المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: الجانب اللغوي للمسألة - معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى

[محمد بن خليفة التميمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: في ثبوت الأسماء وتعيينها

- ‌المبحث الأول: في معرفة ضابط الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الأول: في أهمية معرفة ضابط الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الثاني: تحديد ضابط الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الثالث: في الشرط الأول للأسماء الحسنى وهو ورود النص بذلك الإسم

- ‌المطلب الرابع: الشرط الثاني للأسماء الحسنى وهو: أن تقتضي الأسماء المدح والثناء بنفسها

- ‌المبحث الثاني: مناهج الناس في عدد الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الأولى: القائلون بأن أسماء الله غير محصورة بعدد معين نعلمه

- ‌المطلب الثاني: القائلون بأن أسماء الله محصورة بعدد معين

- ‌المبحث الثالث: مناهج الناس في تعيين الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الأول: منهج المعتمدين على العد الوارد في بعض روايات حديث أبى هريرة رضي الله عنه

- ‌المطلب الثاني: منهج المقتصرين على ما ورد بصورة الاسم

- ‌المطلب الثالث: منهج المتوسِّعين

- ‌المطلب الرابع: منهج المتوسِّطي

- ‌المبحث الرابع: جهود أهل العلم في جمع الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الأول: نماذج لاجتهادات أهل العلم في جمع الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الثاني: الأسماء التي ورد إطلاقها في النُّصوص وأدلَّتها ومن ذكرها من أهل العلم ومن أسقطها

- ‌المطلب الثالث: الأسماء التى لم ترد في النصوص بصورة الاسم وإنما أُخذت بالاشتقاق

- ‌المطلب الرابع: الأسماء المضافة

- ‌المطلب الخامس: الأسماء المزدوجة

- ‌الفصل الثاني: أحكام الأسماء الحسنى

- ‌المبحث الأول: أسماء الله غير مخلوقة أو ما يعرف بمسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الأول: الجانب اللغوي للمسألة

- ‌المطلب الثاني: الجانب العَقَديُّ في المسألة

- ‌المبحث الثاني: أسماء الله كلها حسنى

- ‌المطلب الأول: الأدلة على كون أسماء الله كلها حسنى والمقصود بذلك

- ‌المطلب الثاني: وجه الحسن في أسماء الله:

- ‌المطلب الثالث: الأحكام المستفادة من كون أسماء الله حسنى

- ‌المبحث الثالث: أسماء الله الحسنى أعلام وأوصاف

- ‌المطلب الأول: بيان معتقد أهل السنة في المسألة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على أن أسماء الله أعلام وأوصاف

- ‌المطلب الثالث: الأحكام المستفادة من هذه المسألة

- ‌المبحث الرابع: إحصاء أسماء الله الحسنى

- ‌المطلب الأول: الحث على إحصاء أسماء الله والمقصود بذلك

- ‌المطلب الثاني: مراتب الإحصاء:

- ‌المطلب الثالث: ثمرات إحصاء أسماء الله الحسنى

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الأول: الجانب اللغوي للمسألة

‌الفصل الثاني: أحكام الأسماء الحسنى

‌المبحث الأول: أسماء الله غير مخلوقة أو ما يعرف بمسألة الاسم والمسمى

‌المطلب الأول: الجانب اللغوي للمسألة

مدخل في التعريف بهذا المبحث

المسألة التي سأتناولها بالبحث هاهنا هي مسألة لا تقل في أهميتها عما يُعرفُ بمسألة (اللفظ بالقرآن هل هو مخلوقٌ أم غير مخلوق) ، بل هي شقيقتها؛ لأن مخرج القول في المسألتين وكذا الناتج منهما واحد، ولذلك فلا غرابة إن كان بينهما أوجه شبهٍ عديدة يعرفها أهل هذا العلم الذين لهم إطلاع ومعرفة بمسائله وقضاياه.

وكلتا المسألتين شغلت حيِّزا في بابها، فمسألة اللفظ بالقرآن شغلت حيِّزا في (باب إثبات صفة الكلام، وهل القرآن مخلوق أم غير مخلوق) . ومسألة الاسم والمسمى أخذت مكانا في (باب أسماء الله، وهل هي مخلوقة أم غير مخلوقة) ، وكان لكل من المسألتين انعكاساتها على البابين سلباًً وإيجاباً بحسب المعتقد والقول فيهما.

ولا شك أن أمثال هذه المسائل لم يتعرض لها علماء أهل السنة ابتداء، وإنما اضطروا للخوض فيها اضطراراً، وذلك، لما أظهره أهل الباطل من آراء فاسدة أوجبت الرد عليها من قبل أهل السنة من باب إحقاق الحق وإظهاره، ودحض الباطل، وكشف زيفه، وفضح افترائه، ومن أجل ذلك شغلت هذه المسألة حيِّزا في كتب أهل السنة، واستوجبت عناية أهل العلم بها، فأفردوا لها مبحثاً مستقلاً، وأدرجوها في دراساتهم وأولوها عنايتهم واهتمامهم.

ومن الطريق ذاته والباب نفسه اكتسبت هذه المسألة أهميتها في ضرورة إطلاع طلاب العلم عليها ومعرفتهم لمضمونها ومحتواها، حتى يسلم لهم

ص: 265

اعتقادهم على وجه الصحيح، وليدركوا مرامي أهل الباطل، ويتعرفوا على نواياهم وأهدافهم من وراء خوضهم، وطرحهم لهذه المسألة.

ولعل أخصر طريق للتعرف على مضمون هذه المسألة هو عرض الأقوال الرئيسية بشكل مبسط وبصورة عامة تُعِّرفُ القارئ بمحتوى المسألة قبل بسطها وشرحها في صورتها التي عليها، والتي لا تخلو من التعقيد والإلغاز في بعض جوانبها.

وإليك عرضا لمجمل الآراء الرئيسية في هذه المسألة، وهي:

أولا: قول أهل السنة والجماعة:

معتقد أهل السنة والجماعة في هذه المسألة. أنهم يؤمنون بأن الله الذي سمَّى نفسه بأسمائه الحسنى وتكلم بها حقيقة، وهي غير مخلوقة وليست من وضع البشر.

ويستدلون لقولهم بما يلي:

1-

حديث: "ما أصاب عبداً قط همٌّ ولا غمٌّ ولا خرنٌ فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في

علمك الغيب عندك

" الحديث1.

والشاهد من الحديث قوله: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفشك ".

1 أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/ 391، 452، وابن حبان، انظر: موارد الظمآن ح 2472، والحاكم في المستدرك 1/ 559، والطبراني في الكبير ح 0352 1.

ص: 266

فقد دلّ الحديث على أن أسماء الله غير مخلوقة؛ بل هو الذي تكلم بها وسمى بها نفسه، ولهذا لم يَقُل: بكل اسم حلقته لنفسك، ولا قال: سمّاك به خلقك؛ فالحديث صريح في أن أسماءه ليست من فعل الآدميين وتسمياتهم، وأن الله سبحانه تكلَّم بتلك الأسماء وسمّى بها نفسه1

2-

أن أسماء الله من كلامه، وكلامه تعالى غير مخلوق، فأسماؤه غير مخلوقة، فهو المسمّى لنفسه بتلك الأسماء2

3-

أن الله عز وجل يسأل بهذه الأسماء، لو كانت مخلوقة لم يجز أن يسأل بها. فإن الله لا يُقْسَمُ عليه بشيء من خلقه3، فالسائلَ لله بغير الله:

أ- إما أن يكون مقسما عليه.

ب- وإما أن يكون طالبا بذلك السبب، كما، توسل الثلاثة في الغار بأعمالهم.

فإن كان إقساما على الله بغيره فهذا لا يجوز، وإن كان سؤالا بسبب يقتضي المطلوب، كالسؤال بالأعمال التي فيها طاعة الله ورسوله مثل السُؤال بالإيمان بالرسول ومحبته وموالاته ونحو ذلك فهذا جائز4

4-

أن اليمين بهذه الأسماء منعقدة، فمن حلف باسم من أسماء الله فهو حالف بالله، ولو كانت الأسماء مخلوقة لما جاز الحلف بها؛ لأن الحلف بغير الله شرك بالله، والله لا يُقسَمُ عليه بشيء من خلقه5.

قال الإمام الشافعيُّ: "من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفَّارةُ؛

1 شفاء العليل ص277 (بتصرف) .

2 مجموع الفتاوى 6/186.

3 شفاء العليل ص277.

4 قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 274.

5 المصدر السابق ص 277

ص: 267

لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة أو بالصّفا أو المروة فليس عليه كفَّارة لأنه مخلوق وذلك غير مخلوق"1 يعني أسماء الله.

5-

أن أسماء الله مشتقةٌ من صفاته، وصفاته قديمةٌ به، فأسماؤها غير مخلوقة2.

وروي عن ابن عباس أنه لما شئل، عن قوله تعالى:{وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} 3، {غَفُوراً رَحِيماً} 4 قال:"هو سمَّى نفسه بذلك، وهو لم يزل كذلك".

فأثبت قدم معاني أسمائه الحسنى، وأنه هو الذي سمَّى نفسه بها5.

والربُّ تعالى يُشتَقُّ له من أوصافه وأفعاله أسماءٌ، ولا يُشتَقُّ له من مخلوقاته، وكل اسم من أسمائه فهو مشتق من صفة من صفاته، أو فعل قائم به، فلو كان يُشتق له اسمٌ باعتبار المخلوق المنفصل لسُمِّي متكوِّنًا أو متحرِّكا، وساكنا، وطويلا، وأبيض وغير ذلك؛ لأنه خالق هذه الصفات، فلما لم يُطلق عليه اسم من ذلك مع أنه خالقه عُلم أنما يشتق أسماءه من أفعاله وأوصافه القائمة به، وهو سبحانه لا يتصف بما هو مخلوقٌ منفصلٌ عنه، ولا يتسمَّى باسمه6

والذين خالفوا أهل السنة في هذه المسألة فريقان:

1 شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/ 211

2 شفاء العليل ص 277.

3 الآية 158 من سورة النساء

4 الآية 96 من سورة النساء

5 مجموع الفتاوى 6/ 205.

6 شفاء العليل ص ا 27.

ص: 268

الفريق الأول: الجهميّة والمعتزلة:

ومعتقدهم في المسألة على النقيض من، معتقد أهل السنة، فهم يقولون:

إن أسماء الله مخلوقة، وإن الله ليس هو الذي سمى نفسه بهذه الأسماء، وكذلك لم يتكلم بها حقيقة، وإنما خلقها في غيره، أو سماه بها بعض خلقه1

الفريق الثاني: الكلابية والأشاعرة والماتريديَّة:

وهؤلاء أظهروا موافقة أهل السنة في اللفظ، لكنهم أبطنوا موافقة الجهمية والمعتزلة في المعنى.

فهم قالوا بقوله أهل السنة: "إن أسماء الله غير مخلوقة".

ولكن لم يكن مقصودهم هو مقصود أهل السنة؛ لأن مرادهم بهذه العبارة أن الله بذاته غير مخلوق، وهذا مما لا تنازع فيه مع الجهمية والمعتزلة.

وأطلقوا القول بأن التسميات مخلوقة، والتسميات عندهم هي الأسماء ك"العليم- العزيز- الرحيم"، وبذلك وافقوا الجهمية والمعتزلة في المعنى2.

ولبسط القول في هذه المسألة وتوضيح الأقوال السابقة الذِّكر، عقدت هذا المبحث، نصرةً للقول الحق، قول أهل السنة والجماعة، وبيانًا لفساد أقوال المبتدعة وكشف زيفهم ودحض باطلهم.

وهناك أمر أود التنبيه عليه قبل الشروع في هذا المبحث، هو أنه نظرا لكون هذه المسألة قد اشتهرت في كتب أهل العلم بما يُعرفُ بمسألة "الاسم والمسمّى" ولكونهم قد سلكوا في عرضها منهجا يناسب هذه التسمية، فقد

1 مجموع الفتا وى 6/ 186.

2 مجموع الفتا وى 6/ 192.

ص: 269

آثرت أن أعرضها في صورتها التي ذكرت بها مع شيء من التوضيح والتنسيق بغية تبسيطها وشرح مضامينها.

وقد جعلت هذا المبحث في مطلبين:

المطلب الأول: في توضيح المسألة من جانبها اللُّغوي.

المطلب الثاني: في تفصيل الأقوال في المسألة من حيث مضمونها العقدي ومعزى كل قول ومراد قائله به.

ص: 270

المطلب الأول: الجانب اللغوي للمسألة

قبل الدخول في تفاصيل هذه المسألة يُحسن إعطاء بعض التصورات اللغوية عن الاسم والمسمّى والتَّسمية، فلابد عند الحكم على الشيء من أن يكون مسبوقا بتصور ماهية المحكوم عليه والمحكوم به، فإن كل تصديق بشيء لابد أن يكون مسبوقا بتصور1، ويمكن تلخيص تلك التصورات بالنقاط التالية:

أ- أصل اشتقاق الاسم:

اختلف في أصل اشتقاق "الاسم" على قولين:

القول الأول: أنه مشتق من "السُّمُوِّ" وهو العلوُّ والارتفاع، وقال به النُّحاةُ البصريُّون.

القول الثاني: أنه مشتق من "السمة"، وهي العلامة، وقال به النُّحاة الكوفيُّون.

والصواب من القولين هو القول الأول2

أولاً: لأن اشتقاقه من "السُّمُوِّ" هو "الاشتقاق الخاصُّ"3.

1 التصوُّر: إدراك المفردات كإدراك لفظ "محمد" وكذلك إدراك لفظ "رسول".وأما التصديق: فهو إدراك نسبة الرسالة لمحمد وتصديقك لهذه النسبة.

2 كتاب العين 7/ 318، تهذيب اللغة 13/ 117.

3 1لاشتقاق الأصغر الخاص هو الاشتراك في الحروف وترتيبها وهو المشهور، كقولك: عَلِمَ يَعْلَمُ فهوعالم.

والاشتقاق الأوسط أن يشتركا في الحروف لا في ترتيبها، كقول الكوفيين: الاسم مشتق من السِّمةِ.

والاشتقاق الأكبر إذا اشتركا في أكثر الحروف وتفاوتا في بعضها، وقيل: أحدهما مشتق من الآخر. (انظر: منهاج السُّنة 5/ 192) .

ص: 271

الذي يتفق فيه اللفظان في الحروف وترتيبها، فإنهم:

يقولون في تصريفه: "سمِّيت"، ولا يقولون:"وَسَمْتُ".

ويقولون في جمعه: "أسماء"، ولا يقولون:"أوسام".

ويقولون في تصغيره: "سُمَيٌّ"، ولا يقولون:"وُسيم".

ويقالُ لصاحبه: "مسمَّى"، ولا يقالُ:"موسومٌ".

وأما "السِّمة" فهي تتفق مع الاسم في "الاشتقاق الأوسط " وهو ما يتفق فيه حروف اللفظين دون ترتيبهما، فإنه في كليهما (السِّين والميم والواو) لكن اشتقاقه من "السُّمُوِّ" هو الاشتقاق الخاصُّ، كما أسلفنا.

ثانيا: ثُمَّ إن "السُّمُوَّ" هو بمعنى العلوِّ والارتفاع والرِّفعة.

و"السَّمة" بمعنى العلامة.

وإذا كان الاسم مقصوده إظهار المسمَّى وبيانه فإن المعنى الثاني وإن كان صحيحا، لكن المعنى الأول أخص وأتم، فإن العلو مقارن للظُّهور، فالاسم يظهر به المسمَّى ويعلو؛ فيقالُ للمسمِّي: سمِّهِ: أي أظهره وأعلِه، أي أعلِ ذكره بالاسم الذي يُذكرُ به، وبعض النحاة يقول: سمي اسمًا لأنه علا على المسمَّى؛ أو لأنه علا على قسيميه الفعل والحرف؛ وليس المراد به هذا، بل لأنه يُعلي المسمى فيظهر؛ ولهذا يقالُ: سمَّيته أي أعليته وأظهرته، فتجعل المعلى المظهر هو المسمى، وهذا إنما بحصل بالاسم. وما ليس له اسم فإنه لا يُذكر ولا يظهر ولا يعلو ذكره؛ بل هو كالشيء الخفي الذي لا يُعرفُ؛ ولهذا يقال:

ص: 272

الاسم دليل على المسمَّى، وعلمٌ على المسمَّى، ونحو ذلك.

ولهذا كان أهل الإسلام الذين يذكرون أسماء الله، يعرفونه ويعبدونه ويحبونه ويذكرونه، ويظهرون ذكره. بخلاف الملاحدة الذين ينكرون أسماءه وتُعرِضُ قلوبهم عن معرفته وعبادته ومحبته وذكره1.

ب- تعريف الاسم في اللغة:

عُرّف الاسم بعدَّة تعريفات، نذكر منها:

ا- الاسم: هو اللفظ الدَّلُّ على المسمَّى2

2-

الاسم: هو القول الدال على المسمَّى3.

3-

الاسم: حروف منظومة دالة على معنى، مفرد4

4-

الاسم: قول يدل على مذكور يضاف إليه5

ج- الفرق بين "الاسم" و"المسمَّى" و"التَّسمية":

يجب التفريق بين هذه الألفاظ الثلاثة؛ لأن منشأ الغلط في هذه المسألة من إطلاق هذه الألفاظ لغير معانيها التي لها، فلا يفصل النزاع إلا بتفصيل تلك المعاني، وتنزيل ألفاظها عليها6

ف "الاسم" هو: اللفظ الدال على المسمَّى.

وأما "المسمى" فهو: الشيء الموجود في الأعيان أو الأذهان.

1 مجموع الفتاوى 6/ 207-309 (باختصار) .

2 بدائع الفوائد 1/ 16.

3 مجموع الفتاوى 6/ 192.

4 المصدر السابق 6/ 189.

5 المصدر السابق 6/ 189.

6 بدائع الفوائد 1/ 16-17.

ص: 273

وأما "التسمية" فهي: فعل المُسمِّى ووضعه الاسم للمُسمَّى.

كما أن التحلية عبارة عن فعل " المُحلى" ووضعه الحلية للتَّحلية.

ولهذا تقول: سمَّيت هذا الشخص بهذا الاسم، كما تقول: حليته بهذه، التَّحلية، والحلية غير المحلَّى1

والتَّسمية: مصدر "سمَّى""يُسِّي ""تسمية" فالتسمية نطق بالاسم وتكلُّمٌ به وليست هي الاسم نفسه2

فهنا ثلاث حقائق "اسم" و"فسمى" و"تسمية" ك"حلية" و"مُحلى" و"تحلية"، و"علامة" و"مُعْلَم" و"تعليم"، ولا سبيل إلى جعل لفظين منهما مترادفين على معنى واحد، لتباين حقائقها، وإذا جعلت الاسم هو المسمى، بطل واحد من هذه الثلاثة ولابدَّ3

د- هل الاسم هو المسمّى في اللغة؟

من خلال ما تقدم ذكره في الفقرة السابقة تبين لك الفرق بين "الاسم " و"المسمى" و"التسمية"، ولذلك ينبغي التنبيه على الحقائق التالية:

ا- أن الاسم في أصل الوضع ليس هو المسمى4، وما قال نحويٌّ قط ولا عريٌّ إن الاسم هو المسمَّى.

فالعرب يقولون: أجلٌ مسمَّى، ولا يقولون: أجلٌ اسمٌ.

ويقولون: مسمَّى هذا الاسم كذا، ولا يقول أحد: اسمُ هذا الاسم كذا.

1 بدائع الفوائد 1/ 16-17.

2 مجموع الفتاوى 6/ 195.

3 بدائع الفوائد 1/ 17.

4 بدائع الفوائد 1/ 16.

ص: 274

ويقولون: هذا الرجل مسمَّى بزيد، ولا يقولون: هذا الرجل اسمُ زيد!. ويقولون: باسم الله، ولا يقولون بمسمى الله1.

2-

أن الاسم ليس هو المسمى وإن كان قد يراد به المسمى مع أنه في نفسه "اسم" وليس هو المسمى، ولكن يراد به المسمى، وذلك لأن الاسم يتناول اللفظ والمعنى المتصور في القلب، وقد يراد به مجرد اللفظ، وقد يراد به مجرد المعنى، فإنه من "الكلام"، والكلام اسم للفظ والمعنى وقد يراد به أحدهما2، وهذا يعني أن الاسم تارة يراد به المسمى، وتارة يراد به اللفظ الدّالُّ عليه.

فإذا قلت: قال الله تعالى، واستوى الله على عرشه، وخلق الله السموات والأرض. فهذا المراد به المسمى نفسه.

وإذا قلت: الله اسم عربي، والرحمن اسم عربي، والرحمن من أسماء الله، والرحمن وزنه فعلان، والرحمن مشتق من الرحمة، فالاسم هنا هو اللفظ الدال على المسمى3.

3-

أن اسم هذه الألفاظ "ألف- سين- ميم" لا هو المسمى الذي هو الذات، ولا يُراد به المسمى الذي هو الذات، ولكن يراد به مسماه الذي هو الاسم، كأسماء الله الحسنى في قوله:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 45.

4-

أن التسمية هي النطق بالاسم والتكلم به، وليست هي الاسم نفسه،

1 المصدر السابق 1/ 17.

2 مجموع الفتاوى 6/ 209،210

3 شفاء العليل ص 277

4 الآية 180 من سورة الأعراف

5 مجموع الفتاوى 6/ 201

ص: 275

فيجب التفريق بين الاسم والتسمية، كما يجب التفريق بين الاسم والمسمى، فكل واحد من هذه الألفاظ له مدلوله الذي يختصُّ به.

موقف المبتدعة من الجانب اللغويِّ:

أولا: موقف الجهمية والمعتزلة:

لم يغير الجهمية والمعتزلة شيئا من هذه المصطلحات، ولكنهم استغلوا الفرق بين الاسم والمسمى، فعبروا بلفظة "غير"، فقالوا "الاسم غير المسمى"، وهي كلمة حق أرادوا بها أمرا باطلا، فلفظة "غير" تحتمل وجهين، أحدهما حق، والآخر باطل.

ا- أما الوجه الحق: فهو متعلق بالجانب اللغوي الذي يفصل بين الاسم والمسمى، فإن الأسماء التي هي الأقوال ليست نفسها هي المسمَّيات، وهذا لا ينازع فيه أحد من العقلاء1.

وليس هذا هو مقصود الجهمية المعتزلة في قولهم: "الاسم غير المسمى".

2-

وأما الوجه الباطل: أن الله كان، ولا اسم له، حتى خلق لنفسه اسما أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم، وهذا هو مراد الجهمية المعتزلة، فهم يقولون في أسماء الله إنها غيره، كما يقولون في كلام الله إنه غيره، ونحو ذلك.

ومن أجل هذا المقصد الفاسد منع أهل السنة القول بأن "الاسم غير المسمى" دفعا للباطل الذي أراده هؤلاء.

وسيأتي تفصيل قولهم في المطلب الثاني إن شاء الله.

ثانيا: موقف الأشاعرة والماتريدية:

اختلف صنيع هؤلاء عن صنيع أسلافهم المعتزلة، فقد غير هؤلاء في تلك

1 مجموع الفتاوى 6/ 203.

ص: 276

المصطلحات وبدّلوا فيها ولم يجعلوها كما هي عليه، فقالوا:

ا- باتِّحاد الاسم والمسمَّى:

فلفظ "اسم" الذي هو"أ- س- م" جعلوه هو المسمى وقالوا باتحادهما.

2-

جعلوا الأسماء هي التَّسميات:

فالتسمية عندهم: هي الأقوال المؤلفة من الحروف فجعلوا التسمية هي الاسم، وجعلوا الاسم عين المسمَّى.

وكلا الادعاءين باطل كما سبق بيانه عند الحديث عن الفرق بين الاسم والمسمى والتسمية.

وسيأتي تفصيل قولهم في المطلب الثاني بإذن الله.

ص: 277