المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع: الشرط الثاني للأسماء الحسنى وهو: أن تقتضي الأسماء المدح والثناء بنفسها - معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى

[محمد بن خليفة التميمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: في ثبوت الأسماء وتعيينها

- ‌المبحث الأول: في معرفة ضابط الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الأول: في أهمية معرفة ضابط الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الثاني: تحديد ضابط الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الثالث: في الشرط الأول للأسماء الحسنى وهو ورود النص بذلك الإسم

- ‌المطلب الرابع: الشرط الثاني للأسماء الحسنى وهو: أن تقتضي الأسماء المدح والثناء بنفسها

- ‌المبحث الثاني: مناهج الناس في عدد الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الأولى: القائلون بأن أسماء الله غير محصورة بعدد معين نعلمه

- ‌المطلب الثاني: القائلون بأن أسماء الله محصورة بعدد معين

- ‌المبحث الثالث: مناهج الناس في تعيين الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الأول: منهج المعتمدين على العد الوارد في بعض روايات حديث أبى هريرة رضي الله عنه

- ‌المطلب الثاني: منهج المقتصرين على ما ورد بصورة الاسم

- ‌المطلب الثالث: منهج المتوسِّعين

- ‌المطلب الرابع: منهج المتوسِّطي

- ‌المبحث الرابع: جهود أهل العلم في جمع الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الأول: نماذج لاجتهادات أهل العلم في جمع الأسماء الحسنى

- ‌المطلب الثاني: الأسماء التي ورد إطلاقها في النُّصوص وأدلَّتها ومن ذكرها من أهل العلم ومن أسقطها

- ‌المطلب الثالث: الأسماء التى لم ترد في النصوص بصورة الاسم وإنما أُخذت بالاشتقاق

- ‌المطلب الرابع: الأسماء المضافة

- ‌المطلب الخامس: الأسماء المزدوجة

- ‌الفصل الثاني: أحكام الأسماء الحسنى

- ‌المبحث الأول: أسماء الله غير مخلوقة أو ما يعرف بمسألة الاسم والمسمى

- ‌المطلب الأول: الجانب اللغوي للمسألة

- ‌المطلب الثاني: الجانب العَقَديُّ في المسألة

- ‌المبحث الثاني: أسماء الله كلها حسنى

- ‌المطلب الأول: الأدلة على كون أسماء الله كلها حسنى والمقصود بذلك

- ‌المطلب الثاني: وجه الحسن في أسماء الله:

- ‌المطلب الثالث: الأحكام المستفادة من كون أسماء الله حسنى

- ‌المبحث الثالث: أسماء الله الحسنى أعلام وأوصاف

- ‌المطلب الأول: بيان معتقد أهل السنة في المسألة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على أن أسماء الله أعلام وأوصاف

- ‌المطلب الثالث: الأحكام المستفادة من هذه المسألة

- ‌المبحث الرابع: إحصاء أسماء الله الحسنى

- ‌المطلب الأول: الحث على إحصاء أسماء الله والمقصود بذلك

- ‌المطلب الثاني: مراتب الإحصاء:

- ‌المطلب الثالث: ثمرات إحصاء أسماء الله الحسنى

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الرابع: الشرط الثاني للأسماء الحسنى وهو: أن تقتضي الأسماء المدح والثناء بنفسها

‌المطلب الرابع: الشرط الثاني للأسماء الحسنى وهو: أن تقتضي الأسماء المدح والثناء بنفسها

إن من شرط الأسماء الحسنى صحة الإطلاق.

بمعنى أن يقتضي الاسم المدح والثناء بنفسه بدون متعلق أو قيد.

وهذا الشرط هو الذي يميز باب الأسماء عن باب الصفات بخلاف الشرط الأول فإنه شرط مشترك بين الاثنين، فأسماء الله وصفاته لابد من ورود النص بهما1 "توضيح هذا الشرط":

هذا الشرط من دقيق فقه الأسماء الحسنى، فنحن إذ وقفنا وقفة تأمل عند نصوص الكتاب والسنة الواردة في هذا الشأن نجد الحقائق التالية.

أولا: أن الله أطلق على نفسه أسماء ك "السميع" و"البصير"، وأوصافا

"السمع" و"البصر"، وهكذا أخبر عن نفسه بأفعالها فقال:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} 2 وقال تعالى: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} 3

1 باب الإخبار لا يشترط فيه التوقيف، فما يدخل في الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته كالشيء والموجود والقائم بنفسه فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فالإخبار عنه قد يكون باسم حسن أو باسم ليس بسيئ أي باسم لا ينافي الحسن، ولا يجب أن يكون حسنا، ولا يجوز

أن يخبر عن الله باسم سيئ. بدائع الفوائد 1/ 161، مجموع الفتاوى 6/ 142، 143 بتصرف

2 الآية 1 من سورة المجادلة.

3 الآية 15 من سورة آل عمران

ص: 50

فاستعملها في تصاريفها المتنوعة، مما يدل على أن مثل ذلك يجوز إطلاقه عليه في أي صورة ورد.

ثانيا: وأطلق على نفسه أفعالا ك"الصنع" و "الصبغة" و "الفعل" ونحوها.

قال تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْمن كُلَّ شَيْءٍ} 1 وقال تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} 2 وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 3 لكنه لم يتسم ولم يصف نفسه بها ولكن أخبر بها عن نفسه، مما يدل على أنها تخالف الأول في الحكم فوجب الوقوف فيها على ما ورد.

ثالثا: ووصف نفسه بأفعال في سياقها المدح ك"يريد" و"يشاء" فقال جل شأنه: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} 4 وقال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 5 إلا أنه لم يشتق له منها أسماء فدل على أن هذا النوع مخالفة للقسمين الأولين، فوجب رده إلى الكتاب والسنة وذلك بالوقوف حيث أوقفنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

رابعا: ووصف نفسه بأفعال أخرى على سبيل المقابلة بالعقاب والجزاء فقال تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} 6 وقال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} 7 ولم يشتق منها أسماء له تعالى فدل ذلك على أن مثل هذه الأفعال لها حكم خاص فوجب الوقوف على ما ورد.

1 الاية 88 من سورة النمل

2 الآية 138 من سورد البقرة

3 الآية 107 من سورة هود

4 الآية 125 من سورة الأنعام

5 الآية 29 من سورة التكوير

6 الآية 142 من سورة النساء

7 الآية 30 من سورة الأنفال

ص: 51

فهذه الحقائق السابقة قررت عند العلماء النتائج التالية:

1-

أن النصوص جاءت بثلاثة أبواب هي "باب الأسماء" و"باب الصفات" و"باب الإخبار".

2-

أن باب الأسماء هو أخص تلك الأبواب، فما صح إسما صح صفة وصح خبرا وليس العكس.

3-

باب الصفات أوسع من باب الأسماء، فما صح صفة فليس شرطا أن يصح إسما، فقديصح وقد لايصح، مع أن الأسماء جميعها مشتقة من صفاته.

4-

أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمأنه وصفاته، فالله يخبر عنه بالاسم وبالصفة وبما ليس باسم ولا صفة كألفاظ "الشيء" و"الموجود" و"القائم بنفسه" و"المعلوم"، فإنه يخبر بهذه الألفاظ عنه ولاتدخل في أسمأنه الحسنى وصفاته العليا.

والذي يعنينا هنا من بين تلك النتائج هو تحديد سبب خصوصية باب الأسماء، وما المانع من دخول بعض ألفاظ الصفات وغيرها في هذا الباب وهذا يتضح لنا عند تحليل ما اشتقت منه أسماء الله.

فمن المعلوم أن أسماء الله الحسنى كلها مشتقة، فكل اسم من أسمأنه مشتق إما من صفة من صفاته أو فعل قائم به1، ولمعرفة صحة الاسم ينطر إلى الصفة أو الفعل الذي اشتق منه، ولبيان ذلك، نقول:

أولا: باب الصفات أوسع من باب الأسماء؟

فإن كانت الصفة منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمأنه.

مثال ذلك "المتكلم- والمريد- والفاعل- والصانع". فهذه الألفاظ لا

1 شفاء العليل ص 271

ص: 52

تدخل في أسمأنه، ولهذا غلط من سماه بهذه الأسماء؟ لأن الكلام والإرادة والفعل والصنع منقسمة إلى محمود ومذموم1.

ومن أجل ذلك كان باب الصفات أوسع من باب الأسماء، فالله يوصف بصفات كالكلام، والإرادة، والاستواء، والنزول، والضحك، ولا يشتق له منها أسماء، فلا يسمى با لمتكلم، والمريد، والمستوي، والنازل، والضاحك، (فهذه الأسماء التي فيها عموم وإطلاق لما يحمد ويذم لا توجد في أسماء الله الحسنى، لأنها لا تدل في حال إطلاقها على ما يحمد الرب به ويمدح)2.

وفي المقابل هناك صفات ورد إطلاق الأسماء منها كالعلو، والعلم، والرحمة والقدرة، لأنها في نفسها صفات مدح والأسماء الدالة عليها أسماء مدح) 3 فمن أسمأنه: العلي، والعليم، والرحيم، والقدير.

قال ابن القيم رحمه الله: (إن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمأنه، بل يطلق عليه منها كمالها، وهذا كالمريد والفاعل والصانع، فإن هذه الألفاط لا تدخل في أسمأنه، ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق، بل هو الفعال لما يريد، فإن الإرادة والفعل والصنع منقسمة، ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلا وخبرا)4.

وقال رحمه الله: (ومن هنا يتبتن لك خطأ من أطلق عليه اسم الصانع والفاعل والمربي ونحوها؟ لأن اللفظ الذي أطلقه سبحانه على نفسه وأخبر به

1 بدائع الفوائد 1/ 161، شرح الأصفهانية ص 5.

2 نقض تأسيس الجهمية 2/ 11

3 شرح الأصفهانية ص 5.

4 بدائع الفوائد 1/ 161

ص: 53

عنها أتم من هذا، وأكمل وأجل شأنا، فإنه يوصف من كل صفة كمال بأكملها وأجلها وأعلاها.

فيوصف من الإرادة بأكملها وهو الحكمة وحصول كل ما يريد بإرادته

وكذلك العليم الخبير أكمل من الفقيه العارف، والكريم الجواد أكمل من السخي، والرحيم أكمل من الشفيق، والخالق البارىء المصور أكمل من الفاعل الصانع؟ ولهذا لم تجئ هذه في أسمأنه الحسنى، فعليك بمراعاة ما أطلقه سبحانه على نفسه من الأسماء والصفات، والوقوف معها وعدم إطلاق مالم يطلقه على نفسه، مالم يكن مطابقا لمعنى أسمأنه وصفاته، وحينئذ فيطلق المعنى لمطابقته لها دون اللفظ، ولاسيما إذا كان مجملا أو منقسما أو مما يمدح به غيره فإنه لا يجوز إطلاقه إلا مقيدا، وهذا كلفظ الفاعل والصانع فإنه لا يطيق عليه في أسمأنه الحسنى إلا إطلاقا مقيدا كما أطلقه على نفسه كقوله:{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 1 {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} 2 وقوله: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْمن كُلَّ شَيْءٍ} 3، فإن اسم "الفاعل" و"الصانع" منقسم المعنى إلى ما يمدح عليه ويذم، فلهذا المعنى لم يجىء في الأسماء الحسنى "المريد" كما جاء فيها "السميع""البصير"، ولا "المتكلم، الآمر، الناهي" لإنقسام مسمى هذه الأسماء، بل وصف نفسه بكمالاتها وأشرف أنواعها.

ومن هنا يعلم غلط بعض المتأخرين وزلقه الفاحش في اشتقاقه له سبحانه

من كل فعل أخبر به عن نفسه اسما مطلقا، وأدخله في أسمأنه الحسنى فاشتق منها اسم الماكر، والمخادع، والفاتن، و. المضل، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا)

1 الآية 16 من سورة البروج

2 الآية 27 من سورة إبراهيم.

3 الآية 88 من سورة النمل

4 انظر: تيسير العزيز الحميد ص 572، 573.

ص: 54

وقال رحمه الله: (وما كان مسماه منقسما إلى كامل وناقص وخير وشر لم يدخل اسمه في الأسماء الحسنى. كالشيء والمعلوم. ولذلك لم يسم بالمريد ولا بالمتكلم. وإن كان له الإرادة والكلام، لانقسام مسمى "المريد" و"المتكلم" وهذا من دقيق فقه الأسماء الحسنى. فتأمله، وبالله التوفيق)1. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما تسميته سبحانه بأنه مريد وأنه متكلم، فإن هذين الاسمين لم يردا في القرآن ولا في الأسماء الحسنى المعروفة، ومعناهما حق، ولكن الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها، والعلم والقدرة والرحمة ونحو ذلك هي في نفسها صفات مدح، والأسماء الدالة عليها أسماء مدح، وأما الكلام والإرادة فلما كان جنسه ينقسم إلى محبوب كالصدق والعدل، وإلى مذموم كالظلم والكذب، والله تعالى لا يوصف إلا بالمحمود دون المذموم جاء ما يوضح به من الكلام والإرادة في أسماء تخص المحمود كاسمه الحكيم والرحيم والصادق والمؤمن والشهيد والرؤوف والحليم والفتاح ونحو ذلك.

فلهذا لم يجىء في أسمأنه الحسنى المأثورة المتكلم المريد) 2.

وقال رحمه الله: (إن الله سبحانه له الأسماء الحسنى، كما سمى نفسه بذلك، وأنزل كتبه، وعلمه من شاء من خلقه كاسمه (الحق) و (العليم) ، و (الرحيم) و (الحكيم) و (الأول) و (الآخر) و (العلي) و (العظيم) و (الكبير)

1 مدارج السالكين 3/ 415، 416

2 شرح الأصفهانية ص 5"باختصار".

ص: 55

ونحو ذلك. وهذه الأسماء كلها أسماء مدح وحمد تدل على ما يحمد به، ولا يكون معناها مذموما، والله له الأسماء الحسنى، وليس له مثل السوء قط، فالأسماء التي فيها عموم وإطلاق لما يحمد ويذم لا توجد في أسماء الله الحسنى، لأنها لا تدل على ما يحمد الرب ويمدح، فالإرادة إذا أخذت مطلقا وقيل:"المريد" فالمريد قد يريد خيرا، يحمد عليه، وقد يريد شرا يذم عليه، وإذا أخذ الكلام وقيل:"متكلم" فالمتكلم بصدق وعدل، وقد يتكلم بكذب وظلم، ولذلك لم تذكر مطلقة) 1.

ثانيا: باب الأفعال أوسع من باب الأسماء:

وأما إذا كان الاسم مشتقا من أفعاله القائمة به، فإن كان الفعل ورد مقيدا

فإنه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيدا أن يشتق له منه اسم مطلق، كما غلط فيه بعض المتأخرين فجعل من أسمأنه الحسنى "المضل، الفاتن، الماكر تعالى الله عن قوله، فإن هذه الأسماء لم يطلق عليه سبحانه منها إلا أفعالا مخصوصة معينة فلا يجوز أن يسمى بأسمأنها المطلقة، والله أعلم) 2.

قال ابن القيم رحمه الله: (الفعل أوسع من الاسم، ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالا لم يتسم منها أسماء الفاعل، كأراد، وشاء، وأحدث. ولم يسم "بالمريد" و"الفاعل" و"المتمن" وغير ذلك من الأسماء التي أطلق أفعالها على نفسه. فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء. وقد أخطأ- أقبح خطإ- من اشتق له من كل فعل اسما، وبلغ بأسمأنه زيادة على الألف فسماه "الماكر، والمخادع، والفاتن، والكائد" ونحو ذلك)3.

1 نقض تأسيس الجهمية 2/ 10، 11 "بتصرف".

2 بدائع الفوائد 1/ 161.

3 مدارج السالكين 3/ 415

ص: 56

وقال الشيخ حافظ حكمي: (اعلم أنه قد ورد في القرآن أفعال أطلقها الله عز وجل على نفسه على سبيل الجزاء والعدل والمقابلة، وهي فيما سيقت فيه مدح وكمال، لكن لا يجوز أن يشتق له تعالى منها أسماء ولا تطلق عليه في غير ما سيقت فيه من الآيات، كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُم} 1 وقول: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} 2 وقوله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} 3 وقوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِم} 4 ونحو ذلك، فلا يجوز أن يطلق على الله تعالى مخادع، ماكر، ناس، مستهزئ، ونحو ذلك مما تعالى الله عنه، ولا يقال: الله يستهزىء ويخاع ويمكر وينسى على سبيل الإطلاق، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا)5.

وقال ابن القيم رحمه الله: (إن الله تعالى لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع والاستهزاء مطلقا، ولا ذلك داخل في أسمأنه الحسنى، ومن ظن من الجهال المصنفين في شرح الأسماء الحسنى أن من أسمأنه تعالى الماكر، المخادع، المستهزىء، الكائد- فقد فاه بأمر عظيم تقشعر منه الجلود، وتكاد الأسماع تضئم عند سماعه، وغز قذا الجاهل أنه سبحانه وتعالى أطلق على نفسه هذه الأفعال، فاشتق له منها أسماء، وأسماؤه تعالى كالها حسنى فأدخلها في الأسماء الحسنى وقرنها بالرحيم، الودود، الحكيم، الكريم، وهذا جهل عظيم، فإن هذه الأفعال ليست ممدوحة مطلقا، بل تمدح في موضع وتذم في

1 الآية 142 من سورة النساء.

2 الآية 30 من سورة الأنفال.

3 الآية 67 من سورة التوبة.

4 الآيتان 14- 15 من سورة البقرة

5 معارج القبول (1/ 76) .

ص: 57

موضع، فلا يجوز إطلاق أفعالها على الله تعالى مطلفا، فلا يقال إنه تعالى يمكر ويخادع ويستهزئ ويكيد، فكذلك بطريق الأولى لايشتق له منها أسماء ويكفى بها، بل إذا كان لم يأت في أسمأنه الحسنى المريد والمتكلم ولا الفاعل ولا الصانع لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم، وإنما يوصف بالأنواع المحمودة منها كالحليم والحكيم والعزيز والفعال لما يريد، فكيف يكون منها الماكر والمخادع والمستهزىء.

ثم يلزم هذا الغالط أن يجعل من أسمأنه الحسنى الداعي، والآتي، والجائي، والذاهب، والقادم، والرائد، والناسي، والقاسم، والساخط، والغضبان، واللاعن، إلى أضعاف ذلك من التي أطلق تعالى على نفسه أفعالها من القرآن، وهذا لا يقوله مسلم ولا عاقل، والمقصود أن الله سبحانه لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق، وقد علم أن المجازاة على ذلك حسنة من المخلوق فكيف من الخالق سبحانه وتعالى اهـ1

قلت: ومن هنا يتبتن لك خطأ ما عده بعضهم ومنهم ابن العربي المالكي في كتابه أحكام القرآن، حيث سماه بالفاعل والزارع، فإن الفاعل والزارع إذا أطلقا بدون متعلق ولا سياق يدل على وصف الكمال فيهما فلا يفيدان مدحا، أما في سياقها من الآيات التي ذكرت فيها فهي صفات كمال ومدح وتوحد كما قال تعالى:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} 2، وقال تعالى:{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} 3

1 مختصر الصواعق 2/ 34.

2 الآية 104 من سورة الأنبياء.

3 الآيتان 63، 64 من سورة الواقعة

ص: 58

الآيات، بخلاف ما إذا عدت مجردة عن متعلقاتها وما سيقت فيه وله، وأكبر مصيبة أن عد في الأسماء الحسنى رابع ثلاثة، وسادس خمسة مصرحا قبل ذلك بقوله: وفي سورة المجادلة اسمان فذكرهما. وهذا خطأ فاحشة، فإن الآية لا تدل على ذلك ولا تقتضيه بوجه، لا منطوقا ولا مفهوما، فإن الله عز وجل قال:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أنى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 1 الآية. وأين في هذا سياق رابع ثلاثة، سادس خمسة؟ وكان حقه اللائق بمراده أن يقول: رابع كل ثلاثة في نجواهم وسادس كل خمسة كذلك، فإنه تعالى يعلم أفعالهم ويسمع أقوالهم كما هو مفهوم صدر الآية، ولكن لا يليق بهذا المعنى إلا سياق الآية والله تعالى أعلم) 2.

1 الآية 7 من سورة المجادلة

2 معارج القبول 1/ 76، 78.

ص: 59