الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الصعيد وفيه (إنما يكفيك أن تقول) أي تفعل (بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض) ، فالقول يطلق على الفعل أيضا كقولهم قال بيده هكذا، والله أعلم.
قال ابن أبي الفتح في المطلع ومحلي أي مكان إحلالي بفتح الحاء وكسرها فالفتح مقيس والكسر سماع، يقال حل بالمكان يحل بضم حاء المضارع، وحل من إحرامه وأحل منه انتهى، وقال الزركشي: ظاهر كلام الخرقي وصاحب التلخيص أنه يحل بمجرد الحصر وهو ظاهر الحديث.
--
فصل:
ويخير مريد الإحرام بين التمتع والإفراد والقران، ذكره جماعة إجماعاً لقول عائشة (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليهل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل، قالت وأهلَّ بالحج وأهلَّ به ناس معه وأهلّ ناس بالعمرة والحج وأهلّ ناس بالعمرة وكنت فيمن أهل بعمرة) . متفق عليه. وما روي في هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها من أنه صلى الله عليه وسلم أهلّ بالحج يخالف ما روي عنها وعن غيرها من الصحابة من أنه صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة. وإسناد القران أصح من إسناد الإفراد كما يأتي في كلام شيخ الإسلام وغيره، وذهبت طائفة من السلف والخلف أنه لا يجوز إلا التمتع، وقاله ابن عباس ومن وافقه من أهل الحديث، وكره التمتع عمر وعثمان ومعاوية وانب الزبير وبعضهم والقران.
واختلف في علة اسمه متمتعاً؟ فقال ابن القاسم أنه يتمتع بكل ما لا يجوز للمحرم
فعله في وقت حلوله من العمرة إلى وقت إنشاء الحج، وقيل سمي متمتعاً لإسقاط أحد السفرين وذلك أن حق العمرة أن تقصد بسفر وحق الحج أن يقصد بسفر فلما تمتع بإسقاط أحد السفرين ألزمه الله هدياً كالقارن انتهى.
وأفضل الأنساك الثلاثة التمتع في قول ابن عمر وابن عباس وعائشة وجمع، ونص عليه الإمام أحمد في رواية صالح وعبد الله، وقال لأنه آخر ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو داود وسمعته يقول: نرى التمتع أفضل، وسمعته قال لرجل يريد أن يحج عن أمه: تمتع أحب إلي، قال إسحق بن إبراهيم كان اختيار أبي عبد الله الدخول بعمرة لقوله صلى الله عليه وسلم:(لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم) .
وفي الصحيحين أنه أمر أصحابه لما طافوا وسعوا أن يجعلوها عمرة إلا من ساق هدياً وثبت على إحرامه لسوقه الهدي وتأسف ولا ينقلهم إلا إلى الأفضل ولا يتأسف إلا عليه، وروي المروذي عن أحمد: إن ساق الهدي فالقران أفضل وإن لم يسقه فالتمتع أفضل (لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرن حين ساق الهدي ومنع كل من ساق الهدي من الحل حتى ينحر هديه) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن وافى الميقات في أشهر الحج فهو مخير بين ثلاثة أنواع، وهي التي يقال لها التمتع والإفراد والقران، فإن شاء أهلّ بعمرة فإذا حل منها أهلّ بالحج وهو يخص باسم التمتع وإن شاء أحرم بهما جميعاً أو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف وهو القران وهو داخل في اسم التمتع في الكتاب والسنة وكلام الصحابة، وإن شاء أحرم بالحج مفرداً وهو الإفراد، وتحقيق الأفضل من ذلك أنه يتنوع باختلاف حال الحاج، فإن كان يسافر سفرة للعمرة وسفرة أخرى للحج أو يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج ويعتمر ويقيم بها حتى يحج فهذا الإفراد له أفضل
باتفاق الأئمة الأربعة، والإحرام بالحج قبل أشهره ليس مسنوناً بل مكروه، وإذا فعله فهل يصير محرماً بعمرة أو بحج؟ فيه نزاع.
وأما إذا فعل ما يفعله غالب الناس وهو أن يجمع بين العمرة والحج في سفرة واحدة ويقدم مكة في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، فهذا إن ساق الهدي بالقران أفضل له، وإن لم يسق الهدي فالتحلل من إحرامه بعمرة أفضل فإنه قد ثبت بالنقول المستفيضة التي لم يختلف في صحتها أهل العلم بالحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حج حجة الوداع هو وأصحابه أمرهم جميعهم أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة إلا من ساق الهدي فإنه أمره أن يبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله يوم النحر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ساق الهدي هو وطائفة من أصحابه وقرن هو بين العمرة والحج فقال: لبيك عمرة وحجاً) ولم يعتمر أحد بعد الحج ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا عائشة وحدها لأنها كان قد حاضت فلم يمكنها الطواف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت) فأمرها أن تهل بالحج وتدع أفعال العمرة لأنها كانت متمتعة، ثم إنها طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمرها فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن فاعتمرت من التنعيم ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أحد يخرج من مكة ليعتمر إلا لعذر لا في رمضان ولا في غيره، والذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيهم من اعتمر بعد الحج من مكة إلا عائشة كما ذكر، ولا كان هذا من فعل الخلفاء الراشدين والذين استحبوا الإفراد من الصحابة إنما استحبوا أن يحج في سفره ويعتمر في أخرى ولم يستحبوا أن يحج ويعتمر عقب ذلك عمرة مكية، بل هذا لم يكونوا يفعلونه قط اللهم إلا أن يكون شيئاً نادراً، وقد تنازع السلف في هذا هل
يكون متمتعاً عليه دم أم لا؟ وهل تجزئة هذه العمرة عن عمرة الإسلام أو لا؟ (وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته أربع عمر إلى أن قال: والعمرة الرابعة مع حجته) فإنه قرن بين العمرة والحج باتفاق أهل المعرفة بسنته
وباتفاق الصحابة على ذلك، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه تمتع تمتعاً حل فيه بل كانوا يسمون القران تمتعاً، ولا نقل عن أحد من الصحابة أنه لما قرن طاف طوافين وسعى سعيين وعامة المنقول عن الصحابة في صفة حجته صلى الله عليه وسلم ليست بمختلفة، وإنما اشتبهت على من لم يعرف مرادهم وجميع الصحابة الذين نقل عنهم أنه أفرد الحج كعائشة وابن عمر وجابر قالوا أنه تمتع بالعمرة إلى الحج، فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة وابن عمر بإسناد أصح من إسناد الإفراد ومرادهم بالتمتع القران كما ثبت ذلك في الصحاح أيضا، فإذا أراد الإحرام فإن كان قارنا قال: لبيك عمرة وحجاً، وإن كان متمتعاً قال: لبيك عمرة، وإن كان مفرداً قال: لبيك حجاً، أو قال اللهم إني قد أوجبت عمرة وحجاً أو أوجبت عمرة، أو أوجبت حجاً، أو أريد الحج، أو أريدهما، أو أريد التمتع بالعمرة إلى الحج، فمهما قال من ذلك أجزاء باتفاق الأمة ليس في ذلك عبارة مخصوصة ولا يجب شيء من هذه العبارات باتفاق الأئمة، كما لا يجب التلفظ بالنية في الطهارة والصلاة والصيام باتفاق الأئمة بل متى لبى قاصدا للإحرام انعقد إحرامه باتفاق المسلمين، ولا يجب عليه أن يتكلم قبل التلبية بشيء، ولكن تنازع العلماء هل يتحسب أن يتكلم بذلك كما تنازعوا هل يستحب التلفظ بالنية في الصلاة؟ والصواب المقطوع به أنه لا يستحب شيء من ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع للمسلمين شيئاً من ذلك ولا كان يتكلم قبل التكبير بشيء من ألفاظ النية لا هو ولا أصحابه، بل لما أمر ضباعة بنت الزبير بالاشتراط قالت فكيف أقول؟ قال
قولي: (لبيك اللهم لبيك ومحلي من الأرض حيث تحبسني) رواه أهل السنن وصححه الترمذي، ولفظ النسائي (إني أريد الحج فكيف أقول) ؟ قولي:(لبيك اللهم لبيك ومحلي من الأرض حيث تحبسني فإن لكِ على ربك ما استثنيت) ، وحديث الاشتراط في الصحيحين لكن المقصود بهذا اللفظ أنه أمرها بالاشتراط في التلبية ولم يأمرها أن
تقول قبل التلبية شيئاً لا اشتراطاً ولا غيره، وكان يقول في تلبيته لبيك عمرة وحجاً، وكان يقول للواحد من أصحابه: بم أهللت؟ إلى أن قال والإهلال هو التلبية، قال ولو أحرم إحراماً مطلقاً جاز، فلو أحرم بقصد الحج من حيث الجملة ولا يعرف ها التفصيل جاز، ولو أهل ولبى كما يفعل الناس قصداً للنسك ولم يسم شيئاً بلفظه ولا قصد بقلبه لا تمتعاً ولا إفراداً ولا قرانا، صح حجه أيضاً وفعل واحداً من الثلاثة، فإن فعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه كان حسناً، وإن اشترط على ربه خوفاً من العارض فقال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني كان حسناً فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أن تشترط على ربها لما كانت شاكية، فخاف أن يصدها المرض عن البيت ولم يكن يأمر بذلك كل من حج. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله، قال شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى بعد كالم سبق (ثم أهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج والعمرة في مصلاه) ولم ينقل عنه أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر، وإنما قلنا إنه كان قارنا لبضعة وعشرين حديثاً صحيحة صريحة في ذلك وساق رحمه الله جميعها، وذكر منها حديث جابر بن عبد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج: حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر معها عمرة) . رواه الترمذي وغيره، وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي
العقيق يقول: (أتاني الليلة آت من ربي عز وجل فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة) . رواه البخاري في صحيحه، وحديث البراء الذي جاء فيه (إني قد سقت الهدي وقرنت) .
رواه أبو داود، وحديث علي الذي رواه النسائي، وجاء فيه (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعاً) وما رواه مسلم من حديث عمران بن حصين (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل قرآن يحرّمه) وما رواه الإمام أحمد من حديث سراقة بن مالك الذي جاء فيه (وقرن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع) إسناده ثقات، وما رواه الإمام أحمد أيضاً من حديث الهرماس بن زياد الباهلي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن في حجة الوداع بين الحج والعمرة) ، وما رواه أحمد أيضاً من حديث جابر بن عبد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بالحج والعمرة فطاف لهما طوافاً واحداً) وفيه الحجاج بن أرطأة وحديثه لا ينزل عن درجة الحسن ما لم يتفرد بشيء أو يخالف الثقات، وما رواه الإمام أحمد أيضا من حديث أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أهلوا يا آل محمد بعمرة في حج) وما رواه مالك في الموطأ من حديث عائشة، وجاء فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان معه هدي فليهلّ بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً ومعلوم أنه كان معه صلى الله عليه وسلم الهدي فهو أولى من بادر إلى ما أمر به. انتهى.
ثم يلي التمتع في الأفضلية الإفراد، لأن فيه كمال أفعال النسكين ولما في الصحيحين عن ابن عباس وجابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج) . وقال عمر وعثمان وجابر هو أفضل الأنساك، لما ذكرنا ولإتيانه بالحج تاماً من
غير احتياج إلى آخر، وتقدم قريباً في كلام شيخ الإسلام (أنه صلى الله عليه وسلم أهلّ بالحج والعمرة قارنا) وأن إسناد القران أصح من إسناد الإفراد، وأيد ذلك ابن القيم في كتاب الهدي النبوي وساق بضعة وعشرين حديثاً على ذلك.
ثم يلي الإفراد في الأفضلية القران، وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم حج قارنا. وعند الحنفية أفضل الأنساك القران، قالوا وهو اختيار الجمهور من السلف وكثير من الخلف، ثم التمتع ثم الإفراد بالحج، وعند الشافعية أفضل الأنساك الإفراد ثم التمتع ثم القران، والقران أفضل من إفراد الحج من غير أن يعتمر بعده في سنته فإن تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه عندهم، والمراد بسنته عندهم ما بقي من شهري ذي الحجة الذي هو شهر حجة، أما إذا لم يعتمر في تلك السنة أصلاً فإن كلا من التمتع والقران أفضل من الإفراد عندهم. وعند المالكية: أفضل الأنساك الإفراد، ثم القران، ثم التمتع.
وصفة التمتع الذي هو أفضل الأنساك عندنا أن يحرم بالعمرة أطلقه جماعة منهم صاحب المحرر والوجيز وجزم آخرون من ميقات بلده في أشهر الحج نص عليه الإمام أحمد وروى معناه بإسناد جيد عن جابر، ولأنه لو لم يحرم بها في أشهر الحج لم يجمع بين النسكين فيه ولم يكن متمتعاً، وأن يفرغ منها. قال في المستوعب: ويتحلل لأنه لو أحرم بالحج قبل التحلل من العمرة لكان قارنا واجتماع النسكين التمتع والقران ممتنع لتباينهما ثم يحرم بالحج من مكة أو قريب منها نقله حرب وأبو داود، لما روي عن عمر أنه قال:(إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع، وإن خرج ورجع فليس بمتمتع) وعن ابن عمر نحوه ويشترط أن يحج في عامه لقوله تعالى: (فمن تمتع) وظاهره يقتضي الموالاة بينهما ولأنه لم أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج ثم حج من عامه لا يكون متمتعاً فلئلا يكون متمتعاً إذا لم يحج من عامه
أولى، واشتراط الإحرام من مكة أو قريب منها ذكره في المقنع والفائق والرعايتين والحاويين وجزم به في الإقناع، وعبارته: ثم يحرم بالحج من مكة أو قريب منها انتهى. والذي عليه أكثر الأصحاب عدم التقييد ونسبه في الفروع إلى الأصحاب منهم صاحب المذهب ومسبوك الذهب والخلاصة، ذكره في الإنصاف وقطع بعدم التقييد في المنتهى، وعبارته مع شرحه ثم يحرم به أي الحج في عامه مطلقاً: أي من مكة أو قربها أو بعيد منها بعد فراغه منها أي العمرة انتهى.
قال في العمدة للشيخ منصور وشرحها للشيخ عثمان بن قائد: وأفضل الأنساك التمتع بأن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج في عامه من مكة، أو قربها، أو بعيد منها خلافاً لما يوهمه تقييد الإقناع بالقرب منها انتهى. قلت: إذا أحرم بالعمرة في أشهر الحج من الميقات وفرغ منها وتحلل ثم أحرم بالحج في عامه من مسافة قصر فأكثر عن مكة فإنه يكون متمتعاً كما جرى عليه في المنتهى، وغيره ولكن لا دم عليه كما يأتي بيان ذلك في الشرط الثالث من شروط وجوب الدم على المتمتع، والله أعلم.
ولو أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج لم يكن متمتعاً، ولو أتم أفعال العمرة من طواف وسعى وحلق أو تقصير في أشهرة، ويأتي الكلام على هذا إن شاء الله تعالى: قال القاضي أبو يعلى وغيره: ولو تحلل من الحج يوم النحر ثم أحرم فيه بعمرة فليس بمتمتع في ظاهر ما نقل ابن هانئ ليس على معتمر بعد الحج هدي لأنه في حكم ما ليس من أشهره بدليل فوت الحج فيه انتهى.
وصفة الإفراد أن يحرم بالحج مفرداً فإذا فرغ من الحج اعتمر عمرة الإسلام إن كانت باقية عليه. وصفة القران أن يحرم بها جميعاً لفعله صلى الله عليه وسلم، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل الشروع في طوافها، لما روت عائشة قالت: (أهللنا بالعمرة
ثم أدخلنا عليها الحج) وفي الصحيحين (أن ابن عمر فعله وقال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الصحيح (أنه أمر عائشة بذلك) وساء كان إدخال الحج على العمرة في أشهر الحج أو لا؛ لأنه لا يعتبر لصحة إدخال الحج على العمرة الإحرام بالحج في أشهره لصحة الإحرام به قبل أشهره كما تقدم، قال في الإقناع وشرحه: فإن كان شرع في طواف العمرة لم يصح إدخاله عليها لأنه شرع في التحلل من العمرة كما لو سعى إلا لمن معه الهدي فيصح الإدخال ولو بعد السعي بناء على المذهب أنه لا يجوز له التحلل حتى يبلغ الهدي محله ويصير قارنا، جزم به في المبدع والشرح وشرح المنتهى لمؤلفه هنا وهو مقتضى كلامه في الإنصاف، وقال في الفروع وشرح المنتهى لمؤلفه في موضع آخر: لا يصير قارناً إذا انتهى أي بل يصير متمتعاً، قال في المنتهى وشرحه للشيخ منصور: ويصح إدخال حج على عمرة ممن معه هدي ولو بعد سعيها بل يلزمه كما يأتي لأنه مضطر إليه لقوله تعالى: (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله) .
قال في شرحه هنا؛ يعني شرح المؤلف: ويصير قارنا على المذهب ورده في أثناء الفصل بعده؛ ومن أحرم به أي الحج ثم أدخلها أي العمرة عليه لم يصح إحرامه بها أي العمرة لأنه لم يرد به أثر ولم يستفيد به فائدة بخلاف ما سبق فلا يصير قارنا انتهى بل يصير مفرداً لأنه لا يلزمه بالإحرام الثاني شيء: قال الشيخ محمد الخلوتي في حاشيته على المنتهى على قوله ولو بعد سعيها: ظاهر سياق المتن أن يكون قارناً وصرح بذلك في شرحه هنا حيث قال: ويصير قارنا على المذهب انتهى، ولكن صرح في شرحه فيما يأتي بأ، هـ يكون متمتعاً وهو مخالف لذلك، وعبارة شيخنا، يعني الشيخ منصوراً في الحاشية عند قول المصنف في الفصل الآتي وإلا صار قارنا بعد تقدير المتن. ومحل هذا إذا لم يدخله عليها بعد سعيها لكونه ساق الهدي، فإن
كان كذلك فهو متمتع هذا مقتضى كلامه في شرحه، وفي الأنصاف يكون قارنا ولم يحك خلافاً وتبعه في الإقناع انتهى، ويمكن التوفيق بين كلام المصنف، يعني الفتوحي هنا وفي شرحه بأن غرضه هنا بيان صحة الإحرام بالحج على هذا الوجه المخصوص لا بيان صفة من صفات القران بدليل مقابلته بالصفة غير الصحيحة، وغرضه في الشرح بيان أنه في هذه الحالة يسمى متمتعاً لا قارنا تنبيهاً على مخالفة ما في الأنصاف وإن مشى عليه في الإقناع، وذكر المصنف في شرحه هنا أنه المذهب فيكون ذلك اختياراً له وهذا تقدير لكلامهم فليحرر انتهى كلام الخلوتي. قلت والصفة غير الصحيحة التي ذكرها محمد الخلوتي، هي قوله في المنتهى، ومن أحرم بالحج، ثم أدخلها عليه لم يصح إحرامه بها، والله أعلم.
وقول الخلوتي فيكون ذلك اختياراً له: يعني أن قول الفتوحي في شرحه على المنتهى ويصير قارناً على المذهب اختيار له، والله أعلم، وقال الشيخ عثمان بن قائد النجدي على قول الشيخ محمد الخلوتي فليحرر. أقول: الأظهر والله أعلم أنه متى أحرم بالحج قبل فراغه من العمرة حيث جاز له الإدخال فإنه يصير قارناً على كل حال كما يؤخذ ذلك من صريح الإنصاف وكذلك صريح الإقناع وشرح المنتهى في موضع بلا دفاع وكما يفهمه إطلاق قول المصنف الآتي وإلا صار قارناً، فإنك إذا قابلت هذا الموضع بما ذكره الشارح هناك ظهر لك الرجحان، والله ولي التوفيق.
وعليه التكلان فتأمل وتمهل، انتهى كلام الشيخ عثمان، قال في المنتهى وشرحه للشيخ منصور: وإن ساقه أي الهدي متمتع لم يكن له أن يحل من عمرته فيحرم بحج إذا طاف وسعى لعمرته قبل تحليل بحلق فإذا ذبحه يوم النحر حل منهما، أي الحج والعمر معاً نصاً، لأن التمتع أحد نوعي الجمع بين الحج والعمر كالقران ولا يصير قارناً لاضطراره لإدخال حجه على عمرته، هذا معنى كلامه
في شرحه هنا، يعني شرح المنصف وتقدمت الإشارة إليه انتهى ملخصاً، وقوله لاضطراره إشارة منه إلى الفرق بين هذه الصورة وبين ما إذا أدخل الحج على العمر قبل الشروع في طوافها مت تمكنه من التحلل منها لعدم سوقه الهدي، أما هذه الصورة فإنه لا يتمكن من التحلل لسوقه الهدي، وجزم الشيخ مرعي بن يوسف في غايته بأنه في هذه الصورة قان، ولكن الصحيح أنه في هذه الصورة متمتع والله أعلم. قال في المنتهى وشرحه لمنصور: ويشترط في وجوب دم متمتع وحده أي دون القارن زيادة عما تقدم ستة شروط إلى أن قال: وأن يحل منها أي العمرة قبل إحرامه به أي الحج وإلا يحل من العمرة قبل إحرامه بالحج بأن أدخله عليها كما فعل عليه الصلاة والسلام، صار قارناً فيلزمه دم القران وليس بمتمتع، وظاهره ولو بعد سعيها لمن معه هدي انتهى. قال الشيخ منصور في حاشيته على المنتهى: قوله وإلا صار قارناً محل هذا إذا لم يدخله عليها بعد سعيها لكونه ساق الهدي، فإن كان كذلك فهو متمتع، هذا مقتضى كلامه في شرحه، وفي الإنصاف يكون قارناً ولم يحك خلافاً وتبعه في الإقناع انتهى ملخصاً.
(تنبيهان) الأول: قد اختلف كلام الأصحاب في هذه المسألة اختلافاً واضحاً ولم يأت أحد منهم بما يزيل الإشكال فاستعنت الله جل وعلا وأمعنت النظر في المسألة فظهر لي الصواب بتوفيق الله الملك الوهاب، فأقول وبالله التوفيق: المتمتع إذا أحرم من الميقات بعمرة متمتعاً بها إلى الحج له حالتان: حالة ساق فيها الهدي وحالة أخرى لم يسق فيها هدياً، فالحالة التي ساق الهدي فيها إذا طاف لعمرته وسعى ثبت على إحرامه لسوقه الهدي ولزمه إدخال الحج على العمرة لسوقه الهدي ويثبت على إحرامه حتى يحل منهما جميعاً يوم النحر، وهذه الحالة
يكون فيها متمتعاً لا قارنا، وإن لم نقل بأنه متمتع لزم منه أن من ساق الهدي لا يكون متمتعاً أصلاً.
وأما الحالة التي لم يسق فيها هديا فإنه إذا طاف لعمرته وسعى حلق أو قصر وحل من عمرته ثم أحرم بالحج، لكن في هذه الحالة إذا أدخل الحج على العمرة باختياره أو اضطراره فيما إذا ضاق الوقت وخشي فوات الحج أو خشيته حائض ونحوها وكان ذلك الإدخال قبل الشروع في طواف العمرة، صح الإدخال المذكور وصار قارناً، وحينئذ يطوف بالبيت للقدوم إن أمكنه كسائر القارنين، فإن كان قد شرع في طواف العمرة لم يصح إدخال الحج عليها ولزمه التحلل من العمرة لأنه قد شرع في التحلل بالشروع في طواف العمرة. وأما القارن فله حالتان أيضاً: حالة ساق الهدي فيها، وحالة لم يسق فيها هدياً، فالحالة التي ساق الهدي فيها يثبت على إحرامه بعد طواف القدوم والسعي بعده إن لم يؤخر السعي إلى أن يطوف للإفاضة ولا يحل في هذه الحالة إلا يوم النحر.
وأما الحالة التي لم يسق فيها هدياً فالسنة أن يفسخ نيته بالحج وينويه عمرة ويتحلل منها، سواء كان الفسخ بعد الطواف والسعي أو قبلهما، وإن لم ينو فسخ الحج إلى العمرة فإنه يثبت على إحرامه ولا يحل من حجته وعمرته إلا يوم النحر، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن عمل القارن كعمل المفرد، وأنه يسقط ترتيب العمرة عن القارن ويصير الترتيب للحج، إذا تقرر هذا فالفرق بين حالة القارن التي ساق الهدي فيها وحالة المتمتع التي ساق الهدي فيها أيضاً أن المتمتع إذا طاف بالبيت يطوف طواف العمرة الذي هو ركن، وأما القارن فإنه يطوف طواف القدوم الذي هو نفل ولا يطوف للعمرة لأن طواف العمرة يختص بالمعتمر عمرة مفردة، وبالمتمتع لا غير، وقد تقدم أن القران داخل في اسم التمتع في الكتاب والسنة وكلام الصحابة، وهذا الفرق قد منَّ الله به علي في هذه
المسألة التي كثير فيها النزاع والاختلاف بين الأصحاب، فله الحمد والشكر لا نحصي ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه، والله أعلم.
(التنبيه الثاني) : وقع اختلاف بين الأصحاب في المحرم المتمتع الذي لم يسق الهدي إذا طاف لعمرته وسعى ولم يحلق أو يقصر، ثم أحرم بالحج فهل يصح حجه ويصير قارنا لإدخاله الحج على العمرة ويلزمه دم لتركه الحلق، والتقصير، أو لا يصح حجه لإدخاله الحج على العمرة قبل التقصير أو الحلق وهو ممن ليس معه هدي؟ وهذا نص ما نسوقه من الأقوال في هذه المسألة التي طال النزاع فيها، لا سيما في وقت موسم الحج، فنقول: قال في المنتهى وشرحه: ويصح إدخال حج على عمرة ممن معه هدي ولو بعد سعيها، قال الشيخ عثمان بن قائد النجدي: مفهومه أنه إذا لم يكن معه هدي، لا يصح إحرامه بالحج إذاً إلا بعد فراغه من العمرة، لا أنه ينعقد فاسداً ويمضي فيه كما يدل عليه صريح كالمه الآتي في الفصل الثاني في قوله: ومع مخالفته إلى حج أو قران يتحلل بفعل حج ولم يجزه عن واحد منهما ولا دم ولا قضاء، فقوله ولم يجزه دليل على عدم الصحة، وقوله ولا قضاء دليل على أنه لم ينعقد فاسداً فتدبر انتهى، قال الشيخ عبد الله أبو بطين: أقول ظاهر المغني أنه يصير في هذه الحالة أيضاً قارنا وكذا المستوعب وأفتى بذلك الشيخ سليمان بن علي، وخالفه الشيخ عبد الله بن ذهلان، ورد ما في المغني العلامة الشيخ إبراهيم بن نصر الله، وقال إنه سهو لأنه قدم أنه لا يصح، وأجاب العلامة ابن مفلح بأن المراد بما هنا المتمتع السائق للهدي، فعلمت أن ما أفتى به سليمان بن علي اعتماد على ظاهر العبارة من غير تحرير لكن على القاعدة هو مشكل انتهى كلام الشيخ عبد الله أبي بطين.
قلت: عبارة المغني التي أشارة إليها الشيخ، أبو بطين هي قوله بصفحة أربعمائة واثنتي عشرة من الجزء الثالث: وإن أحرم
بالحج قبل التقصير فقد أدخل الحج على العمرة فيصير قارنا انتهى، وعبارة المغني هذه فيها إشكال جداً لأنه بعد الشروع في طواف العمرة لا يصح إدخال الحج عليها، وكذا بعد سعيها بطريق الأولى إلا لمن معه هدي فكيف إذا طاف للعمرة وسعى وأحرم بالحج قبل الحلق أو التقصير للعمرة يكون قارنا؟ هذا خلاف صريح عبارات الأصحاب حيث ذكروا أنه بعد الشروع في طواف العمرة لا يصح إدخال الحج عليها لأنه قد شرع في التحليل من العمرة إلا لمن معه هدي، والله أعلم.
وعبارة الشيخ سليما بن علي التي أشار إليها الشيخ عبد الله أبو بطين هذا نصها: وإذا طاف المتمتع وسعي ولم يحلق، ثم أحرم وقد بقي عليه حلق العمرة الواجب فالظاهر أن هذا يصير قارنا فيلزمه حكم القران، قاله في المستوعب وغيره في المتمتع، والناسي والعامد سواء انتهى، قال الشيخ عبد الله بن ذهلان: والظاهر لنا جواز ذلك مع الإشكال لأنه بعد الطواف للعمرة لا يصح إدخال الحج عليها لمن ليس معه هدي كما صرح به غير واحد انتهى، قال في الشرح الكبير: إذا أدخل الحج على العمرة قبل طوافها من غير خوف لفوات جاز وكان قارنا بغير خلاف، فأما بعد الطواف فليس له ذلك ولا يصير قارنا وبهذا قال الشافعي وأبو ثور، وقال مالك: يصير قارنا، وحكى ذلك عن أبي حنيفة كما قبل الطواف. ولنا أنه شرع في التحلل من العمرة فلم يجز إدخال الحج عليها كما بعد السعي، إلا أن يكون معهد هدي فله ذلك انتهى. وقد نقل الشيخ أحمد المنقور في مجموعة ما تقدم من كلام الشيخ سليمان، وكلام شيخه عبد الله بن ذهلان، وكلام صاحب الشرح، ثم قال وكذلك عبارة المنتهى، والإقناع مع قولهم: الحلق من واجبات العمرة، ومن ترك واجباً فعليه دم فهل يصح إحرامه بالحج قبل الحلق أو التقصير،
كما نقل عن الشيخ أبي المواهب ويلزمه دم أم لا لقولهم ويفرغ منها، وبعضهم عبر أنه يتحلل منها، ولقولهم لا يصح إدخال الحج على العمرة بعد الطواف إلا لمن معه هدي فيها إشكال، وميل شيخنا، يعني ابن ذهلان مع الثقل إلى عم صحة إحرامه بالحج، والله أعلم. انتهى كلام المنقور، قال ابن منجا في شرحه للمقنع: ويشترط في إدخال الحج على العمرة في حق من لم يسق الهدي أن يكون قبل الطواف، فلو طاف ثم أدخل عليها الحج لم يصح لأنه قد أتى بمقصود العمرة وشرع في التحلل منها، فإن كان ساق الهدي لم يمنع من ذلك انتهى: قلت بل يلزمه إدخال الحج على العمرة لاضطراره إلى ذلك لعدم صحة تحلله من العمرة لسوقه الهدي، والله أعلم.
وقال في الجزء الثالث من الشرح الكبير بصفحة أربعمائة وإحدى عشرة: وفي الحديث دليل على أنه لا يحل إلا بالتقصير وهذا ينبني على أن التقصير هل هو نسك أو لا؟ وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى: فإن أحرم بالحج قبل التقصير وقلنا هو نسك فقد أدخل الحج على العمرة وصار قارنا انتهى كلام الشارح، وعلى نسخة خطية من الشرح الكبير حاشية بخط الشيخ احمد بن إبراهيم بن نصر الله البغدادي المتوفى سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، قوله وصار قارناً كذا وقع في المغني، وهو مشكل إذ إدخال الحج على العمرة إنما يصير به قارناً إذا كان قبل الشروع في أفعال العمرة كما تقدم إيضاحه في باب الإحرام، فكيف يصير قارناً وقد طاف للعمرة وسعى فهذا سهو انتهى. وتحتها حاشية أخرى بخط الشيخ إبراهيم بن مفلح جوابه لقائل أن يقول: المصنف يتكلم في المعتمر إذا أدخل الحج على العمرة وقد تقدم لك الكلام عليه باعتبار حالتين: حالة ساق فيها هدياً، وأخرى لا، فأما إذا ساق الهدي فإنه يصح إدخال الحج على العمرة
قبل الطواف وبعده، صرح به في بابا الإحرام ويصير قارناً انتهى. قلت ما ذكره الشيخ أحمد بن إبراهيم بن نصر الله وجيه، لأن عبارة الشرح الكبير التي علق عليها ابن نصر الله صريحة في حالة عدم سوق الهدي، لأن نصها هكذا: فإن أحرم بالحج قبل التقصير، وقلنا هو نسك فقد أدخل الحج على العمرة وصار قارناً انتهى. فهذا واضح في أنه في هذه الحالة يسوغ له التقصير وأنه لم يقصر وأدخل الحج على العمرة يكون قارنا، وكذا في المغني، وعبارته: وإن أحرم بالحج قبل التقصير فقد أدخل الحج على العمرة فيصير قارنا انتهى.
وأما الحالة التي ساق الهدي فيها فلا تنطبق على عبارة الشرح الكبير المذكورة، لأنه ليس له أن يحلق أو يقصر لسوق الهدي، وأما قول الشيخ إبراهيم بن مفلح: فأما إذا ساق الهدي فإنه يصح إدخال الحج على العمرة قبل الطواف وبعده فيقال عنه: إذا ساق الهدي لزمه إدخاله الحج على العمرة، فإذا طاف وسعى لعمرته ثبت على إحرامه ولم يتحلل بحلق ولا تقصير، لأنه مضطر إلى إدخاله عليها، قال تعالى:(ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله) ، فإذا ذبحه يوم النحر حل من الحج والعمرة معاً، لأن التمتع أحد نوعي الجمع بين الحج والعمرة كالقران، فحمل الشيخ إبراهيم بن مفلح عبارة الشرح الكبير المذكورة على من ساق الهدي بعيد لما أوضحناه؛ كما أن قوله إذا ساق الهدي يصح إدخال الحج على العمرة قبل الطواف وبعده يحتاج إلى زيادة بيان وهو أنه يلزمه الإدخال كما تقدم، والله أعلم.
قال في المقنع قبيل باب صفة الحج، فإن كان معتمراً قصر من شعره وتحلل إلا أن يكون المتمتع قد ساق هدياً فلا يحل حتى يحج وعليها حاشية، هذا نصبها: قوله فإن كان معتمراً قصر من شعره إلى آخره، لأنه عليه الصلاة والسلام اعتمر ثلاث عمر سوى عمرته التي مع حجته وكان يحل إذا سعى، وظاهره أن التقصير له أفضل
من الحلق، فلو أحرم بالحج قبل التقصير وقلنا هو نسك صار قارناً فإن تركهما فعليه دم إن قلنا هما نسك، وإن وطئ قبله فعليه دم وعمرته صحيحة، انتهى من المبدع، قال ابن منجا في شرحه: فإن قيل إن الحلق والتقصير نسك كما هو الصحيح من المذاهب لم يحل قبل فعله كالطواف، وإن قيل ليس بنسك حل قبله لأن الحل لا يتوقف على فعل ما ليس بنسك انتهى، قال في المغني: والحلق والتقصير نسك في الحج والعمرة في ظاهر مذهب أحمد وقول الخرقي وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي، وعن أحمد أنه ليس بنسك وإنما هو إطلاق من محظور كان محرماً عليه بالإحرام فأطلق منه عند الحل كاللباس والطيب وسائر محظورات الإحرام، فعلى هذه الرواية لا شيء على تاركه ويحصل الحل بدونه وذكر دليل من قال بهذه الرواية، ثم قال والرواية الأولى أصح وذكر دليل من قال بها أيضاً فليراجع عند الاحتياج إليه. وذكر في الشرح الكبير مثل عبارة المغني هذه سواء بسواء، وقال في المغني أيضاً بعد كلام سبق وهذا ينبني عل أن التقصير نسك وهو المشهور فلا يحل إلا به، وفيه رواية أخرى أنه إطلاق من محظور فيحل بالطواف والسعي حسب انتهى.
فإن قيل فبأي القولين تعتمدون وبأيهما تفتون؟ قلت: الذي تطمئن إليه النفس هو القول بصحة إحرامه بالحج قبل الحلق أو التقصير إذا كان ناسيا أو جاهلاً لكن يلزمه دم لتركه الحلق أو التقصير، وإنما قلت بهذا القول نظراً إلى أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل علينا في الدين من حرج، وإلى أن هذا الحاج قد تحمل المشاق في سبيل أداء نسكه لربه أرحم الراحمين وبذل ماله وأجهد نفسه لله رب العالمين، فإذا وصل إلى مكة شرفها الله مستبشراً بها بعد الجهد والمشقة وإنفاق المال وطاف وسعي لعمرته ونسى الحلق والتقصير، أو جهل أنه يلزمه أحدهما، ثم
أحرم بالحج مع المحرمين مريداً بذلك وجه الله وأداء ما افترضه عليه طالباً مرضاته وثوابه، وقلنا بعدم صحة حجة مع تحمله تلك المشاق صار في ذلك حرج وضيق عليه وإبطال لأعماله، وقد قال تعالى:(وما جعل عليكم في الدين من حرج)، وقال تعالى:(ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) الآيات، وقال صلى الله عليه وسلم:(عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ، وممن قال بصحة حجه والحالة هذه صاحب المغني والشرح والمستوعب والمبدع، وقال به الشيخ أبو الموهب الحنبلي، والشيخ سليمان بن علي وتتمشى صحة حجة على الرواية الثانية عن الإمام أحمد التي تنص على أن الحلق والتقصير ليس بنسك وإنما هو إطلاق من محظور فإنه على هذه الرواية لا شيء على تارك الحلق والتقصير ويحصل الحل بدونه كما تقدم. وبه قالت المالكية لأن عندهم إذا أحرم بالحج بعد كمال سعي العمرة، وقبل الحلاق، يصح إحرامه ولم يكن مردفاً للحج على العمرة وحرم الحلق ويجب عليه هدي لوجوب تأخير الحلق عليه بسبب إحرامه بالحج، فإن حلق لم يسقط عنه الهدي ولزمته فدية أيضاً لحلقه وهو محرم.
والحاصل عندهم أن الواجب أصالة ترك الإحرام بالحج حتى يحلق للعمرة، فإن خالف ذلك الواجب وأحرم بالحج قبل حلقه للعمرة لزمه تأخير الحلق إلى الفراغ من الحج، وأهدى لترك ذلك الواجب الأصلي، فإن قدم الحلق قبل الفراغ من الحج لزمه هدي لترك التأخير الواجب وفدية لإزالة الأذى، قالوا ولو كان الحلق بالقرب كمن اعتمر في آخر يوم عرفة ثم أحرم بالحج ولم يحلق حتى وصل إلى منى يوم النحر فحلق، فيلزمه الدم ولا يسقط عنه لأن الخلق للنسك الثاني لا للأول، كما نقله الحطاب عن الطراز انتهى كلامهم، وحكى صحة حجه، والحالة هذه عن أبي حنيفة، ويأتي إن شاء الله في باب دخول مكة البحث في المتمتع إذا فرغ من عمرته وحجه، ثم علم أنه على غير طهارة فراجعه عند الحاجة إلى ذلك.