المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب: دخول مكة وما يتعلق به من الطواف والسعي وغيره: - مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام - جـ ١

[عبد الله بن جاسر]

الفصل: ‌ باب: دخول مكة وما يتعلق به من الطواف والسعي وغيره:

وقال ابن حبان والازدي لم يصح حديثه، وحمل القاضي أبو يعلى ذلك على الاستحباب للخروج من الخلاف، قال ابن القيم رحمه الله وفي سماع عروة من أبيه نظر وإن كان قد رآه والله أعلم، قال في المغني: صيد وج وشجره مباح وهو واد بالطائف، وقال أصحاب الشافعي: هو محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صيد وج وعضاهها محرم) رواه أحمد في المسند، ولنا أن الأصل الإباحة والحديث ضعيف ضعفه أحمد ذكره أبو بكر الخلال في كتاب العلل انتهى.

--‌

‌ باب: دخول مكة وما يتعلق به من الطواف والسعي وغيره:

يسن الاغتسال لدخول مكة ولو كان بالحرم، وفي الإقناع وشرحه ولدخول حرمها ولم لحائض ومثلها النفساء فتغتسل لدخول مكة انتهى، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل لدخول مكة وكان يبيت بذي طوى وهي عند الآبار التي يقال لها آبار الزاهر، فمن تيسر له المبيت بها والاغتسال ودخول مكة نهاراً وإلا فليس عليه شيء من ذلك ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه في الحج إلا ثلاثة أغسال: غسل الإحرام، والغسل عند دخول مكة، والغسل يوم عرفة، وما سوى ذلك كالغسل لرمي الجمار وللطواف والمبيت بمزدلفة فلا أصل له لا عن النبي صلى الله عليه ولم ولا عن أصحابه، ولا استحبه جمهور الأئمة لا مالك ولا أبو حنيفة ولا أحمد وإن كان قد ذكره طائفة من متأخري أصحابه بل هو بدعة إلا أن يكون هناك سبب يقتضي الاستحباب مثل أن يكون عليه رائحة يؤذي الناس بها فيغتسل لإزالتها انتهى.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في صفة حجته صلى الله عليه وسلم: (ثم نهض

ص: 252

صلى الله عليه وسلم إلى أن نزل بذي طوى وهي المعروفة الآن بآبار الزاهر فبات بها ليلة الأحد لأربع خلون من ذي الحجة، وصلى بها الصبح ثم اغتسل من يومه ونهض إلى مكة) وتمامه فيه. قلت في زمننا هذا يسمى بالزاهر موضعان موضع بالشهداء وفيه البستان المسمى ببستان الزاهر، والموضع الثاني بجرول قرب ذي طوي وهو بستان معالي وزير المالية عبد الله السليمان الحمدان، وأما بئر طوي فهي معروفة مشهورة عند أهل مكة بالموضع المسمى بجرول ومكتوب عليها بئر طوي ملاصقة لدار السادة العلويين آل عقيل والله أعلم. قال البخاري في صحيحه: باب الاغتسال عند دخول مكة، وساق بسنده إلى نافع قال:(كان ابن عمر رضي الله عنهما يبيت بذي طوي ثم يصلي به، أي بذي طوي الصبح، ويغتسل به ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك) . قال القسطلاني: وظاهر إطلاق البخاري يتناول المحرم والحلال الداخل لها أيضاً، وقد حكاه الشافعي في الأم عن فعله صلى الله عليه وسلم عام الفتح انتهى، وفي أثر ابن عمر هذا استحباب الاغتسال بذي طوي، وهو محول على من كان بطريقه بأن يأتي من طريق المدينة، أما من لم يكن بطريقه كمثل من أتى من نجد أو اليمن ونحوهما فإنه يغتسل من طريقه الذي ورد منه والله أعلم. قال القسطلاني: وطوى بكسر الطاء اسم بئر أو موضع بقرب مكة، ولأبي ذر: طوي بضمها ويجوز فتحها والتنوين وعدمه كما في القاموس فمن صرفه جعله اسم واد ومكان وجعله نكرة ومن لم يصرفه جعله بقعة وجعله معرفة انتهى.

قلت: طوي يصدق على واد، وموضع بجرول وبئر طوي في الموضع المذكور كما هو معلوم بالمشاهدة، ويسن أن يدخل مكة نهاراً لفعله صلى الله عليه وسلم، ففي مسلم من طريق أيوب عن نافع ولفظه (كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوي حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهاراً) قال في

ص: 253

الفروع: وقيل ليلاً، نقل ابن هانئ لا بأس به، وإنما كرهه من السراق انتهى، وأخرج النسائي أنه صلى الله عليه وسلم دخل ليلاً ونهاراً، قال القسطلاني ولا يعلم دخوله صلى الله عليه وسلم ليلاً إلا في عمرة الجعرانة كما رواه أصحاب السنن الثلاثة انتهى. ويسن أن يدخل مكة من أعلاها من ثنية كداء بفتح الكاف ممدود مهموز مصروف وغيره مصروف، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: (وإذا أتى مكة جاز أن يدخلها والمسجد من جميع الجوانب لكن الأفضل أن يأتي من وجه الكعبة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه دخلها من وجهها من الناحية العليا التي فيها اليوم باب المعلاة، ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لمكة ولا للمدينة سور ولا أبواب مبنية ولكن دخلها من الثنية العليا ثنية كداء بالفتح والمد المشرفة على المقبرة انتهى، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة نهاراً من أعلاها من الثنية العليا التي تشرف على الحجون، وكان في العمرة يدخل من أسفلها، وفي الحج دخل من أعلاها وخرج من أسفلها ثم سار حتى دخل المسجد وذلك ضحى انتهى.

قلت: وهل يسن الدخول من الثنية العليا لكل داخل سواء كانت تلقاء طريقه أم لم تكن في طريقه؟ لم أر من تعرض لهذا البحث من أصحابنا، وقد ذهب أبو بكر الصيدلاني وجماعة من الشافعية واعتمده الرافعي إلى أنه إنما يستحب الدخول منها لمن كانت في طريقه، وأما من لم تكن في طريقه، فقالوا لا يستحب له العدول إليها، وذهب النووي إلى أن الدخول منها نسك مستحب لكل أحد وصوبه وصححه، وهو ما مشي عليه في المجموع وزوائد الروضة، واعتمده المتأخرون منهم، وظاهر كلام الحنابلة يقتضي سنية ذلك لإطلاقهم سنية الدخول من أعلاها من ثنية كداء، ولكن ينبغي تقييد هذا الإطلاق بما إذا كانت ثنية كداء إزاء طريقه، أما إذا لم تكن

ص: 254

في طريقه فلا يستحب له العدول إليها، كما قاله أبو بكر الصيدلاني واعتمده الرافعي، قال الشيخ خليل المالكي: يدخل المدني من كداء، قال في المدونة: أحب للحاج أن يدخل مكة من كداء لمن أتى من طريق المدينة انتهى من المواق على خليل، وقال ابن حجر في الفتح، ثنية كداء بفتح الكاف والمد، وهذه الثنية هي التي ينزل منها إلى المعلى مقبرة أهل مكة وهي التي يقال لها الحجون بفتح المهملة وضم الجيم، وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي ثم سهل في عصرنا هذا منها سنة إحدى عشرة وثمانمائة موضع ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة، وكل عقبة في جبل أو طريق عال تسمى ثنية انتهى. قلت: ثم سهلت في زمن الشريف الحسين بن علي في حدود الثلاثين وثلثمائة وألف ثم سهلت في زمن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود رحمه الله ثم سهلت تسهيلاً كاملاً بعده.

وسن خروج من مكة من أسفلها من ثنية كدي بضم الكاف والتنوين دون ذي طوى من جهة مكة بقرب شعب الشافعيين، ويقال لها باب شبيكة لقول ابن عمر:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل من الثنية العليا التي بالبطحاء ويخرج من الثنية السفلى) متفق عليه. قال الخلوتي: ثنية كدي التي يخرج منها كهدي لا كرضى ولا كفتي خلافاً للغالطين في ذلك انتهى.

قلتك ثنية كدي تعرف الآن بريع الرسام دون مقبرة الشيخ محمود إلى مكة، وقد سهلت وهي الآن في الشارع العام الموصل إلى جرول والله أعلم، وأما كدي مصغراً لهو لمن خرج من مكة إلى اليمن وليس من هذين الطريقين في شيء قال في فتح الباري: ثنية كدي عند باب شبيكة بقرب شعب الشافعيين من ناحية قعيقعان، وكان بناء

ص: 255

هذا الباب عليها في القرن السابع انتهى.

قلت: لا وجود الآن لهذا الباب وقد أزيل لاتساع البلد، وقال الأزرقي ثنية كدي التي يهبط منها إلى ذي طوى وهي التي دخل منها قيس بن سعد بن عبادة يوم الفتح وخرج منها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وعليها بيوت يوسف بن يعقوب الشافعي ودار آل طرفة الهذليين يقال لها دار الأراكة فيها أراكة خارجة من الدار على الطريق وهي الدار التي يقول فيها حسان بن ثابت الأنصاري:

عدمنا خيلنا إن لم تروها

تثير النقع موعدها كداء.

انتهى كلام الأزرقي، قلت فيما قاله الأزرقي نظر ظاهر فكلامه غير محرر لأن ثنية كدي بضم الكاف هي الثنية التي تسمى ثنية الشافعيين، وتعرف الآن بريع الرسام كما تقدم وهي التي خرج منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما التي أشار إليها حسان بن ثابت رضي الله عنه في قصيدته المشهورة وجعلها موعد خيل المسلمين في قوله:

عدمنا خيلنا إن لم تروها

تثير النقع موعدها كداء.

ودخل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وقال صلى الله عليه وسلم: (ادخلوها من حيث قال حسان) فهي ثنية كداء بفتح الكاف والدال مع المد وهي التي تسمى بالحجون بأعلى مكة وبها باب المعلاة مقبرة أهل مكة والله أعلم. وفي القاموس وكدا كسما اسم عرفات وجبل بأعلا مكة ودخل النبي صلى الله عليه وسلم منه وكسمي بأسفلها وخرج منه، وجبل آخر بقرب عرفة، وكقرى: جبل مسفلة مكة على طريق اليمن، وكدي منقوصة كفتي ثنية بالطائف، وغلط المتأخرون في هذا التفصيل واختلفوا على أكثر من ثلاثين قولاً انتهى قلت: وفيما قاله صاحب القاموس نظر فإن الذي خرج منه صلى الله عليه وسلم

ص: 256

هي ثنية كدى بضم الكاف كهدي وقرى لا ثنية كدي كسمي بالتصغير لأن هذه لمن خرج من مكة إلى اليمن. وأما قوله وكقرى جبل مسفلة مكة على طريق اليمن فليس الأمر كذلك بل هذه لمن خرج من مكة إلى المدينة ونحوها. والحاصل أن ثنية كدى بضم الكاف على وزن هدى وقرى هي التي خرج منها صلى الله عليه وسلم للمدينة، وثنية كدى مصغرة على وزن سمي هي لمن خرج من مكة إلى اليمن، وقد عكس ذلك صاحب القاموس، يدل لذلك ما في المصباح حيث قال: الكدية الأرض الصلبة، والجمع كدى مثل مدية ومدى، وبالجمع سمي موضع بأسفل مكة بقرب شعب الشافعيين، وقيل فيه ثنية كدي فأضيف إليه للتخصيص ويكتب بالياء ويجوز بالألف إلى أن قال: وكداء بالفتح والمد: الثنية العليا بأعلى مكة عند المقبرة ولا ينصرف للعلمية والتأنيث، وتسمى تلك الناحية المعلى، وبالقرب من الثنية السفلى موضع يقال له كدي مصغر، وهو على طريق الخارج من مكة إلى اليمن، قال الشاعر:

أقفرت بعد عبد شمس كداء

فكدي فالركن والبطحاء.

انتهى.

(فائدة) : وأهل مكة يقولون: ادخل وافتح، واخرج وضم، وهذا ضابط طريف.

(تنبيه) : ينبغي لمن أراد الدخول إلى مكة أو إلى المسجد الحرام أو إلى المواضع التي فيها زحام أن يتحفظ من إيذاء الناس في الزحمة ويتلطف بمن يزاحمه ويلحظ بقلبه فضيلة البقعة التي هو فيها والتي هو متوجه إليها ويمهد عذر من زاحمه ويصفح عنه لأنه في الغالب مزحوم، وما نزعت الرحمة إلا من قلب شقي.

قال صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض

ص: 257

يرحمكم من في السماء) فلقد كان بعض من لا شفقة ولا رحمة لديه بالمسلمين يهجم على الضعفاء من النساء والرجال بقوته في الطواف والسعي ورمي الجمار ونحوها حتى يسقطوا بالأرض ويدسوا بالأرجل فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وفي تاريخ مكة للفاسي في الجزء الثاني ص 232 قال: وفي سنة خمسائة وأحدى وثمانين ازدحم الحجاج في الكعبة، فمات منهم أربعة وثلاثون نفراً، وقال أيضاً في ص235 وفي سنة تسع عشرة وستمائة مات بالمسعى جماعة من الزحام لكثرة الخلق الذي حجوا في هذه السنة. وقال أيضا في صفحة 240 من الجزء الثاني وجدت بخط الميورقي أنه في يوم الخميس رابع عشر ذي الحجة سنة سبع وسبعين وستمائة ازدحم الحجاج في خروجهم إلى العمرة في باب المسجد الحرام المعروف بباب العمرة فمات بالزحمة جمع كثير يبلغون ثمانين نفراً وقال عددت خمسة وأربعين ميتاً انتهى باختصار، ووجدت هذه الحادثة بخط غيره، وذكر أنها في ثالث عشر ذي الحجة وأنها اتفقت حين خروج الحجاج إلى العمرة من باب العمرة من المسجد الحرام انتهى.

ويسن أن يدخل المسجد الحرام من باب بني شيبة، والدخول منه يسن لكل قادم منم أي جهة كان بخلاف الدخول من الثنية العليا فإنه يسن منها إذا كانت في طريقه كمثل أهل المدينة، وأما من لم تكن في طريقه كأهل نجد واليمن فلا يستحب لهم العدول إليها كما تقدم، والفارق بينهما أن الدوران حول المسجد الحرام لا يشق بخلافه حول البلد والله أعلم، والدليل لذلك حديث جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة ارتفاع الضحى وأناخ راحلته عند باب بني شيبة ثم دخل) . رواه مسلم وغيره.

قال منصور في شرح الإقناع: وبإزاء باب بني شيبة الباب المعروف بباب السلام لكن قال في حاشيته على المنتهى باب بني شيبة هو المعروف الآن بباب السلام فحصل من التناقض بين كلامه في شرح

ص: 258

الإقناع وحاشية المنتهى، والمعروف أن باب بني شيبة هو باب السلام وكان باب بني شيبة يعرف أولاً بباب عبد شمس وعبد مناف، وهو الآن ثلاثة أبواب وأما العقد الذي خلف المقام فالظاهر أنه ليس باب بني شيبة كما يزعمه المطوفون الآن، وربما وافقهم بعض أهل العلم من أهل مكة وغيرهم على ذلك. ولعل الحامل لهم على ذلك أن المسجد الحرام لم يبلغ في زمنه صلى الله عليه وسلم ما بلغه الآن من السعة، ولا شك أن باباه ملتصق به، وبين باب السلام الذي هو أحد أبواب المسجد الحرام الآن والمسجد الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم مسافة طويلة لأن الذي في زمنه صلى الله عليه وسلم هو مقدار المطاف المبلط في هذا الزمن، وهذه نظرة وجيهة، والله أعلم أي ذلك كان. أما العقد الذي خلف المقام فالظاهر أنه ليس باب بني شيبة لأن العقد المذكور داخل في المسجد القديم وقد انتهى الكلام فيه لأنه قد أزيل للتوسعة على الطائفين ولله الحمد.

ويقول عند دخول المسجد الحرام: بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله اللهم افتح لي أبواب رحمتك، ويقدم رجله اليمنى في الدخول، وإن شاء قال: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، بسم الله والحمد لله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قدَّم رجله اليسرى وقال هذا الدعاء إلا أنه يقول: وافتح لي أبواب فضلك، وهذا الدعاء والذكر مستحب في كل مسجد، وقد وردت فيه أحاديث في الصحيح وغيره يحصل من مجموعها ما ذكرناه، وقد خص الرحمة بالدخول والفضل بالخروج، لأن العرف الشرعي استعمال الرحمة المقابلة للفضل في المنح الإلهية المفاضة على المتعبدين المخلصين المتبعين، والمساجد بنيت لذلك فناسب ذكر الرحمة عند دخولها، وأيضاً فالمصلي تواجهه الرحمة كما ورد فناسب

ص: 259

سؤالها لمريد الدخول لمحل الصلاة، وإن لم يقصد الدخول لصلاة، واستعمال الفضل في المنح الإلهية المفاضة على المتسببين في حصول أرزاقهم فناسب ذكر الفضل عند الخروج منها، ألا ترى إلى قوله سبحانه وتعالى:(فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) وقوله تعالى: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم) فإذا رأى البيت رفع يديه، نص عليه الإمام أحمد روى ذلك عن ابن عمر وابن عباس، وبه قال الثوري وابن المبارك والشافعي وإسحاق لأن الدعاء مستحب عند رؤية البيت، وقد أمر برفع اليدين عند الدعاء قال في الإقناع وكبر، قال منصور واليهوتي للحديث رواه البيهقي في السنن وحكاه في الفروع بقيل، ولم يذكره، أي التكبير في المنتهى وغيره، وقيل ويهلل انتهى.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان عند رؤيته يرفع يديه ويكبر ويقول: اللهم أنت السلام إلى آخره، والحديث مرسل ولكن سمع هذا سعيد بن المسيب من عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقوله انتهى. وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام حَيِّنا ربنا بالسلام. والسلام الأول اسم الله، والثاني من أكرمته بالسلام فقد سلم، والثالث السلامة من الآفات.

اللهم زد هذا البيت تعظيماً أي تبجيلاً، وتشريفاً أي رفعة وإعلاء، وتكريماً أي تفضيلاً، ومهابة أي توقيراً، وإجلالاً وبراً بكسر الباء اسم جامع للخير، وزد من عظمه وشرفه ممن حجه واعتمره تعظيماً وتشريفاً وتكريماً ومهابة وبراً، الحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، والحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلا، والحمد لله على كل حال، اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام، وقد جئتك لذلك اللهم تقبل مني وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت، ذكر ذلك الأثرم وإبراهيم الحربي، يرفع بهذا الدعاء صوته إن كان

ص: 260

رجلاً لأنه ذكر مشروع فاستحب رفع الصوت به كالتلبية، وما زاد من الدعاء المناسب فحسن كقوله: اللهم إني أسألك في مقامي هذا أن تقبل توبتي وتتجاوز عن خطيئتي وتضع عني وزري، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام الذي جعله مثابة للناس وأمناً اللهم إني عبدك والبلد بلدك والحرم حرمك والبيت بيتك، جئت أطلب رحمتك أسألك مسألة المضطر الخائف لعقوبتك الراجي رحمتك الطالب مرضاتك، وهذا الدعاء يقوله إذا عاين البيت، لا عند وصوله للمحل الذي كان يرى منه البيت قبل ارتفاع الأبنية، وهو المسمى أولاً برأس الردم، والآن يسمى بالمدعى، قال شيخ الإسلام: ولم يكن قديماً بمكة بناء يعلو على البيت ولا كان فوق الصفا والمروة والمشعر الحرام بناء، ولا كان بمنى بناء ولا بعرفات مسجد ولا عند الجمرات مسجد بل كل هذه محدثة بعد الخلفاء الراشدين، ومنها ما أحدث بعد الدولة الأموية فكان البيت يرى قبل دخول المسجد وقد ذكر ابن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت يرى قبل دخول المسجد وقد ذكر ابن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة وبراً وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفاً وتعظيماً وتكريماً فمن رأى البيت قبل دخول المسجد فعل ذلك،

وقد استحب ذلك من استحبه عند رؤيته البيت ولو كان بعد دخول المسجد. انتهى.

(فائدة) : ينبغي أن يستحضر عند رؤية الكعبة ما أمكنه من الخشوع والتذلل والخضوع فهذه عادة الصالحين وعباد الله المخلصين العارفين لأن رؤية البيت تذكر وتشوق إلى رب البيت، وقد حكي أن امرأة دخلت مكة فجعلت تقول من عظم ولها: أين بيت ربي؟ أين بيت ربي؟ فقيل لها: ألا ترينه؟ فلما لاح قالوا لها: هذا بيت ربك، فأسرعت نحوه وألصقت جبينها بالحجر الأسود فما رفعت إلا ميتة من غلبة الشوق، فلسان حالها ينشد: جئتك لذلك اللهم تقبل مني وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت، ذكر ذلك الأثرم وإبراهيم الحربي، يرفع بذا الدعاء صوته إن كان رجلاً لأنه ذكر مشروع فاستحب رفع الصوت به كالتلبية، وما زاد من الدعاء المناسب فحسن كقوله: اللهم إني أسألك في مقامي هذا أن تقبل توبتي وتتجاوز عن خطيئتي وتضع عني وزري، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام الذي جعله مثابة للناس وأمناً اللهم إني عبدك والبلد بلدك والحرم حرمك والبيت بيتك، جئت أطلب رحمتك أسألك مسألة المضطر الخائف لعقوبتك الراجي رحمتك الطالب مرضاتك، وهذا الدعاء يقوله إذا عاين البيت، لا عند وصوله للمحل الذي كان يرى منه البيت قبل ارتفاع الأبنية، وهو المسمى أولاً برأس الردم، والآن يسمى بالمدعي، قال شيخ الإسلام: ولم يكن قديماً بمكة بناء يعلو على البيت ولا كان فوق الصفا والمروة والمشعر الحرام بناء، ولا كان بمنى بناء ولا بعرفات مسجد ولا عند الجمرات مسجد بل كل هذه محدثة بعد الخلفاء الراشدين، ومنها ما أحدث بعد الدولة الأموية فكان البيت يرى قبل دخول المسجد وقد ذكر ابن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة وبراً وزد من شرفه وكرمه ممن حجة واعتمره تشريفاً وتعظيماً وتكريماً فمن رأى البيت قبل دخول المسجد فعل ذلك، وقد استحب ذلك من استحبه عند

رؤيته البيت ولو كان بعد دخول المسجد انتهى.

(فائدة) : ينبغي أن يستحضر عند رؤية الكعبة ما أمكنه من الخشوع والتذلل والخضوع فهذه عادة الصالحين وعباد الله المخلصين العارفين لأن رؤية البيت تذكر وتشوق إلى رب البيت، وقد حكي أن امرأة دخلت مكة فجعلت تقول من عظم ولهها: أين بيت ربي؟ أين بيت ربي؟ فقيل لها: ألا ترينه؟ فلما لاح قالوا لها: هذا بيت ربك، فأسرعت نحوه وألصقت جبينها بالحجر الأسود فما رفعت إلا ميتة من غلبة الشوق، فلسان حالها ينشد:

ص: 261

هذه دارهم وأنت محب

ما بقاء الحياة في الأجساد.

وعن أبي بكر الشبلي رحمه الله تعالى أنه غشي عليه عند رؤية الكعبة ثم أفاق فأنشد:

هذه دارهم وأنت محب

ما بقاء الدموع في الآماق.

(فائدة) : قال النووي: يستحب أن لا يعرج أول دخوله على استئجار منزل أو حط قماش وتغيير ثياب أو غير ذلك، بل يبدأ بالطواف ويقف بعض الرفقة عند متاعهم ورواحلهم حتى يطوفوا ويسعوا ثم يرجعوا إلى رواحلهم ومتاعهم واستئجار المنزل انتهى. قلت: ويدل لذلك ما في القرى، قال عن عروة بن الزبير (أن النبي صلى الله عليه وسلم حج فأخبرتني عائشة أن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة أن توضأ ثم طاف بالبيت ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم عمر مثل ذلك ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم معاوية وعبد الله بن عمر، ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك، ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر وهذا ابن عمر عندهم فلا يسألونه ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدءون بشيء حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت، وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان لا تبتدئان بشيء أول من البيت تطوفان به، أخرجاه انتهى من القرى للطبري.

وقد نقل هذا الحديث بلفظ مسلم مع قليل من الاختصار، ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان محرماً بها متمتعاً أو غيره ولم يحتج أن يطوف لها طواف القدوم كمن دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فإنه يكتفي بها عن تحيته، ويبتدئ بطواف القدوم إن كان مفرداً أو قارناً وهو سنة، ويسمى طواف الورود وهو تحية

ص: 262

الكعبة فاستحبت البداءة به ولقول عائشة: (إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة توضأ ثم طاف بالبيت) متفق عليه. وتحية المسجد الحرام الصلاة وتجزئ عنها الركعتان بعد الطواف وهذا لا ينافي أن تحية المسجد الحرام الطواف لأنه مجمل وهذا تفصيله.

والحاصل: أن تحية الكعبة مقدماً على تحية المسجد فيكون أول ما يبدأ به الطواف إلا إذا أقيمت الصلاة أو ذكر فريضة فائتة أو خاف فوت ركعتي الفجر أو الوتر أو حضرت جنازة فيقدمها على الطواف لاتساع وقته ثم يطوف إذا فرغ من صلاته تلك، والأولى للمرأة تأخير الطواف إلى الليل إذا أمنت الحيض والنفاس، ولا تزاحم الرجال لتستلم الحجر الأسود ولا لغيره خوف المحظور لأنه أستر لها لكن تشير المرأة إلى الحجر كما يشير الرجل الذي لا يمكنه الوصول إليه إلا بمشقة، قال البخاري في صحيحه: باب طواف النساء مع الرجال، وقال لي عمرو بن علي بن بحر الباهلي البصري: حدثنا أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل البصري. قال ابن جريج: أخبرنا عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال، قال عطاء: كيف تمنعهن؟ وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال، أي في وقت واحد.

ص: 263

وقد ذكر القسطلاني في شرح هذا الأثر: أن ثبيراً المذكور: جبل بالمزدلفة على يسار الذاهب منها إلى منى وعلى يمين الذاهب من منى إلى عرفات، وهذا وهم وخطأ واضح فإن ثبيرا جبل المزدلفة هو الذي كان أهل الجاهلية لا يدفعون منها حتى تشرق عليه الشمس ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير، ويبعد كل البعد أن تجاور أم المؤمنين عند جبل المزدلفة، والصواب أن ثبيرا الذي جاورت عنده أم المؤمنين هو ثبير الذي أشار إليه امرؤ القيس في معلقته حيث قال:

كأن ثبيرا في عرانين وبله

كبير أناس في بجاد مزمل.

ويسمى الآن عند العامة بجبل الرخم، ويقابله جبل حراء المسمى الآن جبل النور، وقوله في جوف ثبير يعني أنها مقيمة في أسفله في الأرض الواسعة هناك المسماة بالعدل، وكثير من الحجاج النجديين ينزلون فيه، وبمكة خمسة جبال أخر يسمى كل واحد منها ثبيراً كما ذكره الأزرقي وياقوت والبكري، واستحب الإمام مالك للرمأة الجميلة إذا قدمت نهاراً أن تؤخر الطواف إلى الليل، قال النووي الشافعي ولو قدمت امرأة جميلة أو شريفة لا تبرز للرجال استحب لها أن تؤخر الطواف ودخول المسجد إلى الليل انتهى.

قال السندي الحنفي: وإن كانت امرأة لا تبرز للرجال يستحب لها أن تؤخر الطواف إلى الليل لأنه

ص: 264

أتسر لها انتهى، قال الأزرقي ورأى عطاء بن أبي رباح امرأة تريد أن تستلم الركن فصاح بها وزجرها: غطي يديك لا حق للنساء في استلام الركن. انتهى.

(فائدة) : قال الأزرقي في تاريخ مكة: باب ما جاء في النوم في المسجد الحرام وساق بسنده إلى عمرو بن دينار قال: كنا ننام في المسجد الحرام زمان ابن الزبير، وبسنده إلى ابن جريج قال: قلت لعطاء أتكره النوم في المسجد الحرام؟ قال لا بل أحبه. انتهى.

(فائدة) : أو من أدار الصفوف حول الكعبة خالد بن عبد الله القسري نقله الأزرقي بسنده إلى سفيان بن عيينة، ونقل بعضهم عن الزركشي الشافعي أن أول من فعله عبد الله بن الزبير، ويمكن الجمع بين الكلامين بأن عبد الله بن الزبير فعله أولاً ثم تبعه على ذلك خالد بعد قتل ابن الزبير والله أعلم.

ويضطبع بردائه في طواف القدوم وفي طواف العمر للمتمتع ومن في معناه غير حامل معذور وغير محرم من مكة أو قربها في جميع أٍبوعه.

والاضطباع: أن يجعل وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن، وهو معنى من عبر بقوله: تحت إبطه الأيمن، ويجعل طرفيه على عاتقه الأيسر، وهو معنى من عبر بقوله ويلقي طرفيه على كتفه الأيسر فيكون المنكب الأيمن مكشوفاً على هيئة أرباب الشجاعة إظهاراً للجلادة في ميدان العبادة، مأخوذ من الضبع وهو عضد الإنسان افتعال منه، وكان أصله اضتبع فقلبوا التاء طاء لأن التاء متى وضعت بعد ضاد أو صاد أو طاء ساكنة قلبت طاء، ودليل الاضطباع ما روى أبو داود وابن ماجة عن يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً، وروي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى.

ص: 265

والاضطباع محله إذا أراد الشروع في الطواف، وليس كما يتوهمه بعض الناس من أن الاضطباع سنة في جميع أحوال الإحرام، وإنما الاضطباع سنة مع دخوله في الطواف أو قبيل الشروع في الطواف، قال في المنتهى وشرحه: ويضطبع استحباباً غير حامل معذور بحمله بردائه انتهى، فقوله بحمله متعلق بمعذور، وقوله بردائه متعلق بيضطبع، وقال عبد الوهاب بن فيروز على قوله في شرح الزاد: إن لم يكن حامل معذور بردائه، قوله إن لم يكن حامل معذور بالإضافة أي بأن حمل في ردائه معذوراً انتهى.

قلت: فيما جنح إليه ابن فيروز نظر، قال الشيخ عثمان النجدي: قوله غير حامل معذور وهو بالإضافة أي غير حامل شخصاً معذوراً كمريض وصغير فلا يستحب في حق الحامل الطائف به اضطباع ولا رمل كما سيأتي، هكذا ينبغي أن يفهم، ويدل هل قول العلامة ابن قندس عند قول الفروع أو حامل معذور أي المعذور إذا حمله آخر ليطوف به لا يرمل الحامل انتهى. فالأظهر ما قاله الشيخ عثمان من أن حامل المعذور لا يستحب له الاضطباع مطلقاً سواء حمل المعذور في ردائه أو لم يحمله فيه، ويؤيد هذا قوله في الإقناع وشرحه ويطوف سبعاً يرمل في الثلاثة الأول منها ماش غير راكب وغير حامل معذور وغير نساء وغير محرم من مكة أو من قربها فلا يسن هو، أي الرمل ولا الاضطباع، لهم لعدم وجود المعنى الذي لأجله شرع الرمل، ومن لا يشرع له الرمل لا يشرع له الاضطباع انتهى ملخصاً، ومنه يتضح عدم وجاهة ما ذهب إليه عبد الوهاب بن فيروز في حاشيته على شرح الزاد والله أعلم، فإذا فرغ المضطبع من الطواف سوى رداءه فجعله على عاتقه، ولا يضطبع في السعي لعدم وروده.

قال الإمام أحمد: ما سمعنا فيه شيئاً ويبتدئ الطواف من الحجر الأسود لأنه صلى الله عليه وسلم كان يبتدئ به وقال

ص: 266

(خذوا عني مناسككم) وهو جهة المشرق فيحاذي الحجر ظائف بكل بدنه ويستقبله بوجهه أو يحاذي بعضه بجميع بدنه لأن ما لزم استقباله لزم بجميع البدن كالقبلة، فإن لم يحاذ الحجر أو بعضه بكل بدنه بأن ابتدأ بالطواف عن جانب الركن من جهة الباب بحيث خرج شيء من بدنه عن محاذاة الحجر، أو بدأ بالطواف من دون الركن الذي به الحجر كالباب والملتزم لم يحتسب بذلك الشوط لعدم محاذاة بدنه للحجر ويحتسب له بالثاني وما بعده ويصير الثاني أوله لأنه قد حاذى فيه الحجر بجميع بدنه وأتى على جميعه، فإذا أكمل سبعة أشواط غير الأول صح طوافه وإلا لم يصح، قال الشيخ سليمان بن علي في منسكه: فيحاذيه بجميع بدنه، وإن قصده من ورائه كان أمكن لتحقق المحاذاة بكل بدنه حالة المرور ويزول الإشكال ذكره بعض الحنابلة الشاميين المتأخرين، أو يحاذي بعضه بكل بدنه انتهى، ويأتي في كلام شيخ الإسلام وابن القيم رحمهما الله أنه لا يتقدم عنه إلى جهة الركن اليماني، قال الشيخ عثمان بن قائد قال الفتوحي والد صاحب المنتهى فيما رأيته بخطه على هامش المحرر: وذلك بأن يقف مقابل الحجر حتى يكون مبصراً لضلعي البيت اللذين عن أيمن الحجر وأيسره، وهذا احتراز من أن يقف في ضلع الباب ويستلمه منه فلا يكون محاذياً له ببدنه فمتى رأى الضلع الآخر فقد حاذاه بكل بدنه انتهى، واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه يجزئه المحاذاة لكله أو بعضه ببعض بدنه، واختاره جماعة من الأصحاب وصححه ابن رزين في شرحه وأطلقهما في المغني والشرح والمحرر، والنفس تطمئن إلى هذا القول وإن كان الذهب ما قدمناه من أنه لا بد من محاذاته أو بعضه بكل البدن والله أعلم، ثم يستلم الحجر، أي يمسحه بيده اليمنى، فإن تعذر لنحو أقطع اليمنى أو أشلها فباليسرى، ودليل الاستلام حديث جابر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

لما

ص: 267

قدم مكة أتى الحجر فاستلمه) رواه مسلم، والاستلام: افتعال من السلام وهو التحية، وأهل اليمن يسمون الحجر الأسود المحيا لأن الناس يحيونه باستلامه، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نزل من الجنة أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا بني آدم) رواه الترمذي وقال حسن صحيح. قال السيوطي: ومن الحكمة في سواد الحجر الأسود بعد بياضه تنبيه الأمة على أن المعصية إذا أثرت في الحجر بمجرد التقبيل له فتأثيرها في القلب الذي هو أرق منه أولى انتهى، ويقبِّل الحجر من غير صوت يظهر للقبلة لحديث ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر ووضع شفتيه عليه يبكي طويلاً ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكى فقال: يا عمر هاهنا تسكب العبرات) .

رواه ابن ماجة وفي الصحيحين (أن أسلم قال رأيت عمر بن الخطاب قبَّل الحجر وقال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلك ما قبلتك) وإنما قال عمر رضي الله عنه ذلك لئلا يغتر بهذا التقبيل بعض من ألف في الجاهلية عبادة الأحجار تعظيماً ورجاء بقصد طلب شفاعتها له عند الله، فأخبر رضي الله عنه أن الحجر الأسود لا يضر ولا ينفع وأنه إنما قبله اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأشاع عمر هذا في الموسم ليحفظه عنه أهل الموسم المختلفو الأوطان والله أعلن، ونص أحمد في رواية الأثرم: ويسجد عليه فعله ابن عمر وابن عباس، فإن شق استلامه وتقبيله لم يزاحم واستلمه بيده وقبَّل يده لحديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم استمله وقبل يده) رواه مسلم، وروي عن ابن عمر وجابر وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس، فإن شق استلامه بيده استلمه بشيء وقبل ما استلمه به، روي عن ابن عباس موقوفاً، فإن شق عليه استلامه بشيء أشار إليه بيده أو بشيء واستقبله بوجهه لحديث البخاري عن ابن عباس قال

ص: 268

(طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير كلما أتى الركن أشار إليه بشيء كان عنده وكبر) .

قلت: والذي أشار به صلى الله عليه وسلم محجن بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم بعدها نون: عصا محنية الرأس، ولا يقبِّل المشار به من يده أو شيء من غير مس الحجر به لعدم وروده، ولا يزاحم لاستلام الحجر أو تقبيله فيؤذي أحداً من الطائفين، وفي البخاري سأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما عن استلام الحجر؟ فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله، قال قلت: أرأيت إن زحمت أرأيت إن غلبت؟ قال اجعل أرأيت باليمن، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله، وذكر شراح هذا الأثر أن السائل لابن عمر هو الزبير ابن عربي راويه، وظاهر كلام ابن عمر هذا أنه لا يرى الزحام عذراً في ترك الاستلام، وروى سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد قال: رأيت ابن عمر يزاحم على الركن حتى يدمي، وفي تاريخ مكة للأزرقي: أن ابن عمر كان لا يدع الركن الأسود واليماني في كل طواف طافه بهما حتى يستلمهما، لقد زاحم على الركن مرة في شدة الزحام حتى رعف فخرج فغسل عنه ثم رجع فعاد يزاحم فلم يصل إليه حتى رعف الثانية فخرج فغسل عنه ثم رجع فما تركه حتى استلمه، وبسنده أن عبد الله بن عمر كان لا يترك استلام الركنين في زحام ولا غيره حتى زاحم عنه يوم النحر وأصابه دم فقال قد أخطأنا هذه المرة، وبسنده إلى ابن عيينة عن إبراهيم بن أبي مرة قال: كنت أزاحم أنا وسالم بن عبد الله بن عمر على الركن حتى نستلمه، وبسنده إلى هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف (كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الحجر؟ وكان قد استأذنه في العمرة فقال كلاً قد فعلت استلمت وتركت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أصبت) وبسنده إلى هشام بن عروة: أن عمر بن الخطاب كان يستلم إذا وجد

ص: 269

فجوة فإذا اشتد الزحام كبَّر كلما حاذاه، وبسنده إلى عطاء أنه سمع ابن عباس يقول إذا وجدت على الركن زحاماً فلا تؤذ ولا تؤذى، وكان طاوس قل ما استلم الركنين إذا

رأى عليهما زحاماً انتهى ملخصاً، وكلام الحنابلة صريح في أن المزاحمة التي تؤذي الغير أقل أحوالها الكراهة، وعن عبد الرحمن بن الحارث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه (يا أبا حفص إنك رجل قوي فلا تزاحم على الركن فإنك تؤذي الضعيف ولكن إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فكبِّر وامض) رواه الشافعي وأحمد وغيرهما، وهو مرسل جيد، فظهر مما تقدم أن المزاحمة على الحجر بحيث يحصل منها إذاء لنحو ضعيف منهي عنها للآثار المتقدمة، وأما فعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فليس بحجة لا سيما وقد خالفه والده عمر رضي الله عنه وعبد الرحمن بن عوف وابن عباس وغيرهم من الصحابة والله أعلم، ويقول عند استلام الحجر أو استقباله بوجهه إذا شق استلامه لنحو زحام: بسم الله والله أكبر اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة محمد نبيك صلى الله عليه وسلم، ويقول ذلك كلما استلمه لحديث عبد الله بن السائب (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك عند استلامه) وزاد جماعة: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، وقوله: اللهم إيماناً بك مفعول له أي فعلت ذلك إيماناً بك أي لأجل إيماني أنك حق فعلت ذلك، كذا في المطلع لابن أبي الفتح الحنبلي، وقوله: ووفاءً بعهدك، قال المحقق عثمان بن قائد لعله قوله تعالى:(ولله على الناس حج البيت) . الآية، وفي المطلع ما نصه: روي عن علي رضي الله عنه قال: لما أخذ الله عز وجل الميثاق على الذرية كتب كتاباً فألقمه الحجر فهو يشهد للمؤمن بالوفاء وعلى الكافر بالجحود وذكره الحافظ أبو الفرج بن الجوزي انتهى.

وعن ابن عباس قال: قال

ص: 270

رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي هذا الحجر يوم القيام له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق) . رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم، فإن لم يكن الحجر موجوداً والعياذ بالله بأن ذهب به كما ذهبت به القرامطة حين ظهروا على مكة وقف مقابلاً لمكانه كما ذكروه في استقبال الكعبة إذا هدمت، واستلم الركن وقبَّله، فإن شق استلمه وقبَّل يده لحديث (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) .

(تنبيه) : تاريخ أخذ القرامطة للحجر الأسود سنة سبع وعشرين وثلاثمائة ولما أخذوه حملوه على نحو أربعين بعيراً فما حملوه على بعير إلا أهلكه الله، ومكث الحجر عندهم بضع عشرة سنة فأصابهم بلاء عظيم وأصاب رئيسهم الجذام، فراودوه على ترجيعه فامتنع عناداً إلى أن مات وتولى أخوه فتطير من الحجر فبدأ برده إلى موضعه وحمله على قعود هزيل فسمن، ولما جاء رسول القرامطة بالحجر إلى مكة عظم فرح أهلها مع جميع المسلمين وكثر شكرهم لله تعالى على ذلك، فال الرسول عند رؤية ذلك: وهل أمنتم أن نكون أتلفنا الحجر الأسود وجئناكم بشبهه من بعض الأودية؟ فقال بعض العلماء: إن الحجر الأسود له خاصية بأنه لا يغطس في الماء إذا ألقى فيه ولا تعدوا عليه النار فقال الرسول: لا أبرح حتى أختبر، فدعا بإناء كبير ووضع فيه ماء ورمى فيه الحجر فطفا على وجه الماء ثم أوقد النار عليه ثلاثة أيام فلم تعد عليه فعجب من ذلك وقال هذا دين مفخم، هكذا نقله بعض العلماء من المؤرخين وغيرهم والله على كل شيء قدير، قال الخرقي ثم أتى الحجر الأسود إن كان فاستلمه إن استطاع وقبِّله انتهى. فقوله إن كان لأنه ألّف مختصره والحجر الأسود عند القرامطة.

ص: 271

ثم يأخذ الطائف على يمينه مما يلي باب البيت لحديث جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً) . رواه مسلم، ويجعل البيت على يساره لفعله صلى الله عليه وسلم وقد قال:(خذوا عني مناسككم) ليقرب جانبه الأيسر الذي هو مقر القلب إلى البيت وقال شيخ الإسلام رحمه الله: لكون الحركة الدورية تعتمد فيها اليمنى على اليسرى، فلما كان الإكرام في ذلك للخارج جعل لليمنى انتهى.

قلت يكفينا في ذلك سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لما طاف جعل البيت على يساره فوجب علينا اتباعه سواء عرفنا الحكمة في ذلك أم لا والله الموفق، قال شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى: ولما دخل صلى الله عليه وسلم في حجته المسجد عمد إلى البيت ولم يركع تحية المسجد فإن تحية المسجد الحرام الطواف فلما حاذى الحجر الأسود استلمه ولم يزاحم عليه ولم يتقدم عنه إلى جهة الركن اليماني ولم يرفع يديه ولم يقل نويت بطوافي هذا الأسبوع كذا وكذا ولا افتتحه بالتكبير كما يكبر للصلاة كما يفعله من لا علم عنده بل هو من البدع المنكرات، ولا حاذى الحجر الأسود بجميع بدنه ثم انفتل عنه وجعله على شقه بل استقبله واستلمه ثم أخذ عن يمينه وجعل البيت عن يساره ولم يدع عند الباب بدعاء ولا تحت الميزاب ولا عند ظهر الكعبة وأركانها ولا وقت للطواف ذكراً معينا، لا بفعله ولا بتعليمه بل حفظ عنه بين الركنين (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ورمل في طوافه هذا ثلاثة الأشواط الأول، وكان يسرع مشيه ويقارب بين خطاه واضطبع بردائه فجعله على أحد كتفيه وأبدى كتفه الآخر ومنكبه، وكلما حاذى الحجر الأسود أشار إليه واستلمه بمحجنة وقبل المحجن، والمحجن: عصا محنية الرأس، وثبت عنه أنه استلم الركن اليماني ولم يثبت عنه أنه قبله ولا قبَّل

ص: 272

يده عند استلامه، وقد روى الدارقطني عن ابن عباس:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الركن اليماني ويضع خده عليه) وفيه عبد الله بن مسلم بن هرمز قال الإمام أحمد: صالح الحديث وضعفه غيره، ولكن المراد بالركن اليماني هاهنا الحجر الأسود فإنه يسمى الركن اليماني مع الركن الآخر ويقال لهما اليمانيان، ويقال له مع الركن الذي يلي الحجر من ناحية الباب العراقيان، ويقال للركنين اللذين يليان الحجر الشاميان، ويقال للركن اليماني والذي يلي الحجر من ظهر الكعبة الغربيان، ولكن ثبت عنه صلى الله عليه

وسلم أنه قبَّل الحجر الأسود، وثبت عنه أنه استلمه بيده فوضع يده عليه ثم قبلها، وثبت عنه أنه استلمه بمحجن فهذه ثلاث صفات، وروى عنه أيضاً أنه وضع شفتيه عليه طويلا يبكي، وذكر الطبراني عنه بإسناد جيد أنه كان إذا استلم الركن اليماني قال: بسم الله والله أكبر، وكان كلما أتى على الحجر الأسود قال: الله أكبر.

وذكر أبو داود الطيالسي وأبو عاصم النبيل عن جعفر بن عبد الله بن عثمان قال: (رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبَّل الحجر وسجد عليه، ثم قال رأيت ابن عباس يقبله ويسجد عليه، وقال ابن عباس: رأيت عمر بن الخطاب قبله وسجد عليه، ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا ففعلت) . وروى البيهقي عن ابن عباس (أنه قبل الركن اليماني ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثلاث مرات) . قلت والمراد بالركن اليماني هنا الحجر الأسود كما يأتي في كلام ابن القيم رحمه الله وكما تقدم عنه، قال ابن القيم وذكر البيهقي أيضاً عن ابن عباس قال:(رأيت النبي صلى الله عليه وسلم سجد على الحجر ولم يستلم صلى الله عليه وسلم ولم يمس من الأركان إلا اليمانيين فقط) . قال الشافعي رحمه الله ولم يدع أحد استلامهما هجرة لبيت الله ولكن استلم ما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 273

وأمسك ما أمسك عنه انتهى كلام ابن القيم رحمه الله، وقال أيضاً عند سياقه: الأوهام التي توهمها بعض الناس في حجته صلى الله عليه وسلم ومنها وهم من زعم أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل الركن اليماني في طوافه وإنما ذلك الحجر الأسود وسماه اليماني لأنه يطلق عليه وعلى الآخر اسم اليمانيين فعبر بعض الرواة عنه باليماني منفرداً انتهى.

قلت: وقد ذكر بعض العلماء أنه إنما قيل للحجر الأسود والركن اليماني اليمانيان للتغليب كما قيل في الأب والأم الأبوان، وفي الشمس والقمر القمران، وفي أبي بكر وعمر: العمران، وفي الماء والتمر الأسودان ونظائره كثيرة والله أعلم، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: وإذا دخل المسجد بدأ بالطواف فيبتدئ من الحجر الأسود يستقبله استقبالا يستلمه ويقبله إن أمكن ولا يؤذي أحداً بالمزاحمة عليه، فإن لم يمكن استمله وقبل يده وإلا أشار إليه ثم ينفتل للطواف ويجعل البيت عن يساره، وليس عليه أن يذهب إلى ما بين الركنين ولا يمشي عرضاً ثم ينفتل للطواف بل ولا يستحب ذلك ويقول إذا استلمه: بسم الله والله أكبر، وإن شاء قال أيضاً: اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ويجعل البيت عن يساره فيطوف سبعاً، ولا يخترق الحجر في طوافه لما كان أكثر الحجر من البيت والله أمر بالطواف به لا بالطواف فيه، ولا يستلم من الأركان إلا الركنين اليمانيين دون الشاميين فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما استلمها بأمر لأنهما على قواعد إبراهيم عليه السلام والآخران هما في داخل البيت.

فالركن الأسود يستلم ويقبَّل، واليماني يستلم ولا يقبل، والآخران لا يستلمان ولا يقبلان، والاستلام هو مسحه باليد، وأما سائر جوانب البيت ومقام إبراهيم

ص: 274

وسائر ما في الأرض من المساجد وحيطانها ومقابر الأنبياء والصالحين كحجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومغارة إبراهيم ومقام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يصلي فيه وغير ذلك من مقامات الأنبياء والصالحين وصخرة بيت المقدس لا يستلم ولا يقبل باتفاق الأمة، وأما الطواف بذلك فهو من أعظم البدع المحرمة، ومن اتخذه ديناً فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل انتهى كلامه رحمه الله، فأول ركن يمر به الطائف يسمى الشامي والعراقي وهو جهة الشام ثم يليه الركن الغربي والشامي وهو جهة المغرب ثم اليماني جهة اليمن، فإذا أتى على الركن اليماني استلمه ولم يقبله ولا يده خلافاً للخرقي حيث قال بتقبيل الركن اليماني، وحديث مجاهد عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استلم الركن اليماني استلمه ووضع خده الأيمن عليه فقال ابن عب البر: هذا لا يصح وإنما يعرف التقبيل في الحجر الأسود وتقدم كلام ابن القيم في أن الركن اليماني يسمى به الحجر الأسود، ولا يستلم ولا يقبل الركنين الأخيرين الشامي والغربي لقول ابن عمر (لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يمس من الأركان إلا اليمانيين) . متفق عليه، وقال ابن عبد البر: ما أراه يعني النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر إلا لأن البيت لم يتم من جهتهما على قواعد إبراهيم ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك، وتقدم شيء من ذلك في كلام شيخ الإسلام وابن القيم رحمهما الله تعالى، وطاف معاوية فجعل يستلم الأركان كلها فقال ابن عباس لِمَ تستلم هذين الركنين ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يستلمهما؟ فقال معاوية ليس شيء من البيت مهجوراً، فقال ابن عباس: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. فقال معاوية صدقت.

ويطوف سبعاً يرمل في الثلاثة الأول منها ماشٍ لما تقدم من حديث جابر وكذلك رواه ابن عمر

ص: 275

وابن عباس متفق عليهما، وقال ابن عباس (رمل النبي صلى الله عليه وسلم في عُمره كلها وفي حجه وأبو بكر وعمر وعثمان والخلفاء من بعده) رواه أحمد، وإن كان أصل الرمل لإظهار الجلد للمشركين فبقى الحكم بعد زوال علته، وفي البخاري (أن عمر قال بعد استلامه الحجر الأسود: ما لنا والرمل إنما كنا رأينا المشركين وقد أهلكهم الله ثم قال شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه) انتهى، وقوله: رأينا بوزن فاعلنا بالهمز من الرؤية أي أريناهم بذلك أنا أقوياء لا نعجز عن مقاومتهم ولا نضعف عن محاربتهم، وجعله ابن مالك من الرياء الذي هو إظهار المرائي خلاف ما هو عليه فقال: معناه أظهرنا لهم القوة ونحن ضعفاء، وقوله وقد أهلكهم الله أي فلا حاجة لنا اليوم إلى ذلك فهمَّ رضي الله عنه بترك الرمل لفقد سببه، ثم قال رضي الله عنه بعد أن رجع عما همّ به: هو شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه: أي لعدم اطلاعنا على حكمته وقصور عقولنا عن إدراك حقيقته، وقد يكون فعله سبباً باعثاً على تذكر نعمة الله تعالى على إعزازه الإسلام وأهله والله أعلم.

قال الموفق في المغني: فإن قيل إنما رمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لإظهار الجلد للمشركين ولم يبق ذلك المعنى إذ قد نفى الله المشركين فلم قلتم إن الحكم يبقى بعد زوال علته؟ قلنا: قد رمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واضطبع في حجة الوداع بعد الفتح فثبت أنه سنة ثابتة انتهى.

ولا يسن رمل ولا اضطباع لراكب وحامل معذور ونساء ومحرم من مكة أو من قربها لعدم وجود المعنى الذي لأجله شرع الرمل، وهو إظهار الجلد والقوة لأهل البلد، ومن لا يشرع له الرمل لا يشرع له الاضطباع. قال في الشرح الكبير: قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت ولا بين الصفا والمروة إلى أن قال وليس على أهل مكة رمل وهذا قول ابن عباس

ص: 276

وابن عمر رضي الله عنهم، وكان ابن عمر إذا أحرم من مكة لم يرمل لأن الرمل إنما شرع في الأصل لإظهار الجلد والقوة لأهل البلد، وهذا المعنى معدوم في أهل البلد، والحكم فيمن أحرم من مكة حكم أهل مكة لما ذكرنا عن ابن عمر ولأنه أحرم من مكة أشبه أهل البلد وليس عليهم اضطباع لأن من لا يشرع له الرمل لا يشرع له الاضطباع كالنساء والمتمع إذا أحرم بالحج من مكة ثم عاد وقلنا يشرع له طواف القدوم لا يرمل فيه. قلت: الصحيح أنه لا يشرع له طواف القدوم والله أعلم، قال أحمد رحمه الله: ليس على أهل مكة رمل عند البيت ولا بين الصفا والمروة انتهى كلام صاحب الشرح ومثله في المغني.

ولا يسن رمل ولا اضطباع في غير طواف القدوم للمفرد والقارن، وطواف العمر للأفاقي سواء كان متمتعاً بأن كانت العمرة في أشهر الحج أولا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما اضطبعوا ورملوا في طواف القدوم والعمرة فقط، ولا يقضي الطائف الاضطباع والرمل ولا يقضي بعضه إذا فاته في طواف غيره خلافاً للقاضي أبي يعلى. قال في مختار الصحاح: الرمل بفتحتين الهرولة، ورمل بين الصفا والمروة يرمل بالضم رملا ورملانا بفتح الراء والميم فيهما انتهى.

قال الزركشي: وفسره الأصحاب بإسراع المشي مع تقارب الخطا من غير وثب، والرمل أولى من الدنو من البيت بدون رمل لعدم تمكنه منه مع القرب للزحام لأن المحافظة على فضيلة تتعلق بنفس العبادة أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكانها أو زمانها، وإن كان لا يتمكن من الرمل أيضاً مع البعد عن البيت لقوة الزحام أو كان إذا تأخر في حاشية الطائفين للرمل يختلط بالنساء فالدنو من البيت مع ترك الرمل أولى من البعد لخلوه عن المعارض، ويطوف مع الزحام كيفما أمكنه بحيث لا يؤذي أحداً فإذا وجد فرجة رمل فيها ما دام في الثلاثة

ص: 277

الأول لبقاء محله، ولا يسن رمل في غير الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم أو طواف العمرة، فإن ترك الرمل فيها لم يقضه في الأربعة الباقية لأنها هيئة فات موضعها فسقطت كالجهر في الركعتين الأوليين ولأن المشي هيئة في الأربعة كما أن الرمل هيئة في الثلاثة، فإذا رمل في الأربعة الأخيرة كان تاركاً للهيئة في جميع طوافه كتارك الجهر في الركعتين الأوليين من العشاء إذا جهر في الأخيرتين.

وذكر القاضي أبو يعلى أن من ترك الرمل والاضطباع في طواف القدوم أتى بهما في طواف الزيارة لأنها سنة أمكن قضاؤها فتقضي كسنن وهذا لا يصح كما ذكرنا فيمن تركه في الثلاثة الأول لا يقضيه في الأربعة وكذلك من ترك الجهر في صلاة الجهر لا يقضيه في الأربعة وكذلك من ترك الجهر في صلاة الجهر لا يقضيه في صلاة السر، ولا يقتضي القياس أن تقتضي هيئة عبادة في عبادة أخرى؛ وتأخير الطواف حتى يزول الزحام لأجل الرمل والدنو من البيت أو لأحدهما أولى من تقديمه مع فواتهما أو فوات أحدهما ليأتي بالطواف على الوجه الأكمل، ويمشي في الأربعة الأشواط الباقية من الطواف بلا رمل للأخبار المتفق عليها التي تقدمت الإشارة إليها ويكون الرمل من الحجر إلى الحجر، وإن ترك الرمل في شيء من الثلاثة أتى به فيما بقى منها لأن تركه للهيئة في بعض محلها لا يسقطها في بقية محلها كتارك الجهر في إحدى الركعتين الأوليين من صلاة جهرية لا يسقطه في الثانية، وكلما حاذى الحجر الأسود والركن اليماني استلمهما استحبابا لما روى ابن عمر قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في طوافه) قال نافع: وكان ابن عمر يفعله، رواه أبو داود ولكن لا يقبِّل إلا الحجر الأسود وإن شق استلامهما للزحام أشار إليهما، ويقول كلما حاذى الحجر الأسود: الله أكبر فقط من غير تهليل لحديث البخاري عن ابن عباس قال: (طاف

ص: 278

النبي صلى الله عليه وسلم على بعير كملا أتى الركن أشار بيده وكبر) هذا الصحيح من المذهب. وقال في الشرح الكبير: وكلما حاذى الحجر الأسود والركن اليماني استلمهما أو أشار إليهما ويقول كلما حاذى الحجر: لا إله إلا الله والله أكبر إلى أن قال ويكبر كلما حاذى الحجر الأسود لما رويناه ويقول: لا إله إلا الله والله أكبر.

قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمى الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل . رواه الأثرم وابن المنذر انتهى.

قال في المنتهى وشرحه وكلما حاذى طائف الحجر الأسود والركن اليماني استلمهما ندبا، قال الشيخ عبد الله أبو بطين: ظاهره من غير تقبيل وهو المذهب انتهى، قال الشيخ سليمان بن علي في منسكه بعد كلام سبق: فظاهر هذا أن تقبيل الحجر الأسود والسجود عليه مسنون في ابتداء كل أسبوع لا في كل طوفه، وإنما المسنون في كل طوفة استلامه هو واليماني باليد، فإن شق استلمه بشيء انتهى، وقال النووي: ويستحب استلام الحجر الأسود وتقبيله واستلام اليماني عند محاذاتهما في كل طوفة، وهو في الأوتار آكد لأنها أفضل انتهى، وتقدم في كلام ابن القيم أنه صلى الله عليه وسلم كلما حاذى الحجر الأسود استلمه بمحجنه وقبَّل المحجن، فظاهره سنية تقبيل الحجر في كل طوفة كلما حاذاه؛ لأنه إذا كان صلى الله عليه وسلم كلما حاذى الحجر استلمه بمحجنه وقبَّل المحجن فإن تقبيل الحجر نفسه كلما حاذاه الطائف من باب أولى والله أعلم.

(تنبيه) : وردت الأحاديث والآثار بسنية استلام الحجر الأسود والركن اليماني، وأما الإشارة إليهما من غير استلام فوردت أيضاً في الحجر الأسود دون اليماني، وعبارة الأصحاب صريحة في استحباب الإشارة إليهما كلما حاذاهما

ص: 279

لكن لم أطلع على دليل يقضي باستحباب الإشارة إلى الركن اليماني والله أعلم.

وقد ذكر في الشرح الكبير والإقناع وغيرهما أن من سنن الطواف استلام الحجر وتقبيله أو ما يقوم مقامه من الإشارة عند تعذر الاستلام، وأن من سننه استلام الركن اليماني فقط ولم يذكروا الإشارة إليه عند تعذر استلامه، وهذا هو الأسعد بالدليل والله أعلم. وتستحب القراءة في الطواف نص عليه لا الجهر بها فيه، ويكره الجهر بالقراءة فيه إن أغلط المصلين أو الطائفين، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ويستحب له في الطواف أن يذكر الله تعالى ويدعو بما يشرع، وإن قرأ القرآن فلا بأس، وليس فيه ذكر محدود عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ونحو ذلك فلا أصل له، لكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يختم طوافه بين الركنين بقوله:(ربنا آتنا في الدنيا حسن وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) كما كان يختم سائر دعائه بذلك، وليس في ذلك ذكر واجب باتفاق الأئمة انتهى، وروى أحمد في المناسك عن عبد الله بن السائب (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين الركن الذي به الحجر الأسود والركن اليماني:(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ورواه أبو داود وقال بين الركنين، وأخرجه أيضاً النسائي وصححه ابن حبان والحاكم، وعن أبي هريرة مرفوعاً قال:(وكل به، ويعني الركن اليماني سبعون ملكا فمن قال: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قالوا آمين) رواه ابن ماجة، وفي إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال، وفي إسناده أيضاً هشام بن عمار وهو ثقة تغير بأخرةٍ، والحديث قد ذكره

ص: 280

الحافظ بن حجر في التلخيص وقال إسناده ضعيف.

(فائدة) قال في المطلع: في حسنة الدنيا سبعة أقوال: أحدها أنها المرأة الصالحة، قاله علي رضي الله عنه، والثاني أنها العبادة وهو مروى عن الحسن رحمه الله، والثالث أنها العلم والعبادة وروى عن الحسن أيضاً، والرابع أنها المال قاله أبو وائل وغيره، والخامس أنها العافية قاله قتادة، والسادس أنها الرزق الواسع قاله مقاتل، والسابع أنها النعمة. وفي حسن الآخرة ثلاثة أقوال: أحدها أنها الحور العين قاله علي رضي الله عنه، والثاني أنها الجنة قاله الحسن وغيره، والثالث أنها العفو والمعافاة انتهى كلام صاحب المطلع.

قلت: والأقرب أن المراد كل ذلك، وأعم منه مما ينشأ منه خير دنيوي أو أخروي، هذا في حسنة الدنيا، والمراد بحسنة الآخرة جميع ذلك وأفضل منه النظر إلى وجه الله تعالى وزيارته جل وعلا يوم المزيد، رزقنا الله ذلك ولا حرمنا منه بمنه وكرمه وجوده وإحسانه فإنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. ويكثر في بقية طوافه من الذكر والدعاء، ومنه: اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً أي عملاً متقبلا يزكو لصاحبه ثوابه، ومساعي الرجل أعماله الصالحة واحدها مسعاة، قال الحجاوي في حاشية الإقناع وذنبا مغفوراً، رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأكرم، قال الشيخ عبد الغني اللبدي الحنبلي في منسكه: الظاهر أن محل قوله: واجعله حجاً مبروراً إذا كان الطواف في الحج وكذا في طواف عمرة لأنها تسمى حجاً أصغر، وأما غير ذلك فلا والله أعلم انتهى، قال الشيخ زكريا الأنصاري في المنهج. قال الأسنوي: والمناسب للمعتمر أن يقول: عمرة مبرورة ويحتمل الأطلاق مراعاة للحديث ويقصد المعنى اللغوي وهو القصد انتهى، قال ابن حجر وظاهر كلامهم أن المعتمر يعبر بالحج أيضاً وهو ظاهر مراعاة للخبر ولأنها تسمى حجاً لغة بل

ص: 281

قال الصيدلاني إنها تسمى حجاً شرعاً لقوله صلى الله عليه وسلم (العمرة هي الحج الأصغر) انتهى. ويدعو في طوافه بما أحب ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك مستحب في جميع الأحوال ففي حال تلبسه بهذه العبادة أولى، وإن شاء قال: اللهم إن هذا البيت بيتك الحرم حرمك والأمن أمنك وهذا مقام العائذ بك من النار. قال ابن الصلاح: قوله وهذا مقام العائذ بك من النار كلام يقوله المستعيذ ويعني بالعائذ نفسه وهو كما يقال هذا مقام الذليل وليس كما توهمه بعض مصنفي المناسك المشهورة من أنه إشارة إلى مقام إبراهيم عليه السلام وهذا غلط فاحش وقع إلى بعض عوام مكة رأيت منهم من يطوف الغرباء ويشير إلى مقام إبراهيم عند انتهائه إلى هذه الكلمة من دعائه انتهى.

قال ابن حجر الهيتمي: ونقل الرافعي عن أبي حامد أنه يشير عند قوله وهذا مقام العائذ بك من النار إلى مقام إبراهيم عليه السلام وأقره، لكن نقل الأذرعي عن غيره أنه يشير إلى نفسه واستحسنه، بل قال ابن الصلاح إن الأول غلط فاحش انتهى. وفيه نظر لأنه إذا استحضر استعاذة خليل الله تعالى حمله ذلك على غاية من الخوف والإجلال والسكينة والوقار وذلك هو المطلوب في هذا المحل فكان أبلغ وأولى، وأيضاً فتخصيص هذا الدعاء بمقابلة المقام يدل على أنه يشير إليه انتهى كلام الهيتمي. قلت: الصحيح ما قاله ابن الصلاح، وما استحسنه الأذرعي، ففيما قاله ابن حجر الهيتمي وما نقله الرافعي عن أبي حامد نظر ظاهر، لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء الراشدين ولا عن سائر الصحابة أجمعين ولا عن التابعين ولا عن أحد من العلماء المعتبرين الإشارة إلى شيء حين الطواف بالبيت سوى الحجر الأسود وعند بعض الفقهاء والركن اليماني، فالإشارة في الطواف إلى مقام إبراهيم ليس مشروعاً بل هو فعل مبتدع والله أعلم.

ص: 282

(تنبيه) : إذا حصل على الطائفين زحام من جهة مقام إبراهيم فإنه يسوغ تأخيره بقدر إزالة الضرر لأن المقام ليس هو البقعة التي هو بها الآن وإنما هو نفس الحجر والله أعلم.

(تنبيه آخر) : لقد وضع الملك فيصل بن عبد العزيز يرحمه الله بعد عصر يوم السبت ثامن عشر رجب سنة 1387 هـ، المقام بداخل زجاج محاط بشباك صغير طلباً للتوسعة على الطائفين وذلك بعدما أزيلت الأعمدة والشباك الكبير وسقفهما الذي على المقام فجزاه الله أحسن الجزاء والحمد لله رب العالمين.

ويقول إن شاء عند الركن العراقي: اللهم إني أعوذ بك من الشرك والشك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وسوء المنظر وسوء المنقلب في الأهل والمال والولد، اللهم أظلني في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك واسقني من حوض نبيك محمد صلى الله عليه وسلم شراباً هنيئاً لا أظمأ بعده يا ذا الجلال والإكرام، وإن شاء بين الشامي أي الغربي واليماني: اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وعملاً مقبولاً وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور، وعند الفراغ من ركعتي الطواف يقول إن شاء: اللهم هذا بلدك الحرام ومسجدك الحرام وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك أتيتك بذنوب كثيرة وخطايا جمة وأعمال سيئة وهذا مقام العائذ بك من النار اللهم اغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم اللهم إنك دعوت عبادك إلى حج بيتك الحرام وقد جئت إليك طالباً بذلك رحمتك مبتغياً مرضاتك وأنت مننت بذلك علي فاغفر لي وارحمني إنك على كل شيء قدير، اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب إلى غير ذلك من الدعاء المشروع، ويدع الحديث في الطواف إلا الذكر والقراءة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما لا بد منه كالسلام ورده لأن الطواف بالبيت كالصلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير، قال

ص: 283

الشيخ سليمان ابن علي في منسكه: وحكم الطواف حكم الصلاة إلا أن الكلام أبيح فيه والأكل والشرب ولو كثيراً انتهى، قلت أما الأكل والشرب كثيراً في الطواف ففي النفس منه شيء وهو ينافي المروءة فلا ينبغي القول به والله أعلم. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: وقوله الطواف بالبيت صلاة لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هو ثابت عن ابن عباس وقد روى مرفوعاً انتهى.

ومن طاف أو سعى راكباً أو محمولاً لغير عذر لم يجزئه الطواف ولا السعي لأن الطواف عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكباً كالصلاة هذا هو الصحيح من المذهب ومشى عليه في المنتهى والإقناع وغيرهما من كتب المتأخرين من الحنابلة، وإن طاف أو سعى راكباً أو محمولاً لعذر أجزأه لحديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن) وعن أم سلمة قالت:(شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني أشتكي؟ فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة) متفق عليهما، وكان طوافه صلى الله عليه وسلم راكباً لعذر كما يشير إليه قول ابن عباس:(كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد؟ هذا محمد؟ حتى خرج العواتق من البيوت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا تضرب الناس بين يديه فلما كثروا عليه ركب) رواه مسلم، قال في المغني والشرح فعلى هذا تكون كثرة الناس وشدة الزحام عذراً ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قصد تعليم الناس مناسكهم فلا يتمكن منه إلا بالركوب انتهى، قال في المقنع:(مسألة) ومن طاف راكباً أو محمولاً أجزأه. وعنه لا يجزئه إلا لعذر ولا يجزئ عن الحامل، قال في الشرح: يصح طوف الراكب للعذر بغير خلاف علمناه، فإن فعل ذلك لغير عذر فعن أحمد فيه ثلاث روايات: إحداهن لا يجزئه وهو ظاهر كلام الخرقي

ص: 284

لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف بالبيت صلاة) فلم يجز فعلها راكباً لغير عذر كالصلاة، والثانية يجزئه ويجبره بدم، والثالثة يجزئه ولا شيء عليه اختارها أبو بكر وهو مذهب الشافعي وابن المنذر. فأما السعي محمولاً وراكباً فيجزئه لعذر ولغير عذر لأن المعنى الذي منع الطواف راكباً غير موجود فيه انتهى كلام الشارح ملخصاً.

واختار الموفق في المغني أنه يجزئ السعي راكباً ولو لغير عذر، وممن اختار رواية الإجزاء في الطواف راكباً ولو لغير عذر ابن حامد والمجد وغيرهما وقد عد في الشرح الكبير الطواف ماشياً من سنن الطواف والصحيح من المذهب ما تقدم، وعدم إجزاء طواف الراكب من غير عذر من مفردات المذهب، قال الشيخ عبد الغني اللبدي في منسكه وهل يجزئ أن يطوف حبواً أو زحفاً لغير عذر؟ لم أر من نبه عليه ومثله لو كان منحنياً كالراكع، ولو قيل بعدم صحته حينئذ لكان له وجه والله أعلم انتهى.

قلت: والصحيح من المذهب أنه يشترط لصحة الطواف المشي مع القدرة عليه والله أعلم، فعلى المذهب إذا طاف أو سعى محمولاً لعذر وقع الطواف أو السعي عن المحمول إن نويا: أي الحامل والمحمول عنه أو نوى كل منهما عن نفسه لأن المقصود هنا الفعل وهو واحد فلا يقع عن شخصين ووقوعه عن المحمول أولى لأنه لم ينو بطوافه إلا لنفسه والحامل لم يخلص قصده بالطواف لنفسه ولأن الطواف عبادة أدى بها الحامل فرض غيره فلم تقع عن فرضه كالصلاة، وصحة أخذ الحامل عن المحول الأجرة تدل على أنه قصده به لأنه لا يصح أخذه عن شيء يفعله لنفسه ذكره القاضي أبو يعلى وغيره، وإن نوى الحامل والمحمول الطواف عن الحامل وقع الطواف عن الحامل لخلوص كل منهما بالنية للحامل وإن نوى أحدهما الطواف عن نفسه والآخر لم ينو الطواف وقع لمن نوى منهما حاملاً أو

ص: 285

محمولاً لحديث (وإنما لكل امرئ ما نوى) وإن عدمت النية منهما أو نوى كل منهما عن الآخر لم يصح الطواف لواحد منهما لخلو طواف كل منهما عن نية منه، قال في الشرح الكبير بعد كلام سبق: الثالث أن يقصد كل واحد عن نفسه فيقع للمحمول دون الحامل وهذا أحد قولي الشافعي، والقول الآخر يقع للحامل لأنه الفاعل، وقال أبو حنيفة: يقع لهما لأن كل واحد منهما طائف بنية صحيحة فأجزأ الطواف عنه كما لو لم ينو صاحبه شيئاً، قال شيخنا وهو قول حسن، ووجه الأول أنه طواف أجزأ عن المحمول فلم يقع عن الحامل ولأنه طواف واحد فلم يقع عن شخصين كالراكب وتمامه في الشرح، قال في الإنصاف عما إذا نوى كل منهما عن نفس والنفس تميل إلى ذلك أي إلى وقوعه عن الحامل لأنه هو الطائف وقد نواه لنفسه: وقال أبو حفص العكبري لا يجزئ عن واحد منهما. قلت: والمذهب هو ما تقدم من وقوعه عن المحمول. والله أعلم.

وإن حمله بعرفات لعذر أو لا أجزأ الوقوف عنهما لأن المقصود الحصول بعرفة وهو موجود، وإن طاف منكسا بأن جعل البيت عن يمينه لم يجزئه لقوله عليه الصلاة والسلام:(خذوا عني مناسككم) وقد جعل صلى الله عليه وسلم البيت في طوافه على يساره؛ ويجوز في (منسكا) فتح الكاف صفة لمصدر محذوف: أي طاف طوافاً منكساً ويجوز كسرها ويكون حالاً: أي طاف منكساً طوافه والله أعلم، وإن طاف القهقهرى بأن مشى إلى جهة قفاه وجعل البيت عن يمينه لم يجزئه أو طاف على جدار الحجر بكسر الحاء المهملة لم يجزئه لقوله تعالى:(وليطوفوا بالبيت العتيق) والحجر منه لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة (هو من البيت) رواه مسلم. فمن لم يطف به لم يعتد بطوافه لأن النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 286

طاف من وراء الحجر، وقد قال عليه الصلاة والسلام:(لتأخذوا عني مناسككم) قال النووي: ولو سلم أن بعض الحجر ليس من البيت لا يلزمه منه أنه لا يجب الطواف خارج جميعه لأن المعتمد في باب الحج الاقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فيجب الطواف بجميعه سواء كان من البيت أم لا والله تعالى أعلم انتهى، أو طاف على شاذروان الكعبة لم يجزئه لأن الشاذروان من الكعبة، قال في المطلع: الشاذروان بفتح الشين والذال المعجمتين وسكون الراء: القدر الذي ترك خارجاً عن الجدار مرتفعاً عن وجه الأرض قدر ثلثي ذراع، والذراع أربع وعشرون إصبعاً، وهو جزء من الكعبة نقصته قريش وهو ظاهر في جوانب البيت إلا عند الحجر الأسود وهو في هذا الزمان قد صفح فصار يعسر الدوس عليه فجزى الله فاعل الخير خيراً انتهى كلام المطلع. قلت: وفي هذا الزمن قد بقى الموضع الذي جهة باب الكعبة والملتزم لم يصفح مراعاة لتسهيل الالتزام فيما يظهر لي والله أعلم.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ولو وضع يده على الشاذروان الذي يربط فيه أستار الكعبة لم يضره ذلك في أصح قولي العلماء وليس الشاذروان من البيت بل جعل عماداً للبيت انتهى، وإن طاف طوافاً ناقصاً ولو نقصاً يسيراً لم يجزئه لأنه لم يطف بجميع البيت، أو لم ينو الطواف لم يجزئه لحديث (إنما الأعمال بالنيات) أو طاف خارج المسجد لم يجزئه لأنه لم يرد به الشرع ولا يحنث به من حلف لا يطوف بالكعبة، أو طاف محدثا ولو حائضا لم يجزئه لقوله صلى الله عليه وسلم:(الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه) رواه الترمذي والأثر من حديث ابن عباس، وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة حين حاضت:(افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) ويلزم الناس انتظار الحائض لأجله فقط إن أمكن لتطوف طواف الإفاضة

ص: 287

ولا يلزمهم انتظارها للنفاس لطول مدته، وإن طاف نجسا ثوبه أو بدنه أو بقعته لم يجزئه كالمحدث، أو طاف شاكا في الطواف في طهارته وقد تيقن الحدث لم يجزئه استصحاباً للأصل ولا يضره شكه في طهارته بعد فراغه من الطواف لأن الظاهر صحته كشكه في الصلاة أو غيرها بعد الفراغ، قال الخرقي ويكون طاهراً في ثياب طاهرة، قال الموفق يعني في الطواف وذلك لأن الطهارة من الحدث والنجاسة والستارة شرائط لصحة الطواف في المشهور عن أحمد وهو قول مالك والشافعي، وعن أحمد أن الطهارة ليست شرطاً، فمتى طاف للزيارة غير متطهر أعاد ما كان بمكة، فإن خرج إلى بلده جبره بدم وكذلك يخرج في الطهارة من النجس والستارة، وعنه فيمن طاف للزيارة وهو ناس للطهارة لا شيء عليه وقال أبو حنيفة ليس شيء من ذلك شرطاً واختلف أصحابه فقال بعضهم هو واجب، وقال بعضهم: هو سنة لأن الطواف ركن للحج فلم يشترط له الطهارة كالوقوف، ولنا ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه) رواه الترمذي والأثرم انتهى من المغني، وقال شيخ الإسلام: وكذلك المرأة

الحائض إذا لم يمكنها طواف الفرض إلا حائضاً بحيث لا يمكنها التأخر بمكة ففي أحد قولي العلماء الذين يوجبون الطهارة على الطائف إذا طافت الحائض أو الجنب أو المحدث أو حامل النجاسة مطلقاً أجزأه الطواف وعليه دم إما شاة وإما بدنه مع الحيض والجنابة وشاة مع الحدث الأصغر، إلى أن قال فلا يجوز لحائض أن تطوف إلا طاهرة إذا أمكنها ذلك باتفاق العلماء، ولو قدمت المرأة حائضاً لم تطف بالبيت لكن تقف بعرفة وتفعل سائر المناسك مع الحيض إلا الطواف فإنها تنتظر حتى تطهر إن أمكنها ذلك ثم تطوف، وإن اضطرت إلى الطواف فطافت أجزأها ذلك على الصحيح من قولي العلماء، وقال رحمه الله أيضاً: وأما الذي

ص: 288

لا أعلم فيه نزاعاً أنه ليس لها أن تطوف مع الحيض إذا كانت قادرة على الطواف مع الطهر، فما أعلم منازعاً أن ذلك يحرم عليها وتأثم به، وتنازعوا في أجزائه؛ فمذهب أبي حنيفة يجزئها ذلك وهو قول في مذهب أحمد إلى أن قال: وأما القول بأن هذه العاجزة عن الطواف مع الطهر ترجع محرمة أو تكون كالمحصر أو يسقط عنها الحج أو يسقط عنها طواف الفرض فهذه أقوال كلها مخالفة لأصول الشرع مع أني لم أعلم إماما من الأئمة صرح بشيء منها في هذه الصورة وإنما كلام من قال عليها دم أو ترجع محرمة ونحو ذلك من السلف والأئمة كلام مطلق يتناول من كان يفعل ذلك في عهدهم وكان زمنهم يمكنها تحتبس حتى تطهر وتطوف وكانوا يأمرون الأمراء أن يحتبسوا حتى تطهر الحيض ويطفن، ولهذا ألزم مالك وغيره المكاري لها أن يحتبس معها حتى تطهر وتطوف انتهى ملخصاً من نحو عشر ورقات.

وقال أبو عبد الله محمد بن القيم رحمه الله: المثال السادس أن النبي صلى الله عليه وسلم منع الحائض من الطواف بالبيت حتى تطهر وقال: (اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوف بالبيت) فظن من ظن أن هذا حكم عام في جميع الأحوال والأزمان، ولم يفرق بين حال القدرة والعجز ولا بين زمن إمكان الاحتباس لها حتى تطهر وتطوف وبين الزمن الذي لا يمكن فيه ذلك وتمسك بظاهر النص ورأى منافاة الحيض للطواف كمنافاته للصلاة والصيام إذ نهى الحائض عن الجميع سواء ومنافاة الحيض لعبادة الطواف كمنافاته لعبادة الصلاة، ونازعهم في ذلك فريقان. أحدهما صححوا الطواف مع الحيض ولم يجعلوا الحيض مانعاً من صحته بل جعلوا الطهارة واجبة تجبر بالدم ويصح الطواف بدونها كما يقوله أبو حنيفة وأصحابه وأحمد في إحدى الروايتين عنه وهي أنصهما عنه، وهؤلاء لم يجعلوا ارتباط الطهارة بالطواف كارتباطها

ص: 289

بالصلاة ارتباط الشرط بالمشروط بل جعلوها واجبة من واجباته وارتباطها به كارتباط واجبات الحج به يصح فعله مع الإخلال بها ويجبرها الدم. والفريق الثاني جعلوا وجوب الطهارة للطواف واشتراطها بمنزلة وجوب السترة واشتراطها بل وبمنزلة سائر شروط الصلاة أو واجباتها التي تجب وتشترط مع القدرة وتسقط مع العجز، قالوا وليس اشتراط الطهارة للطواف أو وجوبها له بأعظم من اشتراطها للصلاة، فإذا سقطت بالعجز عنها فسقوطها في الطواف بالعجز عنها أولى وأحرى، قالوا وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين يحتبس أمراء الحج للحيض حتى يطهرن ويطفن، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن صفية وقد حاضت:(أحابستنا هي؟ قالوا إنها قد أفاضت، قال فلتنفر إذاً) وحينئذ كانت الطهارة مقدورة لها يمكنها الطواف بها.

فأما في هذه الأزمان التي يتعذر إقامة الركب لأجل الحيض فلا تخلو من ثمانية أقسام: أحدها أن يقال لها أقيمي بمكة وإن رحل الركب حتى تطهري وتطوفي، وفي هذا من الفساد وتعريضها للمقام وحدها في بلد الغربة مع لحوق غاية الضرر لها ما فيه.

الثاني: أن يقال يسقط طواف الإفاضة للعجز عن شرطه.

الثالث: أن يقال إذا علمت أو خشيت مجيء الحيض في وقته جاز لها تقديمه على وقته.

الرابع: أن يقال إذا كانت تعلم بالعادة أن حيضها يأتي في أيام الحج وأنها إذا حجت أصابها الحيض هناك سقط عنها فرضه حتى تصير آيسة وينقطع حيضها بالكلية.

الخامس: أن يقال بل تحج فإذا حاضت ولم يمكنها الطواف ولا المقام رجعت وهي على إحرامها تمتنع من النكاح ووطء الزوج حتى تعود إلى البيت وتطوف وهي طاهرة ولو كان بينها وبينه مسافة سنين، ثم إذا أصابها الحيض في سنة العود رجعت كما هي ولا تزال كذلك كل عام حتى يصادفها عام

ص: 290

تطهر فيه.

السادس: أن يقال بل تتحلل إذا عجزت عن المقام حتى تطهر، كما يتحلل المحصر مع بقاء الحج في ذمتها، فمتى قدرت على الحج لزمها، ثم إذا أصابها ذلك أيضاً تحللت وهكذا أبدا حتى يمكنها الطواف طاهرا.

السابع: أن يقال يجب عليها أن تستنيب من يحج عنها كالمعضوب وقد أجزأ عنها الحج، وإن انقطع حيضها بعد ذلك.

الثامن: أن يقال بل تفعل ما تقدر عليه من مناسك الحج ويسقط عنها ما تعجز عنه من الشروط والواجبات، كما يسقط عنها طواف الوداع بالنص، وكما يسقط عنها فرض السترة إذا شلحتها العبيد أو غيرهم، وكما يسقط عنها فرض طهارة الجنب إذا عجزت عنها لعدم الماء أو مرض بها وكما يسقط فرض اشتراط طهارة مكان الطواف إذا عرض فيه نجاسة يتعذر إزالتها، وكما يسقط شرط استقبال القبلة في الصلاة إذا عجز عنه، وكما يسقط فرض القيام والقراءة والركوع والسجود إذا عجز عنه المصلي، وكما يسقط فرض الصوم عن العاجز عنه إلى بدله وهو الإطعام ونظائر ذلك من الواجبات، والشروط التي تسقط بالعجز عنها إما إلى بلد أو مطلقاً، فهذه ثمانية أقسام لا مزيد عليها، ومن المعلوم أن الشريعة لا تأتي بسوي هذا القسم الثامن.

ثم تكلم رحمه الله تعالى على الأقسام السبعة المتقدمة وأبطل قول من قال بها أو أحدها ورده رداً شافياً كافياً لا مزيد على حسنه، ثم قال فإذا بطلت هذه التقديرات تعين التقدير الثامن وهو أن يقال تطوف بالبيت والحالة هذه وتكون هذه ضرورة مقتضية لدخول المسجد مع الحيض والطواف معه وليس في هذا ما يخالف قواعد الشريعة بل يوافقها كما تقدم إذ غايته سقوط الواجب أو الشرط بالعجز عنه ولا واجب في الشريعة مع عجز ولا حرام مع ضرورة، فإن قيل الطواف كالصلاة ولهذا تشترط له الطهارة من الحديث، وقد أشار إلى هذا

ص: 291

بقوله في الحديث (الطواف بالبيت صلاة) والصلاة لا تشرع ولا تصح مع الحيض فكذا شقيقها ومشبهها ولأنها عبادة متعلقة بالبيت فلم تصح مع الحيض كالصلاة، فالجواب أن يقول باشتراط طهارة الحدث للطواف لم يدل عليه نص ولا إجماع، بل فيه النزاع قديماً وحديثا، فأبو حنيفة وأصحابه لا يشترطون ذلك، وكذلك أحمد في إحدى الروايتين عنه، وقد نص أحمد في إحدى الروايتين عنه على أن الرجل إذا طاف جنباً ناسياً صح طوافه ولا دم عليه، وعنه رواية أخرى عليه دم، وثالثة أنه لا يجزئه الطواف إلى أن قال: وقد دلت أحكام الشريعة على أن الحائض أولى بالعذر من الجنب الذي طاف مع الجنابة ناسياً أو ذاكراً فإذا كان فيه النزاع المذكور فهي أحق بالجواز منه فإن الجنب يمكنه الطهارة وهي لا يمكنها فعذرها بالعجز والضرورة أولى من عذره بالنسيان فإن الناسي لما أمر به من الطهارة والصلاة يؤمر بفعله إذا ذكره، بخلاف العاجز عن الركن أو الشرط فإنه لا يؤمر بإعادة العبادة معه إذا قدر عليه، فهذه إذا لم يمكنها إلا الطواف على غير طهارة وجب عليها ما تقدر عليه وسقط عنها ما تعجز عنه كما قال تعالى:(فاتقوا الله ما استطعتم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وهذه لا تستطيع إلا هذا وقد اتقت الله ما استطاعت فليس عليها غير ذلك بالنص وقواعد الشريعة

والمطلق يقيد بدون هذا بكثير إلى أن قال: فإن قيل لو كان طوافها مع الحيض ممكنا أمرت بطواف القدوم وطواف الوداع فلما سقط عنها طواف القدوم والوداع علم أن طوافها مع الحيض غير ممكن قيل لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط طواف القدوم عن الحائض وأمر عائشة لما قدمت وهي متمتعة فحاضت أن تدع أفعال العمرة وتحرم بالحج، فعلم أن الطواف مع الحيض محظور لحرمة المسجد

ص: 292

أو للطواف أو لهما والمحظورات لا تباح إلا في حال الضرورة ولا ضرورة بها إلى طواف القدوم لأنه سنة بمنزلة تحية المسجد، ولا إلى طواف الوداع فإنه ليس من تمام الحج، ولهذا لا يودع المقيم بمكة وإنما يودع المسافر عنها فيكون آخر عده بالبيت فهذان الطوافان أمر بهما القادر عليهما إما أمر إيجاب فيهما أو في أحدهما أو استحباب كما هي أقوال وليس واحد منهما ركنا يقف صحة الحج عليه، بخلاف طواف الفرض فإنها مضطرة إليه وهذا كما يباح لها دخول المسجد واللبث فيه للضرورة ولا يباح لها الصلاة ولا الاعتكاف فيه، وإن كان منذوراً إلى أن قال: وبالجملة فالكلام في هذه الحادثة في فصلين: أحدهما في اقتضاء قواعد الشريعة لها لا لمنافاتها وقد تبين ذلك بما فيه كفاية. والثاني في أن كلام الأئمة وفتاويهم في الاشتراط والوجوب إنما هو في حال القدرة والسعة لا في حال الضرورة والعجز فالإفتاء بها لا ينافي نص الشارع ولا قول الأئمة وغاية المفتي بها أنه يقيد مطلق كلام الشارع بقواعد شريعته وأصولها ومطلق كلام الأئمة بقواعدهم وأصولهم، فالمفتي بها موافق لأصول الشرع وقواعده ولقواعد الأئمة وأصولهم وبالله التوفيق انتهى ملخصاً.

وقد سقت كلام الشيخين في هذه المسألة لأني لم أر من الأصحاب من استوفى الكلام فيهما سواهما، ومن كلامهما يتضح أنهما يريان القول بصحة طواف الحائض طواف الإفاضة الذي هو ركن في الحج إذا اضطرت إلى طوافه بأن لم تتمكن من المقام بمكة حتى تطهر لسفر رفقتها عنها، وقولهما هذا وجيه وإن كان خلاف المذهب عند متأخري الأصحاب. قلت وحكم النفساء حكم الحائض في صحة طوافها للإفاضة الذي هو ركن في الحج إذا اضطرت إلى طوافه بأن لم تتمكن من المقام بمكة حتى تطهر من نفاسها لسفر رفقتها عنها والله أعلم. وإن طاف عريانا لم

ص: 293

يجزئه لحديث أبي هريرة: (إن أبا بكر بعثه في الحجة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر عليها قبل حجة الوداع يؤذن يوم النحر: ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان) . متفق عليه، وقوله في الحديث: إن أبا بكر بعثه، أي بعث أبا هريرة سنة تسع من الهجرة والله أعلم.

وكذا لو انكشف من العورة ما تبطل به الصلاة وكثيراً ما يقع في ذلك جهال النساء فإنه ربما انكشف من بدنها في طوافها ما تبطل به صلاتها لكون الأنثى كلها عورة في الصلاة إلا وجهها، والطواف صلاة كما تقدم، قال الشيخ مرعي في الغاية: ويتجه احتمال عدم صحة الطواف في المغصوب وفي الحرير لغير أنثى انتهى، أو قطع الطواف بفصل طويل عرفاً ولو سهواً أو لعذر لم يجزئه لأنه صلى الله عليه وسلم والى بين طوافه وقال:(خذوا عني مناسككم) أو أحدث في بعضه لم يجزئه لأن الطهارة شرط فيه على الصحيح من المذهب، وإذا وجد الحدث بطلت فيبطل الطواف كالصلاة فتشترط الموالاة في الطواف والسعي لا بين الطواف والسعي كما يأتي، ولو مس الجدار بيده في موازاة الشاذروان صح طوافه اعتباراً بجملته كما لا يضر التفات المصلي بوجهه، وعلى قياسه لو مس أعلى جدار الحجر، وإن طاف في المسجد من وراء حائل من قبة وغيرها أجزأه الطواف لأنه في المسجد، قال في المنتهى وشرحه: وإن طاف على سطح المسجد توجه الإجزاء كصلاته إليها أو قصد في طوافه غريماً وقصد معه طوافاً بنية حقيقية أي مقارنة للطواف لا حكمية توجه الإجزاء في قياس قولهم ويتوجه احتمال كعاطس قصد بحمده قراءة قاله في الفروع انتهى. قال في الفروع: وفي الإجزاء عن فرض القراءة وجهان انتهى. قلت: المرجح عدم الإجزاء، إذا قصد حمد العطاس والقراءة والله أعلم، قال الشيخ منصور البهوتي: والنية الحكمية أن ينويه قبل ويستمر حكمها وهو معنى

ص: 294

استصحاب حكمها ذكره ابن قندس انتهى.

قال الشيخ عثمان بن قائد النجدي قوله بنية حقيقية لا حكمية، قال ابن قندس: النية الحقيقية أن ينوي الطواف حقيقة، والنية الحكمية أن يكون قد حصلت له نية ثم استمر حكمها ولم يقطعها، وهو معنى قولهم: ويجب استصحاب حكم النية وهو أن لا ينوي قطعها انتهى، قوله في الحكمية قد حصلت له نية، قيل معناه والله أعلم أن ينوي الطواف قبل الشروع فيه ثم يعرض له غريم في الطواف فيتبعه لملازمته له مستصحباً لحكم تلك النية أي غير قاطع لها فلا يجزئه الطواف في هذه الحالة وهذا بخلاف ما لو لم يعرض له غريم بل شرع في الطواف مستصحباً لحكم تلك النية فإنه يصح طوافه بشرط قرب الزمن بين النية والشروع.

وأما النية الحقيقية فهي ما قارنت الطواف الذي قصد معه ملازمة الغريم بأن ينوي عند الشروع فيه الطواف فإنه لا يضر مع ذلك قصد الغريم كما لو نوى الصوم وقصد معه هضم الطعام أو نوى الصلاة وإدمان السهر لكن ثوابه ينقص بذلك انتهى كلام الشيخ عثمان، وإن شك في عدد الأشواط أخذ باليقين ليخرج من العهدة بيقين، ويقبل قول عدلين في عدد الأشواط كعدد الركعات في الصلاة.

ويسن فعل سائر المناسك من السعي والوقوف والرمي وغيرها على طهارة، وإن قطع الطواف بفصل يسير بني من الحجر الأسود لعدم فوت الموالاة بذلك أو أقيمت صلاة مكتوبة صلى وبنى لحديث (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) والطواف صلاة فتدخل في العموم، أو حضرت جنازة صلى وبنى لأنها تفوت بالتشاغل عنها، ويكون البناء من الحجر الأسود ولو كان القطع من أثناء الشوط لأنه لا يعتد ببعض شوط قطع فيه، وحكم السعي في ذلك

ص: 295

كطواف ثم بعد تمام الطواف يصلي ركعتين والأفضل كونهما خلف مقام إبراهيم لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: (حتى أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعاً ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فجعل المقام بينه وبين البيت) ويأتي سياق حديث جابر في أول باب صفة الحج إن شاء الله تعالى، وقراءته صلى الله عليه وسلم الآية المذكورة بيان منه لتفسير القرآن ومراد الله منه، وحيث ركعهما من المسجد أو غيره جاز لعموم (جعلت لي الأرض مسجداً وتربتها طهوراً) وصلاهما عمر بذي طوى، ولا شيء عليه لترك صلاتهما خلف المقام، وهما سنة مؤكدة يقرأ فيهما بعد الفاتحة في الأولى:(قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية (قل هو الله أحد) لحديث جابر (فصلى ركعتين فقرأ فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد، ثم عاد إلى الركن فاستلمه ثم خرج إلى الصفا) .

رواه مسلم، ولا بأس أن يصليهما إلى غير سترة ويمر بين يديه الطائفون من الرجال والنساء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما والطواف بين يديه ليس بينهما شيء، وكان ابن الزبير يصلي والطواف بين يديه فتمر المرأة بين يديه فينتظرها حتى ترفع رجلها ثم يسجد، وكذا سائر الصلوات بمكة لا يعتبر لها سترة، قاله في المغني والشرح، وتكفي عن ركعتي الطواف مكتوبة وسنة راتبة كركعتي الإحرام وتحية المسجد، ويسن الإكثار من الطواف كل وقت؛ ونص الإمام أحمد أن الطواف لغريب أفضل من الصلاة بالمسجد الحرام، قال شيخ الإسلام: جنس القراءة أفضل من الطواف انتهى. وله جمع أٍسابيع من الطواف، فإذا فرغ منها ركع لكل أسبوع ركعتين لفعل عائشة والمسور بن مخرمة، وبه قال عطاء وطاوس وسعيد بن جبير وإسحق، وكرهه ابن عمر والحسن والزهري ومالك وأبو حنيفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله قال

ص: 296

في المغني والشرح وشرح الإقناع والمنتهى وغيرها من كتب الأصحاب: وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله لا يوجب كراهته لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف أسبوعين ولا ثلاثة وذلك غير مكروه بالاتفاق، ولا تعتبر الموالاة بين الطواف والركعتين، لأن عمر صلاهما بذي طوى وتقدم وأخرت أم سلمة الركعتين حين طافت راكبة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ والأولى أن يركع لكل أسبوع ركعتين عقبه، ولطائف تأخير سعيه عن طوافه بطواف أو غيره فلا تجب الموالاة بينهما، ولا بأس أن يطوف أول النهار ويسعى آخره أو بعد ذلك لكن تسن الموالاة بينهما.

(فائدة) قال في القرى للطبري: ما جاء في كراهة طواف المجذوم مع الناس، عن ابن أبي مليكة (أن عمر بن الخطاب رأى امرأة مجذومة تطوف بالبيت فقال لها يا أمة الله لا تؤذي الناس لو جلست في بيتك، ففعلت فمر بها رجل بعد ذلك فقال لها إن الذي نهاك قد مات فاخرجي، فقالت: ما كنت لأطيعه حياً وأعصيه ميتاً) . أخرجه مالك وسعيد بن منصور بتغيير بعض اللفظ انتهى.

(فرع) : إذا فرغ المتمع من العمرة والحج ثم علم أنه كان على غير طهارة في أحد طوافيه للعمرة والحج وجهل الطواف الذي كان فيه على غير طهارة، هل هو طواف العمرة أو طواف الحج؟ لزمه الأحوط لتبرأ ذمته بيقين، والأحوط كونه بلا طهارة في طواف العمرة، فلم تصح عمرته لفساد طوافها، ولم يحل منها بالحلق لفساد الطواف فكأنه حلق قبل طواف عمرته، فيلزمه دم للحلق لبقاء إحرامه، وكذا لو قلم أطفاره لزمه لذلك دم لأنه كرر محظوراً من أجناس، ويكون قد دخل الحج على العمر فيصير قارناً ويجزئه طواف الإفاضة عن الحج والعمر كالقارن في ابتداء إحرامه، قال الشيخ منصور: الذي يظهر لزوم إعادة

ص: 297

الطواف لاحتمال أن يكون المتروك فيه الطهارة هو طواف الحج فلا يبرأ بيقين إلا بإعادته انتهى. وقد ذكر مثل ذلك الشيخ مرعي في الغاية فقال ويتجه ندباً إعادة طواف حج وسعيه احتياطاً انتهى.

(تنبيه) : لا يرد على ما هنا ما سبق في باب الإحرام من أنه بعد الشروع في طواف العمرة لا يصح إدخال الحج عليها إلا لمن معه هدي، لأنا نقول إدخاله الحج على العمر هنا هو قبل الشروع في طوافها لعدم اعتبار طوافه، لأنا قدرنا وقوعه بغير طهرا، هذا ما ظهر لي والله أعلم، وإذا قدرنا أن الطواف بغير طهارة هو طواف الإفاضة لزمه إعادة الطواف لوقوعه غير صحيح ويلزمه إعادة السعي على التقديرين المذكورين أي تقدير كون الطواف وقع على غير طهارة في طواف العمر أو الإفاضة لأنه وجد بعد طواف غير معتد به، لأنا قدرنا كونه وقع بغير طهارة، وإن كان وطيء المتمتع بعد حله من عمرته وقد فرضنا طوافها بلا طهارة حكمنا بأنه أدخل حجاً على عمرة فاسدة لوطئه فيها فلم تصح، ولا يصح إدخال الحج عليه ويلغو ما فعله من أفعال الحج لعدم صحة الإحرام به، ويتحلل بالطواف الذي قصده للحج من عمرته الفاسدة. وعليه دمان: دم للحق، ودم للوطء في عمرته، ودم لكل محظور وقع منه ولا يحصل له حج ولا عمرة لفساد العمرة بالوطء فيها وعدم صحة إدخال الحج عليها إذاً، وحينئذ فلا يبرأ من الواجب ويلزمه قضاؤه.

وأما التطوع فقال الشيخ مرعي في غايته لا يقضيه للشك، والاحتياط القضاء انتهى، قال في الإقناع وشرحه: ولو قدرنا الطواف بلا طهارة من الحج أي وقد وطيء بعد حله من العمرة لم يلزمه أكثر من إعادة الطواف والسعي للحج، ويحصل له الحج والعمرة لحصول الوطء زمن الإحلال انتهى. وقد سبق في باب الإحرام البحث في حكم المتمتع الذي لم يسق

ص: 298