النبيين، وكلَّم الله موسى تكليما، فليس المراد أن هذا اللفظ هو الرسول، وهو الذي كلمه الله، وكذلك إذا قيل: جاء زيد، واشهد على عمرو، وفلانٌ عدلٌ، ونحو ذلك، فإنما تُذكر الأسماء ويُراد بها المسميات"1.

ثانيا: أقوال المبتدعة في المسألة:

القول الخامس: الاسم عين المسمى:

وهو قول الأشاعرة والماتريدية.

وهؤلاء وإن وافقوا السلف على أن كلامه غير مخلوق وأسماءه غير مخلوقة، لكنهم يقولون: إن الكلام والأسماء من صفات ذاته، لكنه لا يتكلَّم ولا يسمَّي نفسه بمشيئته وقدرته2، فهم جميعا ينكرون صفات الأفعال الاختيارية، وبالتالي هم وإن أثبتوا صفة الكلام لله عز وجل لكنهم لا يثبتونها على الحقيقة.

فهم يقولون في كلام الله: هو الكلام النفسي (أي المعنى القائم بالنفس)

1 المصدر السابق 6/ 188-189 "بتصرف".

2 مجموع الفتاوى 6/ 186

ص: 289

فهو عندهم: معنى واحد قائم بذاته، غير مخلوق؛ صفة من صفاته غير بائن منه، لم يزل موصوفا به، ليس بحرف ولا صوت وليس هوبلغة، ولا يتجزأ ولا ينقسم ولا يتفاضل، ولا يتعلق بمشيئة الله واختياره، وأن الله يفهمه من يشاء بعبارات مخلوقة تدل عليه، فعبارة القرآن بالعربية، والتوراة بالعبرية، والإنجيل بالسريانية، وهي عبارات عن، الكلام النفسي الحقيقي ودلالات عليه، وهي جميعا بمعنى واحد، فمعنى القرآن هو معنى التوراة والإنجيل وغير ذلك من كلام الله، وتكليم الله لمن، كلمه من عباده إنما هو خلق إدراك ذلك المعنى لهم فالقرآن والتوراة والإنجيل بألفاظها وحروفها مخلوقة، وهي دلالات على الكلام النفسي، خلقها الله في شيء.

وقالوا في القرآن العربي؛ خلقه الله في اللوح المحفوظ، وهذا هو الأشهر عن المتأخرين، ومنهم من قال: خلقه في، الهواء، فأخذه جبريل عليه السلام، ومنهم من قال: بل إن الله أفهم جبريل المعنى فعبر عنه جبريل بقوله، فالقرآن قول جبريل عليه السلام، ومنهم من قال: بل هو عبارة محمد صلى الله عليه وسلم1.

فهؤلاء ينكرون أن الله يتكلم حقيقة بحرف وصوت مسموعين، وينكرون أن الله يتكلم بمشيئته واختياره أي متى شاء تكلم ومتى شاء لم يتكلم، وينكرون تكليم الله لمن شاء من ملائكته ورسله "وهم بذلك وافقوا الجهمية والمعتزلة في أصل قولهم: إنه متكلم بكلام لا يقوم بنفسه ومشيئته وقدرته، وإنه لا تقوم به الأمور الاختيارية"2.

وبالتالي فإن عقيدة هؤلاء في كلام الله جرتهم إلى إدخال أسمائه الحسنى

1 العقيدة السلفية في كلام رب البرية ص 343-344.

2 مجموع الفتاوى 12/ 594.

ص: 290

فالعرب تفرق بين الاسم والمسمى، وهؤلاء يقولون باتحاد الاسم والمسمى.

ف "زيد" اسم علم بلا نزاع، فإذا سٌمِّي أحد به لم يكن هو عين المسمى، إنما هو اللفظ الدال عليه، وإطلاق هذا اللفظ على زيد هوتسميته به1.

فهم ادعوا أن لفظ الاسم الذي هو "ألف- سين- ميم": هو في الأصل ذات الشيء، ولكن التسمية سٌمِّيت اسما لدلالتها على ذات الشيء، تسمية للدال باسم المدلول، كتسمية المقدور قدرة.

وليس الأمر كذلك، بل التسمية مصدر سمى يسمي تسمية، والتسمية: نطق بالاسم وتكلم به، ليست هي الاسم نفسه، وأسماء الأشياء هي الألفاظ الدالة عليها، وليست هي أعيان الأشياء، وأما تسمية المقدور قدرة فهو من باب تسمية المفعول باسم المصدر، وهذا كثيرٌ شائع في اللغة، كقولهم للمخلوق: خلق، وقولهم: درهم ضرب الأمير، أي: مضروب الأمير، ونظائره كثيرةٌ2.

فخلاصة دعوى هؤلاء تقوم على أمربن:

ا- أن لفظ "اسم" الذي هو "ألفا- سين- ميم" معناه: ذات الشيء ونفسه.

2-

وأن الأسماء التي هي الأسماء: مثل: "زيد وعمرو" هي التسميات وليسمت هي أسماء المسميات.

وكلاهما باطل مخالف لما يعلمه جميع الناس من جميع الأمم ولما يقولونه؛ فإنهم يقولون: إن "زيدا وعمرا" ونحو ذلك هي أسماء الناس.

1 مجموع الفتاوى 6/ 195، العقيدة السلفية في كلام رب البرية ص 398-399

2 مجموع الفتاوى 6/ 195.

ص: 292

و"التسمية": جعل الشيء اسما لغيره، هي مصدر "سميته، تسمية" إذا جعلت له اسما.

و"الاسم" القول الدال على المسمى،. ليس الاسم الذي هو لفظ "اسم" أي:"ألف- سين- ميم" هو "المسمى"؛ بل قد يُراد به المسمى؛ لأنه حكم عليه ودليل عليه، وهم تكلَّفوا هذا التكلف ليقولوا: إن اسم الله غير مخلوق، ومرادهم أن الله غير مخلوق، وهذا مما لا تنازع فيه الجهمية والمعتزلة.

وبالتالي هم وافقوا الجهمية والمعتزلة في المعنى، ووافقوا قول من قال من أهل السنة:"الاسم هوالمسمى" في اللفط فقط1.

ولقد أنكر قولهم جمهور الناس من أهل السنة وغيرهم2 حتى بعض كبار الأشاعرة كالغزالي والرازي، فالغزالي يقول:"والحق أن الاسم غير التسمية وغير المسمى، وأن هذه الثلاثة أسماء متباينة غير مترادفة"3.

وقال الرازي: "المشهور من قول أصحابنا رحمهم الله تعالى أن الاسم نفس المسمى وغير التسمية، وقالت المعتزلة إنه غير التسمية وغير المسمى، واختيار الشيخ الغزالي أن الاسم والمسمى والتسمية أمور ثلاثة متباينة هو الحق عندي"4.

وقد أورد الرازي بعض حججهم ورد عليها، وبعض ردوده وفق الطريقة الكلامية فلا تخلو من مخالفات، وأحسن من، تصدى لشبههم ورد عليها شيخ الإسلام ابن تيمية، وسأورد لك بعض ما تمسكوا به من شواهد- وإن كانت في

1 مجموع الفتاوى 6/ 192.

2 مجموع الفتاوى 6/ 191.

3 المقصد الأسنى في شرح الأسماء الحسنى ص 7.

4 لوامع البينات ص 21.

ص: 293

الحقيقة حجة عليهم- وأذكر رد شيخ الإسلام لها.

الحجة الأولى:

قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} 1.

وقوله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ} 2.

وقوله: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} 3.

ووجه الاستدلال:

أنه أمر بتسبيح اسم الله تعالى، ودل العقل على أن المسبّح هو الله تعالى لا غيره، وهذا يقتضي أن اسم الله تعالى هو هو لا غيره4.

الرد عليهم:

احتجاجهم بقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، وأن المراد سبح ربك الأعلى، وكذلك قوله:{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ} ، وما أشبه ذلك. فهذا للناس فيه قولان معروفان: وكلاهما حجة عليهم:

القول الأول:

منهم من قال: " الاسم " هنا صلة والمراد سبّح ربك وتبارك ربك.

وإذا قيل: هو صلة زائد لا معنى له؛ فيبطل قولهم: إن مدلول لفظ اسم "ألف- سين- ميم" هو المسمى، فإنه لو كان له مدلول مراد لم يكن صلة.

ومن قال: إنه هو المسمى وإنه صلة، فقد تناقض؛ فإن الذي يقول: هو

1 الآية امن سورة الأعلى.

2 الآية 78 من سورة الرحمن.

3 الآية 74 من سورة الواقعة.

4 لوامع البينات للرازي ص 24.

ص: 294

صلة لا يجعل له معنى؛ كما يقوله من يقول ذلك في الحروف الزائدة التي تجيء للتوكيد، كقوله:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} 1، وقوله:{قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} 2.

والقول الثا ني:

إنه ليس بصلة، بل المراد تسبيح الاسم نفسه، وهذا مناقض لقولهم مناقضة ظاهرة.

و"التحقيق" أنه ليس بصل، بل أمر الله بتسبيح اسمه، كما أمر بذكر اسمه، والمقصود بتسبيحه وذكره هو:

ا- إما تسبيح المسمى وذكره، فإن المسبح والذاكر إنما يسبح اسمه ويذكر اسمه، فيقول:"سبحان ربي الأعلى" فهو نطق بلفظ ربِّيَ الأعلى، والمراد هو المسمى بهذا اللفظ، فتسبيح الاسم هو تسبيح المسمى، فقول {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} أي قل: سبحان ربيَ الأعلى.

وإلى هذا ذهب جماعة من الصحابة، وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} فقال: "سبحان ربي الأعلى"3. وحديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما نزل {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قال: "اجعلوها في ركوعكم"، ولما نزل: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} قال: "اجعلوها في سجودكم"4.

1 الآية 159 من سورة ال عمران

2 الآية 40 من سورة المؤمنون

3 أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/ 232) .

4 أخرجه أبوداود في سننه 1/542 ح 869، وابن ماجه في سننه 1/160 ح 872.

ص: 295

والمراد بذلك أن يقولوا في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى، فالذي يقول: سبحان الله، وسبحان ربنا، إنما نطق بالاسم الذي هو "الله"، والذي هو "ربنا" فتسبيحه إنما وقع على الاسم ولكن مراده هو المسمى، فهذا يبين أنه ينطق باسم المسمى والمراد المسمى. وهذا لا ريب فيه، لكن هذا لا يدل على أن لفظ اسم الذي هو "ألف- سين- ميم)) يُراد به المسمى. ولكن يدل على أن "أسماء الله" مثل "الله" و"ربنا" و"ربي الأعلى" ونحو ذلك يراد بها المسمى، مع أنها هي في نفسها ليست هي المسمى، لكن يُراد بها المسمى.

2-

وإما أن يكون المقصود بتسبيحه تسبيح الاسم.

ومن جعله تسبيحا للاسم يقول: المعنى: إنك لا تُسمِّ به غير الله، ولا تلحد في أسمائه، فهذا ما يستحقه اسم الله.

ولكن هذا تابع للمراد بالآية وليس هو المقصود بها القصد الأول.

وقد ذكر الأقوال الثلاثة غير واحد من المفسرين1.

وأما قوله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ} فالجواب فيها:

أولا: أن الآية فيها قراءتان:

أ- فالأكثرون يقرأون "ذي الجلال"، فالربُّ المسمى هو ذو الجلال والإكرام.

ب- وقرأ ابن عامر: "ذو الجلال والإكرام"، وكذلك هي في المصحف الشامى، وفي مصاحف أهل الحجاز والعراق هي بالياء.

وأما قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ} 2 فهي بالواو

1 مجموع الفتاوى 6/ 199، 201 "بتصرف"

2 الآية 27 من سورة الرحمن.

ص: 296

باتفاقهم.

ثانيا: أن "تبارك" تفاعل من البركة، والمعنى أن البركة تُكتسب وتُنال بذكر اسمه؛ فلو كان لفظ الاسم معناه المسمى لكان يكفي قوله "تبارك ربك" فإن نفس الاسم عندهم هو نفس الرب؛ فكان هذا تكريرا.

وقد قال بعض الناس: إن ذكر الاسم هنا صلة، والمراد تبارك ربُّك؛ ليس المراد الإخبار عن اسمه بأنه تبارك، وهذا غلط، فإنه على هذا يكون قول المصلِّي "تبارك اسمك" أي: تباركت أنت، ونفس أسماء الرب لا بركة فيها. ومعلوم أن نفس أسمائه مباركة وبركتها من جهة دلالتها على المسمى. ولهذا فرّقت الشريعة بين ما يُذكر اسم الله عليه، وما لا يُذكر اسم الله عليه في مثل قوله:{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ} 1، وقوله:{وَمَا لَكُمْ أَلَاّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} 2، وقوله:{وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} 3.

الحجة الثانية:

قوله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَاّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} 4

ووجه استدلالهم:

أن الله أخبر أنهم عبدوا الأسماء، والقوم ما عبدوا إلا تلك الذوات، فهذا يدل على أن الاسم هو المسمى5.

1 الآية 118 من سورة الأنعام

2 الآية 119 من سورة الأنعام

3 الآية 4 من سورة المائدة

4 الآية 40 من سورة يوسف

5 لوامع البينات ص 24.

ص: 297

والرد عليهم:

أنه ليس المراد كما ذكروه: أنكم تعبدون الأوثان المسماة، فإن هذا هم معترفون به، والرب تعالى نفى ما كانوا يعتقدونه، وأثبت ضده، ولكن المراد أنهم سموها آلهة، واعتقدوا ثبوت الإلية فيها، وليس فيها شيء من الإلهية، فإذا عبدوها معتقدين إلهيتها مسمين لها آلهة لم يكونوا قد عبدوا إلا أسماء ابتدعوها هم، ما أنزل الله بها من سلطان؛ لأن الله لم يأمر بعبادة هذه ولا جعلها آلهة، كما قال:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} 1، فتكون عبادتهم لما تصوّروه في أنفسهم من معنى الإلهية وعبروا عنها بألسنتهم، وذلك أمر موجود في أذهانهم وألسنتهم لا حقيقة له في الخارج2، فما عبدوا إلا هذه الأسماء، التي تصوروها في أذهانهم، وعبّروا عن معانيها بألسنتهم؛ وهم لم يقصدوا عبادة الصّنم إلا لكونه إلاها عندهم، وإلاهيته هي في أنفسهم لا في الخارج، فما عبدوا في الحقيقة إلا ذلك الخيال

1 الآية 45 من سورة الرخرف.

2 الشيء له أربعة مراتب:

المرتبة الأولى: مرتبة في الأعيان والمراد. بها وجوده العيني.

والمرتبة الثانية: مرتبة في الأذهان، والمراد. بها وجوده الذهني.

والمرتبة الثالثة: مرتبة في اللسان، والمراد بها وجوده اللفظي.

والمرتبة الرابعة: مرتبة في الخط، والمراد بها وجوده الرسمي.

وهذه المراتب الأربعة تظهر في الأعيان القائمة بنفسها "كالشمس" مثلا، وفي أكثر الأعراض أيضا، كالألوان وغيرها، وتارة تتحد مرتبتان كالعلم، فإن وجوده الخارجي مماثل لوجوده الذهني، وكالكلام فقد اتحدت فيه المرتبتان الخارجية واللفظية.

انظر: مختصر الصواعق 2/ 304، 305.

ص: 298

الفاسد الذي عبّر عنه.

ولهذا قال في الآية الأخرى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} 1، يقول: سموهم بالأسماء التي يستحقونها، هل هي خالقة رازقة محيية مميتة، أم هي مخلوقة لا تملك ضرًا ولا نفعًا؛ فإذا سموها فوصفوها بما تستحقه من الصفات تبين ضلالهم. قال تعالى:{أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ} ، وما لا يعلم أنه موجود فهو باطل لا حقيقة له، ولو كان موجودا لعلمه موجودا {أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} أم بقول ظاهر باللسان لاحقيقة له في القلب، بل هوكذب وبهتان2.

وقال الرازي- وهو من كبار الأشاعرة- في معرض رده لحجة الأشاعرة هذه: "إن الآية تدل على أن اسم الإله كان حاصلا في حق الأصنام، ومسمى الإله ما كان حاصلا في حقهم، وهذا يوجب المغايرة بين الاسم والمسمى، ويدل على أن الاسم غير المسمى.

ثم نقول: المراد بالآية أن تسمية الصنم بالإله كان اسما بلا مسمى، كمن يسمي نفسه باسم السلطان وكان في غاية القلة والذلة، فإنه يقال: إنه ليس له من السلطنة إلا الاسم، فكذا هنا"3.

الحجة الثالثة:

احتجوا بقوله تعالى: {نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} 4 ثم قال: {يَا يَحْيَى خُذِ

1 الآية 33 من سورة الرَّعد.

2 مجموع الفتاوى 6/ 194، 195.

3 لوامع البينات ص 28، 29

4 الآية 7 من سورة مريم.

ص: 299

الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} 1، فنادى الاسم وهو المسمى2.

الرد عليهم:

إن الاسم الذي هو يحيى هو هذا اللفظ المؤلف من "ياء" و"حاء" و"ياء" هذا هو اسمه، ليس اسمه هو ذاته، بل هذا مكابرة. ثم لما ناداه فقال:{يَا يَحْيَى} ، فالمقصود المراد بنداء الاسم هو نداء المسمى؛ لم يقصد نداء اللفظ، لكن المتكلم لا يمكنه نداء الشخص المنادى إلا بذكر اسمه وندائه، فيعرف حينئذ أن قصده نداء الشخص المسمى، وهذا من فائدة اللغات، وقد يدعى بالإشارة، وليست الحركة هي ذاته، ولكن هي دليل على ذاته3.

وهؤلاء اقتصروا على أن أسماء الشيء؛ إذا ذُكرت في الكلام فالمراد بها المسميات- كما ذكروه في قوله: {يَا يَحْيَى} ، ونحو ذلك لكان ذلك معنى واضحا لا ينازعه فيه من فهمه، ولكن لم يقتصروا على ذلك، ولهذا أنكر قولهم جمهور الناس من أهل السنة وغيرهم لما في قولهم من الأمور الباطلة كما تقدم ذكره4.

الحجة الرابعة:

المتمسك بقول لبيد:

إلى الحَوْلِ ثم اسم السَّلام عليكما

ومن يبكِ حولا كاملا فقد اعتذر

ووجه استشهادهم: أنه أراد باسم السلام نفس السلام، وهذا يقتضي أن

1 الآية 12 من سورة مريم.

2 مجموع الفتاوى 6/ 190.

3 المصدر السابق 6/ 192، 193

4 المصدر السابق 6/ 191.

ص: 300

يكون الاسم نفس المسمى1.

الرد عليهم:

ما ذكروه من قول لبيد مراده ثم النُّطق بهذا الاسم وذكره وهو التسليم المقصود، وكأنه قال: ثم سلام عليكم، ليس مراده أن السلام يحصل عليهما بدون أن ينطق به ويذكر اسمه، فإن اسم السلام قولٌ؛ فإن لم ينطق به ناطق ويذكره لم يحصل2.

الحجة الخامسة:

التمسك بقول سيبويه: "الأفعال أمثلة أ: أُخِذت من لفظ أحداث الأسماء"؛ ومن المعلوم أن الأحداث التي هي المصادر صادرة عن المسميات لا عن الألفاظ، فدلَّ هذا على أن قوله من أحداث لفظ الأسماء، أي من لفظ أحداث المسميات3.

الرد عليهم:

إن هذا لا حجة فيه؛ لأن سيبويه مقصوده بذكر الاسم والفعل ونحو ذلك الألفاظ، وهذا اصطلاح النحويين، سمُّوا الألفاظ بأسماء معانيها؛ فسموا "قام ويقومُ وقُم" فعلا؛ والفعل هو نفس الحركة، فسموا اللفظ الدال عليها باسمها. وكذلك إذا قالوا: اسم معربٌ! ومبنيٌ، فمقصودهم اللفظ، ليس مقصودهم المسمى، وإذا قالوا: هذا الاسم فاعل فمرادهم أنه فاعل اللفظ؛ أي أسنِدَ إليه الفعل، ولم يرد سيبويه بلفظ الأسماء المسميات كما زعموا، ولو

1 لوامع البينات ص هـ2.

2 مجموع الفتاوى 6/ 202.

3 لوامع البينات ص هـ2.

ص: 301

أرادوا ذلك فَسَدَتْ صناعته"1.

الحجة السادسة:

إن القائل إذا قال: ما اسمُ معبودكم؟

قلنا: الله، فإذا قال: ما معبودكم؟ قلنا: الله.

فنجيب في الاسم بما نجيب به في المعبود؛ فدلّ على أن اسم المعبود هو المعبود لا غير2

الرد عليهم:

إن هذا حجة باطلة وهي عليهم لا لهم.

فإن القائل إذا قال: ما اسم معبودكم؟ فقلنا: الله، فالمراد أن اسمه هو هذا القول، ليس المراد أن اسمه هو ذاته وعينه الذي خلق السموات والأرض، فإنه إنما سأل عن اسمه، لم يسأل عن نفسه؛ فكان الجواب بذكر اسمه.

وإذا قال: ما معبودكم؟ فقلنا: الله، فالمراد هناك المسمى؛ ليس المراد أن المعبود هو القول.

فلما اختلف السؤال في الموضعين اختلف المقصود بالجواب، وإن كان في الموضعين قال: الله، لكنه في أحدهما أريدَ هذا القول الذي هو من الكلام؛ وفي الآخر أريد به المسمى بهذا القول. كما إذا قيل: ما اسم فلانٍ؟ فقيل: زيدٌ أو عمرو، فالمراد هو القول، وإذا قيل: من أميرُكُم؟ أو من أنكحت؟ فقيل؛ زيد أو عمرو، فالمراد به الشخص، فكيف يجعل المقصود في الموضعين

1 مجموع الفتاوى 6/ 252.

2 مجموع الفتاوى 6/ 190، 191.

ص: 302

واحدا؟ 1.

القول السادس:

الاسم تارة يكون هو المسمى كاسم "الله" و"الموجود"، وتارة الاسم غير المسمى كاسم "الخالق"، و"الرَّازق"، وتارة لا يكون هو المسمى ولا غير المسمى كاسم "العليم"، "والقدير":

وهذا هو القول المشهور عن أبي الحسن الأشعري2، وقد قسَّم الأسماء إلى ثلاثة أقسام، فقال:

ا- قد يكون الاسم عين المسمى نحو: "الله"، فإنه اسم علم للذات من غير اعتبار معنى فيه.

2-

وقد يكون غيره نحو: "الخالق" و"الرّازق " مما يدل على نسبته إلى غيره.

3-

وقد يكون لا هو ولا غيره ك"العليم" و"القدير" مما يدل على صفة حقيقية3.

وهذا التقسيم راجع إلى اعتبار معانيها ومعتقده فيها.

فالقسم الأول: يرى أنه اسم جامد لا يدل، على معنى، وهذا زعم مردود؛ فليس في الأسماء الحسنى اسم جامد غير مشتق، فكل أسماء الله الحسنى دالة على معان في غاية الكمال.

وأما القسم الثاني: فلاعتقاده- في طور، الثاني4 - بنفي صفات الأفعال

1 مجموع الفتاوى 6/ 197، 198.

2 مجموع الفتاوى 6/ 188.

3 المواقف في علم الكلام للإيجي ص 333.

4 مرّ أبو الحسن الأشعري بثلاثة أطوار، فقد كان معتزليا إلى سن الأربعين، ثم كان كلابيا يثبت الصفات الخبرية وينفي الأفعال الاختيارية، ثم رجع عن ذلك إلى عقيدة أهل السنة.

ص: 303

الاختيارية وإنكار قيامها بالله عز وجل، فهو بالتالي جعل "الخالق" و"الرازق" ونحوهما غير المسمى، وهذا قول باطل، فاسمه "الخالق" هو الرب الخالق نفسه وليس المخلوقات، كما أن اسمه "العليم" هو الرب العليم الذي العلم صفته، فليس العلم هو المسمى ولا الخلق هوالمسمى.

وأما القسم الثالث: فلإثباته الصفات الذاتية فقد جعل العليم والحكيم ونحوهما للمسمى1.

القول السابع: الاسم غير المسمى:

وهو قول الجهمية والمعتزلة، فهم لا يثبتون لله صفات يتصف بها حقيقة، فلذلك ينفون صفة الكلام عن الله عز وجل، ويقولون: إن الله لم يتكلم بكلام يقوم بذاته؛ وإن كلامه مخلوق خلقه كما خلق السموات والأرض خارجا عن ذاته، فأنكروا أن يقوم بذاته كلام أو قول، وبالتالي لم يسم نفسه باسم هو المتكلم به، فأسماؤه مخلوقة.

"فغاية قولهم إن الله سبحانه كان ولا اسم له حتى خلق لنفسه اسما، أوحتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم وهذا من أعظم الضلالة والإلحاد في أسماء الله تعالى"2.

ولذلك قالوا: الاسم غير المسمى، فأسماء الله غيره، وما كان غيره فهو مخلوق، ف "الرحمن- الرحيم- الحيُّ- القيُّوم)) هذه الأسماء المؤلفة من الحروف وغيرها من الأسماء الحسنى مخلوقة عندهم.

ولذلك ينفون ما دلت عليه من المعاني لأنهم يعاملونها معاملة أسماء

1 مجموع الفتاوى 6/ 201- 202 "بتصرف".

2 شرح الطحاوية ص 131.

ص: 304

المخلوقين، أي على أنها لم توضع لمسماها باعتبار معنى قائم به، بل هي أعلام محضة لا تدل على معنى، كما سبق وأن، أوضحنا ذلك في التمهيد.

وأما قول هؤلاء بأن أسماء الله أو كلامه غيره، فَيُجاب عنه بأن لفظ الغير مجمل يحتاج إلى تفصيل. (وتحقيق ذلك أن الشيء له أربع مراتب:

المرتبة الأولى: مرتبته في الأعيان، ويراد بها وجوده العيني الخارجيُّ.

والمرتبة الثانية: مرتبته في الأذهان، ويراد بها وجوده الذهنيُّ.

والمرتبة الثالثة: مرتبته في اللسان، ويراد: بها وجوده اللفظيُّ.

والمرتبة الرابعة: مرتبته في الخطِّ، ويراد بها وجوده الرسميُّ1.

ا- فإن أريد "بالغير": المغايرة بين الوجود اللفطي والوجود العيني فهذا صحيح، وهذا الذي عناه أهل اللغة بقولهم في الاسم: هو اللفظ الذال على المسمى، (وهذا ما يسمى بالوجود اللفظي) .

وقولهم في المسمى: هو الشيء الموجود في الأعيان هنا: (وهذا ما يسمى بالوجود العينيِّ) .

2-

وإن أريد "بالغير" المغايرة في الوجود الذهني، فهذا صحيح، فإذا أريد بالغير هذا فإنما يفيد المباينة في ذهن الإنسان، فقد يذكر الإنسان الله ويخطر بقلبه ولا يشعر حينئذ بكل معاني أسمائه، بل قد يشعر بالبعض دون البعض الآخر، فقد لا يخطر له أنه عزيز وأنه حكيم، لكونه قد يعلم هذا دون هذا؛ وبالتالي فقد أمكن العلم بهذا دون هذا، وذلك لا ينفي التلازم في نفس الأمر (أي في الوجود العياني) فهي معاني متلازمة لا يمكن وجود الذات دون هذه المعاني، ولا وجود هذه المعاني دون وجود

1 مختصر الصواعق 2/ 354

ص: 305

الذات1.

3-

وإن أريد بالغير المغايرة في الوجود العياني بين ذات الله وصفاته، أي القول بإثبات ذات مجردة عن الصفات وصفات مجردة عن الذات فهذا باطل. وهذا هو مقصد الجهمية والمعتزلة بقولهم:"الاسم غير المسمى".

فيقال لهم: قولكم: إن أسماءه غيره مثل قولكم: إن كلامه غيره، وإن إرادته غيره، ونحو ذلك، وهو مبني على نفيكم لقيام الصفات بالله وزعمكم أن ذات الله مجردة من كل صفة، وهذا زعم باطل؛ لأنه ليس في نفس الأمر ذات مجردة حتى يقال: إن الصفات زائدة عليها (أي إنها غيرها) ، بل لا يمكن وجود الذات إلا بما به تصير ذاتا من الصفات، فتخُّلُ وجود أحدهما في العيان دون الآخر، ثم زيادة الآخر عليه تخيل باطل، فلا يوجد ذات مجردة من الصفات ولا صفات مجردة من الذات كما يزعم هؤلاء.

ولذلك قال أهل السنة: إنه إذا قيل غيره بمعنى أنه يجب أن يكون مباينا له فهذا باطل، فأسماء الله من كلامه عز وجل وليس كلامه بائنا عنه حتى يقال: إنه غيره2.

ونظرا لهذا المقصد الفاسد عند الجهمية والمعتزلة منع أهل السنة القول بأن "الاسم غير المسمى" لما في لفظ "الغير" من الإجمال فهو يحتمل وجها صحيحا وآخر باطلا.

أما الوجه الصحيح: فهو أن يُراد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى فهذا حق.

وأما الوجه الباطل: أن يُراد أن الله سبحانه كان ولا اسم له حتى خلق لنفسه

1 مجموع الفتاوى 6/ 205، 206 "بتصرف".

2 مجموع الفتاوى 6/ 204، 205، 206، 207 "بتصرف".

ص: 306

اسما، أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم، فهذا من أعظم الضَّلال والإلحاد1، ولأجل هذا المعنى الفاسد رد أهل السنة القول بأن "الاسم غير المسمى" لعلمهم أن هذا هو مراد قائليه، فالجهمية والمعتزلة يقولون: الاسم غير المسمى، وأسماء الله غيره، وما كان غيره فهو مخلوق.

وهذا قول فاسد "لأن أسماء الله من كلامه، وكلام الله غير مخلوق؛ بل هو المتكلم به، وهوالمسمي لنفسه بما فيه من الأسماء"2 كما جاء في الحديث: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك".

فالحديث يدل على أن أسماء الله غير خلوقة، بل هو الذي تكلم بها، وسمى بها نفسه، ولهذا لم يقل: بكل اسم خلقته لنفسك؛ ولو كانت مخلوقة لم يسأل بها، فإن الله لا يُقسَمُ عليه بشيء من خلقه، فالحديث صريح في أن أسماءه ليست من فعل الآدميين وتسمياتهم.

وأيضا فإن أسماءه مشتقة من صفاته، وصفاته قديمة به، فأسماؤها غير مخلوقة3.

القول الثامن: أسماء البارىء لا هي البارئ، ولا هي غيره.

وهذا قول بعض الكلابية، والبعض الآخر منهم امتنعوا من أن يقولوا: لا هي البارىء ولا هي غيره.

وقولهم في هذه المسألة متفرغ عن قولهم في الصفات، فابن كلاب كان يقول: إن أسماء الله وصفاته لذاته لا هي الله ولا هي غيره، وإنها قائمة بالله،

1 شفاء العليل ص 277

2 مجموع الفتاوى 6/ 186

3 شفاء العليل ص 276، 277.

ص: 307

ولا يجوز أن تقوم بالصفات صفات، وكان يقول إن وجه الله لا هو الله ولا هو غيره وهو صفة له، وكذلك يداه وعينه وبصره صفات له لا هي هو ولا غيره، وإن ذاته هي هو، ونفسه هو، وإنه موجود لا بوجود

، وكان يزعم أن صفات البارىء لا تتغاير، وأن العلم لا هو القدرة ولا غيرها، وكذلك كل صفة من صفات الذات لا هي الصفة الأخرى ولا غيرها1.

1 مقالات الإسلاميين ص،169، 170.

ص: 308