المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وظن انصرافه إليه لم ينصرف لأن الإحرام من العقود اللازمة، - مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام - جـ ١

[عبد الله بن جاسر]

الفصل: وظن انصرافه إليه لم ينصرف لأن الإحرام من العقود اللازمة،

وظن انصرافه إليه لم ينصرف لأن الإحرام من العقود اللازمة، فإذا انعقد على وجه لا يجوز صرفه إلى غيره ويستحق المسمى لبقاء العقد انتهى، وقال أيضاً بعد كلام سبق: وإلا بأن حبس المحرم بحق كأن حبس بدين يتمكن من أدائه فلا يجوز له التحلل بل عليه أن يؤدي ويمضي في نسكه، فلو تحلل لم يصح تحلله فإن فاتح الحج في الحبس لم يتحلل إلا بعمرة انتهى، وقد ذكر في حاشية شرح المنهج في باب الإحرام فيمن كان إحرامه مطلقاً صرفه بنيته لما شاء وجوباً ولا يجوز له إبطال الإحرام انتهى. فظهر من هذا أن الإحرام عندهم لا ينفسخ بالرفض، لأنه من العقود اللازمة وهو باق عليه عندهم، فاتضح مما تقدم أن الإحرام لا يرتفض على المذهب الأربعة، والله أعلم.

--‌

‌ فصل:

وكل هدي أو إطعام يتعلق بالإحرام أو الحرم كجزاء صيد حرم أو إحرام وما وجب من فدية لترك واجب أو فوات حج، أو وجب بفعل محظور في حرم كلبس ووطء فيه فهو لمساكين الحرم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الهدي والإطعام بمكة وكذا هدي تمتع وقران ومنذور للحرم ونحوها فهو لمساكين الحرم لقوله تعالى: (ثم محلها إلى البيت العتيق) وقال في جزاء الصيد: (هديا بالغ الكعبة) وأما ما وجب لترك واجب أو فوات حج فلأنه هدي وجب لترك نسك أشبه دم القران، والإطعام في معنى الهدي، وكل هدي قلنا إنه لمساكين الحرم فإنه يلزم ذبحه في الحرم ويجزئه الذبح في جميع الحرم، قال الإمام أحمد: مكة ومنى واحد، واحتج الأصحاب بحديث جابر مرفوعاً (كل فجاج مكة طريق ومنحر) . رواه أحمد وأبو داود لكنه في مسلم عنه مرفوعاً (منى كلها منحر) وإنما

ص: 212

أراد الحرم لأنه كله طريق إليها، والفج: الطريق، وقوله تعالى:(هديا بالغ الكعبة) . وقوله تعالى: (ثم محلها إلى البيت العتيق) لا يمنع الذبح في غيرها كما لم يمنعه بمنى، ويلزم تفرقة لحمه في الحرم أو إطلاقه بعد ذبحه لمساكين الحرم إن قدر على إيصاله إليهم بنفسه أو بمن يرسله معه، لأن المقصود من ذبحه بالحرم التوسعة على مساكينه ولا تحصل بإعطاء غيرهم، كذا الإطعام.

قال الخلوتي في حاشيته على المنتهى: قولهم لمساكينه ظاهر تعبيرهم بالجمع أنه لا يجزئ دفعه إلا إلى أقل الجمع، وقياس الفطرة أنه يجزئ إلى واحد، قال شيخنا يعني منصوراً: لكن إلحاقه بالكفارة أشبه فليتنبه انتهى، وقول الخلوتي إلا إلى أقل الجمع أي إلا إلى جمع، قال الشيخ عثمان بن قائد: ظاهر تعبيرهم بالجمع أنه لا يجزئ الدفع لواحد كالفطرة، اللهم إلا أن يقال المراد الجنس، لكن قال الشيخ منصور: إلحاقه بالكفارة أشبه فتأمل انتهى، قال الشيخ مرعي في غايته: ويتجه فلا يجزئ اقتصار على واحد، بل ثلاثة، واحتمل أو اثنين وقياس الفطرة يجزئ اقتصاره على واحد انتهى.

قال في التحفة لابن حجر الشافعي: ويجب صرف لحمه إلى مساكينه، أي الحرم أي ثلاثة منهم، قال الشرواني في حاشيته: ويكفي الاقتصار على ثلاثة من فقرائه أو مساكينه وإن انحصروا، لأن الثلاثة أقل الجمع، فلو دفع إلى اثنين مع قدرته على ثالث ضمن له أقل متمول انتهى. ومساكين الحرم من كان مقيماً به أو وارداً إليه من حاج وغيره ممن له أخذ زكاة لحاجة كالفقير والمسكين والمكاتب والغارم لنفسه، بخلاف المؤلف الغني والغارم للغير إذا كان غنياً، فإن دفع من الهدي أو أو الإطعام إلى فقير في ظنه فبان غنياً أجزأه كالزكاة، قال الشيخ مرعي في غايته، ويتجه لا إن ظنه نحو مسلم فبان عكسه انتهى، ويجزئ نحره في أي نواحي الحرم كان الذبح، قال الإمام أحمد: مكة ومنى واحد، ومراده في الإجزاء لا في التساوي في الفضيلة

ص: 213

ومنى كلها منحر لما تقدم من حديث مسلم. والأفضل أن ينحر في الحج بمنى وفي العمرة بالمروة خروجاً من خلاف مالك حيث كان لا يرى النحر للحج إلا بمنى ولا للعمرة إلا بمكة.

قلت: وفي هذه الأزمة وقبلها لا يتأتى النحر للعمرة بالمروة لكثرة الحجاح وحصوص البناء من جوانبها، فلو حصل النحر بها لحصل تلويث الحجاج والمعتمرين بالدماء لا سيما لدى السعي بين الصفاء والمروة، ولحصل بسبب كثرة الدماء روائح كريهة مؤذية كما لا يخفي على متأمل، وإن سلم الهدي حياً إلى مساكين الحرم فنحروه بالحرم أجزأ لحصول المقصود، وإن لم ينحروه استرده منهم ونحره لوجوب نحره، فإن أبى أن يسترده أو عجز عن استرداده ضمنه لمساكين الحرم لعدم خروجه من عهد الواجب، فإن لم يقدر على إيصال ما وجب ذبحه بالحرم إلى مساكين الحرم بنفسه أو وكيله، جاز نحره في غير الحرم كالهدي إذا عطب، لقوله تعالى:(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) وجاز تفرقة الهدي الذي عجز عن إيصاله بنفسه أو بمن يرسله معه حيث نحره، أي بالمكان الذي نحره فيه، وأما فدية الأذى وفدية اللبس وتغطية الرأس ونحوها كطيب وما أوجب شاة كالمباشرة دون الفرج إذا لم ينزل وما وجب بفعل محظور خارج الحرم ولو لغير عذر، فله تفرقتها دماً كانت أو طعاماً حيث وجد سببها (لأنه صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحديبية، وهي من الحل، واشتكى الحسين بن علي رأسه فحلقه علي ونحر عنه جزوراً بالسقيا) . رواه مالك والأثرم وغيرهما، وله تفرقتها في الحرم أيضاً كسائر الهدايا.

(تنبيه) : يستثنى من فعل المحظور خارج الحرم قتل الصيد خارج الحرم فإنه لا يجزئ إخراج فدائه إلا بالحرم، لقوله تعالى:(هديا بالغ الكعبة) وتقدم.

ص: 214