الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: الأحكام المستفادة من كون أسماء الله حسنى
أولا: أسماء الله توقيفية:
من الأحكام المستفادة من كون أسماء الله حسنى كون الأسماء توقيفية، (فأسماء الله هي أحسن الأسماء وأكملها فليس في الأسماء أحسن منها، ولا يقوم غيرها مقامها، ولا يؤدي معناها، وتفسير الاسم منها بغيره ليس تفسيرا بمرادف محض، بل هو على سبيل التقريب والتفهيم.
فإذا عرفت هذا فله من كل صفة كمال أحسن اسم وأكمله وأتمه معنى، وأبعده، وأنزهه عن شائبة عيب أو نقص.
فله من صفة الإدراكات: العليم الخبير دون العاقل الفقيه.
والسميع البصير دون السامع والباصر والناظر.
ومن صفات الإحسان: البر الرحيم الودود دون الشَّفوق، وكذلك العلي العظيم دون الرَّفيع الشريف.
وكذلك الكريم دون السَّخي.
وكذلك الخالق البارىء المصور دون الفاعل الصانع المشكل.
وكذلك سائر أسمائه تعالى يجري على نفسه منها أكملها وأحسنها وما لا يقوم غيره مقامه، فتأمل ذلك، فأسماؤه أحسن الأسماء كما أن صفاته أكمل الصفات، فلا تعدل عما سمى به نفسه إلى غيره، كما لا تتحاوز ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم إلى ما وصفه به المبطلون
المعطلون) 1.
(فهو سبحانه لكمال أسمائه وصفاته موصوف بكل كمال، منزه عن كل نقص، وله كل ثناء حسن، ولا يصدر عنه إلا كل فعل جميل، ولا يسمى إلا بأحسن الأسماء، ولا يثنى عليه إلا بأكمل الثناء)2.
ثانيا: تضمّن الأسماء الحسنى للصفات:
من الأحكام المستفادة كذلك، أن في وصف أسماء الله بأنها حسنى دليلا على تضمُّنها للصفات.
قال ابن القيم: "أسماء الرب تبارك وتعالى كلها أسماء مدح، ولو كانت ألفاظا مجردة لا معاني لها، لم تدل على المدح، وقد وصفها الله بأنها حسنى كلها، فقال:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 3، فهي لم تكن حسنى لمجرد اللفظ، بل لدلالتها على أوصاف الكمال.
ولهذا لما سمع بعض العرب قارئا يقرأ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ} 4 {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
قال: ليس هذا بكلام الله؟
فقال القارىء: أتكذب بكلام الله تعالى؟
فقال: لا، ولكن ليس هذا بكلام الله تعالى.
فعاد إلى حفظه وقرأ {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
1 بدائع الفوائد 1/168
2 طريق الهجرتين ص.13.
3 الآية 180 من سورة الأعراف
4 الآية 38 من سورة المائدة
فقال الأعرابيُّ: صدقت: عزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع، ولهذا إذا خُتمت آية الرحمة باسم عذاب أو بالعكس ظهر تنافر الكلام وعدم انتظامه. ولو كانت هذه الأسماء أعلاما محضة لا معنى لها لم يكن فرق بين ختم الآية بهذا أوبهذا) 1.
وقال أيضا: "قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 2.
أي إنكم إنما تدعون إلها واحدا له الأسماء الحسنى، فأيُّ اسم دعوتموه فإنما دعوتم المسمى بذلك الاسم، فأخبر سبحانه أنه إله واحد وإن تعددت أسماؤه الحسنى المشتقة من صفاته، ولهذا كانت حسنى، وإلا فلو كانت كما يقول الجاحدون لكماله أسماء محضة فارغة من المعاني ليس لها حقائق لم تكن حسنى، ولكانت أسماء الموصوفين بالصفات والأفعال أحسن منها"3.
وقال الشيخ ابن سعدي: "أسماؤه الحسنى كلها أعلام وأوصاف دالة على معانيها، وكلها أوصاف مدح وثناء، ولذلك كانت حُسنى، فلو كانت أعلاما محضة لم تكن حسنى، ولهذا إذا كان الاسم منقسما إلى حمد ومدح وغيره لم يدخل بمطلقه في أسماء الله كالمريد والصَّانع والفاعل ونحوها فهذه ليست من الأسماء الحسنى، فصفاته كلها صفات كمال محض، فهو الموصوف بأكمل الصفات، وله أيضا من كل صفة كمال أحسن اسم وأكمله وأتمه"4.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالله له الأسماء الحسنى دون السوآى،
1 جلاء الأفهام 135، 136.
2 الآية 110 من سورة الإسراء
3 الصواعق المرسلة 3/ 938
4 الحق الواضح المبين ص 55
وإنما يتميز الاسم الحسن عن الاسم السيىء بمعناه، فلو كانت كلها بمنزلة الأعلام الجامدات التي لا تدل على معنى لم تنقسم إلى حسنى وسوآى"1.
ثالثا: ليس من أسماء الله الحسنى اسم يتضمّن الشرّ:
من الأحكام المستفادة من كون أسماء الله عز وجل كلها حسنى أنه ليس في أسماء الله الحسنى اسم يتضمن الشر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وليس من أسماء الله الحسنى اسم يتضمن الشر، وإنما يذكر الشر في مفعولاته"، كقوله تعالى:{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} 2، وقوله تعالى:{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 3، وقوله تعالى:{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} 4، فبيَّن سبحانه أن بطشه شديدٌ وأنه هو الغفور الودود"5.
وقال أيضا: "وليس في أسمائه الحسنى إلا اسم يمدح به، ولهذا كانت كلهاحسنى".
والحسنى خلاف السُّوآى، فكلها حسنة، والحسن محبوب ممدوح، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حديث الاستفتاح:"والخير كله بيديك، والشر ليس إليك"6.
1 شرح الأصفهانية ص 77
2 الآيتان 49- 50 من سورة الحجر.
3 الآية 98 من سورة المائدة.
4 الآيتان 12- 14 من سورة البروج.
5 مجموع الفتاوى 8/ 96
6 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (2/ 185) .
وقد قيل في تفسيره: لا يتقرب به إليك بناء على أنه الأعمال المنهيُّ عنها. وقد قيل: لايضاف إليك بناء على أنه المخلوق.
والشر المخلوق لا يضاف إلى الله مجردا عن الخير قط، وإنما يذكر على أحد وجوه ثلاثة:
الوجه الأول: إما مع إضافته إلى المخلوق، كقوله:{مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} 1.
الوجه الثاني: وإما مع حذف الفاعل كقول الجن: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} 2.
ومنه في الفاتحة: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} 3، فذكر الإنعام مضافا إليه، وذكر الغضب محذوفا فاعله، وذكر الضلال مضافا إلى العبد.
وكذلك قوله: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} 4.
الوجه الثالث: وإما أن يدخل في العموم، كقوله:{خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 5.
ولهذا إذا ذُكر باسمه الخاص قُرن بالخير، كقوله في أسمائه الحسنى: الضارُّ النافع- المعطي المانع- الخافض الرافع- المعزُّ المُذلُّ.
فجمع بين الاسمين لما فيه من العموم والشمول الدَّال على وحدانيته،
1 الآية 2 من سورة الفلق.
2 الآية 10 من سورة الجن.
3 الآية 7 من سورة الفاتحة.
4 الآية 80 من سورة الشعراء.
5 الآية 152 من سورة الأنعام
وأنه وحده يفعل جميع الأشياء.
ولهذا لا يدعى بأحد الاسمين: كالضار والنافع، والخافض والرافع، بل يذكران جميعا. ولهذا كان كل نعمة منه فضلا، وكل نقمة منه عدلا"1.
وقال ابن القيم: "إن أسماءه كلها حُسنى ليس فيها اسم غير ذلك أصلا؛ ومن أسمائه ما يطلق عليه باعتبار الفعل نحو الخالق الرازق المحيي المميت.
وهذا يدل على أن أفعاله كلها خيرات محض لا شر فيها؛ لأنه لو فعل الشر لاشتُق له منه اسم ولم تكن أسماؤه كلها حُسنى، وهذا باطل، فالشرُّ ليس إليه، فكما لا يدخل في صفاته ولا يلحق ذاته لا يدخل، في أفعاله، فالشر ليس إليه، لا يضاف إليه فعلا ولا وصفا وإنما يدخل في مفعولاته.
وفرق بين الفعل والمفعول: فالشر قائم بمفعوله المباين له، لا بفعله الذي هوفعله.
فتأمل هذا فإنه خَفيَ على كثير من المتكلمين وزلَّت فيه أقدام وضلت فيه أفهام، وهدى الله أهل الحق لما اختلفوا فيه بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم"2.
وقال ابن القيم: "إن النعيم والثواب من مقتضى رحمته ومغفرته وبرِّه وكرمه، ولذلك يضيف ذلك إلى نفسه، وأما العذاب والعقوبة فإنما هو من مخلوقاته، ولذلك لا يسمَّى بالمعاقِب والمعذِّب، بل يُفرَّقُ بينهما، فيجعل ذلك من أوصافه، وهذا من مفعولاته حتى في الآية الواحدة كقوله تعالى:{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} 3،
1 منهاج السنة 5/ 409- 410.
2 بدائع الفوائد 1/ 163- 164
3 الآية 49- 50 من سورة الحجر.
وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1، وقال تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} 2 ومثلها في آخر الأنعام3، فما كان من مقتضى أسمائه وصفاته، فإنه يدوم بدوامها، ولا سيما إذا كان محبوبا له، وهو غاية مطلوبة في نفسها، وأما الشر الذي هو العذاب، فلا يدخل في أسمائه وصفاته، وإن دخل في مفعولاته لحكمة إذا حصلت زال وفنى؛ بخلاف الخير، فإنه سبحانه دائم المعروف لا ينقطع معروفه أبدا، وهو قديم الإحسان أبديُّ الإحسان، فلم يزل ولا يزال محسنا على الدوام.
وليس من موجب أسمائه وصفاته أنه لا يزال معاقبا على الدوام غضبان على الدوام، منتقما على الدوام، فتأمل هذا الوجه تأمل فقيه في باب أسماء الله وصفاته يفتح لك بابا من أبواب معرفته ومحبته، يوضحه قول أعلم خلقه به وأعرفهم بأسمائه وصفاته:"والشر ليس إليك" ولم يقف على المعنى المقصود من قال؛ الشر لا يُتقرب به إليك، بل الشر لا يضاف إليه سبحانه بوجه، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في أسمائه، فإن ذاته لها الكمال المطلق من جميع الوجوه، وصفاته كلها صفات كمال يحمد عليها ويثنى عليه بها، وأفعاله كلها خير ورحمة وعدل وحكمة لاشر فيها بوجه ما، وأسماؤه كلها حسنى، فكيف يضاف، الشر إليه، بل الشر في مفعولاته ومخلوقاته، وهو منفصل عنه، إذ فعله غير مفعوله، ففعله خير كله، وأما المخلوق المفعول ففيه الخير والشر.
وإذا كان الشر مخلوقا منفصلا غير قائم بالرب سبحانه، فهو لا يُضاف
1 الآية 98 من سورة المائدة.
2 الآية 167 من سورة الأعراف.
3 الآية 165 من سورة الأنعام.
إليه، وهو صلى الله عليه وسلم لم يقل: أنت لا تخلق الشر حتى يطلب تأويل قوله، وإنما نفى إضافته إليه وصفا وفعلا واسما"1.
رابعا: الأسماء المزدوجة يجب أن تجري مجرى الاسم الواحد ولا يفصل بينها.
من الأحكام المستفادة من كون أسماء الله كلها حسنى أن الأسماء المزدوجة يجب أن تجري مجرى الاسم الواحد ولا يُفصل بينها، وذلك مثل:
ا- المعطي- المانع.
2-
النافع- الضار.
3-
الخافض- الرافع.
4-
المنتقم- العفو.
5-
المحيي- المميت.
6-
القابض- الباسط.
7-
المعز- المذل.
8-
المبدىء- المعيد.
9-
المقدم- المؤخر.
10-
الأول- الآخر.
11-
الظاهر- الباطن.
12-
الراتق- الفاتق.
13-
الهادي- المضل.
1 حادي الأرواح ص 457، 458، ولزيادة الاتفصال انظر: الحسنة والسيئة لابن تيمية ص 92، 93 وطريق الهجرتين ص 157، 159، العواصم والقواصم 7/ 207، وشفاء العليل ص 178، 269.
14-
المحل- المحرم.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى "أسماء الله تعالى منها ما يطلق عليه مفردا ومقترنا بغيره وهو غالب الأسماء كالقدير والسميع والبصير والعزيز والحكيم.
وهذا يسوغ أن يُدعى به مفردا ومقترنا بغيره فتقول: يا عزيز يا حليم يا غفور يا رحيم، وأن يفرد كل اسم، وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه بما يسوغ لك الإفراد والجمع.
ومنها ما لا يطقق عليه بمفرده بل مقرونا بمقابله كالمانع والضار والمنتقم1، فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله، فإنه مقرون بالمعطي والنافع والعفو، فهو المعطي المانع، الضار النافع، المنتقم العفو، المعزُّ المذلُّ؛ لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله؛ لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية وتدبير الخلق والتَّصرف فيهم عطاء ومنعا، ونفعا وضرا، وعفوا وانتقاما.
وأما أن يُثنى عليه بمجرد المنع والانتقام والإضرار فلا يسوغ.
فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض، فهي وإن تعددت جارية مجرى الاسم الواحد، ولذلك لم تجىء مفردة ولم تطلق عليه إلا مقترنة، فاعلمه
1 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "اسم "المنتقم" ليس من أسماء الله الحسنى الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما جاء في القرآن مقيدا، كقوله: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} وقوله: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} ، والحديث الذي في عدد الأسماء الحسنى الذي ذكر فيه "المنتقم" فذكر في سياقه "البر، التوَّاب، المنتقم، العفو، الرؤوف" ليس هذا عند أهل المعرفة بالحديث، من كلام النبي صلى الله عليه وسلم
…
) مجموع الفتاوى 8/ 96.
فلو قلت: يا مُذل، يا ضار، يا مانع، وأخبرت بذلك لم تكن مثنيا عليه ولا حامدا له حتى تذكرمقابلها"1.
ويستفاد من كلام ابن القيم السابق أن الأسماء الحسنى تنقسم باعتبار إطلاقها على الله إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الأسماء المفردة:
وضابطها: ما يسوغ أن يطلق عليه مفردا.
وهذا يقع في غالب الأسماء.
مثالها: الرحمن، السميع، الرحيم، القدير، الملك
…
القسم الثاني: الأسماء المقترنة:
وضابطها: ما يُطلق عليه مقترنا بغيره من الأسماء.
وهذا أيضا يقع في غالب الأسماء.
مثالها: العزيز الحكيم، الغفور الرحيم، الرحمن الرحيم، السميع البصير.
وكل من القسم الأول والثاني يسوغ أن يُدعى به مفردا، ومقترنا بغيره، فتقول: يا عزيز، أو يا حكيم، أويا غفور، أويا رحيم.
وهكذا في حال الثناء عليه أو الخبر عنه بما يسوغ لك الإفراد أو الجمع.
القسم الثالث: الأسماء المزدوجة:
وضابطها: ما لا يُطلق عليه بمفرده بل مقرونا بمقابله؛ لأن الكمال في اقتران كل اسم منها بما يقابله.
مثالها: الضار النافع، المعز المذل، المعطي المانع، المنتقم العفُوُّ.
1 بدائع الفوائد 1/ 167.
فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض، فهي وإن تعددت جارية مجرى الاسم الواحد، ولذلك لم تجىء مفردة، ولم تطلق عليه إلا مقترنة.
والسبب في ذلك؛ أن الكمال إنما يحصل في الجمع بين الاسمين لما فيه من العموم والشمول الدال على وحدانيته، وأنه وحده يفعل جميع الأشياء. فهو سبحانه المنفرد بالربوبية وتدبير الخلق والتصرف فيهم عطاء ومنعًا، ونفعا وضرا، وعفوا وانتقاما.
ولذلك لو قلت: يا مذلُّ، يا ضار، يا مانع، وأخبرت بذلك لم تكن مثنيا عليه ولا حامدا له حتى تذكر مقابلها.
وقال ابن الوزير: "إن اسم الضار لا يجوز إفراده على النافع، فحين لم يجز إفراده لم يكن مفردا من أسماء الله تعالى، وإذا وجب ضمه إلى النافع كانا معا كالاسم الواحد المركب من كلمتين، مثل عبد الله وبعلبك، فلو نطقت بالضار وحده لم يكن اسما لذلك المسمى به، ومتى كان الاسم هو الضار النافع معا كان في معنى مالك الضر والنفع، وذلك في معنى مالك الأمر كله، ومالك الملك، وهذا المعنى من الأسماء الحسنى هو في معنى قوله تعالى:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ} 1 الآية، وهو في معنى القديرعلى كل شيء.
وميزان الأسماء الحسنى يدور على المدح بالملك والاستقلال وما يعود إلى هذا المعنى، وعلى المدح بالحمد والثناء وما يعود إلى ذلك، وكل اسم دل على هذين الأمرين فهو صالح دخوله فيها، والضار النافع يرجع إلى ذلك
1 الآية 26 من سورة آل عمران.
مع الجمع وعدم الفرق ومع القصد، فيلزم من أطلقه قصد ذلك مع الجمع"1.
قال ابن القيم في نونيته:
هذا ومن أسمائه ما ليس يف
…
رد بل يقال إذا أتى بقران
وهي التي تُدعى بمزدوجاتها
…
إفرادها خطر على الإنسان
إذ ذاك موهم نوع نقص جل رب
…
العرش عن عيب وعن نقصان
كالمانع المعطي وكالضار الذي
…
هو نافع وكماله الأمران
ونظير هذا القابض المقرون با
…
سم الباسط اللفظان مقترنان
وكذا المعزّ مع المذل وخافض
…
مع رافع لفظان مزدوجان
وحديث إفراد اسم منتقم فمو
…
قوف كما قد قال ذو العرفان
ما جاء في القرآن غير مقيد
…
بالمجرمين وجابذو نوعان2
1 إيثار الحق على الخلق ص187
2 توضيح المقاصد 2/ 248، 249.