الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن الاستشفاء به من قبيل التبرك به وهو ممنوع للأدلة الواردة في مثل ذلك، بخلاف ماء زمزم فإن التبرك بشربه جائز للأحاديث الواردة فيه، والله أعلم، ولا يكره إخراج ماء زمزم لأنه يستخلف فهو كالثمرة، قال الإمام أحمد: أخرجه كعب ولم يزد عليه انتهى، وروى عن عائشة رضي الله عنها:(أنها كانت حمل من ماء زمزم وتخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمله) . رواه الترمذي وقال حسن غريب.
(فائدة) قال الشيخ ابن العماد في شرح الغاية: لا بأس بنقل ماء زمزم للهدية كما يفعله كثير من الحجاج، وخاصيته من أنه طعام طعم وشفاء سقم، لا ترفع كما ظنه بعضهم، ولا تبدله الملائكة كما ظنه آخرون، لكن من صحبه معه، وفقد الماء في الطريق لا يباح له التيمم لأن عنده ماءً طهوراً ويجب عليه استعماله وكذا إن اضطر إليه عطشان من حيوان محترم فيجب بذله فليحفظ فإنه مهم انتهى.
قلت: ما ذكره ابن العماد من وجوب استعمال ماء زمزم إذا فقد مستصحبه الماء في الطريق محله إذا لم يخف باستعماله عطش نفسه أو ولده أو حرمته من زوجة ونحوها أو امرأة من أقاربه أو رفيقه أو حيوان محترم فإن خاف ذلك شرع له التيمم، والله أعلم.
--
فصل:
ومكة أفضل من المدينة لحديث عبد الله بن عدي بن الحمراء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت) . رواه أحمد والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح، ولمضاعفة الصلاة فيها
أكثر، والحزورة كانت هي سوق مكة وكانت بفناء دار أم هانئ فدخلت في المسجد الحرام، قيل إنها الأكمة التي كانت بين باب أم هانئ وبين باب الوداع، وقيل غيرها، وتستحب المجاورة لمن لا يخاف الوقوع في محظور بمكة، قال في المغني والشرح قال أحمد رحمه الله: كيف لنا بالجوار بمكة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والله إنك لأحب البقاع إلى الله عز وجل، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت) وإنما كره عمر الجوار بمكة لمن هاجر منها، وجابر بن عبد الله جاور بمكة وجميع أهل البلاد، ومن كان من أهل اليمن ليس بمنزلة من يخرج ويهاجر أي لا بأس به، وابن عمر كان يقيم بمكن قال: والمقام بالمدينة أحب إليّ من المقام بمكة لمن قوى عليه لأنها مهاجر المسلمين وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يصبر أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت له شفيعاً يوم القيامة) . انتهى والحديث رواه مسلم من حديث ابن عمر ومن حديث أبي هريرة وأبي سعيد وسعد وفيهن (أو شهيداً) وتضاعف الحسن والسيئة بمكان وزمان فاضلين لقول ابن عباس الآتي، وقد سئل الإمام أحمد هل تكتب السيئة أكثر من واحدة؟ فقال لا إلا بمكة لتعظيم البلد، ولو أن رجلاً بعدن وهمّ أن يقتل عند البيت أذاقه الله من العذاب الأليم، ولا ينافيه قوله تعالى:(من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون) .
ومراد ابن عباس مضاعفة السيئات بالكيف لا بالكم كما قرره شيخ الإسلام، والله أعلم.
وروى الأزرقي بسنده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: لخطيئة أصيبها بمكة أعز علي من سبعين خطيئة أصيبها بركبة انتهى.
وركبة هي الصحراء الواسعة المعروفة بطريق نجد، وروى الأزرقي بسنده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول:(يا أهل مكة لا تحتكروا الطعام بمكة فإن احتكار الطعام بمكة للبيع إلحاد) وبسنده عن مجاهد قال: (ومن يُرد فيه بإلحاد بظلم يعمل عملاً سيئاً) وبسنده عن عبد الله بن مسعود قال: (ليس أحد من خلق الله تعالى يهم بسيئة فيؤخذ بها ولا تكتب عليه حتى يعملها غير شيء واحد، قال ففزعنا لذلك فقلنا: ما هو يا أبا عبد الرحمن؟ فقال عبد الله: من هم أو حدث نفسه بأن يلحد بالبيت أذاقه الله عز وجل من عذاب أليم ثم قرأ: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) . قال شيخ الإسلام: المجاورة بمكان يكثر فيه إيمانه وتقواه أفضل حيث كان. قلت: هذا هو الصواب الذي لا شك فيه، وإلا فماذا ينفع المقيم في مكة أو المدينة مع فسقه
وفجوره أو نفاقه؟ وماذا يضر غيره ممن أقام في بلد من بلدان المسلمين سوى مكة والمدينة مع صلاحه وكمال إيمانه وتقواه؟ والله المستعان، والصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة؛ ونص الإمام أحمد رحمه الله أن الطواف للغريب أفضل من الصلاة النافلة والصلاة للمكي أفضل من الطواف.
ويستحب لمن أتي مكة الإكثار من سائر التطوعات بالمسجد الحرام واغتنام الزمان في تلك البقعة المشرفة الفاضلة من طواف وتلاوة قرآن وذكر مشروع واعتكاف وغير ذلك، وكان كثير من السلف يحيى الليل مدة إقامته بمكة، وفعله الإمام أحمد رحمه الله ليلة قدومه وهو في تلك الحجة ماشياً، والصلاة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم بألف صلاة، وفي المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة، وبقية حسنات الحرم كصلاة فيه فكل عمل صالح فيه بمائة ألف.
وفي الفروع: والأظهر أن مرادهم غير صلاة النساء في البيوت فإن صلاتها في بيتها بمكة أفضل من صلاتها في المسجد الحرام لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله من حرم الله وبيتها خير لها، وإن النفل بالبيت أفضل) فظاهر كلامهم أن المسجد الحرام نفس المسجد، وقيل الحرام كله مسجد، ومع هذا فالحرم أفضل من الحل انتهى، قال ابن جرير في تفسيره على قوله تعالى:(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام) . اختلف فيه وفي معناه فقال بعضهم يعني من الحرم كله مسجد وذكر دليل من قال به ثم قال: وقال آخرون بل أسرى به من المسجد وذكر دليل من قال به ثم قال: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال إن الله عز وجل أخبر أنه أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام. والمسجد الحرام هو الذي يتعارفه الناس بينهم إذا ذكروه انتهى.
وقال في الإقناع وشرحه: وما خلق الله خلقاً أكرم عليه من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما دلت عليه البراهين، وأما نفس تراب تربته صلى الله عليه وسلم
فليس هو أفضل من الكعبة بل الكعبة أفضل منه، قال في الفنون: الكعبة أفضل من مجرد الحجرة، فأما والنبي صلى الله عليه وسلم فيها فلا والله ولا العرش وحملته والجنة لأن بالحجرة جسداً لو وزن به لرجح انتهى. قلت: لا حاجة إلى هذا التكلف الذي ذكره ابن عقيل صاحب الفنون في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه من الإطراء. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم) . الحديث.
قال شيخ الإسلام: لا يعرف أحد من العلماء فضل تراب القبر على الكعبة إلا القاضي عياض ولم يسبقه أحد إليه ولا وافقه أحد قط عليه، قال الشيخ سليمان بن علي في منسكه: تكملة، حكى عن أبي بكر النقاش في شأن قوله صلى الله عليه وسلم:(صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في مسجدي هذا) زاد ابن خزيمة يعني مسجد المدينة رواه عبد الله بن الزبير، وروى صاحب مثير الغرام الساكن في كتابه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة)، قال أبو بكر النقاش: فحسبت ذلك في هذه الرواية فبلغت صلاة واحدة بالمسجد الحرام عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة، وصلاة يوم وليلة في المسجد الحرام وهي خمس صلوات عمر مائتي سنة وسبع وسبعين سنة وتسعة أشهر وعشر ليال انتهى.
قلت: حسبنا ذلك فوجدنا صلاة واحدة عن ست وخمسين سنة وستة أشهر إلا يوماً واحداً، وحسبنا صلاة يوم وليلة فوجدناها عن مائتي سنة واثنتين وثمانين سنة وستة أشهر إلا خمسة أيام، وذلك على رواية جابر
بن عبد الله، فانظر يا أخي إلى هذا الفضل الكبير والعطاء الكثير فإذا كان هذا على هذه الرواية فما بالك بها في رواية عبد الله بن الزبير التي قال فيها (وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في مسجدي هذا) فإنه يزاد على العدد المذكور تسعمائة وتسعة وتسعون مرة؛ يعني أن العدد الذي ذكرناه هنا يكون على رواية ابن الزبير جزءاً واحداً من ألف جزء والله أعلم. وهذا شيء يعجز الحاذق الماهر في الحساب عن ضبط سنينه وأعوامه ولياليه وأيامه، فحق لمثل هذا الحرم الشريف أن تشد إليه الرحال وتتلف فيه أنفس الرجال فضلاً عن الأموال.
وفي أحكام المساجد للزركشي الشافعي: روى أحمد والبزار وابن حبان في صحيحه من حديث حماد بن زيد وغيره عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة ألف صلاة) وإسناده على شرط الشيخين لا جرم صححه ابن عبد البر وقال إنه الحجة عند التنازع وإنه نص في موضع الخلاف قاطع عند من ألهم رشده ولم تمل به عصبيته، يعني في القول بأفضلية مسجد المدينة على المسجد الحرام، ثم ذكر أن بعض الناس طعن في حبيب المعلم، وبعضهم أعلّ الحديث ورد ذلك بما يطول ذكره، ثم نقل عن الذهبي أنه قال إسناده صالح، وروى ابن عبد البر هذا الحديث بإسناد آخر ثم قال ورجال إسناده علماء أجلاء ولم ينفرد ابن الزبير بذلك، بل روى ما يوافقه أنس وجابر وأبو الدرداء، ولقد أحسن القائل في مدح مكة:
أرض بها البيت المحرم قبلة
…
للعالمين لها المساجد تعدل.
حرم حرام أرضها وصيودها
…
والصيد في كل البلاد محلل.
وبها المشاعر والمناسك كلها
…
وإلى فضيلتها البرية ترحل.
وبها المقام وحوض زمزم مشرعاً
…
والحجر والركن الذي لا يرحل.
والمسجد العالي المحرّم والصفا
…
والمشعران لمن يطوف ويرمل.
وبمكة الحسنات ضوعف أجرها
…
وبها المسيء عنه الخطايا تغسل.
قوله: والصيد في كل البلاد محلل، أي ما عدا صيد حرم المدينة المنورة على الصحيح، وأعلم أن العلماء صرحوا بأن هذه المضاعفة فيما يرجع إلى الثواب فقط ولا يتعدى ذلك إلى الأجزاء عن الفوائت، فلو كان عليه صلاتان فصلى في مسجد مكة أو المسجد النبوي أو المسجد الأقصى صلاة واحدة لم تجزه عنهما، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء خلافاً لما يغتر به بعض الجهلة، وأعلم أيضاً أن هذه المضاعفة لا تختص بالصلوات بل كل حسنة يعملها العبد في الحرم بمائة ألف، فمن صام بها يوماً كتب الله له صوم مائة ألف يوم، ومن تصدق فيها بدرهم كتب الله له مائة ألف درهم صدقة، ومن ختم القرآن مرة واحدة كتب الله له مائة ألف ختمة بغيرها، ومن سبح الله تعالى فيها مرة كتب الله له مائة ألف مرة بغيرها، إلى غير ذلك من أعمال البر وتقدم.
(تنبيه) : يشترط لحصول المضاعفة المشار إليها شرطان: الإخلاص لله في العمل والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الإخلاص والمتابعة شرطان لصحة الأعمال وقبولها وكذلك إذا فقد أحدهما: يعني إذا كان العمل خالصاً لله ولم يكن على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقبل: كما أنه إذا كان العمل على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يكن خالصاً لله فإنه لا يقبل أيضاً، فلا يقبل من أعمال العبد إلا ما كان خالصاً لله صوابا على سنة رسول الله صلى الله