الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن الزهرى متعتان: إحداهما يقضى بها السلطان ويجبر عليها من طلَّق قبل أن يفرض لها ويدخل بها.
والثانية: حق على المتقين بعد ما فرض لها ودخل بها.
وخاصمت امرأة إلى شريح في المتعة، فقال لزوجها: متعها إن كنت من المتقين، ولم يجبره.
وعن سعيد بن جبير: المتعة حق مفْروض.
وعن الحسن: لكل مطلقة متعة إلَاّ المختلعة والملاعنة.
تخيير الرسول لنسائه:
اختلف فيما وقع من التخيير، هل كان تفويض الطلاق إليهن حتى يقع الطلاق بنفس الاختيار أو لا؟
فذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم - ومنهم ابن الهمام - إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق، وإنما كان تخييرًا لهن بين الإرادتين، على أنهن لمن أردن الدنيا فارقهن النبي صلى الله عليه وسلم كما ينبئُ عنه قوله - تعالى -:{فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} .
وذهب آخرون: إلى أنه كان تفويضًا إليهن بالطلاق، حتى أنهن لو اخترن أنفسهن كان ذلك طلاقًا.
ولقد ذكر الإِمام الرازى في الكلام على تفسير هذه الآية عدة مسائل:
الأُولى: أن التخيير منه صلى الله عليه وسلم كان واجبًا عليه بلا شك؛ لأَنه إِبلاغ للرسالة.
الثانية: أنه لو أردن كلهن أو إحداهن الدنيا، فالظاهر أنه يجب عليه التمتيع والتسريح، لأَن الخلف في الوعد منه عليه السلام غير جائز.
الثالثة: أن الظاهر أنه لا تحرم المختارة على غيره عليه السلام بعد البينونة، وإلّا لا يكون التخيير مُمَكِّنًا من التمتع بزينة الدنيا.
الرابعة: أن الظاهر أن من اختارت الله - تعالى - ورسوله يحرم على النبي طلاقها "نظرًا لمنصبه الشريف".
المفردات:
{بِفَاحِشَةٍ} : بكبيرة.
{مُبَيِّنَةٍ} : ظاهرة القبح.
{ضِعْفَيْنِ} أي: ضعفي عذاب غيرهن، أي: مثليه.
التفسير
30 -
المعنى: يا نِسَاءَ النبي من ترتكب منكن كبيرة من الكبائر، أَو تقترف ذنبًا من الذنوب القبيحة، كعصيان الله ورسوله، ومشاقته فيما ليس في طاقته، يضاعف لها العذاب ضعفين، أي: تعذب ضعفى عذاب غيرها، أي: مثليه.
وإنما ضوعف عذابهن لأن ما قبح من سائر النساءِ، كان صدوره منهن أقبح؛ لأَن زيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل والمرتبة وعلو المنزلة، وليس لأحد من النساءِ مثل فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم لذلك كان ذم العقلاءِ للعاصى العالم أشد منه للعاصى الجاهل.
ولما كانت مكانتهن رفيعة ناسب أَن يجعل عقاب الذنب لو وقع منهن مضاعفًا، صيانة لشرفهن الرفيع، وكان تضعيف العذاب عليهن يسيرًا هينًا لا يمنعه - جلَّ شأْنه - عنهن كونهن نساءَ النبي صلى الله عليه وسلم بل هو سبب له.
وروى عن زين العابدين رضي الله عنه أن رجلا قال له: إنكم أهل بيت مغفور لكم، فغضب وقال: نحن أَحرى أن يجرى فينا ما أجرى الله - تعالى - في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أن نكون كما تقول، إنا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر، ولمسيئنا ضعفين من العذاب، وقرأَ هذه الآية والتي تليها - والله أعلم.
المفردات:
{وَمَنْ يَقْنُتْ} : ومن يطع ويخضع:
{لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} : لفظ أحد أصله: وَحَد كما قال الزمخشرى، وهو بمعنى واحد، وُضِع في سياق النفى العام ليستوى فيه المذكر والمؤنث، والواحد والكثير، والمعنى هنا: لستن كجماعة من جماعات النساء في الفضل، فمقامكن أرفع من مقامهن.
{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} : فلا تَجئْن بالقول خاضِعًا لَيِّنًا.
{فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي: فجور.
{وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} أي: قوْلًا معروفًا بالجد.
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} : أَمر من قَرَّ يَقَرُّ على لغة أهل الحجاز من باب عَلِم يعلم، دخلت عليه واو العطف وأَصله: واقررْن فخفف بحذف الراء الأُولى، وحذف ألف الوصل بعد تحريك القاف، وهو من القرار في المكان بمعنى الثبوت فيه، كما قاله أَبو حيان في البحر.
وفتحُ القافِ في (قَرْنَ) قراءَة حفصٍ، وقرأَ الجمهور بكسرها (وقِرْنَ) وهو من الوقار، وفعله وَقِر يقِرُ، والأَمر منه للنسوة (قِرْنَ) بكسر القاف، والواو قبله للعطف، وأما واوه فقد حذفت كقولك (عِدْ) في وَعد.
{وَلَا تَبَرَّجْنَ} : ولا تبدين من محاسنكن ما يجب ستره.
{لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} : يبعد عنكم الذنب.
{مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} أَي: من القرآن الجامع لكونه آيات الله، وكونه حكمة أو من القرآن والسنة.
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} اللطف من الله: الرفق والتوفيق والعصمة. والخبير: الدقيق العلم.
التفسير
31 -
هذه الآية والتي قبلها، واللاتي بعدها آدابٌ أمر الله بها نساءَ النبي صلى الله عليه وسلم ونساء الأُمة تبعا لهن.
والمعنى: ومن يخضع منكن لله ورسوله، فلا يطالبنه صلى الله عليه وسلم بما ليس في طوقه، ولا يبالين بزينة الحياة الدنيا، وتستمر على عمل الصالحات، من رعاية البيت، ومراعاة شأْن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة والصيام وسائر خصال البشر - من يخضع منكن كذلك - نعطها أَجرها مرتين، مرة على قنوتها وخضوعها، وأُخرى على عمل الصالحات، وأَعددنا لها رزقًا عظيمًا في الجنة زيادة على أَجرها.
وهذه المضاعفة للأَجر، في مقابل المضاعفة للعذاب، إن أَتين بمعصية؛ أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال في حاصل معنى هذه الآية والتي قبلها: من عصى منكن فإن العذاب يكون عليها ضعف سائر نساءِ المؤمنين، ومن عمل صالحًا منكن فإن أجرها يكون ضعف سائِر نساء المسلمين.
وهذا يستدعى أنه إذا أُثيب سائر نساءِ المسلمين على الحسنة بعشر أمثالها أثبن على الحسنة بعشرين مثلًا لها، وإن زيد للنساء على العشر شىءٌ زيد لهن ضعفه.
قال الآلوسي: وكأَنه - والله تعالى أعلم - إنما قيل: {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} دون (يضاعف لها الأجر ضعفين) كما قيل في المقابل: يضاعف لها العذاب ضعفين؛ لأن أصل تضعيف
الأجر ليس من خواصهن، بل كل من عمل صالحًا من النساءِ والرجال من هذه الأُمة يضاعف أجره، فأخرج الكلام مغايرًا لما تقتضيه المقابلة رمزًا إلى أن تضعيف الأجر على طرز مُغَاير لتضعيف العذاب.
32 -
ذهب جمع من المفسرين إلى أن (أحد) وصف لمذكر محذوف، وأن المعنى ليست كل واحدة منكن كشخص واحدة من النساءِ في عصركن، فكل واحدة منكن أفضل من كل واحدة منهن، لما امتازت به من شرف الزوجية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأُمومة المؤمنين، وذهب الزمخشرى إلى أن (أحد) إذا وضع في سياق النفى استوى فيه المذكر والمؤنث والواحد والجماعة، وقد استعمل (أحد) بمعنى المتعدد في قوله تعالى:{لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} لأَن لفظ (بين) لا يدخل إلا على متعدد.
قيل: وهذا التوجيه أولى من سابقه، على القول بفضل آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران على نساء العالمين جميعًا، فإنه لا يمنع من تفضيل جماعة زوجات الرسول على كل جماعة سواهن، بخلاف الأَول فإنه يتعارض مع تفضيل كِلْتَيْهمَا على كل واحدة بن نساء العالمين، وفي جملتهن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومعنى الآية مجتمعة: يا نساءَ النبي: ليست جماعتكن مثل سائر جماعات النساء إن اتقيتن مخالفة حكم الله ورضا رسوله، فلا يكن قولكن لينا كما كانت حال نساءِ العرب حين مكالمة الرجال بترخيم الصوت، ولينه، بل يكون قولكن جزلا، وكلامكن فصلا، حتى لا يطمع من في قلبه مرض الفجور والفسوق وقلن قولًا معروفًا بالصواب في عرف الشريعة وكرام النفوس.
وبالجملة: فالمرأَة تندب - إذا خاطبت الأَجانب والمحرمين عليها بالمصاهرة وغيرها - إلى الجِدِّ في القول من غير رفع صوت، فإن المرأة مأْمورة بخفض الكلام (1) والجد فيه.
(1) انظر الآلوسي، والقرطبي.
33 -
أمر الله - تعالى - نساءَ نبيه أَن يقررن ويلزمن بيوتهن ونهاهن عن التبرج، وهو كما قال مجاهد وقتادة وابن أبي نجيح: أَن تلقى المرأَة خمارها على رأَسها، وَلا تشده فيوارى قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها، وقال أبو عبيدة: التبرج أَن تبدى المرأة من محاسنها ما تستدعى به شهوة الرجال، وأَصله كما قال أبو حيان: من البَرَج وهو سعة العين وحسنها، ويقال: طعنة بَرْجاءُ، أي: واسعة.
ولهذا قال الليث في معناه: تبرجت المرأَة إذا أبدت محاسنها من وجهها وجسدها، ويُرَى مع ذلك من عينها حُسْنُ نظر.
واختلف العلماءُ في تأْويل الجاهلية الأُولى، ومن أحسن ما قيل في ذلك: إنها الجاهلية التي كانت قبل الإِسلام، وهي جاهلية كفر، وأَما الجاهلية الأُخرى فهي جاهلية الفسق في الإِسلام، ويعضده قوله صلى الله عليه وسلم لأَبي الدرداء رضي الله عنه:"إن فيك جاهلية". قال: جاهلية كفر أَو إسلام؟ قال: "بل جاهلية كفر"، ويرى ابن عطية أَنها ما قبل الإِسلام، وأَن الأُولى بمعنى السابقة وليس المعنى أن ثَمَّ جاهلية أُخرى، وقد أوقع اسم الجاهلية على المدة التي قبل الإِسلام، فقالوا في شعرائِها: شاعر جاهلي، وبالجملة فالمقصود من الآية أن لا يشبهن نساءَ ما قبل الإِسلام في مشيتهن المنكرة، وكلامهن اللين، وإظهار المحاسن للرجال، إلى غير ذلك مما لا يجوز شرعًا.
وهذا الحكم لا تختص به نساءُ النبي صلى الله عليه وسلم فكل نساءِ المؤمنين مأْمورات بالتصون والاحتشام، والشريعة مليئة بلزوم النساء البيوت، والكف عن الخروج إلَاّ لضرورة وإنما خص نساءَ النبي صلى الله عليه وسلم بالخطاب تشريفًا لهن، لأَنهن قدوة لسواهن.
قال ابن العربي: لقد دخلتُ نَيِّفًا على أَلف قرية، فما رأيت نساءً أصون عيالًا، ولا أَعف نساءً من نساءٍ نابلس، التي رُمى بها الخليل صلى الله عليه وسلم بالنار، فإني أقمت فيها، فما رأيت امرأة في طريق نهارًا إلَاّ يوم الجمعة، فإنهن يخرجن إليها حتى
يمتليء المسجد منهن، فإذا قضيت الصلاة ورجعن إلى منازلهن، لم تقع عينى على واحدة منهن إلى الجمعة الأخرى، وقد رأيت بالمسجد الأقصى عفائف ما خرجن من معتكَفِهن حتى استشهدن فيه. اهـ فليعتبر نساءُ عصرنا بهذا السلف الصالح.
والمعنى الإجمالي للآية: "والْزَمْن بيوتكن يا نساءَ النبي، ولا تظهرن محاسنكن للأجانب كما كان يفعل نساءَ الجماهلية قبل الإِسلام، وأدين الصلاة بأَركانها وشروطها، وأعطين الزكاة لأَصحابها، وأطعن الله ورسوله فيما يأمركن به وينهاكن عنه، ما يريد الله بما كلفكُنَّ به إلا أن يذهب عنكم الذنب المدنس لعرضكم يا أهل بيت النبي، ويطهركم منه تطهيرًا يليق بمكانة رسوله.
والمراد بأهل البيت نساؤه صلى الله عليه وسلم كما يدل عليه النسق، وقيل: نساؤه وأهله الذين هم أهل بيته، وفيما يلي بيان آراء العلماءِ في ذلك وأدلتهم.
34 -
يدل صدر هذه الآية كل أن المراد بأَهل البيت نساؤه، وقد اختلف أهل العلم في ذلك فقال ابن عباس وعكرمة وعطاء: هن زوجاته بخاصة لا رجل معهن، والمراد بالبيت على هذا مساكن النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} وقال آخرون - ومنهم الكلبي -: هم علي وفاطمة والحسن والحسين، واحتجوا بقوله تعالى:{لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} ولو كان للنساء بخاصة لقال: (عنكن ويطهركن) بالنون، وقد يجاب عن ذلك بأَنه روعي لفظ الأَهل وإن كان المراد النساء، كما يقال للرجل: كيف حال أهلك؟ - والمراد امرأتك أو نساؤك - فيجيب: هم بخير، وفي مثل هذا يقول الله تعالى:{أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} قال القرطبي: والذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم، وإنما قال:{وَيُطَهِّرَكُمْ} - بضمير جماعة المذكور - لأَن رسول الله وعليًّا وحسنًا والحسين كانوا فيهم، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر، فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت؛ لأَن الآية فيهن، والمخاطبة لهن، يدل عليه سياق الكلام - والله أعلم.
وقد ذهبت الشيعة إلى تخصيص أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما رضي الله عنهم لما روى: (أنه صلى الله عليه وسلم خرج ذات غدوة وعليه مِرْطٌ مِرَجَّل (1) من شعر أسود فجلس، فأَتت فاطمة رضي الله عنها فأَدخلها فيه، ثم جاءَ عليٌّ فأدخله فيه، ثم جاءَ الحسن والحسين رضي الله عنهما فأَدخلهما فيه، ثم قال:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} والاحتجاج بذلك على عصمتهم، وكون إجماعهم حجة ضعيف.
والتخصيص بهم لا يناسب ما قبل الآية وما بعدها، والحديث يقتضي أنهم من أهل البيت، لا أَنه ليس غيرهم.
والمقصود من ذكرهن آيات الله والحكمة، أن يبلغن ما يسمعن من آيات القرآن العظيم الجامعة بين كونها آيات الله وكونها حكمة، وقيل: المراد بالحكمة السنة.
ويجوز أن يكون المراد تذكيرهن ما أَنعم الله به عليهن، من حيث إنه - تعالى - جعلهن أهل بيت النبوة ومهبط الوحي، وما شاهدن من برحاء الوحي، ممَّا يوجب قوة الإيمان، والحرص على الطاعة، حثًّا على الائتمار والعمل بما كلفن به، وهذا المعنى أليق بسياق الآية مع ما قبلها.
والمعنى الإجمالي للآية: وتذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله القرآنية، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك نعم جليلة من الله عليكن، تقتضى الائتمار بما أُمِرْتُنَّ به، والانتهاء عما نهيتنَّ عنه، إن الله كان لطيفًا عظيم الرفق، خبيرًا يعلم ويدبر ما يصلح في الدين، ولذلك خيركن ووعظكن، أو يعلم من يصلح لنبوته، ويعلم من يصلح أن يكون من أَهل بيت نبيه.
وجوز بعضهم أن يكون التعبير بلطيف نظرا للآيات لدقة إعجازها، وبخبير نظرًا للحكمة لمناسبتها الخبرة - انظر الآلوسي.
(1) المرط - بكسر الميم وسكون الراء -: كساء من صوف أو خز منتوف الشعر: قاموس.
المفردات:
{وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} : والمداومين على الطاعة والمداومات.
{وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ} : والمتواضعين لله بقلوبهم وجوارحهم والمتواضعات.
التفسير
35 -
{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ
…
الآية}:
بدأَ الله بذكر الإِسلام الذي هو مفتاح العصمة، وأساس عمل الجوارح، وثنى بذكر الإيمان الذي ينتفى به النفاق، وتدور عليه النجاة يوم الدين أمَّا ما بعده ذلك فمرتب عليهما. وسبب نزولها ما أخرجه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما عن أُم سلمة رضي الله عنها قالت: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال، فلم يَرُعْنى ذات يوم إلا نداؤه على المنبر وهو يقول:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ .... إلى آخر الآية} .
وأَخرج ابن جرير عن قتادة قال: (دخل نساءٌ على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقلن: قد ذكركن الله - تعالى - في القرآن وما ذُكرنا بشيء، أمَا فينا ما يذكر، فأَنزل الله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ
…
}، وهناك روايات أُخرى غير ما ذكر، ولا مانع أن تجتمع كلها في سببية النزول.
ومعنى الآية: إن الداخلين في السلم الخاضعين لحكم الله والخاضعات والمصدقين ما يجب التصديق به والمصدقات، والمطيعين الله تعالى والمطيعات، والصادقين في القول والعمل والصادقات، والصابرين على الطاعات وعن المعاصي والصابرات، والمتواضعين لله بقلوبهم وجوارحهم والمتواضعات والمتصدقين بما يحسن التصدق به والمتصدقات والصائمين الصوم المفروض والصائمات، أعد الله لمن اجتمعت فيهم هذه الصفات مغفرة لصغائر ذنوبهم، وأجرًا عظيمًا على طاعتهم.
المفردات:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ} : وما صح ولا استقام.
{إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} أَي: إذا قضى رسول الله، وذكر لفظ الجلالة لتعظيم أمره صلى الله عليه وسلم بالإشعار بأَن قضاءَه من قضاءِ الله تعالى.
{الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} : الخيرة: مصدر من تخير، كالطِّيَرَة: مصدر من تطيَّر، ولم يجىء مصدرًا في هذا الوزن سواهما - على ما قيل - أي: وما كان لهم أَن يختاروا من أَمرهم ما شاءُوا، وجمع الضمير في (لهم) لرعاية المعنى، لوقوع مؤمن ومؤمنة في ساق النفى فتعمّ.
التفسير
36 -
نزلت هذه الآية في زينب بنت جحش بنت عمة الرسول أُميمة بنت عبد المطلب: وأخيها عبد الله، روى من ابن عباس وقتادة ومجاهد وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها لمولاه زيد بن حارثة، وقال: إني أُريد أَن أُزوجك زيد بن حارثة فإني قد رضيته لك، فأَبت وقالت: يا رسول الله لكن لا أرضاه لنفسى، وأَنا أَيِّمُ قومي (1) وبنت عمتك، فلم أكن لأَفعل، وفي رواية أنها قالت: أنا خير منه حسبًا، ووافقها أخوها عبد الله على ذلك، فلما نزلت هذه الآية رضيا وسلما، فأَنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدًا بعد أَن جعلت أمرها بيده، وساق لها عشرة دنانير وستين درهمًا مهرًا، وخمارًا وملحفة ودرعًا وإزارًا وخمسين مُدًّا من طعام، وثلاثين صاعًا من تمر، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد. أَنه قال: نزلت في أُم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت أَول امرأَة هاجرت من النساءِ، فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فزوجها زيد بن حارثة، فكرهت ذلك هي وأَخوها، وقالا: إنما أَردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية بسبب ذلك، فأَجابا إلى تزويج زيد (2) - ولعل ذلك - كان بعد طلاقه لزينب.
ومعنى الآية: وما صح ولا استقام لرجل ولا لامرأَة من المؤمنين إذا قضى رسول الله أمرًا أن يختاروا من أَمرهم ما شاءُوا، بل يجب عليهم أَن يجعلوا رأيهم تبعًا لرأْيه واختيارهم تبعًا لاختياره، فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلَاّ وحى يوحى، ومن يعص الله ورسوله برفض أمر قضاه رسوله صلى الله عليه وسلم فقد بعد عن طريق الحق بعدًا بينًا واضحًا.
(1) الأيم من النساء: من لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبًا. وكذا الأيم من الرجال.
(2)
انظر الآلوسي، والقرطبي.
المفردات:
{لِلَّذِي أَنْعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} : وهو زيد بن حارثة، أنعم الله عليه بالإِسلام، وأنعم الرسول عليه بالعتق. وتَبنَّاه فكان يدعى زيد بن محمَّد.
{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} : لا تطلق زينب.
{وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} : وتخفى في نفسك أمر تزوجها الذي شرعه الله لك، حذرًا من قالة الناس.
{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} : حاجة - كناية عن أنه طلقها.
{حَرَجٌ} : ضيقٌ.
{فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} : في أزواج من دعوهم أبناءَهم وهم غرباءُ.
{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} : وكان حكمه وقضاؤه نافذًا.
{فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} : في الرسل السابقين.
{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} : وكان حكم الله قضاءً مقضيًّا وحكمًا مفعولًا.
{حَسِيبًا} : كافيًا للمخاوف، أو محاسبًا.
التفسير
37 -
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ
…
الآية}:
المراد بالذى أنعم الله عليه، وأنعم الرسول عليه: زيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبي، وهو غلام عربي اشترته السيدة خديجة، ووهبته للنبي صلى الله عليه وسلم فأَعجبه ظرفه وأدبه فأعتقه وتبناه، وأحسن تربيته ورعايته (1).
وكان التبنى أمرًا سائدًا قبل الإِسلام، وكان من تبنى أحدًا كانت له حقوق الابن النسبي من الميراث وغيره، وبحكم هذا التبنى خطب له الرسول صلى الله عليه وسلم بنت عمته زينب بنت جحش، وزوجه إياها كما تقدم بيانه، روى أبو عصمة نوح ابن أَبي مريم مرفوعًا إلى زينب أنها قالت:(أمْسَى زيد فأَوى إلى فراشه - قالت زينب -: ولم يستطعني زيد، وما أَمتنع منه غير ما منعه الله مني فلا يقدر على).
وكانت تؤذى زيدًا بلسانها، وتفخر عليه بحسبها ونسبها، فجاءَ زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن زينب تؤذينى بلسانها، وتفعل وتفعل، وإنى أُريد أن أُطلقها، فقال له: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ
…
الآية} فطلقها زيد فنزلت: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ
…
الآية}.
وروى عن علي زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهما، ورب الدَّار أدرى بما فيها - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله - تعالى - إليه أن زيدا يطلق زينب، وأَنه
(1) قال ابن كثير: وكان سيدا كبير الشأن جليل القدر حبيبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: الحب ويقال لابنه أسامة: الحب ابن الحب، قالت عائشة رضي الله عنها ما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية إلا أمره عليهم، ولو عاش بعده لاستخلفه - أخرجه الإمام أحمد بسنده عنها - اهـ.
يتزوجها بتزويج الله إيَّاها له، فلما اشتكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خُلُقَ زينب وأنها لا تطيعه، وأعلمه أنه يريد طلاقها، قال له النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية: اتق الله في قولك، وأمسك عليك زوجك، وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوجها، وهذا هو الذي أخفى في نفسه، ولم يرد أن يأْمره بالطلاق، لما علم أنه سيتزوجها، وخشى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أَن يتزوج زينب بعد زيد، وهو مولاه وقد أمره بطلاقها، فعاتبه الله على هذا القدر من أنه خشى الناس في شيءٍ قد أَباحه الله له، بأَن قال:"أمْسِكْ" مع علمه أنه يطلق، وأعلمه أن الله أحق بالخشية في كل حال. قال القرطبي: قال علماؤنا: وهذا القول أَحسن ما قيل في تأْويل هذه الآية، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين: كالزهرى والقاضى بكر ابن العلاء القشيرى، والقاضى أبو بكر بن العربى وغيرهم. اهـ.
هذا وللقصَّاص كلام فيما كان يخفيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أَمر زينب يدور حول حبه لها، وحدوث رغبته في طلاقها ليتزوجها، وهذا الكلام من وضع الزنادقة ولا يليق إلصاقه بالنبي صلى الله عليه وسلم ولو كان يريد أن يتزوجها أو كان يحبها لكان قد خطبها بكرًا، وكان ذلك أولى به صلى الله عليه وسلم من أن يتزوجها ثَيِّبًا بعد طلاق عتيقه ومتبناه لها، ولكنها مشيئة الله لكي يقطع دابر عادة التبنى التي كانت فاشية في العرب، وكانت زوجة المتبنى حرامًا على أبيه بالتبنى كالنسيب سواءٌ، بسواءٍ وفي النص القرآنى ما يقطع بكذب هؤلاء الوضاعين، فإن الآية دلت على أن النبي صلى الله عليه وسلم أخفى في نفسه ما الله مبديه ومظهره، والله لم يظهر حبه لها، بل أَظهر تزويجه إيَّاها بقوله:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} فهذا التزويج الذي أوحاه الله إليه تَحَرَّج منه النبي صلى الله عليه وسلم فأَخفاه في نفسه، وهو الذي أظهره الله في كتابه، كما أظهره بين الناس، قال الخفاجي: واضح أن الله - تعالى - لما أراد نسخ تحريم زوجة المتبنى أَوحى إليه عليه الصلاة والسلام أن يتزوج زينب إذا طلقها زيد، فلم يبادر له صلى الله عليه وسلم مخافة طعن الأَعداءِ فعوتب عليه. اهـ - وهذا هو الحق الذي لا ينكره إلَاّ حقود جهول، وكذاب حقير.