المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قد لا يكون ذلك حداً للحرم في نفس الأمر، أما - مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام - جـ ١

[عبد الله بن جاسر]

الفصل: قد لا يكون ذلك حداً للحرم في نفس الأمر، أما

قد لا يكون ذلك حداً للحرم في نفس الأمر، أما إذا أتى على محل ليس به أعلام فإنه ينظر إلى محاذاة أقرب الأعلام إليه وليس في الإمكان سوى ذلك مع عدم الجزم بأن هذا حد للحرم والله أعلم.

قال الشيخ محمد الخلوتي: حد حرم مكة من الجهات في هذه الأبيات:

وللحرم التحديد من أرض طيبة

ثلاثة أميال لمن رام إتقانه.

وسبعة أميال عراق وطائف

وجدة عشر ثم تسع جعرانة.

ومن يَمَن سبع بتقديم سينها

فسل ربك المحمود يرزقك غفرانه.

(فائدة) : أول من نصب الحدود للحرم أبونا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم قصيّ، وقيل إسماعيل ثم قصي ثم قريش بعد قلعهم لها، ثم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عام الفتح ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم معاوية ثم عبد الملك بن مروان وفي عام مائة وتسع وخمسين لما رجع المهدي من الحج أمر بتجديدها وكذلك جددها المقتدر بالله العباسي، وفي سنة ثلاث مائة وخمس وعشرين أمر الراضي بالله العباسي بعمارة العلمين من جهة التنعيم، وفي سنة ستمائة وستة عشر أمر المظفر صاحب أربل بعمارة العلمين من جهة عرفة، ثم الملك المظفر صاحب اليمن سنة ستمائة وثلاث وثمانين، وجددها السلطان أحمد الأول العثماني سنة ألف وثلاث وعشرين، وكل هؤلاء أظهروا وجددوا ما حدده أبونا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعد الدراسة، لا أنهم أحدثوا حدودا من عند أنفسهم.

--‌

‌ فصل:

ويحرم صيد المدينة لحديث عامر بن سعد عن أبيه مرفوعاً (إني أحرّم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها) . رواه مسلم، والمدينة من الدين

ص: 245

بمعنى الطاعة لأن المقام بها طاعة، أو بمعنى الملك لأنه دين أهلها أي ملكهم، يقال فلان في دين فلان: أي في ملكه وطاعته، قال الحافظ بن حجر العسقلاني: قرأت على أبي علي الصدفي في هامش نسخته من صحيح البخاري بخطه ما نصه: أمر المدينة في طيب ترابها وهوائها يجده من أقام بها ويجد لطيبها أقوى رائحة ويتضاعف طيبها فيها عن غيرها من البلاد، وكذلك العود وسائر أنواع الطيب، وللمدينة أسماء منها ما رواه عمر بن الخطاب شبة في أخبار المدينة من رواية زيد بن أسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (للمدينة عشرة أسماء هي المدينة وطابة وطيبة والمطيبة والمسكينة والدار والجابرة والمجبورة والمحببة والمحبوبة) وروى الزبير في أخبار المدينة من طريق ابن أبي يحيى مثله، وزاد: والقاصمة وتمامه فيه انتهى، والأولى أن لا تسمى بيثرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم غيَّره لما فيه من التثريب وهو التغيير والاستقصاء في اللوم، وما وقع في القرآن فهو حكاية لمقالة المنافقين، ويثرب في الأصل اسم لرجل من العمالقة بني المدينة فسميت به، وقيل يثرب اسم أرضها قاله الحجاوي في حاشية الإقناع، قال في الإقناع وشرحه: فلو صاد من حرم المدينة وذبح صيدها صحت تذكيته، قال القاضي: تحريم صيدها يدل على أنه لا تصح ذكاته وإن قلنا تصح فلعدم تأثير هذه الحرمة في زوال ملك الصيد نص عليه مع أنه ذكر في الصحة احتمالين انتهى. قال في شرح المنتهى: وإن صاده وذبحه صحت تذكيته جزم به في الإقناع انتهى. ويحرم قطع شجرها وحشيشها لحديث (إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ودعوت في صاعها ومدها بمثلى منا دعا إبراهيم لأهل مكة) .

متفق عليه، ولما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المدينة حرم من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها) ولمسلم ولا يختلى خلالها ولا يحدث فيها حدث من أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله

ص: 246

والملائكة والناس أجمعين) . متفق عليه. ويجوز أخذ ما تدعو لحاجة إليه من شجرها للرحل والقتب وعوارضه وآلة الحرث ونحو ذلك كآلة الدياس والجذاذ والحصاد. والعارضة لسقف المحمل والمساند من القائمتين اللتين تنصب البكرة عليهما والعارضة بين القائمتين ونحو ذلك كعود البكرة، لما روى جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرم المدينة قالوا يا رسول الله إنا أصحاب عمل وأصحاب نضج ولا نستطيع أرضاً غير أرضنا فرخص لنا، فقال: القائمتان والوسادة والعارضة والمسند فأما غير ذلك فلا يعضد ولا يخبط منها شيء) . رواه أحمد فاستثنى الشارع صلى الله عليه وسلم ذلك وجعله مباحاً، والمسند عود البكرة، ويجوز أخذ ما تدعو الحاجة إليه من حشيشها للعلف لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث علي (المدينة حرام ما بين عير إلى ثور لا يختلى خلالها ولا ينفر صيدها ولا يصلح أن تقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره) .

رواه أبو داود، ولأن المدينة يقرب منها شجر وزرع، فلو منعنا من احتشاشها أفضى إلى الضرر، بخلاف مكة، ومن أدخل إليها صيداً فله إمساكه وذبحه، نص عليه بخلاف مكة لقول أنس (كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يقال له أبو عمير، قال أحسبه فطيما، وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير ما فعل النغير بالغين المعجمة، وهو طائر صغير كان يلعب به، متفق عليه، قال المحب بن نصر الله البغدادي: حديث أبي عمير يدل على جواز الإمساك فأين دليل الذبح؟ وفي شرح المحرر لأن إمساكه يفضى إلى تلفه بغير فائدة فذبحه المفضي إلى جواز أكله أولى انتهى، قال في المنتهى وشرحه: ولا جزاء فيما حرم من ذلك أي من صيدها أو شجرها أو حشيشها، قال أحمد: لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحداً من أصحابه حكموا فيه بجزاء انتهى، ولا يلزم من الحرمة الضمان ولا من عدمه

ص: 247

عدمها، قال في المغني: ويحرم صيد المدينة وشجرها وحشيشها وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا يحرم لأنه لو كان محرماً لبينه صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً، ولو وجب فيه الجزاء كصيد الحرم. ولنا ما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المدينة حرم ما بين ثور إلى عير) .

متفق عليه، وروى تحريم المدينة أبو هريرة ورافع وعبد الله بن زيد متفق على أحاديثهم، ورواه مسلم عن سعد وجابر وأنس إلى إن قال: فمن فعل مما حرُم عليه شيئاً ففيه روايتان: إحداهما لأجزاء فيه، وهذا قول أكثر أهل العلم وهو قول مالك والشافعي في الجديد، والثانية يجب فيه الجزاء روى ذلك عن ابن أبي ذئب وهو قول الشافعي في القديم وابن المنذر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إني أحرم المدينة مثل ما حرم إبراهيم مكة) ونهى أن يعضد شجرها ويؤخذ طيرها، فوجب في هذا الحرم الجزاء كما وجب في ذلك إذ لم يظهر بينهما فرق، وجزاؤه إباحة سلب القاتل لمن أخذه، لما روى مسلم بإسناده عن عامر بن سعد أن سعداً ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبداً يقطع شجراً أو يخبطه فسلبه فلما رجع سعد جاء أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم، فقال: معاذ الله أن أرد شيئاً نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يرد عليهم، وعن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من وجد أحداً يصيد فيه فليسلبه) رواه أبو داود، فعلى هذا يباح لمن وجد آخذ الصيد أو قاتله أو قاطع الشجر سلبه، وهو أخذ ثيابه حتى سراويله، فإن كان على دابة لم يملك أخذها، لأن الدابة ليست من السلب، وإنما أخذها قاتل الكافر في الجهاد، لأنه يستعان بها على الحرب بخلاف مسألتنا، وإن لم يسلبه أحد فلا شيء عليه سوى الاستغفار والتوبة، انتهى ملخصاً. قلت: لفظ البخاري عن علي رضي الله عنه قال: ما عندنا

ص: 248

شيء إلا كتاب الله، وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم (المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا) وفي مسلم: إلى ثور. وعائر بالعين المهملة والألف مهموز آخر راء: جبل بالمدينة، قال القسطلاني: واتفقت الروايات التي في البخاري كلها على إبهام الثاني انتهى. وحرمها أيضاً ما بين لابتيها لقول أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بين لابتيها حرام) .

متفق عليه، واللابة الحرة وهي أرض تركبها حجارة، ولا تعارض بين الحديثين لما يأتي، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري رواية ما بين لابتيها أرجح لتوارد الرواة عليها، ورواية جبليها لا تنافيها فيكون عند كل جبل لابة، أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال، وجبليها من جهة المشرق والمغرب، وعاكسه ابن أبي الفتحح في المطلع. قلت: فيما قاله الحافظ بن حجر نظر ظاهر، فإنه ليس عند كل جبل لابة، ولا أن لابتيها من جهة الجنوب والشمال وجبليها من جهة المشرف والمغرب، بل الحقيقة أن حديث ما بين لابتيها يعني من جهة المشرق والمغرب، بل الحقيقة أن حديث ما بين لابتيها يعني من جهة المشرق والمغرب، فإن من جهة المشرق حرة ومن جهة المغرب أخرى، وحديث ما بين ثور إلى عير يعني من جهة الجنوب والشمال، فثور من جهة الشمال وعير من جهة الجنوب والله أعلم، وقدر حرم المدينة يريد في بريد نصاً، قال الإمام أحمد: ما بين لابتيها حرام بريد في بريد، كذا فسره مالك بن أنس. قلت: وقد أنكر جماعة من العلماء أن بالمدينة جبلاً يسمى ثوراً واعتقدوا أنه خطأ من بعض رواة الحديث لعدم معرفتهم له.

قال القسطلاني قال أبو عبيد: أهل المدينة لا يعرفون عندهم جبلاً يقال له ثور وإنما ثور بمكة، وقيل إن البخاري إنما أبهمه عمداً لما وقع عنده أنه وهم، لكن قال صاحب القاموس: ثور جبل بمكة وجبل بالمدينة، ومنه الحديث الصحيح (المدينةحرم ما بين عير إلى ثور) وأما قول أبي عبيد بن سلام وغيره

ص: 249

من أكابر الأعلام: إن هذا تصحيف والصواب إلى أحد لأن ثوراً إنما هو بمكة فغير جيد لما أخبرني الشجاع البعلي الشيخ الزاهد عن الحافظ أبي محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد جانحاً إلى ورائه جبلاً صغيراً يقال له ثور، وتكرر سؤالي عنه طوائف من العرب العارفين بتلك الأرض فكل أخبر أن اسمه ثور، ولما كتب إلى عفيف الدين المطري عن والده الحافظ الثقة قال إن خلف أحد عن شماله جبلاً صغيراً مدوراً يسمى ثوراً يعرفه أهل المدينة خلفاً عن سلف، ونحو ذلك قاله صاحب تحقيق النصرة انتهى كلام القسطلاني.

قال الشيخ أبو محمد المقدسي في المغني وتبعه صاحب الشرح الكبير: فأما قوله ما بين ثور إلى عير فقال أهل العلم بالمدينة لا نعرف بها ثوراً ولا عيراً وإنما هما جبلان بمكة فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد قدر ما بين ثور وعير، ويحتمل أنه أراد جبلين بالمدينة وسماهما ثوراً وعيراً تجوزاً انتهى كلام الموفق رحمه الله. قلت: ليس الأمر كما قاله الشيخ الموفق عفا الله عنه فإن ثوراً معروف عند أهل المدينة، وهل جبل صغير لونه يضرب إلى الحمرة بتدوير ليس بمستطيل خلف أحد من جهة الشمال، وعيرا جبل مشهور بالمدينة أيضا من جهة الجنوب قرب ذي الحليفة ميقات أهل المدينة، وهذا ليس فيه إشكال، قال في فتح الباري نقلاً عن شيخه أبي بكر بن حسين المراغي: إن خلف أهل المدينة ينقلون عن سلفهم أن خلف أحد من جهة الشمال جبلاً صغيراً يضرب لونه إلى الحمرة بتدوير يسمى ثوراً قال وقد تحققه بالمشاهدة. انتهى كلام ابن حجر. قلت قد سهل الله لي المجاورة بالمدينة سبع سنين ابتداؤها أول شهر المحرم سنة ألف وثلثمائة وست وخمسين وانتهاؤها في أثناء شهر محرم سنة ألف وثلثمائة وثلاث وستين فالحمد لله رب العالمين.

ص: 250

(فائدة) : قد جعل صلى الله عليه وسلم (حول المدينة اثني عشر ميلا حمى) رواه مسلم عن أبي هريرة، قال بعض العلماء وهو الموضع المسمى بالنقيع في ديار مزينة على نحو عشرين ميلا من المدينة. قال شيخ الإسلام رحمه الله وكذلك حرم مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهو ما بين لابتيها واللابة هي الحرة وهي الأرض التي فيها حجار سود وهو بريد في بريد، والبريد أربعة فراسخ وهو من عير إلى ثور، وعير هو جبل عند الميقات يشبه العير وهو الحمار، وثور هو جبل من ناحية أُحد، وهو غير جبل ثور الذي بمكة، فهذا الحرم أيضاً لا يصاد صيده ولا يقطع شجره إلا لحاجة كآلة الركوب والحرث ويؤخذ من حشيشه ما يحتاج إليه للعلف، وإذا أدخل إليه صيداً لم يكن عليه إرساله، وليس في الدنيا حرم لا بيت المقدس ولا غيره إلا هذان الحرمان حرم مكة والمدينة، ولا يسمى غيرهما حرماً كما يسمى الجهال فيقولون حرن المقدس وحرم الخليل فإن هذين وغيرهما ليس بحرم باتفاق المسلمين، والحرم المجمع عليه حرم مكة، وأما المدينة فلها حرم أيضا عند الجمهور كما استفاضت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينازع المسلمون في حرم ثالث إلا في وج وهو واد بالطائف وهو عند بعضهم حرم وعند الجمهور ليس بحرم انتهى ملخصاً. قال في المنتهى وشرحه: وحكم وج وهو واد بالطائف كغيره من الحل فيباح صيده وشجره وحشيشه بلا ضمان. والخبر فيه ضعفه أحمد وغيره، وقال ابن حبان والأزدي لم يصح حديثه انتهى.

قلت الخبر الذي أشار إليه هو حديث محمد بن عبد الله بن سنان عن أبيه عن عروة بن الزبير عن أبيه مرفوعاً (إن صيد وج وعضاهه حرم محرم لله) رواه أحمد وأبو داود وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيفاً فقد ضعفه أحمد، وقال أبو حاتم في محمد ليس بقوي في حديثه نظر، وقال البخاري لا يتابع عليه،

ص: 251